>
لقد رحل!!!!
ادريان موريس.. الرجل العظيم المهيب..
رحل!!.
تاركاً امبراطوريته العظيمة.. عائلته الكبيرة المتفرعة.. امواله الطائلة..
تاركاً كل شيء خلفه..
ادريان موريس... رحل!!..
رحت اردد تلك الكلمات لمرات ومرات في داخلي.. اقنع نفسي بها قبل ان اقتنع عقلياً..
رحل جدي.. وانا الذي كنت اظن بانه سيعمر في هذه الحياة لسنوات طوال بعد..
لكنه خذلني.. ورحل..
زفرة عميقة غادرت فمي رغماً عني.. محملة بالهموم والاسى.. افكار وافكار راحت تتقلب وتتبعثر داخل راسي المتالم وانا اعيد كلماته الاخيرة وتوصياته.. لقاءاتنا المتكررة واحاديثنا السرية.. كل ما تطرقنا اليه وتناقشنا به..
كل شيء.. بات لزام علي فعله الان....
تافف جديد غادر شفتي المطبقتين.. اغلق باب الخزانة الخشبية وانا احمل سترتي السوداء بيدي اتقدم لارميها باهمال على سريري.. القي نظرة مطولة حولي في الغرفة الساكنة..
غرفتي مذ كان عمري سنة.. مذ غادرت حضن والدتي لاستقل بغرفة تخصني..
انها لم تعد لذلك الطفل الصغير الذي اعتاد الركض والعبث هنا وهناك.. لقد تغيرت وتبدلت لتغدو لرجل عاقل مهمته الحفاظ على ثروة عائلة موريس واعمالها..
ارتدت لاراقب نفسي في المراة المقابلة لي.. اقيم شكلي بعين خبير.. احكم على تفاصيلي وملامحي التي باتت مختلفة منذ توفي جدي..
لقد هيئني لهذه اللحظة.. اجل لقد فعل.. لكن رغم ذلك.. ظل امر رحيله صدمة طعنتني في ال**يم.. شيء علي الاعتياد عليه مع مرور الوقت.. هذا اذا فعلت.....
عيني ضاقتا.. نظراتي احتدت.. وذلك الوجه يعود ليقبع امام ناظري كلعنة لا فرار منها.. ضممت فكي بقسوةِ لائم.. اود ان الجم نفسي وانهرها.. ان اجبرها على النسيان.. لكن كيف افعل وهي اقرب المقربين الي..
ينال موريس... ابنة عمي... تلك الصغيرة المدللة التي اعتادت اللهو حولي.. اعتادت التبسم في وجهي لتحصل على ماتريد..
الطفلة التي شبت فجاة وتغيرت.. بملامحها وشخصيتها وتصرفاتها.. مذ كانت بالتاسعة من عمرها شعرت بذلك.. احسست باختلاف نظرة عينيها وحركاتها.. شيء فيها بدا وكانه مات.. قتل ربما.. لكنني لم اعرف السبب يوماً..
بتنهيدة عميقة تركت انعا** صورة وجهها الطفولي على ملامحي في المراة.. وتقدمت نحو النافذة.. ارفع جانب الستارة جانباً واشق زجاج النافذة لتعبر بضعة نسمات من الهواء الى الداخل..
الجو لايزال بارد.. وقد امطرت ليومين متتاليين بشكل متقطع.. رائحة التراب المبلل بالماء اجتاحت رئتي مثيرة سيل اخر من الذكريات داخلي.. ذكريات كانت اغلبها تحوي تلك الشابة.. الواقفة في الاسفل عند حدود الشرفة تحادث نسيبي الاخر وتبتسم في وجهه بشحوب..
ضيقت مابين حاجبي وانا اراقبها من الاعلى.. تصعد عيناي على طول جسدها الهش المغطى بثوب اسود اخر.. علي ان اخبرها لاحقاً بان اللون الاسود لايليق بها.. لربما تنزعه وتعود لتلك الالوان الربيعيه التي اعتادت ارتداءها قبلاً.. خصل شعرها التي تبدل لونها وتعدد بمرور السنوات من الاشقر الى البني الغامق يتطاير حول كتفيها ووجنتيها بفعل نسمات الهواء ال**بثة.. واهباً اياها لمحة جديدة من تلك الطفلة التي عرفتها قبلاً..
سبع سنوات!!!.
غابت لسبع سنوات دون ان اراها يوماً.. غادرت منزل عائلتها هنا بموافقة من جدي ورحلت.. كانت شابة لم تتجاوز الثامنة عشر بعد.. تتحجج بالدراسة في الجامعة لتبتعد.. لكني عرفت يقيناً بان خطب ما يجتاحها.. سر راحت تخفيه فيتآكل داخلها وياكلها بمرور الايام..
زفرة عميقة متعبة غادرت ص*ري وانا اتذكر تلك الايام.. افكر بما شعرت به لحظة رؤيتها من جديد في غرفة الضيوف قبل يومين.. بعد مرور كل تلك السنوات.. كل ما فيها تغير.. لقد نضجت وكبرت.. نظراتها.. كلماتها.. حتى طريقة وقوفها.. كل ذلك تغير.. للاسوء.. للافضل؟!!. لا ادري.. حقاً انا لا ادري......
حملت سترة بدلتي الرسمية بيدي وانا اغادر غرفتي.. اتجه نحو السلالم ماراً بباب غرفة ينال الذي لم يعد مغلقاً الان.. لقد عادت لتعيش وتنام فيها.. وهذا اسعدني.. لا ادري لما كان يصر جدي على بقاءها بعيدة حتى بعد انتهاء فترة دراستها.. وانا اعرف كم يحبها ويريدها قريبة منه!!!.. غريب كان امره!!.
من نهاية السلالم انعطفت نحو غرفة مكتب جدي فلدي الكثير من العمل المتوقف لانهيه.. التحقت بي ماتي.. احدى العاملات فطلبت منها احضار كوب قهوة.. اعرف بان بقية العائلة تتناول افطارها في غرفة الطعام لكني اريد العمل واستثيغ الهدوء في هذه الايام..
اتخذت الكرسي خلف المكتب واسترخيت للخلف مغلقاً جفني.. علي ان اتحدث مع مساعد جدي لنتفق على باقي بنود العقود المتوقفة..
" سيد موريس.. "
صوت ماتي قاطع افكاري.. تدخل محضرة قهوتي قائلة
" السيد روب في الخارج يطلب رؤيتك.. يقول بانك... "
" صحيح.. ادخليه سريعاً ولا اريد لاحد ان يقاطعنا "
" حاضر سيدي.. كما تريد "
وفعلت.. طلبت من مساعدي الخاص ان يدخل ففعل.. اتامله وهو يخطو داخل المكتب مبتسماً بتحفظ.. يهز براسه وهو يحييني فاشرت له ان يجلس مقابلاً لي
" كيف حالك سيدي؟ "
" بخير.. وانت؟ "
" بخير.. هل هنالك خطب ما ؟ "
انه يستغرب ان اطلبه بامر عاجل بعد دفن جدي بيوم واحد فقط.. لكني لم اعد قادر على الانتظار.. اريد ان اعرف وافهم...
" لا.. لاخطب روب.. لكنني احتاجك في امر سري.. ايمكنك ان تنفذ؟ "
" مؤكد.. اخبرني بما تريده "
تقدمت للامام اسند كوعي الى المكتب والعبوس يغطي ملامحي الجادة لاقول
" اريدك ان تحضر لي كافة المعلومات المتعلقة بابنة عمي ينال "
" ينال موريس؟!! "
" اها.. وباسرع وقت ممكن "
" اي نوع من المعلومات؟ "
تن*دت ويدي تفرك جبيني وزاوية راسي مجيباً
" كل شيء.. اريد ان اعرف كل شيء.. اين تقطن.. ماذا درست.. ماذا تعمل؟. من جيرانها.. كيف تعيش وماذا تاكل وتشرب.. كل شيء.. كل تفصيل متعلق بها وما فعلته خلال السنوات الماضية.. افهمت؟ "
**ت روب للحظات ثم بدا بهز راسه.. يبدو محتاراً وتفهمت ذلك فانا يوماً لم اطلب منه هكذا عمل..
" مابك؟ لما الحيرة ؟ "
" اعذرني سيدي.. ولكن.. لما الان؟.. انت لم تطلب معرفة اي شيء عنها سابقاً!! "
" لانه كان امراً ممنوعاً.. لم اقدر "
" ممنوعاً؟!! "
" انجز ما طلبته منك روب.. ولا تسال.. " وتابعت بجدية اكبر " اريد المعلومات باسرع وقت ممكن.. كل شيء لا تنسى "
" امممم.. حاضر سيدي.. اي طلب اخر؟ "
" لا.. شكراً لك.. يمكنك الانصراف "
" حسناً.. بالاذن " ووقف يترك مكانها فتذكرت شيء اخر
" اه صحيح روب.. هذا الموضوع سري جداً.. واضح؟. لا اريد لاحد ان يعرف او يشك بانك تجري تحقيق عن ابنة عمي.. ولا اي احد "
" حاضر سيدي.. كما تريد "
واومئ براسه ثم القى التحية وخرج.. يغلق الباب خلفه ويتركني بمفردي..
اصابعي تجولت برويد على حافة فنجان القهوة خاصتي.. ادقق به بشرود وذلك السؤال يعود ليطرق مسامعي..
لما الان؟!!!!!...
اجل لقد كان امراً ممنوع.. ان تسال.. ان تبحث.. ان تريد..
في قاموس جدي اي امر يتعلق بينال كان ممنوع.. هو فقط من كان يعرف ولا احد سواه.. ولانني اطلقت له وعد الا اتحرى او اسال واعرف حافظت على وعدي وتنحيت جانباً.. لكنه ميت الان... وانا حر من وعدي له..
ساعة ونصف اخرى قضيتها في مكتبي قبل ان انهي مالدي من عمل صباحي.. مساعد جدي القى التحية وغادر مودعاً اياي عند باب المكتب فاطلقت نفس مرتاح الاحظ بان ال**ت يعم المكان.. سيظل الوضع متوتر قليلا الى حين قراءة الوصية بعد عدة ايام.. ثم سيهدا الجو بين الجميع ويرتاح كل فرد منا..
بقميصي الاسود وبنطالي غادرت باب غرفة الجلوس الشمالية نحو الشرفة.. حيث كانت تقف ينال صباحاً.. ادرك بانها ليست هنا فقد مر وقت طويل لكنني لم اعرف لما قادتني قدماي الى المكان عينه..
وقفت عند الحافة اسند ذراعي اليها فاتامل المشهد المهيب للغابة.. هذا المكان الذي عشت وترعرت به حتى غدوت جزء لا يتجزء منه.. وكانني احدى هذه الاشجار المزروعة هنا...
اني احب هذا المنزل.. احبه كثيراً واحب ما يحمله من ذكريات وماض.. واود ان اعيش به طوال حياتي.. لكنني خائف من وصية جدي.. اتمنى داخلياً لمرات الا يهبه لاحد معين...
" وكاننا مازلنا جاك وينال الصغيرين.. ها؟ "
اوقف صوتها تسلسل افكاري فادرت راسي لاحدق بها وهي تقترب لتقف بجواري.. تبادر للمرة الاولى بالاقتراب مني بعد ان لاحظت تهربها لسبب اجهله..
ينال.... ترى ماهو السر الكبير الذي تحملينه داخلك؟!....
تقابلت نظراتنا فجذبني لون البحر في عينيها.. ربما هذا هو الشيء الوحيد الذي لم يتغير بها.. لون العينين الازرقين الجذابين.. وتلك النظرة ال**يرة الغريبة التي حملتها قبل ان تغادر هذا المكان والان ايضاً..
همسها الحزين اعادني اليها فركزت مسامعي معها :
" اشعر احيانا بانها لم تكن انا.. اعني.. تلك الطفلة "
" ولما تشعرين بذلك؟ " حدثتها مقطباً فنحت نظراتها عني واقتربت لتقف بجواري فتتامل الغابة كما كنت افعل.. يدها امتدت برويد لتبعد خصلة شعر شاردة فتضعها خلف اذنها.. بحركة بسيطة رقيقة اوقفت انفاسي لسبب اجهله.. ووجدتني اتاملها اكثر وعن قرب اكبر.. كافة التفاصيل التي باتت مجهولة بالنسبة لي.. وكاني اراها للمرة الاولى.. وكانني ماعرفتها قبلاً في طفولتها ولسنوات..
" لقد مرت سنوات " صوتها بعيد خافت.. يحمل حزناً لا اعرف سببه.. واصابعها توترت فراحت تفركها ببعض بحركة جذبت عيني اليهم
" لايتغير المرء بسهولة ينال.. حتى لو مرت سنوات "
" لكنني فعلت.. تغيرت "
" كبرتي ربما ؟ "
" ربما.. من منا لم يفعل.. هه!! "
ما امر هذه السخرية المرة خلف كلماتها؟!...
زفرت انفاسي وانا احاول بقدر الامكان الا اتاملها اكثر فاثير فيها قلق لا جدوى منه.. ابعد نظراتي نحو الغابة مثلها واراقب ما يجري حولي ب**ت يشابه **تها.. مرت دقائق ودقائق اخرى حتى عاد همسها الي ليصدمني
" اكره هذا المنزل.. بل امقته "
" ماذا؟!!! " ارتدت اليها عابساً ارى التماعاً للدموع في مقلتيها.. ماخطب هذه الفتاة بحق الله؟..
" ولكنني ظننت.. ظننت انك تحبينه!! "
" لا.. لا احبه.. لما غادرته ان كنت احبه برايك؟ "
" غادرته.. او اجبرتي على مغادرته من قبل جدي؟ "
" جدي؟!.. " والتفت نحوي لاراقب ملامحها المعذبة المرتجفة وهي تتابع
" لا.. هو لم يجبرني.. لقد كان هذا قراري وهو واقف عليه.. من اجلي وافق "
اعترافها اوقف انفاسي.. ايعقل؟. لا.. انا لا اصدق.. ولما ستطلب الرحيل.. ما الذي حدث وجعلها تكره المنزل هاهنا؟. انه لامر محير!!.
" لما تكرهين المنزل؟. اخبريني لما غادرته؟ "
" لايمكنني القول.. " والقت علي نظرة مطولة مريرة وكانها من جديد مرغمة على ال**ت.. مثيرة داخلي مشاعر صاخبة مندهشة فضولية.. اللعنة.. اريد ان اعرف السبب!!.
" لكني لم اجبر على المغادرة.. كما تظن.. انا من طلب وجدي نفذ "
" سنوات البعد تلك.. كلها.. بفعل يد*كِ؟!! لما ينال؟. ما الذي حدث؟ "
لايمكن ان يكون حادث انتحار والدها.. فهو اردى نفسه قتيلاً بمسدسه في غرفة مكتبه داخل مصنع الخشب.. وينال لم ترى شكله او جثته بناء على طلب جدي كي لاتصدم.. اي ان موت والدها لا علاقة له بالمنزل.. ما السبب اذاً؟...
" ينال.. " وارتدت بكاملي اليها مقطباً متسائلاً
" اخبريني بالحقيقة.. قولي لي لما؟. "
" ستعرف يوماً جاك.. او ربما لن تعرف.. وكل ذلك يتوقف على كلمة واحدة.. وعد واحد.. احتاج سماعه لانطق.. لاخرج ما بداخلي.. فانا اكاد اموت اختناقاً بسبب هذا.. ان لم افعل.. ولم احظى بذلك الوعد فاحداً لن يعرف يوماً ما خبئته لسنوات داخل جسدي الميت هذا "
" صغيرتي!!!.. " هتفت بها مرتجفاً لكم المعاناة التي بدت ظاهرة في صوتها.. ترتفع يدي لتلامس وجنتها الشاحبة، يقتلني رؤية كم هائل من الدموع في مقلتيها.. وانا الذي عهدتها طفلة مشا**ة عنيدة ومبتسمة معظم الوقت..
ما الذي فعل هذا بها؟. ماذا.. ومن؟!!!!!...
" لا اريد سماع هذه الكلمات من فمك مجدداً.. انت لاتزالين شابة في مقتبل العمر ومن غير العادل ان تعيشي هذه المعاناة.. وتحملي كل ذاك الالم داخلك وبمفردك.. اخبريني بالخطب.. اطلعيني على ما يخنقك.. واعدك ستتحسنين.. لن اتخلى عنك.. اقسم "
تنهيدة مخنوقة غادرت فمي وانا المح دمعه اسى تنساب على طول وجنتها من عينيها الجذابتين الواهنتين.. الامس بابهامي تلك الدمعة لامسحها قبل ان تغدو واقعاً وحقيقة.. اريد ان انتزع ذلك الالم منها باسرع وقت ممكن.. ليتني استطيع.. هذا كل مبتغاي..
" ينال.. ارجوك.. اخبريني "
" لا استطيع "
" لماذا؟. ما السبب؟!! "
" انه وعد اطلقته.. وعد يلتف حول عنقي فيخنقني.. لايمكنني التفوه به "
" تباً!!! "
شتيمة قاسية غادرت فمي رغماً عني.. ارى اصرارها وادرك بانها لن تنطق بالسبب.. اعرفها واعرف كم انها عنيدة.. هي لن تقول شيء..
" يوماً ما.. قد تعرف "
كان هذا اخر ما قالته قبل ان تتحرر من لمسة يدي وتخطو مبتعدة.. تهرب من نفسها قبل ان تهرب مني.. هذا واضح.. ولاحقت خطواتها المتوترة بعيني ناقد علّي اسبر غور **تها.. لكن لاشيء.. لم اتوصل لشيء..
......
..........
" لايزال الامر قيد البحث سيد موريس.. لا تتعجل الامور "
كررت كلمات مساعدي روب لمرات وانا اتخذ كرسي عند طاولة العشاء في اجتماع بات مالوف خلال الايام الماضية في منزل عائلة موريس.. الجميع تواجد حول المائدة لتناول عشاء عائلي بحت..
باريس تتحدث مع جيسي.. ضحكات ابن بيرنا ابنة عمتي كايلي تتص*ر الاجواء وهو يقوم بجولات دائرية حول المائدة..
بوب ابن العمة كايسي شارد في مكان ما لاياكل.. ربما ماسمعته عن قلقه من توزيع تركة جدنا..
يدي ارتفعت برويد لتفرك جانب راسي.. شارداً بما اسمعه من همهمات هنا وهناك.. عن كون ينال ستكون الوريثة الاولى لمعظم ثروة جدنا لانها المفضلة لديه..لن يحزنني ذلك.. لن يحزنني الا اذا حصلت على تعبي في الشركة ومصنع الاخشاب.. فقد عملت جاهداً لاتابع عمل ال موريس واجعله افضل.. انه العمل الذي اعشقه ولا اريد التخلي عنه لاي سبب كان..
عبوس جديد غطى محياي وانا المح شارداً اخر على المائدة.. ابنة عمي المدللة ينال..
عينيها واهنتين في واقع اخر.. اصابعها تتمسك بالشوكة لتعبث بصحنها دون ان تبتلع اي شيء.. خصل شعرها مجموعة للاعلى جميعاً بعيداً عن وجهها الجذاب الرقيق..
علي ان اعرف كل شيء عنها.. منذ تركت المنزل وحتى عادت اليه.. كل ما يتعلق بها.. والا اختنقت بتساؤلاتي... ما السر الذي تخفيه وتخاف منه؟. لما لم يطلعني جدي عليه؟!..
" ينال!!! "
صوت والدتي تناديها اعادني الى تركيزي.. اراها تلتف متسائلة لترد ندائها
" نعم عمتي "
" لما لا تاكلين حبيبتي.. الم يعجبك الطعام؟. انها الطباخة عينها.. ثيوبا.. التي تعشقين ما تعده "
" بلى.. انه لذيذ.. لكن... " و**تت تبتلع ل**بها.. تعود لتعبث بقطع اللحم مع الصلصة الحارة والبندورة وكانه لا يعجبها..
" ما الخطب ينال؟. الم يعجبك الطعام؟ "
سالتها بصوت جاد لكن في الوقت عينه يحمل رنة مهتمة لطيفة.. فنظرت في عيني لتاسرني ببرائتها ورقتها.. لولا ذلك اللون الاسود الذي تتشبث به طوال الوقت..
" بلى جاك.. انه لذيذ جداً "
واغتصبت ابتسامة.. لكني كنت اكثر تاثراً بسماع اسمي يخرج بتلك الرقة من فمها..
تباً... ما الذي جرى لي؟. نعم انها تعجبني منذ الصغر.. لكن المشاعر تلك كانت لمراهق طائش.. والان انتهت.. لم يعد لها وجود.. ووجود سيلي في حياتي يؤكد ذلك.. رغم ان جدي ض*ب بمخططاتي عرض الحائط في اخر لقاء لنا.. وربما هو من اثار مشاعر المراهقة هذه داخلي من جديد.. لكنني لم اتخذ قراري بعد وربما لن انفذ طلبه..
عيني التقطتاها من جديد وقد بدات بالاكل.. فاطلقت تنهيدة مكتومة وفعلت المثل.. قريباً ساعرف كل شيء عنها وربما حينها ساتخد القرار الصحيح..
" كيف يجري امر العمل في المصنع بني؟ "
سالتني والدتي المرتاحة بقربي فنظرت اليها مجيباً
" على حاله.. لايمكنني اتخاذ اي قرار بعد قبل ان تفتح وصية جدي.. هذه قرارات المحامي "
" عليك ان تنتظر ليوم الجمعة اذاً.. اقترب الموعد "
" سنرى "
ضحكات جديدة كانت من نصيب ابن بيرنا الذي لم يتوقف بعد عن الركض ووالدته تلحق به في كل زاوية لتقبض عليه مثيرة صخيب ضاحك من قبل الجميع.. اننا عائلة هادئة تحب بعضها البعض.. وسنظل هكذا.. كما تمنى جدي دائماً.. اني اتمنى فقط الا ينقلب السحر على الساحر عند قراءة الوصية..
ترى على ماذا ستحصل ينال؟...
تباً..
وبما يهمني الامر؟. فلتحصل على ما تريد.. لا يهم طالما ان......
قاطعني هذه المرة صوت سعال عالي واختناق.. لتلتف الانظار جميعها باتجاه ينال.. اراها تحني راسها في موجة سعال قوية مخيفة.. تبدو كمن يختنق.. ودون ارادة مني هببت واقف.. لا اعرف لما.. لكنني اشعر بانها ليست بخير.. ففعلت والدتي المثل...
" ينال.. مابك؟. تنفسي برويد "
حدثتها باريس المجاورة لها قبل ان اصل انا فالامس كتفها.. اراها لا تتوقف عن السعال ليتحول ذلك الى شهقات مختنقة..
" ينال... ينال مابك؟!.. "
" ابنتي.. تنفسي برويد.. اهداي "
" لابد انها الصلصة الحارة.. فلتشرب بعض الماء "
نظرت الى بوب بعبوس.. يبدو الامر اخطر من ذلك.. اسمعها تتمتم بشيء ما وسط شهقاتها.. راسها تراجع للخلف ويدها تفرك ص*رها بارتجاف.. وحين نظرت الى وجهها هالني ما رايته.. شاحباً مختنقاً ومتعباً.. ما الذي يجري لها؟.
" دو.... دوا... ئي "
تمتمت من جديد فدونت اقرب لافهم ما تنطق به.. يدي تلامس وجهها وجسدي غدا ارضاً بقربها
" مابك؟. صغيرتي مابك؟. "
" دوا... ئي.. فو... ق "
وشهقت من جديد.. تحاول ان تقف.. ان تتحرك فتفشل.. لكنني فهمت.. هنالك دواء ما في غرفتها.. لا اعرف ما هو لكنه قد يريحها..
" تعالي معي.. تعالي " وهببت اليها وانا اقف لانتشلها عن مقعدها.. احملها بذراعين قويتين ثم اخطو بها نحو الطابق الثاني حيث غرفتها..
جسدها كان مرتجف بارد بين ساعدي.. وجهها يعود للخلف مع كل شهقة تطلقها.. ف*نتفض كلها وكانها تصارع كي لا تفقد الوعي..
انها تموت!!!!!!!..
هذا ما فكرت به وانا اعدو كالمجنون نحو غرفتها.. صوت وقع اقدام يلاحقني على طول السلالم.. لكنني ركزت معها وبها فقط..
" اين الدواء؟. ينال.. اين الدواء؟."
كررت السؤال لكن لا فائدة.. صوتها وسط شهقات اختناقها لم يخرج.. سريعاً.. وضعتها على سريرها وبدات بالبحث في جارورها لاجد علبة استنشاق تخص مرضى الربو.. اهذا ما تبحث عنه؟!!!!.. علبة الاستنشاق!!!.
" اهداي ابنتي "
حاولت والدتي وعمتي كايلي ان تهدئانها وسارعت انا لاريها العلبة سائلاً اياها
" اهذه هي.. هذه؟. " ولوحت بها فنظرت اليها بعيون زائغة وهزت براسها سريعاً تحاول مد يدها لالتقاطها.. تطلق شهقة اخرى خرجت **يرة ميتة.. كانها حيوان بري جريح يجاهد ليبقى على قيد الحياة...
" حسناً.. اهداي " وجلست بقربها.. امد يدي لارفعها قليلاً للاعلى اضع علبة الاستنشاق على فمها واثبتها هناك ، وسط شهقاتها ثم ابثها جرعة اولى طويلة لعلها تريحها......
فيما يصرخ صوت عالي مصدوم داخلي..
ينال.... مريضة ربو!!!.....
***
منذ متى؟.. فانا لا اذكر انها كانت يوماً مريضة ربو!!.. لم تتعب.. لم تختنق.. على العكس.. فكيف حدث ذلك؟..
وكم من الاسرار تخفيها بعد؟!....
اطلقت زفرة عميقة وانا امدد ساقي امامي.. انصت لصوت تنفسها العميق الذي يعني بانها لاتزال نائمة مرتاحة..
لقد مر على نومها ثلاث ساعات.. كانت تبدو مرهقة هشة وشاحبة.. وحالما حصلت على ثلاث جرعات من دوائها تحسنت وغفت بين يدي..
طلبت من الجميع مغادرة الغرفة واصررت على بقائي معها.. اجلس عند الاريكة لاتامل ملامحها الساكنة وافكر.. وافكر.. واحلل مثيراً داخلي تساؤلات اكبر..
متى.. كيف.. ماذا؟..
ا****ة!!!!!!...
ورفعت يدي لافرك راسي بقسوة.. كلها اسئلة لا اجوبة لها.. وكلها تدور في فلك واحد..
ينال موريس.. ابنة عمي...
>
عادت كلمات جدي لتنهش في مسامعي.. ذكرى اخر لقاء جمعنا قبل ان يتوفى بايام.. حيث جلست انصت اليه وهو على فراش الموت في المشفى.. اسمعه يطلب مني الوعود.. يخبرني بامور غامضة لا افهمها.. ثم يصدمني بطلبه الجدي الاخير...
اطلقت انفاسي بثقل.. ساقي التفت فوق الاخرى وتراجعت للخلف في مقعدي اعقد ذراعي ببعض.. نظراتي تلاحق ابنة عمي الوحيدة ينال.. الغائبة في عالم الاحلام الوردي فيما جملة واحدة تتكرر في راسي لمرات وكانها لعنة لا فرار منها
" عدني بان تتخذ من ابنة عمك ينال.. زوجة لك "