الفصل الثالث

3035 Words
" ينال!!!.. ينال عودي الى هنا.. تعالي يا ابنتي.. لا تركضي تحت المطر...... ينال!!!.. اين انتِ؟. اين اختبئتي.. عودي صغيرتي.. عودي لنتحدث بما جرى " لكنني لم اعد.. لم استطع.. رغم صراخه.. رغم لهجته الخائفة.. رغم كل شيء.. ظللت مختبئة في مكاني اسفل المطر المنهمر.. انصت لصوته يناديني.. ارى ظله وهو يدور في المكان.. ولا اجيب.. ولا اعد... بعمر التاسعة.. اصبت بالربو المزمن.. والسبب كان المطر... او ربما ما عرفته وعشته تلك الليلة.. وليس المطر فقط... اننا نحن البشر نضع الذنب دائماً على القدر.. على الغيب.. على غضب الطبيعة.. على مالايمكننا تغييره.. وانا حينها.. وضعت الذنب على المطر.. فهو من اصابني بالربو.. هو سبب مرضي والمي.. لكني مع مرور الوقت.. كلما كبرت ونضجت.. عرفت السبب.. وتاكدت وتيقنت.. لم يكن المطر، لا.. ولم اكن انا.. لقد كان امراً اخر واحداً اخر.. وانني رغم كل ما اصابني.. كنت محرمة من ذكر اي شيء عنه.. كان علي ان ابقى صامتة... وانا الضحية..... سمعت ذلك الصوت من جديد.. يناديني.. يطلب مني ان اعد.. يتسلل الي من الظلام لعله ينتشلني منه.. لكنني التائهة التي لا اعرف طريقاً للعودة.. لا اعرف.. او ربما.. لا اريد العودة.. لا.... " ينال!!.. ينال.. افتحي عينيك.. انه حلم " حلم!!.. ايعقل ان اسمع صوت جاك في حلمي؟. كان هذا ماضياً وقد اختفى منذ وقت طويل.. والان.. انا لا اسمع الا صوتاً واحد.. ولا ارى الا شيئاً واحد.. انتفضت في مكاني لاعود الى الوعي.. الى واقعي الذي انتهيت منه بعد دخولي في حالة اختناق بسبب الطعام ربما.. لقد كانت لحظات من الجحيم.. اجل عشتها قبلاً.. لكنها في كل مرة تغدو جديدة.. مؤلمة اكثر.. مرهقة... اشعر بها تسحبني في كل مرة خطوة او خطوتان نحو موتي المحتوم... " ينال!!!.. " صوته من جديد.. خافت مهتم.. فافتحت جفني برويد.. الظلام لايزال يحيط بي.. وضوء خافت ينير الغرفة جعل عيناي تلتقطان وجود عينيه اعلاي.. انه جاك بحق.. انا لا احلم!!. " جاك!! " رددت بحيرة وعبوس اشعر الان بيده التي كانت عند وجهي تلاطف خدي لاستيقظ.. فاحمرت وجنتي تاثراً " كان حلم صغيرتي " " هل.. هل قلت شيء؟. " " كنت تصرخين بلا.. لا اريد العودة.. " وتن*د بوهن ثم نحى يده عني لاشعر بالبرد يجتاحني فجاة.. اتفعل لمسة بريئة منه هذا فيّ؟.. تنحنح يبدو مضطرباً مثلي.. ثم تراجع ليقف باستقامة.. يبدو مختلف بسترة عادية رمادية اللون وبنطال كحلي.. وكانني للحظة واحدة ارى ذلك الشاب اللطيف الذي كان عليه قبلاً.. " ما الذي لا تريدين العودة اليه؟ " " الضوء " اجبته بهمس صادق فقطب.. ملامحه الجذابة التي تعجبني باتت كتلة من الغموض وهو يدقق بي.. يديه عقدتا عند ص*ره العريض.. وانفاسه ثقيلة عميقة " منذ متى ؟ " سالني بصوت جاد.. فتململت في جلستي واستقمت لاسند ظهري الى الوسادة خلفي.. انظر الى نفسي اولا ثم اليه لاساله بدوري " من الذي استبدل ملابسي بالمنامة؟ " " عمتك كايلي... والان اخبريني.. " وتراجع حتى اتخذ الكرسي القريب من سريري راحة لجسده.. عيناه لاتتركاني.. تبدو حادة متجهمة.. يعود فيكرر : " منذ متى؟ " زفرة عميقة غادرت فمي.. افرك بيدي جانب الدثار وانا اعرف تماماً عما يسال.. اجترع ل**بي الجاف لامهل نفسي بعض الوقت قبل ان اجيب " مذ كنت بالتاسعة " وكأن دلو ثلج وسكب عليه.. انتفض جسده في مكانه وغامت نظراته بصدمة.. ينظر الي وكانه لا يصدق.. يفتح فمه ليقول شيء ثم يعود فيغلقه.. اتفهم صدمته.. اجل.. فقد بقيت بعد سن التاسعة تسع سنوات هنا.. معهم... في نفس المنزل.. اتناول الطعام عينه.. اتنفس الهواء عينه.. واعيش وكانني لا اعاني شيء.. فله الحق بان يصدم.. " التاسعة؟!! " " نعم.. اصبت بنزلة برد قوية.. اتذكرها؟. " " ليس تماماً " وتجهمت ملامحه ال**بسة.. ترتفع يده لتفرك ذقنه النامية " كانت هي السبب.. ومنذ ذلك الحين اعاني من الربو " " لا اصدق!!!.. كيف؟. نحن نعيش في المنزل عينه.. اعني.. كنا نعيش لتسع سنوات لاحقة في المنزل عينه " " هذا ما حدث.. لم نخبر احد " " نخبر؟!. اتقصدين انت وجدي؟ " " و... والدي.. " وجف حلقي حين نطقت باسمه.. والدي!!!.. الذكرى المؤلمة المريرة التي سترافقني حتى مماتي.. " الهي!!!. كيف يحدث هذا؟. ستة عشر عاماً وانت مريضة ربو.. وسبع سنوات تعيشين فيها بمفردك في مكان بعيد لعين.. دون ان يعرف اي احد.. تباً لذلك.. كيف يفعل جدي هذا؟. كيف يبعدك وانت مريضة وبحاجة رعاية؟!! " " اهدا جاك.. الوضع عادي طبيعي.. صدقني " " لا اصدقك.. لقد رايت ما حدث قبل ساعات.. وكيف انهرتي تماماً وفجاة.. لولم نكن بقربك لربما اختنقتي و... " وضم فمه لا يتم كلمته ففعلت المثل.. ا**ت كما **ت وانظر في عينه كما يفعل.. فيتوقف بنا الزمن ويهدا الجو المشحون.. لا ادرك كما حاله ربما كم مر علينا من الوقت ونحن صامتان ساكنان.. نتامل بعض فقط.. خفقات قلبي بدات تتسارع وخلايا جسدي تنتفض متاثرة لقربه.. الايزال يفعل بي الشيء عينه؟. يوقف كل مافي كما في السابق؟. وانا التي ظننت بانني مضيت قدماً وانتهى الامر؟!.. **رتني اعترافاتي هذه.. فنحيت وجهي جانباً ابعد الدموع التي تسللت بهدوء الى مقلتي.. اتشبث بقبضتي بالدثار المسترخي فوق جسدي الضعيف.. واهمس له برجاء مختنق " هلا تركتني بمفردي.. احتاج للراحة.. لو سمحت " " هل ستكونين بخير ؟ " " اجل " اكدت ذلك.. لا انظر اليه.. اسمعه يتن*د بعمق.. ثم يقف.. وقع خطواته تقترب مني جسده بقرب سريري.. فاغلقت جفني وضممت فمي.. " سوف احميكي.. واساعدك.. لن يصيبك اي سوء بقربي.. اعدك " " لا تطلق الوعود جاك.. قريباً لن تفي باي منها " " سافعل " دمعة وحيدة تمردت على قوتي وانسابت على وجنتي الشاحبة.. فقضمت شفتي السلفى اشتمها واشتم نفسي.. " الا تثقين بي؟ " سالني بصوت يحمل رنة جريحة فاجليت حنجرتي المتيبسة اجيبه : " انا لا اثق باي بشر " ..... ......... " كل الامور كما طلبتي.. ولقد رويت الازهار ايضاً " " اشكرك ماتيو " " متى ستعودين؟ هل قررتي ؟ " اخذت نفس عميق لافكر بالاجابة.. وتابعت سيري نزولاً عند طريق الغابة الضيق الترابي.. الاحق مكان خطواتي كي لا انزلق.. تماماً كما في الماضي.. حين كنت اهرع ضاحكة، يطاردني هاوي وبيرنا لنلعب الغميضة في قلب الغابة الكبيرة.. " ليس بعد.. لكن المؤكد.. ليس قبل يوم الجمعة " " امممم.. حسناً.. لا اريدك ان تقلقي بشان شقتك هنا فقد تكفلت بالامر.. كوني مطمئنة " " واثقة بك ماتيو.. شكراً مجدداً " وبللت شفتي الجافتين.. نسمة هواء هبت لتبعثر خصل شعري الحرة فنحيتها عن عيني سريعاً.. اسمع على الجهة الاخرى ماتيو يهمهم بجدية " هنالك شيء اخر عليك ان تعرفيه " " ماذا؟ " " احدهم كان يسال عنكِ " توقفت خطواتي عن النزول.. الحذاء الاسود العالي الساق ض*ب التراب معلناً العصيان مثلي.. ونسمة اخرى باردة هبت نحوي " يسال عني؟! " " نعم.. وكانه يجري تحقيقاً ما " " الم تعرف اي شيء عن هذا الرجل؟ ماذا يريد؟ ولصالح من يحقق؟ " " لا.. لاشيء.. رجل غامض وتقريباً مخيف.. راح يسال الجيران وصاحب البقالة واللحام.. يجري بين هنا وهناك " " وهل سالك انت؟ " عبست متسائلة انتظر رده الذي جاء سريعاً " نعم فعل.. اوقفني وراح يسال عنك " " مانوعية الاسئلة؟ " " متى انتقلتي للعيش هنا.. وكيف هو وضعك؟. وماذا تعملين؟.. اي شيء اعرفه عنك " " هل اجبته؟ " " قلت له بانك شخص غامض جداً ولا يتحدث بخصوصياته.. وبانك لا تتوقفي لتلقي التحية على احد حتى " زفرت بسأم وعدت اجبر ساقي على الحراك " وهل اكتفى بهذه الردود ؟ " " حاول ان يسال اكثر.. لكنني صددته.. لم يعجبني هذا الرجل يا ينال.. اتعرفين من يكون؟ " " ليس تماماً.. لا " انهيت مكالمتي مع جاري ماتيو ووضعت هاتفي في جيب سترتي السوداء القصيرة.. اركز بنظراتي في مكان نزولي المستمر نحو الوادي في الغابة وافكر بما سمعته.. من سيسال عني الان؟. من يهمه ان يعرف ماضي وحاضري؟. ولماذا؟... أيعقل ان يكون جاك؟. ولما سيكون جاك؟. هه.. وابتسمت ساخرة اوقف خطواتي من جديد لما الدهشة؟. ربما هو من يتحرى امري.. اتراه خائفاً من ان يكتب جدي المصنع والمنزل باسمي في الوصية؟. فيحاول ان يسبر غور اختفائي السابق لسنوات وسببه... اسئلة كثيرة لا حصر لها تدور في راسي حتى اكاد اشعر به ينفجر.. اتمنى ان تنتهي هذه الايام على خير حتى اعود الى حياتي السابقة وعملي وراحتي.. خيوط كثيرة ستكشف يوم قراءة الوصية.. او ربما لن تفعل.. ما اعرفه انني بت لا اطيق البقاء هنا.. ليس في هذا المنزل.. وليس بقرب جاك.. خاصة وانا اثير داخلي تساؤلات حول مشاعري نحوه التي لربما لم تتغير بمرور السنوات بعد.. حين حاولت ان اخطو من جديد نظرت الى حذائي ارضاً وبدات السير لاشهق حينها بصدمة وانزلق على التراب المبلل منذ الامس بالمطر.. تباً لسوء حظي!!!.. " انت بخير انستي؟ " صوت مهتم رجولي وصل من الاعلى فرفعت راسي انظر اليه متسائلة.. لا ازال اجلس ارضاً على التراب بعد انزلاقي واحاول ان اقف بتمهل.. لكن صوت هذا الشاب فاجئني فنظرت في عينيه مقطبة " بخير... اجل " " دعيني اساعدك " " يمكنني الوقوف بمفردي " اجبته بحدة ووضعت يدي على الارض لاستند فاقف.. يد الغريب امتدت لتساعدني ثم تراجعت فجاة.. اشعر بذراعين اقوى تاتي من خلفي لتنتشلني عن الارض وترفعني.. انه جاك.. اعرف ذلك يقيناً.. " الن تغيري عادتك القديمة ينال؟ الارض رطبة " " لم انتبه " اجبته بخدين محمرين لا انظر اليه.. اتحرر من ساعديه لازيل اثار الوقعة عن سترتي وبنطالي " ادم.. متى وصلت؟ " " للتو.. اهذه هي ابنة عمك ينال؟ " " اجل.. بالضبط " سمعتهما يتحدثان عني وكاني غير موجودة فقلبت نظراتي بينهما.. كلاهما في العمر نفسه تقريباً.. ادم شاب وسيم بابتسامة ساخرة ساحرة.. وعيون عسلية فاتحة.. يديه توضعتا في جيبي بنطاله وهو يقف امامي كاللوح الجليدي ويدقق بي بدقة مسبباً الحرج داخلي.. نعم.. انه جذاب وسيم.. لكن ليس بقدر جاك.. وهززت راسي داخلياً.. صحيح.. لا احد وسيم بقدر جاك.. ابداً.. آه تباً.... تباً لجاك.. وتباً لآدم.. كيف يمكنني ان افكر هكذا؟. " ينال.. هذا صديقي المقرب ادم.. انت لا تعرفينه " " لا.. لم اره قبلاً.. تشرفت بلقاءك.. " ومنحته ابتسامة جامدة " والان بالاذن.. " وبيد قاسية نحيته جانباً عن طريقي الضيق ثم تابعت نزولي اسمعه يقهقه ضاحكاً " انها طريفة!!.. وتبدو قاسية.. بع** ما اخبرتني به عنها " " توقف عن الضحك.. هيا بنا للاعلى.. ينال.. حاذري التراب المبلل.. اسمعتي؟ " صرخ في اعقابي فرفعت يدي للخلف الوح له بسخافة وعدم اهتمام.. اسمعه يطلق شتيمة عالية قبل ان ابتعد اكثر عنهما.. قادتني قداماي الى هناك.. حيث طبعت ذكرياتي الاحب بعمر الثامنة تقريباً.. ابتسامة شاحبة غطت شفتي وانا اقف بقرب شجرة صنوبر معمرة تمر ساقية النبع الصغير من قربها.. تتوسع ابتسامتي وانا اتاملها يتفاصيلها المهيبة... تفرعاتها الكثيرة والطيور التي اتخذت من اغصانها بيوتاً لها.. ربما.. هذا هو المكان الوحيد الذي احبه في الوجود.. هنا.. حيث اجمل ذكريات حياتي... هنا.... حيث... وتقدمت امد يدي لألامس الاحرف المحفورة في جذع الشجرة.. راسي يميل جانباً ليتاملها وعيناي واهنتين غارقتين في بحر من الذكريات.. كان جاك.. الصديق العدو كما اعتدت تسميته.. فقد اعتاد ان يكون تارة طريفاً محبباً وتارة جاداً غاضباً.. متقلب المزاج باستمرار.. قريب وبعيد في الوقت عينه.. كان يرافقني يوماً الى هنا.. بمفردنا.. وكان من الغريب ان نكون بمفردنا فهاوي وحتى بيرنا كانا كالملازمين الدائمين لي... جاك كره ذلك فجرني مرة من ذراعي وقادني الى هنا بمفردنا.. قائلاً بانه يريد ان يريني شيء سري.. وكانت هذه الشجرة ونبع الماء هو سره الكبير.. الذي وجدته بعمر الثامنة امراً خطيراً مهماً.. بع** الان.. ابتسامتي توسعت من جديد.. ويدي حفرت تلك الكلمات لمرة اخرى.. تغدو اصابعي اكثر قسوة على حواف الجذع وكان مجرد التذكر يجعل من الماضي سكيناً حادة تطعن روحي.. سالته ببراءة ان يحفر اسمي على الشجرة لتظل ذكرى.. فوافق باسماً.. وبدء بفعل ذلك.. لاجده كتب بخط واضح كبير " زهرة الصنوبر ينال " وكان هذا لقبي الذي يناديني به معظم الوقت.. كنت زهرة الصنوبر بالنسبة له.. وظللت كذلك بالنسبة للشجرة مع مرور السنوات.. ساقي استرخيا عند حدود الجذع فجلست هناك بجسد لايزال مرهق بعد نوبة الربو التي انتابتني بالامس.. اسند راسي للخلف لادخل في شرود عميق... اجمل الذكريات.. وربما اوحدها... فما عاد لي بعد ذلك ذكريات.. ماعاد لي منزل.. عائلة.. اقارب.. ما عاد لي جاك.... ........ ............ " عليكِ ان تكوني حذرة.. مفهوم.. لقد تكلمت مع ثيوبا لتحضر لك طعام خاص.. اعطيتها معلومات مشددة كي لايحصل اي خطأ جديد " " لا داعي لكل هذا عمتي جيني.. لقد بت افضل " " كان عليكِ اخباري من قبل.. " وعبست بي بجدية لم تصل الى عمق عينيها القلقتين الحنونتين.. تسير بقربي ونحن خارجان من غرفة الجلوس باتجاه غرفة الطعام.. ويدها تمتد لتلاطف ظهري وكتفي بحركة دافئة اثارت داخلي حنين كبير.. اركز بما قالته لاجيبها بصوت منخفض " معك حق.. وانا اعتذر.. لكنه ليس بالامر الجلل " " انه ربو يا ينال!!.. مؤكد هو امو جلل " ونظرت الي بلوم حزين.. ثم توقفت حين واجهنا جاك عند باب غرفة الطعام.. انظر اليه بدوري لاراه بصحبة شابة غريبة عني.. شابة تتاملني بالمثل فيما يدها تتوضع على ساعد جاك بطريقة اثارت حفيظتي.. لكنني تصرفت بتجاهل وعدم اهتمام اسمع عمتي جيني تقول باسمة " سيلي.. كيف حالك عزيزتي؟ " " بخير جيني.. وانت؟ " " لاباس.. اهلا بك " قلب جاك نظراته بيننا جميعاً.. يركز للحظات بعينيه علي فتجاهلته وعقدت ساعدي بحزم " امي.. سيلي ضيف*نا على العشاء الليلة " " اهلا وسهلا بها.. اين آدم؟ " " لقد رحل.. لديه الكثير من الاعمال " همهمت العمة جيني متفهمة ومنحت سيلي ابتسامة اخرى باهتة.. سيلي.. شابة في مقتبل العمر.. تبدو ثرية ايضاً وتشابه جاك بالنظرة الجدية الحادة التي يتميز بها.. طولها يقارب طوله ايضاً ف*ناسبه كما ارى.. ولون شعرها المائل للاشقر جعل منها شابة جذابة مختلفة.. فيها اشياء كثيرة افتقدها انا وربما لذلك هي مع جاك الان.. لكن.. الامر لا يعنيني.. لا.. ولن يؤثر بي.. وزفرت بسأم فيما يقول جاك " سيلي.. هذه هي ابنة عمي ينال.. ينال هذه هي حبيبتي سيلي " حبيبته!!!... هي كذلك اذاً.. وشعوري كان في مكانه.. تباً.... ولم ادري لما شعرت بسكين تنغرز عميقاً في ص*ري مطلقة خلفها سلسلة من الاهات المكلومة.. لكنني اخفيت ذلك ببراعة.. الم اعتد اخفاء مشاعري على الدوام.. وليس مشاعري فقط بل وردات فعلي.. والكثير الكثير من الاسرار المظلمة.. " تشرفت بلقاءك " قلتها برقة ومنحتها ابتسامة عذبة كاذبة ابرع بها على الدوام.. ابتسامة جعلت عيني جاك تضيق وجسده يتصلب بوضوح.. " هيا بنا.. الطعام جاهز والجميع منتظر " قاطعت العمة جيني اللقاء الساخر وتقدمت امامنا داخل المكان فيما اسمع جاك يسالها " هل تحدثتي مع ثيوبا من اجل طعام ينال؟ " " اجل بني.. مؤكد فعلت " " جيد.. جيد " ودخلنا جميعاً الى حيث تجتمع العائلة... بعد مرور ساعتين تقريباً.. لم اعد اطيق بقاء في الغرفة عينها معهما.. فانسحبت دون كلمة الى غرفتي.. حيث اجد ال**ت والهدوء.. حيث لا وجود لاحد الا انا.. اتخذت من حافة سريري راحة لي لادقق في السكون المحيط بي.. ازفر انفاسي بأسى وشعور بالحزن يسيطر علي.. لما انا حزينة؟.. غريب امري!!.. تساءلت لعدة مرات وصورة تجمع جاك بسيلي تطغى على عقلي وتتوضع كلعنة امام ناظري.. حزينة... مستاءة.. غاضبة.. هذا ما انا عليه.. والكثير من غيورة.. اجل.. لن اكذب.. اغلقت جفني على هذه الكلمة القاسية.. غيورة!!. لماذا؟. اللعنة... لا اريد ان اشعر بالغيرة.. ولا بالحزن لانه يعيش حياته.. لقد غبت لسنوات بعيداً عنه.. نضجنا.. تغيرنا.. كل مافينا كبر.. ومشاعري تلك.. التي ابت ان تفارقني لسنوات.. انتهت..... انتهت؟!.. اجل.. انتهت.. وزفرت باصرار مرير.. احاول اقناع نفسي بذلك دون جدوى... صوت خافت متعب ومتالم راح يهتف في داخلي لمرات.. لم تنتهي... لا.. لم تنتهي.. " ينال.. يا ابنتي.. قد تكون هذه اخر زيارة لي لكِ.. اريدك ان تعتني بنفسك جيداً.. وعديني ان تاتي الى دفني حين اموت..... اسمعيني ولا تقاطعيني.. لو مهما حصل ستظلين الاقرب والاهم والافضل بالنسبة لي.. الحفيدة المثالية انت.. اسمعتي؟ واريدك ان تسامحيني.. سامحيني يا ابنتي.. رغماً عني.. اقسم " رات عيناي شمس الصباح عند هذه الكلمات.. وصية جدي الشفهية لي في زيارته الاخيرة.. لقد كان يعرف.. شعوره الداخلي انبئه بما سيحصل.. رففت بجفني الثقيلين وتقلبت لانظر الى النافذة المغلقة.. اشعة الشمس تسللت الى المكان اخيراً.. معلنة يوماً دافئاً ربما.. او قد يتغير كل هذا بعد الظهيرة كما قالوا في اخبار الطقس البارحة.. اطلقت تافف حاد ويدي تفرك جبيني وتنحي خصل الشعر المبعثرة بعيداً عن وجهي.. يوم الجمعة!!!... انه يوم الجمعة اخيراً... سيقرا المحامي وصية جدي اليوم.. سيخبر كل منا ما كتب له.. وما ورثه.. ستقطع النسب والاملاك كما يريد هو.. كلنا سنجتمع لننصت ونعرف.. وكم اتمنى لو لم اكن معهم اليوم!.... وقفت مقابل المراة بعد وقت انظر الى نفسي فيها.. لخصل شعري الحرة الغامقة.. للثوب الاسود القصير.. ملامحي الحزينة وعيناي الواهنتين.. طولي الفاره وجسدي النحيل.. يقولون عني جميلة جذابة ومميزة.. احمل اجمل عينان زرقاوتان.. وجسد مثير انثوي.. وشعر حريري اخاذ.. لكنني حين انظر الى نفسي.. لا اجد كل هذا.. انثى ناقصة.. مقيدة.. هذا ما انا عليه.. اقف لاتامل نفسي فارى القيد الذي يحيط برقبتي ويلف عليها فيخنقني.. قيد وهمي مخفي لايراه احد سواي.... في تمام الساعة الواحدة ظهراً.. انقلب الطقس من مشمس لغائم.. وتجمعت العائلة في غرفة مكتب جدي تحضيراً لوصول المحامي ساروس لفتح وصية ادريان موريس.. اجلس في مكاني ب**ت مطبق.. اسمع الهمهمات والثرثرات.. الاحظ النظرات والتحديقات.. لكنني اتصرف بجهل فلا اركز ولا اهتم.. اعرف تماماً ما سيحدث.. ويكاد يضحكني انتظار ذلك.. يضحكني جداً.. ويبكيني جداً... يبكيني حد النزف... " كل منكم بات يعرف ما تقرر.. وما حدده السيد ادريان موريس له.. وهذه هي الوصية موقعه منه.. يمكنكم التاكد.. القراءة.. ومراجعة المحامين الخاصين.. لا مجال للشك او الطعن فيها... واخيراً.. بقي الانسة ينال.. " ونظر السيد ساروس الي من خلف نظاراته الطبية فتحولت كل الانظار نحوي.. الكل مستغرب عابس فجميعهم يدركون بانه لم يتبقى شيء من التركة ليهبها لي جدي.. لقد تم توزيعها بطلبه عليهم جميعاً.. وفيما يتوقع معظمهم ان يرد اسمي في بداية الوصية.. لم يحدث هذا.. حتى جاك بدا مندهش.. بع**ي تماماً.. فقد جلست مقابل جاك وبقرب عمتي كايلي انصت وانصت دون اية كلمة.. يدي في حضني اسفل الطاولة.. افرك اصابعي ببعضهم اود فقط ان ننتهي لارحل.. اتمنى مرور هذه اللحظات باسرع من هذا.. اريد العودة لحاضري بعيداً عن هذا الوهم.. لما تفعل هذا ياجدي؟. لما تريدني هنا معهم.. لماذا؟... وانت اكثر من يدرك كيف ستسير الامور؟. " هذه كانت وصية جدك لك ينال.. تفضلي " مرر لي المحامي ظرف ابيض صغير سلمتني اياه عمتي فدققت به مقطبة.. الاحظ اني محط الانظار من قبل الجميع.. " لقد طلب الا يفتحها احد الاكِ.. وهذا ما حدث " سحبت انفاسي بثقل.. اقلّب الظرف بين اصابعي المرتجفة علني استبق ما بداخله.. وادعو.... اجل لقد كنت ادعو ان تكون ما حلمت واردت.. ما انتظرت لسنوات وتمنيت.. ليتها كذلك.. وليتك ياجدي لا تخذلني.. ليس مجدداً.. " ماذا يوجد في الظرف؟ " " لا اعرف!! " " ترى هل ترك لها عقار خاص لايعرفه احد؟ " " ممكن.. سنرى " وصلت الي الهمهمات والتساؤلات لكنني تغاضيت عنها فهي لا تعنيني.. ابدا بيد مرتجفة بفك لاصق الظرف لافضه.. اخرج منه اخيراً ورقة صغيرة مطوية ومرتبة.. تحمل رائحته الخاصة التي اعرفها.. جدي..... واغلقت جفني لثوان برجاء وصلاة.. " اتوسل اليك.. فلتكن ما اريد " ثم.. فتحت الورقة وقرات الجملة الوحيدة فيها.. انفاسي توقفت.. اختنقت.. حتى ض*بات قلبي ابت المتابعة.. عيناي باتتا بركة من الدموع الدافئة.. وجسدي كتلة متاثرة مرتجفة.. اكرر الجملة لمرات ومرات في ذهني لاتاكد.. امرر نظراتي الواهنة عليها.. فاعيدها واعيدها.. هل فعلا كتب ذلك؟. افعل؟!!!. (( اني احررك من سرنا يا ينال )) لقد حررني... لقد فعل!!!!!...
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD