الفصل الخامس

3407 Words
(( اني احررك من سرنا يا ينال )) ظننت باني حين ساسمع هذه الكلمات ساطير فرحاً.. ظننت باني ساهتف باعلى صوتي معلنة ذاك السر الذي قض مضجعي لسنوات.. لكنني... الهي... انني لا اعرف بما اشعر.. ولا ماساقول.. انا... **ت.. هذا كل ما حصلت عليه بوقوفي على الشرفة الخارجية.. تتساقط علي حبات من المطر التي ابت الا التحالف معي بسقمي المرير هذا.. فراحت تنثر قطراتها عليّ.. مبللة وجهي الشاحب وخصل شعري المحررة.. وقفت هناك.. بمفردي.. اعيد تلك الكلمات من جديد.. ا** اذناي بها فقد حلمتها ودعوتها لسنوات (( اني احررك من سرنا يا ينال )) حررني!!!... حررني بعد سنوات من العذاب وال**ت.. وانا التي ظننت اني ساظل مقيدة بهذا السر لاخر يوم في حياتي.. لقد حررني!!... نفس جريح غادر فمي.. وجسدي لايزال متصلب مرتجف.. اتقدم خطوة للامام ثم خطوة اخرى.. اقترب من الحافة العالية لانظر في عمق الغابة.. هذه الغابة التي شهدت معاناتي ودموعي.. انصتت الي لمرات وانا اشهر بسري لها.. تنصت ولا تنطق.. كالقبر تماماً.. كحالي انا... حررني؟!... لقد فعل... وخطوت مرة اخرى.. اقف بعيون لاترى.. واهنة ساخنة.. مليئة بالدموع الدافئة المعذبة.. عند حافة الشرفة العالية... يدي تقبض بقسوة على تلك الورقة الصغيرة.. انها تحمل صك حريتي.. كلماتها تعني خلاصي.. لقد حررني وانا التي صبرت وصبرت لاجل هذا.. وسحبت انفاسي باختناق، تنساب دمعاتي على وجنتي لتمتزج بحبات المطر المنهمرة.. اغلق جفني على مأساتي ثم افتح فمي فاصرخ باعلى صوتي.. اخرج كل الالم الذي يستعمرني.. احني جسدي للامام لادفع منه كل ذاك الكبت والعذاب.. الاسى والمعاناة.. كل تلك السنوات.. اصرخ حتى انقطعت انفاسي وخفت صوتي.. اشعر به يتحشرج متحولاً الى شهقة باكية عالية.. صرخة جريحة تمتزج بانتحاب قاسي مرير... جفناي لايزالان مغمضان وجسدي كله كتلة مرتعشة.. لقد انتظرت هذه اللحظة لسنوات.. حين اغدو حرة اخيراً... شهقة جديدة غادرتني.. بكاء متكرر لا ينقطع.. احاول ان اقاوم.. ان اتوقف.. ان ارفض ضعفي هذا لكنني مللت هذه القوة.. مللت كوني قاسية جامدة كشجرة صنوبر معمرة.. انا لست شجرة صنوبر.. ولست قوية... انا ضعيفة.. اضعف انسان على وجه الارض... وضغطت بقبضتي اكثر حول الورقة.. اشعر بها تحرق راحتي.. (( اني احررك من سرنا يا ينال.... اني احررك..... احررك... )) شهقات اعلى غادرت فمي.. اعرف بانها ستتحول لاختناق قريباً.. وبانني على الارجح ساصاب بنوبة ربو حادة.. لكنني تغاضيت عن كل ذلك لاخرج ما بداخلي.. كبت سنوات انفجر كبركان خامد ليجهز على كل ما حوله وبداخله... " ينال!!! " " ينال!!!!!! " سمعت الصرخات.. النداءات.. وشعرت.. اجل شعرت.. لكنني لم اتوقف... ساقي ارتخيا فجاة.. جسدي لم يعد قادراً على الوقوف بشجاعة في وجه انهياري.. فانهرت ارضاً بقرب حافة الشرفة.. اضغط وجهي اليها متابعة البكاء لينسدل شعري حولي كهالة حماية حريرية... " لا تبكي يا ابنتي.. بحق الله.. لاتبكي.. تعالي " صوت عمتي كايلي وصلني قريباً.. وشعرت بذراعيها تحيطان بي.. لقد جلست بقربي تماماً ولفت يديها حولي تجذبني اليها.. " توقفي عن البكاء.. ارجوك يا صغيرتي " لكن كيف افعل.. ان كانت هي تبكي وترتجف بجواري؟... " هشششش " همست في اذني.. وراحت تربت على راسي فمددت يدي اقبض باصابعي على حافة سترتها القماشية لافرغ فيها ضعفي.. اضع وجهي في حضنها الدافئ واسحب رائحتها التي احب الى ص*ري لاهدأ.. " يكفي بكاء.. انها ليست نهاية العالم.. اسمعتي؟. انت موريس رغماً عن انف الجميع " لكنني لم اكن.. لم اكن... وص*رت عني شهقة باكية جديدة جعلتها تجذبني اقرب واقوى.. " سابقى عمتك المفضلة الى اخر يوم في حياتك.. لاشيء سيتغير يا ابنتي " اخذت نفس عميق مختنق.. اخرجه **عال حاد يعني بالنسبة لي بدء نوبة الربو.. وتكرر ذلك لمرات ومرات وازداد سوء " عمتي هاتها.. انها تختنق.. ساحملها الى غرفتها لنعطيها دوائها علها ترتاح قليلاً " جاء صوت جاك جاد وقوي.. وشعرت بيديه تبعدني عن حضن عمتي وسط شهقاتي المختنقة.. يرفعني بثقة ويحملني ليضمني الى جسده فسعلت قوياً وتشبثت به.. يبدا بالسير بي ووجهي مغمور في عنقه.. ورغم المي وحزني الى انني تمنيت بقاءي هنا.. معه وبين ذراعيه.. هنا... حيث لا الم ولا عذاب يمسني.. لا غربة ولا وحدة.. لا اختناق ولا موت.. هنا.. حيث هو وحيث انا.. فقط... " خذي نفس عميق وتوقفي عن البكاء.. لست صغيرة " قالها في اذني بحدة فحاولت فعل ذلك.. اشعر بجسدي يزداد ارتجافاً.. وصلنا.. وبرويد انحنى ليضعني على سريري.. ابقي انا على جفني مغلقين ينزفان دموعاً لا تتوقف فيما اشعر به يعود فيدنو نحوي.. اصابعه تبعد خصل شعري المبللة بعيداً عن وجنتي ليهمس بقرب بشرتي الشاحبة " ستبقين ابنة عمي لو مهما حصل.. هذه هي الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة " وابتعد فشهقت بقوة اكبر.. ابنة عمه!!!... لا اظن.... " هيا ينال.. افتحي فمك وتنفسي بعمق.. هيا " نفذت سريعاً علني ارتاح.. وسحبت انفاساً متتالية من دوائي.. اعيد راسي اخيراً للخلف لاسنده الى الوسادة.. يدي التي تقبض على الورقة تراخت لتوقعها جانباً.. اود فقط ان اغرق في نوم عميق يريحني من كل ما مررت به... وفعلت.... .... ........ اردت ان اشعر بمعنى الحرية.. ان اعيشها واحياها.. اردت ولو لليلة واحدة ان اكون انا.. فقط انا... اردت وتمنيت.. وسافعل... وباصرار وقفت مقابل المراة مساء اليوم نفسه.. لايهمني شحوب وجهي وانتفاخ عيني من البكاء.. لايهمني ان شكلي مشعث فوضوي.. رتبت كل شيء سريعاً ووضعت القليل من مساحيق التجميل ثم ارتديت سترة سوداء وشورت جينز قصير مع حذاء عالي الساق.. القي بنظراتي الاخيرة نحو المراة لاتاكد باني الان اتصرف بحرية.. وبفم مضموم وثقة مفرطة تركت غرفتي.. احمل بيدي حقيبتي الصغيرة فاضع فيها نقود وهاتفي المحمول.. ثم اسير في الرواق براس مرفوع وخطوات رتيبة.. انزل السلالم بحذر كي لا اقع وابعد خصل شعري الحرة عن جبيني وجفني.. " ينال!!؟" سمعت روني يناديني.. صوته مستهجن مصدوم لكني تجاهلته وتابعت سيري نحو باب المنزل " الى اين انت ذاهبة في هذا الوقت ؟ " سؤال اخر لا جواب له.. وفتحت الباب وخرجت.. اطلب من السائق الخاص بالعائلة ان يوصلني الى قلب المدينة التي تبعد نحو ثلث ساعة بالسيارة.. اصعد في المقعد الخلفي واركز بنظراتي خارجاً.. لا وجود للحزن الان.. ولا للعذاب والالم.. هذه اللحظات لي.. لحريتي.. وساستمتع بكل ثانية منها.. ورسمت العقدة بين حاجبي اعتزم فعل ذلك خطوة خطوة.. ملهى الانوار كان الاشهر في ذاك المكان.. ضاج بالحاضرين والزائرين.. صوت الموسيقى يطغى على اي شيء اخر.. وهو ما اطلبه.. اتخذت كرسي عند البار وطلبت شراب قوي اريح حقيبتي هناك والتف لاتامل المتواجدين.. اجل انه احتفال.... لو مهما انكرت ذلك.. احتفال بحريتي.. الم يحررني جدي؟. الم يفعل؟.. شراب لحقه اخر واخر حتى بدات الضحكة بالتسلسل الى فمي رغماً عني.. اشعر بنفسي مخمولة وبجسدي يطير عن الارض.. رافقت بعدها شاب للرقص.. والمرة الثانية كانت لي وحدي.. ارقص وسط الكثيرين واتمايل بجسدي الثمل فيما تتطاير خصلات شعري مع حركتي المستمرة.... أنظر الي ياجدي.. انا احتفل بحريتي من سرنا.. الم تحررني؟. وها انا ذا احتفل... بعد دقائق لا ادريها عدت نحو البار لاطلب شراب اخر.. الساعه باتت تتجاوز الثانية ليلاً.. والجو يزداد صخباً.. ولكنني استطعت سماع صوت هاتفي يرن وسط ذلك.. اخرجه من حقيبتي لاجد رقم غريب غير مسجل.. بعبوس ضاحك تمايلت وفتحت الخط لاجيب " الو... " " اين انت بحق الجحيم؟ " ضيقت عيناي امام الصوت ومددت يدي لاحمل كاس شرابي الجديد " من يتحدث؟. " " انا جاك.. اين انت اخبريني؟ " " جاك؟!.. اممممم.. من جاك " " توقفي عن فعل هذا ينال.. واخبريني اين انت؟. " ضحكت عالياً وتمايلت بجسدي حتى كدت اقع عن كرسيّ فتدراكت ذلك.. " لما انت غاضب.. سيد جاك الغريب؟! " " هل انت ثملة؟ " صرخ حتى ا** اذني.. فابعدت الهاتف سريعاً بعبوس.. ماخطب هذا الرجل المتصل؟. " ينال؟!. هل انت ثملة؟ اجيبي.. اين انت بحق الجحيم؟ " " لقد **مت اذني ياهذا.. كف عن الصراخ.. تباً.. انا.. لا اخبر الغرباء بمكاني.. هكذا علمتني امي " " ساقتلك ينال " ثم لاشيء.. اغلق الهاتف في وجهي.. فرفعته انظر اليه بحاجبين مرتفعين.. وابتسمت.. " مجنون انت يا رجل!!! " *** " كأس اخر.. واجعله اقوى " " هذا يكفي " صوت من خلفي، قوي وحاد جعل النظرات جميعاً ترتفع اليه.. ارى عينيه تقطران غضباً وهو يتاملني.. فضيقت حدقتي اتامله.. تباً.. انه جاك.. جاك ابن عمي!.. ما الذي يفعله هنا؟!.. " جاك!! " " ارى بانك بتِ تعرفيني الان " " ماذا ت... " " هيا.. سنتحدث في الخارج " واخرج بعض الاموال يرميها للساقي قبل ان يمد يده ليسحبني من ذراعي فوقفت متقهقرة اقاومه " توقف.. لا اريد.. لم ينته الحفل بعد.. تباً " مقاومتي ذهبت سدى فقد بدا اقوى واكثر اصراراً.. جذبني بعنف حاد وسار امامي لا يهتم بايلامي او باني لم اترك جسداً الا وارتطمت به في طريق خروجنا.. " توقف!!.. ماذا تريد.. ما شانك انت؟. ا****ة " لم يسمعني.. ولم يتوقف.. وحين غدونا في الخارج دفعني بقسوة اكبر نحو سيارته المتوقفة جانباً.. فترنحت وكدت اقع لولا مساعدته السريعه لي.. يتلفقني بساعديه ويفتح باب السيارة ليدخلني اليها.. " لا اريد المغادرة.. لم ينتهي الاحتفال بعد " اخبرته بسأم حين جلس بقربي خلف المقود.. فتجهمت ملامحه اكثر وهتف بي " احتفال؟!.. لقد توفي جدك منذ ايام.. انسيتي ذلك؟. ماذا سيقول الناس عنا الان؟ " ارتفع حاجباي سريعاً وبعد ثوان تحول ذهولي لضحكة عالية حادة فيما يبدا جاك بقيادة السيارة بعيداً عن الملهى.. " جدي؟!. اه نعم جدي.. لايهمني ما سيقوله الناس.. لا يهمني شيء.. " ودنوت اقرب اليه لاتابع " لقد حررني جدي.. يمكنني فعل ما اريد الان.. الا تفهم؟. كل ما اريد " " ما الذي تنطقين به؟ " " انا... حرة.. حرة بعد كل هذه السنوات " " اخفضي صوتك.. في الحال.. واثبتي في مكانك.. وضعي حزام الامان والا اقسم.. اقسم.. س..... " وضم فمه قوياً ف**تت مستهجنة ردة فعله الغاضبة هذه... اعود لمكاني رافعة يداي باستسلام وابتسامة خبيثة " جاك الغاضب كما العادة.. لاشيء تغير بك اتدرك ذلك.. لازلت ذاك الشاب البغيض الذي لا يطيقه احد " " يمكنك ان ت**تي الان " " ويمكنني الا افعل.. " وضحكت عالياً ارى قبضتيه تزدادان اشتداداً حول المقود حتى ابيضت مفاصله.. " لقد جننتي ينال.. جننتي بالكامل.. لو مهما حدث.. لو مهما عرفتي.. لم يكن عليك وضع اسم عائلة موريس في الارض.. تراب قبر جدك لا يزال حديث.. وانت في ملهى قذر ترقصين وتحتفلين.. ماهذه المهزلة؟ " تراجعت بجسدي للخلف اريح ظهري على الكرسي ويداي تبعدان الشعر المبعثر عن عيني مجيبة اياه " انها مهزلة تخصني.. لا تخص ال موريس " " انت موريس.. سواء اردتي ذلك ام ابيتي " دققت به مطولاً وسط ظلام السيارة.. بدء من وسطه ويديه القابضتين على المقود.. اصابعه الطويلة.. ساعديه القويين.. ص*ره العريض المغطى بقميص رمادي اللون.. وخصل شعره السوداء القصيرة.. " هل سمعتني ينال؟ " اعادني من شرودي به.. فاحمرت وجنتي محاولة التركيز على ما كان يقوله.. " واقع انك لاتحملين دم العائلة كما قال المحامي لا يعني شيء.. انت موريس حتى العظم.. افهمتي؟ " " بقانون من؟. اخبرني.. " واختفت ابتسامتي.. لقد بات الكل يعرف باني لست حفيدة عائلة موريس.. ولا احمل دمائهم.. وكم يقتلني هذا!!.. ورففت بجفني اعيد الدموع التي تكاثفت في مقلتيّ بعيداً.. بعيداً جداً.. " بقانوننا نحن.. عائلتك.. انت جزء منا " " انا لاشيء.. مجرد ثمرة خيانة " بصقت الكلمات بق*ف وعدت نحو النافذة لادقق بالمشهد الخارجي.. لاقدرة لي على مواجهته وانا اعترف بهذه الحقيقة.. اجل... انني ثمرة خيانة والدتي لوالدي.. توقفت السيارة فجاة.. فظللت على حالي.. ارف بجفني فقط كي لا تتساقط دمعاتي.. اشعر بان كل الخمر قد فارق راسي الان.. لكن الم قوي بدء يعصف به.. انه الم الثمالة مؤكد.. " اهذا ما كان يقصده جدي؟. " سالني بصوت خافت اشعر بيده تمتد لتمسك بيدي.. يفتح اصابعي ليضع شيء في راحتي.. شيء حالما لامسته عرفت ما هو.. فادرت وجهي واحنيته لاتامل الورقة في يدي.. ادرك ما يسالني عنه واسمعه يتابع بهمس " انني احررك من سرنا يا ينال.. " انه يكرر جملة جدي!.. " اهذا ما قصده؟. بالسر؟. " وعقد حاجبيه " اخبريني الحقيقة.. هل قصد امر انك لا تحملين دم عائلة موريس؟ ام هنالك شيء اخر؟. " **ت.. لا ادري بما اجيبه.. نار مستعرة اندلعت في داخلي.. انفاسي باتت ثقيلة مؤلمة.. اجترع ل**بي بصعوبة وعيناي لا تفارقان الورقة.. غير قادرة على رفع راسي لانظر في عيني جاك واجيبه... هل اجيبه؟. هل افعل؟. هل اخبره ؟. فقد حررني جدي من سرنا الان.. حررني.. فيمكنني البوح.. لكن.. هل اريد حقاً الان ان ابوح بسرنا؟. " ينال.. لا تخفي عني.. اخبريني هيا.. ما الذي قصده جدك؟ " " بعض الامور.. افضل طريقة لنسيانها هو المضي قدماً عنها.. وانا.. اريد ان انسى " وزفرت باختناق اقبض من جديد على الورقة ثم اعود نحو النافذة لاتسمر هناك.. " اخبريني ينال.. هذا سيريحك " " لاشيء قادر على اراحتي.. ولا حتى هذه " ولوحت بالورقة.. اعترف بمرارة ذلك.. حررني اجل لكنني لازلت مكبلة بسرنا.. لا اعرف فرار ولا عودة عنه.. واللعنة... اللعنة.. كم يذ*حني ذلك!... " ينال؟!! " يده... شعرت بها تلامس جانب راسي.. خصل شعري وعنقي.. رقيقة دافئة.. شعرت بها تجتاحني داخلاً قبل الخارج.. موقفة انفاسي التي ابت الا ان تشعر به قريباً.. ما الذي يحدث لي بقربه؟. الم تمت تلك المراهقة التي عرفتها سابقاً؟. الم اتغير وانضج بمرور السنوات؟. لما لايزال قربه مني مؤثر؟!. الم انساه؟. الم اتخطاه؟. لا... تباً.. لا..... يده لم تتوقف عم ملامسة جانب وجهي فوجدتني اهمس له برجاء مميت: " ارجوك جاك.. لننهي هذا اليوم على خير.. لقد عانيت كفايتي.. لو سمحت " " انظري الي.. هنا " امرني بصوت منخفض.. ولم استجب.. كيف سانظر وانا التي اشعر بعاصفة على وشك الهبوب حين سافعل.. قاومته ورفضت.. اسمعه يعيد طلبه باصرار اكبر " ينال.. انظري في عيني.. الان " " ارجوك جاك.. انا.... " لكن يده اصرت.. تحولت من عنقي نحو ذقني.. يفرض عليّ بقوة ان استدير اليه.. فاسدلت جفني سريعاً اخفي بخجل المشاعر السافرة التي تسارعت بالظهور على صفحة وجهي.. " لما تخفي زهرة الصنوبر وجهها عني؟. " زهرة الصنوبر؟!... من جديد.. انا زهرة الصنوبر!!. وشعرت بغرابة هذه الكلمة.. كما شعرت باثرها يفتت روحي.. " انا متعبة " " ظننتك ثملة؟!. " وابتسم ساخراً.. " افتحي عينيك.. الا ان كنت خائفة مني " مررت ل**ني برويد على شفتي.. ابلل جفافهما لا اريد ان انظر وانا التي اخفي سيل من الدموع خلف مقلتي.. لكنه من جديد اصر.. اسمعه يسحب انفاسه ببطء حين فعلت.. عبوس طفيف غطى وجهه لما تقابلت نظراتنا من خلف ستارة دموعي.. اراه يتن*د بعمق فترق ملامح وجهه الجذاب اكثر.. " ينال!!! " همهم بصوت اجش.. يدنو براسه نحوي اقرب.. فتغدو انفاسه على بعد قليل من وجهي.. اشعر بها دافئة عذبة مثيرة خلاياي النائمة المتالمة.. انظر في عمق عينيه لارى مالم اره قبلاً.. اهتمام.. لطف.. قلق وخوف.. دمعة يتيمة انسابت على وجنتي رغماً عني فسارعت لضم فمي.. ابتلع تلك الغصة الرابضة في حنجرتي.. لن ابكي.. لا.. فاليوم انا احتفل.. وفي الحفل.. لابكاء ولا حزن.. " ينال... لاتبكي " لم انطق.. لم استطع.. والا انهرت باكية.. اراه يتاثر اكثر.. ويدنو اقرب.. يمسح بابهامه دمعتي ويلاطف وجنتي.. ينظر في عيني ثم ي**ت ويتسمر.. شيء ما فيه وفيّ تغير.. فيما حولنا.. في الجو والهواء.. حتى في سير الكون.. وكأن الوقت قد توقف بيننا.. وكأن اي شعور واي بشر في هذه الارض قد تبخر.. هو.... وانا.... وفقط... " جاك!!! " تمتمت محرجة حين طال ال**ت.. حين شعرت بانه يدنو الي اقرب وكانه ينوي تقبيلي.. لكنني ساندم اعرف ذلك يقيناً.. وهو سيندم اكثر.. وقد يلقي باللوم علي لاني ثملة.. وانا لا اريد ذلك.. ومرغمة.. تراجعت قليلاً عنه فوعى من عمق افكاره ورف بجفنيه فعاد الكون للحراك والوقت للسير.. " انا مرهقة.. ارجوك " نظر في عيني مطولاً قبل ان يخرج صوته اجش عميق " حسناً.. لا مشكلة.. سنتحدث بما حدث لاحقاً " ان وجدتني هنا لاحقاً.. فتحدث.. همهمت بنفسي.. اراه يبتعد سريعاً عني وكانه ادرك مكانه وماكاد يفعله.. يتململ في جلسته بتوتر واضح منعشاً محرك السيارة.. عيناي لم تتركاه.. لاحقت حركاته تلك بعيون ضيقة.. اعرف باني اتخذت القرار الصحيح.. لا اريده نادماً.. خاصة وان هنالك امراة في حياته.. ... ..... الجناح الغربي.. ذاك المكان المهمل المغلق منذ سنوات.. لا يخطو اليه احد ولا يدخله انس.. الجناح الذي كان يوماً يخص عائلتي.. والدي ووالدتي وانا.. قبل سنوات طويلة جداً... في الليلة نفسها.. وبعد ان اخذت دوش ماء دافئ لاعود لرشدي واستيقظ.. ارتديت ثوب نومي وخلدت الى الفراش.. اتقلب لمرات فيه فلا تعرف عيناي النوم ولا الراحة.. كيف افعل وقد تحررت من القيد الذي راح يخنقني لسنوات؟.. مسلوبة الارادة، وجدت نفسي امام باب جناح والديّ السابق.. اقف هناك بجسد مرتجف متوتر.. لا اعرف هل بامكاني الدخول ام لا؟. هل انا شجاعة كفاية لافعل؟!.. سالت نفسي فيما اصابعي ترتجف.. امد يدي لاقبض على مقبض الباب فاديره وافتحه.. ظلام.. كان كل ما طالعني.. فقط ظلام.. لا صوت.. لا همس.. ولا انفاس احد... والدتك لم تعد هنا كما والدك.. لم يعد يوجد هنا اي احد.. همس صوت مرير داخلي.. فاغلقت جفني لثانية استجمع قوتي فيها قبل ان افتحهما من جديد واخطو خطوتي الاولى داخل الجناح المظلم.. " اريد ان اعرف الحقيقة " " اية حقيقة؟ " " تعرفين اية حقيقة... كفى عبثاً ايلينا.. واخبريني هيا.. اخبريني " " توقف عن الصراخ.. ارجوك.. ينال نائمة " " لايهمني.. لم يعد يهمني.. تباً.. والان.. اخبريني من هو والدها.. من هو ذاك الرجل النذل الذي خنتيني معه؟ " " ارجوك حبيبي.. بات هذا ماضي و.... " " ماضي!.. تبا لك.. ليس ماضي.. اني اربي ثمرة خيانة رجل اخر مع زوجتي.. وتقولين لي ماضي!! " " اخفض صوتك و... " " لا اريد.. فليسمع الجميع بالفضيحة.. اخبريني من هو الان " " غير مهم.. اقسم لك بانه غير مهم.. لقد كانت غلطة.. مجرد غلطة.. ارجوك ياروحي.. سامحني وانسى.. فانا... " " لايمكنني ان انسى.. كيف انسى؟. لقد اكتشفت للتو باني لست والد طفلة ربيتها لتسع سنوات.. الا تظنين بان هذا جنون.. هراء؟!. " تسللت خطواتي الى الداخل اكثر.. نحو غرفة نوم والديّ الخاصة.. هناك.. حيث تصاعدت اصواتهما ذات ليلة جاذبة مسامعي.. لاقف خلف الباب منصتة للحقيقة المرة.. انا... لم اكن ابنة ابي.. لا احمل دماء موريس.. انا... ثمرة خيانة رجل اخر مع والدتي.. فتحت باب الغرفة.. وتقدمت اليها.. اشعر باني اعيش ذاك الحدث مرة اخرى.. وكانه يحصل امامي للتو.. الا ان الظلام لم يكن ضيف تلك الليلة كما الان.. وتلك الطفلة المرتجفة التي وقفت خلف الابواب لتنصت باتت شابة كبيرة ناضجة.. شابة جرحت وعانت وضعفت.. شابة حملت السر كما العلقم في داخلها ليقتلها بمرور صباح كل يوم جديد.. يدي استندت الى الحائط بقربي.. وجسدي مال اليها ليريح عبء الماضي عنه.. مقلتي تبللت بالدموع مخفية اي مشهد امامي.. والاصوات لا تتوقف.. لا تتوقف ولا تمل او تكل.. كل الكلمات.. الاتهامات.. المشادات.. كل شيء يعود ويعود كانه لعنة لا تزول.. " ارجوك... لا... اخبرتك بالحقيقة " " اريد ان اعرف المزيد.. كل شيء.. اخبريني بالتفاصيل.. هيا " " لماذا؟. لتتالم اكثر.. لا اريد ان تتالم " " ولما اقدمتي على فعل ذلك اذاً.. الم تدركي بانه اكبر الم في العالم؟. تباً.. انظري الي.. اكان علي ان اخطئ في الفحص الطبي العام لادرك باني لا انجب الاطفال... لادرك بانك كنت تخدعيني لتسع سنوات لعينة متتالية.. وتلك الطفلة.. تلك.. الهي.. ليست ابنتي.. لقد احببتها جداً.. عاملتها كابنة لي. " " انها ابنتك " " كاذبة لعينة.. انا لايمكنني ان انجب.. الا ترين التقرير.. لايمكنني.. ا****ة " " الهي.. كانت غلطة.. اقسم " " غلطة.. انتجت طفلة.. تطلقين على طفلتك غلطة؟ " " لا.. هي ابنتنا نحن.. فقط " " اتقصدين بانه لايعرف؟. الايعرف والدها الحقيقي بانها موجودة؟ " " أ... انا... لا.. لم اخبره " " ما الذي... رباه!!!.. هل انت بشر؟. كيف تفكرين؟. كيف وصلتي لهنا؟. من انت فانا لا اكاد اعرفك؟!. " " اسمعني حبيبي ارجوك " " لا اريد سماع المزيد.. توقفي عن هراءك فقد مللتك.. كاذبة خائنة لعينة.. هذا ما انت عليه " " لا... اقسم لا.. انا احبك " " اخرسي " " اقسم باني احبك.. انا... ما الذي تفعله؟!! " " الصحيح " " ما... ماذا تقصد؟.. ما الذي... " توقفت انفاسي.. جذبتها وانا استرجع تلك اللحظات لاختنق بها داخل رئتي.. جسدي انهار ارضاً في تلك اللحظة اسنده للحائط خلفي فقدماي ماعادتا قادرتان على حملي لدقيقة اخرى.. احدق في الفراغ المظلم امامي بعيون باكية مشوشة.. شفتي ترتشعان واظافري تحفر اثاراً عميقة في راحتي.. مخلفة الم لم اشعر به لقوة ما يؤلمني تذكر تلك الليلة.. احسست بالدموع تنساب على وجنتي.. بالبرودة تتسلل عميقاً الى خلاياي.. اصغر خلاياي.. جسدي منهار ضعيف جانباً.. وانفاسي مختنقة.. كنت من جديد.. ومرة اخرى.. تلك الينال المصدومة المكلومة.. تلك الطفلة الضعيفة المقتولة غدراً.. كنت ولازلت.. ينال الغريبة.. ثوان مرت والكلمات كما المشاهد تتكرر في ذهني كفيلم صعب التصديق.. اراها كما ارى الظلام واشعر بها كما البرد حولي.. لكنني غير قادرة على ايقافها.. فعن اي قيد اتحدث.. واية حرية احتفل.. تباً لذلك.. انني لازلت مقيدة بذلك الماضي.. بتلك الذكرى.. لازلت رهينة حدث ترك اثره الاكبر في حياتي.. فعن اية حرية احتفل!؟.. دموع جديدة انسكبت.. أنات **يرات مريرة غادرت شفتي المضمومتين.. اغلق جفني امام ما رايته تلك الليلة علني ربما انساه.. علني لا اتذكره.. لكنه كان عالجرح العميق في روحي.. ينزف وينزف تاركاً اياي مقتولة مغدورة مرمية جانباً.. كنت بعمر التاسعة.. اجل بعمر التاسعة، حين شهدت الموت للمرة الاولى.. حين علمت كيف تسلب الحياة منا ببساطة.. في لحظة.. ودون اي انذار.. كنت طفلة.. صغيرة بريئة.. طفلة لم تعرف قسوة الحياة بعد ولم تعهدها.. بعمر التاسعة.. ولازلت اذكر كل شيء.. كاني اراه من جديد امامي.. رحت اشهد نهاية روح ترتجف خوفاً ورجاء.. ارى السكرات تمر عبر ذاك الجسد المنتفض ارضاً دون ان استطيع فعل شيء له.. الموت!!!... من منا يعرفه.. بتفاصيله المخيفة تلك.. ومايرافقه ويتبعه.. من منا عاشه واختبره؟!. لقد شهدته.. نعم.. رايته.. وقفت بعيداً ارى القاتل والمقتول.. يحملني الذعر على ساقين واهنتين.. فلا انا قادرة على الهرب مما ارى.. ولا شجاعة لاتقدم داخلاً فامنع ما يحصل.. جبانة!!!.... اجل... هذا ما كنت عليه.. لكن بعمر التاسعة.. من منا ليس جباناً امام موقف كهذا.. من منا لن يغدو جباناً حين يكون القاتل اباه.. والمقتول... أمه.......
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD