الفصل الرابع

3342 Words
(( انا لا اثق باي بشر )) ترددت وترددت تلك الجملة.. لتملئ راسي.. كيف يمكنها الا تثق باي بشر؟. وكيف يمكن للمرء ان يعيش حياته ان لم يثق باحد.. ولا اي احد.. متعب من كل التساؤلات.. مما يحيط بي ويجري.. اتمنى فقط ان ياتي يوم الجمعة على خير فننهي كل الامور العالقة.. كل مايقلقني.. واكثر ما انتظره هو التقرير الذي طلبته من روب ليجيب ربما عن تساؤلاتي ويخفف من فضولي وحيرتي... مريضة ربو مذ كانت في التاسعة!!!.. ايعقل؟. لم يبدو ذلك يوماً ولم الحظه كما جميع العائلة.. فكيف يمكن لها ولوالدها ومؤكد لجدي ان يخفوا امراً كهذا؟. تباً.... شتمت من جديد لمرات.. اقف عند حافة الشرفة الخلفية للمنزل لادقق بما يحيط بي.. كلمات جدي وطلبه ان اتزوج بينال لايفارق ذاكرتي.. والاجابة على هذا الطلب تشغلني اكثر وتجعل مني انساناً فاقداً لعقله.. اتزوج بابنة عمي؟!!!... تلك الصغيرة التي لم اراها قبلاً كامراة او زوجة.. الرقيقة الجذابة.. ذات العينان الاجمل في العالم... تغدو زوجة لي؟!. مجرد تخيل ذلك اوقف انفاسي.. افرك بيدي جبيني واغرق اكثر في بحور افكاري.. ربما توقفي عن العمل حالياً هو ما يجعل مني رجل متقلب المزاج قلق.. لا اجد سبيلاً لاهتدي اليه.. متفرغ مسترخ بطريقة لم اعهدها قبلاً.. وانا اكره ذلك... " اشكرك ماتيو " صوتها الذي حملته نسمات الهواء الي اعادني الى مكان وقوفي فرفعت راسي لاحدق اسفل الشرفة.. نحو الانحدار الترابي الذي راحت ينال تسير به نزولاً.. كما عادتها.. لن تتغير.. وكانها تلك الطفلة الصغيرة التي اعتادت الركض نزولاً على طول الوادي نحو الغابة.. تقطع المنحدرات بسلاسة فلاتعرف خوفاً ولا قلقاً.. زهرة الصنوبر.. تلك التي حفرت اسمها يوماً على جذع الشجرة المعمرة الاكبر في الغابة هنا... " ليس بعد.. لكن المؤكد.. ليس قبل يوم الجمعة " مع من تتحدث؟.. ازدت عبوساً.. وانا اراقبها.. اراها تضع هاتفها الخاص على اذنها وتهز براسها فيما نظراتها تدقق بمكان سيرها كي لا تقع.. دون ارادة مني التففت حول الحافة باتجاه السلالم الخشبية الجانبية لالتحق بها.. اود ان ارى كيف غدت اليوم.. بعد ان اصيبت بنوبة الربو المقلقة تلك.. اسير خلفها بعد دقيقتين وقد انهت مكالمتها لتغرق في شرودها وافكارها فلا تشعر بي.. اراقبها من الخلف بعيني صقر وشعور غريب مريب داخلي يتصاعد.. ليتني اعرف لما يوترني وجودي بقربها.. لما تزرع هذا الشك في رصانتي وقوتي حين انظر في عينيها... توقفت عن التساؤل حين سمعت شهقتها ورايتها تنزلق ارضاً على التراب المبلل.. تلتوي حافة فمي بابتسامة ساخرة.. رغما عني.. فرؤيتها هكذا تذكرني بصغيرتي تلك.. صغيرتي!!!... منذ متى اطلق عليها اسماً كهذا؟!. " انت بخير انستي؟ " صوت مهتم رجولي صدع في المكان فنظرت للامام لاجد صديقي المقرب ادم يقترب من ينال مهتماً بحالها.. كعادته الدائمة.. يصل في اللحظات الغريبة.. ولم اعرف لما وللمرة الاولى ازعجني وجوده في منزلنا.. وجوده قريباً منها.. على الرغم من اني اعرفه جيداً واثق به كثيراً.. " بخير... اجل " سمعتها تجيبه بجدية.. فتابع: " دعيني اساعدك " " يمكنني الوقوف بمفردي " اجابته بحدة اعجبتني.. اراها من الخلف وهي تضع يديها على الارض لتستند وتقف.. يد صديقي ادم امتدت لتساعدها فتوقفت انفاسي وهببت سريعاً دون اي تفكير لاغدو في مجال رؤيته.. وبالفعل.. حالما رآني قطب وتراجع للخلف عنها.. فمددت يدي لانتشلها واوقفها بطريقة حادة لم الحظها.. كل ذلك لاني لم ارد ليديّ صديقي ان تقعا على جسد ابنة عمي.. تباً لذلك.... ووجدتني اهمهم لها بجدية ساخرة : " الن تغيري عادتك القديمة ينال؟ الارض رطبة " " لم انتبه " اجابتني لا تنظر الي.. ادرك يقيناً بانها تحمر خجلاً من الموقف كما كانت في الصغر.. تبدا بالتحرر من يدي لتزيل اثار السقطة عن سترتها السوداء وبنطالها الذي يظهر انحناءات ساقيها بكل وضوح.. عيناي ابتعدا عن جسدها ورعشة تحكم على خلاياي.. اعود فاركز بصديقي المقطب لاساله : " ادم.. متى وصلت؟ " " للتو.. اهذه هي ابنة عمك ينال؟ " وما شانك؟... تباً.. كدت اجيبه بذلك.. لكني ساظهر بمظهر المجنون الغريب الاطوار.. " اجل.. بالضبط " ولابدو هادئ غير مهتم تابعت فعرفتهما ببعض : " ينال.. هذا صديقي المقرب ادم.. انت لا تعرفينه " " لا.. لم اره قبلاً.. تشرفت بلقاءك.. " ومنحتهُ ابتسامة جامدة " والان بالاذن.. " تمتمت بشكل حاد ومدت يدها فنحته جانباً عن طريقها الترابي تتابع نزولها وكان امر ماحصل لم يعني لها اي شيء.. واعجبني ذلك.. اعجبني كثيراً.. لكن ادم وع** التوقع راح يضحك دون توقف هاتفاً بي " انها طريفة!!.. وتبدو قاسية.. بع** ما اخبرتني به عنها " نهرته بعبوس جدي " توقف عن الضحك.. هيا بنا للاعلى " والقيت نظرة اخيرة دقيقة على ابنة عمي المبتعدة.. اهتف في اعقابها فيخرج صوتي مهتم قلق رغماً عني : " ينال.. حاذري التراب المبلل.. اسمعتي؟ " رفعت يدها للخلف لتلوح لي بها بطريقة سخيفة تظهر عدم اهتمامها.. فاطلقت شتيمة قاسية ونهرت نفسي.. ولما ساهتم انا؟. ان هي وقعت او **رت اطرافها.. او ماتت.. تباً... تباً..... " طريفة جداً يا رجل!!. " " الهي.. حفظت الكلمة ادم.. تباً " وتافف بسأم فضحك عالياً.. يلحق بي داخل الرواق الداخلي نحو مكتبي الخاص في المنزل.. افتح الباب له ليسبقني واسمعه يهمهم ساخراً " مابالك.. لما انت غاضب؟ " " لست غاضب.. لكنني حفظت كلمة طريفة الا يوجد غيرها؟ " " بلى يوجد.. " واخذ نفس عميق وهو يتخذ الاريكة راحة له ادرك لسبب لا افقهه بانه سيقول صفة لن تعجبني... وفعل... " مثيرة.. مثيرة للغاية " " آدم.. انها ابنة عمي من تتحدث عنها " وجحدته بنظرات قاسية.. اتابع خطواتي لاجلس مقابلاً له.. فيما لا تموت ابتسامته الساخرة اللعينة عن شفتيه " اعرف بانها ابنة عمك.. لكنها الحقيقة يارجل " " احتفظ بتلك الحقيقة لنفسك.. ممكن؟ " " الهي.. صديقي غاضب " " توقف عن السخرية.. وقل لي ما الجديد؟ " عاد صديقي لاخذ نفس عميق وتبدلت ملامحه من السخرية الى الجدية فوراً ليجيبني " كما اخبرتك قبلاً.. شكوكي باتت مؤكدة " تقدمت للامام بجلستي.. انصت بامعان وعيون ضيقة فيما يتابع ادم " استخدمت رجلاً منهم لينقل لي الاخبار وتاكدت تماماً " " ماذا عرفت؟ " " يضع بضائعه داخل قطع الخشب ويلصقها.. ثم يعبر بها الحدود بكل بساطة " " الو*د!! " " اخبرتك ولم تصدقني " " وجدت اثبات؟ " " ليس بعد.. من الصعب ان تمسك بدليل ضد وايت هولز.. انه رجل حذر جداً " " علينا فعل ذلك يا ادم.. فاللعين يشتري بضائعه من مصنعنا.. قد يورطنا باسم التهريب.. ذلك النذل " " اعمل على ذلك.. لاتقلق.. امهلني بعض الوقت " " كن حذراً.. لا اريد ان يكشف امرك.. الموضوع خطير ! " " هل تقلق عليّ؟.. ها؟.!! " وعاد لسخريته يتراجع بجلسته ليلف ساق فوق الاخرى ف*نهدت سائماً وهززت براسي " لا فائدة.. لن تنضج " " زوجني ابنة عمك وسانضج " توقفت انفاسي عن الخروج حين نطق بذلك.. اشعر بكل ذرة مني تنتفض وكأن ماساً كهربائياً اصابها.. حدقت به بعيون حادة فعاد ليضحك مما جعل النار تغلي اكثر في داخلي.. " مابك؟. انا امزح.. لما تبدلت معالمك هكذا.. اين سيلي لتراك ؟ " وقهقه عالياً بصخب.. فتمنيت لو يمكنني ان ارديه ارضاً في هذه اللحظة.. تباً له... " لا اريدك ان تمزح بامر البتة عمي " " لماذا؟ " " لانها خط احمر بالنسبة لي.. لا مزاح يطالها " " وان قلت باني لا امزح " ورفع حاجبيه بتساؤل فشبت النيران اكثر.. مجرد تخيل انها قد تغدو زوجه لادم اوقف عقلي تماما عن العمل.. ولذلك اجبت سؤاله بحدة واضحة " قلت لك.. انها خط احمر بالنسبة لي.. ابق بعيداً عنها " " هل ستبقى هنا بشكل دائم؟ " " لاشان لك.. ركز بامر هولز فقط.. وانس اي سخرية اخرى " " حاضر سيدي.. اية اوامر اخرى؟ " " لا.. هذه فقط " وتن*دت عالياً انحي نظراتي عنه.. اللعنة.... ما الذي اصابني؟... قضيت معظم وقتي مع آدم وكانني اسير على جمر حارق.. اخاف الخطأ امامه فهو شديد الملامحظة لايرحم.. لا ادري ما خطبي بحق.. لكنني وكلما ورد ذكر ابنة عمي ينال تشنجت وتبدلت ملامحي لتغدو قاسية جدية.. ابعد حديثه عنها واعيده الى عملنا الاهم... لما تفعل ينال بي ذلك؟. ايكون بسبب الطلب الذي وضعه جدي في راسي؟. وكانه جعل عيناي تتفتحان على وجود زهرة الصنوبر تلك من جديد.. وما ان غادر ادم اخيرا بعد ساعتين حتى تنفست الصعداء وتركت مكاني لاقف عند النافذة المطلة على الغابة الخلفية.. احدق في الخلاء ولا ادري بما افكر.. بامر وايت هولز الذي سيودي بنا الى مصيبة في القريب العاجل، ام بتلك الصغيرة البريئة.. ذات الملامح الجذابة الرقيقة... ابنة عمي.... كررتها لمرات.. ابنة عمي اي اختي.. الم نعتد ذلك ونتربى عليه.. اليس هذا ما زرعه بنا جدي ووالديّ لسنوات؟.. ابنة عمك.. تعني اختك.. دمك ولحمك.. الجملة التي لطالما تكررت امامي.. فما الذي تغير فجاة لتغدو ينال مص*ر طلب مختلف لجدي.. يريدها لي زوجة فجاة.. لماذا؟!!. الانها المدللة؟.. الانه سيهبها المصنع والمنزل ويريد لي ان اشاركها به بزواجنا؟. عبست بحدة وعقدت ساعدي.. تلك الفكرة جلبت الغضب الى دواخلي... مستحيل.. جدي لن يفرط بامري بهذه السهولة.. لن يذهب تعبي هباء منثورا.. هذا امر حتمي.. لما اذاً يا جاك؟!.. لما قد يطلب منك ان تنظر الى من اعتبرتها يوماً اختك على انها زوجة... احتمال زوجة لنقل... لماذا؟!!.. ما السر الذي يخفيه كلاهما؟. ولما كان قلق عليها كثيراً؟.. ان كانت تعيش هناك، حيث ارسلها.. ببذخ ورخاء.. لديها كل شيء ولاينقصها اي شيء.. فلما يظهرها بمظهر الضعيفة المسكينة؟. هنالك سر... واني انتظر التحقيق بامرها لاعرفه.. ويكاد فضولي يقتلني لحينها.. صوت طرق خفيف على الباب شتت تركيزي.. ادير نظراتي لادقق به قبل ان انطق " ادخل " كانت ضيفتي سيلي.. حبيبتي كما تسمي نفسها.. لكن حبيبة مع وقف التنفيذ فانا لا احب ان اخاطر بعلاقاتي للنهاية.. اضع حدود لها لاكتشف ما علي فعله قبلاً.. انها الزوجة المناسبة.. هذا صحيح.. الافضل لي.. لكنني مع ذلك اتخذ خط الحذر معها.. " مرحباً جاك " ومنحتني ابتسامة واسعة وهي تتقدم نحوي لتطبع قبلة طويلة على ذقني النامية.. فتبسمت في وجهها.. اراقب ملامحها الجذابة.. وخصل شعرها المائلة للشقار.. انها ابنة عائلة ثرية مشهورة هنا في المنطقة.. وتعود معرف*نا الى عمل شراكة جمعني بوالدها قبل شهور.. اعرف بان ابيها يسعى لهذا الارتباط.. لكنني لن اقدم على اي شيء حالياً.. مع طلب جدي.. ومع انتظار قراءة الوصية.. لن اخاطر بأي شيء لحينها.. " لقد جئتي؟!! " " اها.. انت قلت بانك لست قادر.. فجئت لاطمئن عليك وعلى الجميع.. كيف حالك؟ " سالتني باهتمام.. فتراجعت قليلاً عنها.. اشير لها نحو الاريكة لتجلس ففعلت ومدت يدها تدعوني للجلوس بقربها " انا بخير.. وانتِ؟ " وفعلت.. جلست بجوارها.. " اشتقت اليك.. كثيراً " قالتها بدلال فابتسمت من جديد.. واسترحت بجلستي الف ساق فوق الاخرى " كيف حال والدك؟ " " بخير.. هو ايضاً يود الاطمئنان عليك.. قلت له باني ساتي بنفسي لاراك.. يبلغك تحياته " هززت براسي لها ممتناً.. " ماذا تشربين؟ " " لاشيء.. اني هنا لاطمئن عليك فقط.. لن اطيل بقاءي " " مستحيل.. ستبقين على العشاء " واصررت عليها لمرات فوافقت " هو يوم الجمعة اذاً ؟ " " نعم.. بعد غد " " ولما تبدو قلقاً ؟ " " لست قلق.. لكن وفاة جدي غيرت الكثير " " خائف من الا تحصل على المصنع؟ " سالتني بصراحة فحدقت بها لا ادري بما اجيب.. اخذ نفس عميق قبل ان افرك جبيني لمرات مجيباً " تقريباً " " لا اظن بان ادريان موريس سيحرمك المصنع.. انت الامثل له.. والوريث الاول ! " " لكن ليس المفضل " " في عالم الاعمال.. المفضل غير مهم " التوت شفتي بسخرية لكلامها انظر في عينيها مهمهماً " ليس لدى جدي " " ومن هو المفضل عند جدك؟ لاتقل هاوي ارجوك " ورفعت حاجبيها بتهكم فضحكت لردة فعلها.. اهز براسي نافياً اجابتها " لا.. لا ليس هاوي.. " وسحبت نفس طويل " حفيدة لم تقابليها قبلاً.. تدعى ينال " " قريبتك؟ " " ابنة عمي " " المفضلة لدى جدك؟!! لا افهم.. لم اسمع يوماً باسم ينال هذه! " " لانها لا تعيش هنا ولا تزورنا.. لقد ابعدها.. لسبب سري لايعرفه احد هو ابعدها.. والان عادت " " وتخشى ان تحصل على تعبك في التركة؟ " " تقريباً.. ادرك بانها وجدي كانا يخفيان امراً ما.. لكني لا اعرف الى اين ستصل الامور " " اقترب يوم الجمعة.. وستكشف كل الاسرار.. لكنني لا اظن ادريان غبي.. لابد انه يعرف من المالك الامثل للمصنع.. وسيكون لك.. على الاقل سترث النسبة الاكبر به.. سترى " " اني انتظر " وزفرت بسام فمدت يدها تلاطف ذراعي لتهون عني.... ....... ........... لما قلت بانها حبيبتي؟!!!... حين تقابلت انا وسيلي بينال ووالدتي عند باب غرفة الطعام.. لما قلت بان سيلي هي حبيبتي؟. اي جحيم هو هذا الذي يضطرني للنطق والقول باشياء ليست صحيحة تماماً!!!.... لا ادري.. لكنني حين نظرت في عينيها الفضوليتين.. رايت ذلك الشعاع الغريب يملئهما.. تساؤل خافت يطغى عليهما.. ربما لذلك قلت حبيبتي.. لارى ردة فعلها على قولي.. لكن ملامحها لم تظهر شيء.. ولا اعلم.. هل خيب ظني هذا ام اراحني.. لكن ما اعلمه ان سيلي باتت اكثر سعادة وثقة الان.. فهاهي تجلس على يميني عند طاولة العشاء وتتبادل الاحاديث مع اختي جيسي.. بابتسامة مشعة سعيدة وشهية مفتوحة.. فيما بعيداً عند الطرف الاخر.. تقبع ابنة عمي.. صامتة ساكنة.. لا يعرف فمها طعم العشاء.. راقبتها.. وراقبتها.. بدقة.. بحذر.. دون اي رادع او حاجز.. احاول سبر غور اسرارها.. لكنها كبئر عميق.. لا قرار له.. ليتني فقط اعرف ما تخبئه عنا..... انتهى العشاء وانتقلنا الى غرفة الجلوس جميعاً لنشرب القهوة.. عمتاي كانتا منخرطتان في حديث جدي جانباً.. والدتي مختفية تحضر لشيء ما.. بيرنا ايضاً وباريس وحتى بوب خرجوا معاً نحو مكان ما... ولم يتبقى الا هاوي وجيسي.. يبقي هاوي تركيزه عند ينال فينظر اليها لوقت طويل فيما هي تتجاهله.. يحادثها ويحاول التقرب منها.. لكنها لا تلين.. اهي لعبة جديدة يتخذها هاوي ليضمن تركة ينال في قبضته؟!!... ايقوم بلعبة ما ليستغل ابنة عمه؟. لا استبعد هذا عنه.. فاعرفه شاب طماع يحب المال والثرثرة فقط.. نظراتنا التقت للحظات.. وسط الجو الساكن.. يتوقف فيها الزمن.. اجل.. لقد شعرت به يتوقف.. عند كلانا.. عينيها الزرقاوتان لمعتا بغرابة مما جعل انفاسي تتوقف... تبدو حزينة **يرة.. اشعر بها تخترقني بملامحها الرقيقة تلك لتسيطر على كل خلية فيني... الهي!!!... كيف اقاوم شعوري نحوها؟. يد سيلي لاطفت حينها ذقني فارتدت سريعاً متفاجئاً لاستيقظ من حلمي الوردي وانظر الى جارتي مقطباً.. اسمعها تسالني ان كنت بخير فهززت براسي فقط.. هل انا بخير؟.. تساءلت داخلياً.. لا اجد الجواب مهما بحثت عنه.. لا ادري ان كنت بخير ام لا.. ما اعرفه باني تائه مشتت الذهن.. وبان السبب... هو زهرة الصنوبر....... حاولت بعد ذلك ان انام.. تقلبت في سريري لمرات.. لا اعرف هل اشعر بالبرد ام بالحر.. تارة اضع الدثار على جسدي المغطى بالمنامة السوداء وتارة اخرى اتأفف فازيله وارميه جانباً... حسناً.. انا لست بخير.. وزفرت بسأم.. اسند راسي للوسادة لاحدق في سقف الغرفة المعتم.. صورة وجه ينال وهي تنسحب من الجلسة المسائية الليلة يعود الى ذهني.. اجدني افكر بها بشكل كبير ودائم... وعلى الرغم من اني ارفض ذلك وامقته.. لكن رغم عني.. شتمت.. وشتمت مجدداً.. ارفع يدي لافرك جبيني واغلق جفناي لثوان ثم اعود فافتحهما... ارى وجهها مقابلاً لي.. ملامحها الرقيقة الباسمة.. مذ كانت طفلة حتى الان.. لقد غدت امراة مكتملة الان.. امراة ليست لك.... هتف عقلي... الا اذا.... واقفت على طلب جدك... ***** " ها هو ما طلبت " ووضع روب الملف البني امامي على طاولة المكتب فتبسمت وهززت براسي.. " واخيراً.. اشكرك روب " " فعلت ما بوسعي سيدي.. لكن كان الامر صعباً.. لم يتحدث الكثير عنها " " كيف ذلك؟ " وعبست بمساعدي وانا اتخذ الكرسي خلف مكتبي في المنزل.. اسمعه يجيب " وكان الجميع هناك اقسم الا يبوح بشيء عنها.. تعيش بشكل حيادي جداً وبعيد.. لا تتعاطى مع احد " " اهذا كل ما عرفته ؟ " " لا.. هنالك الكثير.. ستجده هنا في الملف سيدي " " ممتاز.. شكراً مجدداً.. يمكنك الانصراف " كنت متعجل لافتح ذلك الظرف فاعرف اسرار ابنة عمي.. وما ان غادر روب حتى سارعت لفعل ذلك.. افض الظرف واخرج الاوراق والصور.... يقال هنا بانها وبعمر الثامنة عشر استاجرت الشقة.. ودخلت الجامعة.. لتدرس الاعلام.. اربع سنوات من الدراسة وفي الوقت عينه بدات العمل في احدى القنوات كمساعدة لتدفع ايجار الشقة...!!!!!. توقفت عن القراءة وعبوسي يزداد.. كيف ذلك؟. مؤكد هنالك خطا ما!!.. كيف تعمل وتدفع ايجار الشقة؟. الا يفعل جدي ذلك؟. غريب!!!.. وتابعت القراءة... انهت الدراسة وتابعت عملها في القناة نفسها.. قناة أمل.. مساعدة مخرج في برنامج فني.. لاتزال تدفع ايجار الشقة من راتبها المتواضع.. تجلب اغراضها بمفردها.. تعيش ببساطة ولا اصدقاء لها.. قريبها الوحيد وزائرها الذي يعرفه الجيران هو السيد ادريان موريس.. يزورها كل مدة ليطمئن عليها.. لا يطيل بقاءه عندها ثم يرحل.. ماهذا الهراء؟!!!!.. سبع سنوات من الهراء هذا؟!!.. مستحيل.. لن يسمح جدي لحفيدته ان تعمل وتصرف من راتبها وتعيش في وضع متقع... الا ان كانت معاقبة لذنب ما.. او يقوم جدي باختبارها.. تباً... لقد ازدادت الامور تعقيداً.. قلبت بالصور وراقبت كل التفاصيل.. مكان عملها.. الشقة التي تعيش بها والبناء ايضاً.. يبدو مكان عادي جداً ومتواضع.. والشقة صغيرة جداً ورخيصة... ما الذي فعله جدي بها؟!!!!.. اللعنة.... ****** لم تتوقف تلك الاسئلة.. لم تقل بل زادت.. باتت سم قاتل يتحرك داخل دمي.. اريد ان اعرف الاجابات.. الاسرار.. لكنني انتظر قدوم يوم الجمعة لننهي الامر.. ولقد حل يوم الجمعة... اجتمعنا كلنا في غرفة مكتب جدي.. ننتظر وصول محاميه السيد ساروس.. الذي ما ان وصل حتى اتخذ الكرسي الرئيسي عند الطاولة وفتح حقيبته يخرج منها ظرفاً ابيضاً.. لقد حانت اللحظة... همهمات وصلت من هنا وهناك.. تعليقات قلقة وساخرة ربما.. لكن اكثرنا ركز بما يجري.. وبطرف عيني رايت ينال صامتة مثلي.. تجترع ل**بها بصعوبة لسبب لا ادريه.. اهي قلقة ايضاً الا يكتب جدي المصنع لها.. او المنزل هذا؟!.. لكن.... مع مرور الوقت.. وكلما نطق ساورس بشيء.. بت متاكد بان هنالك خطب ما.. وبان ينال.. شخص مغضوب عليه.. اطلق زفرة مرتاحة حين منحني جدي الرتبة الاعلى في المصنع.. 65% من الاسهم باسمي.. الباقي باسم جيسي ووالدتنا.. باقي الاملاك وزعت بالتساوي بين عمتي وانسبائي.. الكل كان راضي.. سعيد.. فضولي ربما بشان ينال التي لم يرد اسمها للان بعد في اي بند.. لكن اخيراً.. علمنا بان منزل العائلة سيبقى للعائلة دائماً.. وباشراف المساعد والمحامي... املاك عامة كما فهمنا.. واعجبنا ذلك ايضاً... " كل منكم بات يعرف ما تقرر.. وما حدده السيد ادريان موريس له.. وهذه هي الوصية موقعه منه.. يمكنكم التاكد.. القراءة.. ومراجعة المحامين الخاصين.. لا مجال للشك او الطعن فيها... واخيراً.. بقي الانسة ينال.... " ونظر السيد ساروس الى ينال من خلف نظاراته الطبية فتحولت كل الانظار نحوها.. ادقق بها انا وسط ال**ت لاسبر غور برودتها.. تبدو كمن كان يعرف بحدوث هذا.. تبدو كمن.... ينتظر شيء اخر من جدي... ولا احد يعرف ما هو هذا الشيء!!!. " هذه كانت وصية جدك لك ينال.. تفضلي " مرر لها المحامي تحت انظاري الدقيقة ظرف ابيض صغير.. اقطب محاولاً افتراض ما بداخله.. كما معظمنا.. " لقد طلب الا يفتحها احد الاكِ.. وهذا ما حدث " سمعتها تسحب انفاسها بثقل.. ثم تقلّب الظرف بين اصابعها المرتجفة.. ماخطبها؟!!!. مم هي خائفة؟. لما تبدو متوترة؟.. وماذا يوجد في هذا الظرف؟!... لا احد يعرف... " ماذا يوجد في الظرف؟ " " لا اعرف!! " " ترى هل ترك لها عقار خاص لايعرفه احد؟ " " ممكن.. سنرى " ازدادت الهمهمات والتساؤلات لكنني ظللت صامتاً اراقبها وهي تبدا بيد مرتجفة بفك لاصق الظرف لتفضه.. تخرج منه اخيراً ورقة صغيرة مطوية ومرتبة.. اغلقت جفنيها لثوان تبدو كمن يصلي ويطلب شيء ما.. ماسرك ينال؟!.. ما الذي تخفيه مع جدي؟!.. وتململت في جلستي مقابلاً لها اراها اخيراً تفتح الورقة لتقرا مافيها.. **ت.. هذا ما حدث.. والكل يراقبها.. اراها ترتجف اكثر.. تبدو مختنقة جريحة.. دموع كثيرة تجمعت في مقلتيها لسبب لا اعرفه.. وطال السكون... طال كثيراً.. " ينال!!.. مابك ابنتي؟ " سالتها والدتي التي تجلس بقربها.. فزفرت باختناق.. لتبدا الدموع بالانسياب.. فسحبت انفاسي مرغماً.. لا استطيع احتمال رؤيتها تبكي.. " ينال.. هل تدركين ما كتبه لك جدك ؟ " سالها ساروس.. فظلت تحدق في تلك الورقة.. ودموعها لا تتوقف.. ليتني استطيع اخذها لارى مافيها.. ما الذي كتبه جدي لها لتغدو في هذه الحالة؟!!.. " ابنتي.. " وتابع المحامي بصوت منخفض " تعرفين بانك ممنوعة من الحصول على اي شيء من ثروة ادريان موريس.. اسمك لم يرد بالوصية.. وما كتبه جدك لك في الورقة هو كل ما ستحصلين عليه.. اتمنى ان يكون كافياً كما كنت تحلمين " ممنوعة من الحصول على اي شيء من ثروة ادريان موريس!!!.. ما الذي يهذي به هذا الرجل؟. ولما هي ممنوعة.. اتكون معاقبة؟!. كدت اسال.. لكن صوت الكرسي يتحرك ا**تني.. انظر كما الجميع الى ينال وهي تقف تاركة مكانها.. لاتزال تحمل تلك الورقة الصغيرة في يدها مغادرة المكتب ب**ت ثقيل.. كل العيون لاحقتها.. وهي تخطو وكانها لا ترى بعيداً.. تترنح فتفتح الباب وتخرج.. تتركنا كلنا في ذهول وصدمة.. " كيف يحدث هذا بحق الله؟!. " اعترضت العمة كايلي سريعاً.. يتبعها صوت والدتي " كيف يمكنها الا ترث شيء؟. اهذا جنون؟ " " ماذا يوجد في الورقة؟. ما الذي كتبه جدي لها؟ " سال هاوي بفضول وعبوس فيما لا تزال انفاسي قاسية حادة.. " اهدؤوا لو سمحتم " " نريد ان نعرف ما الخطب.. كيف يمكن لجدي الا يورث حفيدته ينال شيء " راح ساروس يرتب الاوراق امامه بهدوء وحرص مجيباً تساؤل بيرنا بلهجته الجادة الرصينة: " لايمكن للسيد ادريان موريس ان يورث من ثروته.. لحفيدة لا تحمل دمه " وكانه نطق بلعنة... اجل لعنة!!!.. شهقات تصاعدت.. همهمات ملئت المكان.. عدم تصديق... ثم اخيراً صرخة عالية قوية دوت في الخارج.. انها ينال!!!!!!.. الهي... انها ينال!!!..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD