تسمرت مكانها بينما رأت القطرات تنساب من عينيها حتي شكلت دائرة صغيره علي الارض غير المألوفة لها...
لم تجرؤ على الاعتدال لدقائق عده... لم تدري لماذا حدث هذا لها، لماذا عادت، بل كيف حدث هذا...ولم كان عليها أن ترحل الآن...
لم تستطع...ولم ترد تصديق حقيقة أنها عادت... و دعت لو أنها كانت تحلم الآن
لو أنها سقطت حقاً علي رأسها واغشي عليها، والآن هي تحلم... هذا ما تمنته بينما انهمرت دموعها في **ت تام ع** عقلها الذي كان في فوضى عارمه...
اخيرا...رفعت رأسها وهي تنظر للمباني من حولها، وقد وقفت في منتصف طريق ما... بينما مر من حولها العديد من الأشخاص الذي لم يرتدي أحداً منهم ثوباً او حُله وإنما ملابس عصرها المعتادة...
علا صوت بكائها بينما أغلقت عينيها عده مرات بيديها وهي تتمني أن تفيق من هذا الحلم.... لكنها علمت انه لم يكن حلماً...
لقد عادت حقاً...ولقد تركت نيكولاس...
...............
تقدمت اقدامها خطوه أخرى... شعرت بالمطر ينهمر من فوقها ويتخلل شعرها وملابسها، لكنها لم تهتم...
لم تدر منذ متي وهي تسير، كم سارت والي اين كانت تتجه...لم يكن أياً من هذا في عقلها... شعرت أن عقلها مُخدر...وأن جسدها الذي جرته للأمام، كان ثقيلاً للغاية... لقد شعرت...بالاختناق في ص*رها...كان شيئاً ثقيلاً للغاية اسرها...
نظرت في الفراغ طويلاً...كانت عيناها مازالت ممتلئة بالدموع لذلك لم تري سوي أضواء متداخله امامها... وفقط حين ازاحت بعضاً من دموعها عن عينيها وقعت رؤيتها علي انعكاسها علي زجاج احدي المتاجر امامها...وكان أول ما لمحته هو ثوب خطبتها الذي اعطاه لها نيكولاس... شعرها المبتل عن اخره، اقدامها العارية التي لم تشعر بالمها، عيناها التي لم تهتم إن كان بكاءً حقا ام المطر الذي هطل عليها...
والغريب مع أنها كانت تمشي منذ ساعات أسفل سماء المدينة المُظلمة الا أنها لا تدري من اين تستمر تلك الدموع بالخروج... لماذا لم تتوقف دموعها، ولماذا تشعر بالحسرة الشديدة والمرارة في قلبها...
كيف لها أن ترحل هكذا فجأة في ثانيه واحده دون أن تشعر، كيف أنها لم تتمكن...من قول اي كلمه وداع واحده...ولا حتي كلمه...
ظهرت ابتسامه ساخرة علي شفتيها...لم تظن ابدا أنها قد ترحل بمثل تلك الطريقة ولم تظن أن نهايتهم ستكون فارغه لهذه الدرجة...
...لقد تقبلت في هذه اللحظة كونها فتاه غير محظوظة...
بالرغم من كونها يتيمه، وبالرغم من موت ستيلا وتحول رايان، وانطفاء الينور...
لم تعترف بكونها غير محظوظة، ظنت دائماً أنه يمكنها تخطي كل ذلك نوعا ما والتعايش معه...
لكن لما تشعر الآن...بأنها لا تستطيع تحمل المزيد...
لما تشعر أنها لن تستطيع أبداً تخطي نيكولاس...
لم تستطع اقدامها المرتعشة الاستمرار بالسير وسقطت أرضاً... لم تحاول النهوض الضيق الشديد الذي في ص*رها، ازداد حتي لم تعد قادره علي التنفس ورويدا رويداً اخذ وعيها في الاندثار، حتي كان اخر ما سمعته هو صوت المارة الذي علا بعد سقوطها، وقد حاول بعضهم مساعدتها لكنها لم تهتم لهذا بل تمنت فقط أن يتركوها كما هي...
...................
"هل هي بخير الآن ؟ " صوت خالتها تسأل احدهم...
...وصوت بكاء مستمر...
الافكار التي جالت عقلها ورغبتها في عدم فتح أعينها والاستيقاظ في هذا العالم مرة أخرى زال اغلبها فور استعادتها لوعيها...
لذلك علي الرغم من الثقل الذي شعرت به في جفنيها الا أنها قامت بفتح اعينها لتري ما حولها... وكما توقعت... اول شيء رأته كان وجه صديقتها الشاحب الذي تساقطت منه الدموع...
"...الينور..."
"إيلا!!!" هتفت الينور في صوت مملوء بالقلق اكثر من كونه عتاباً وهي تحتضن إيلا
"ما الذي حدث لك ؟!! اين اختفيتِ مده ثلاث شهور ؟!! أتعلمين!!"
اخذت نفساً وهي تهدئ بكائها قبل أن تكمل " أتعلمين كم الخوف والقلق الذي اصابني وانا ابحث عنكِ، ظننت أن شيئاً سيئاً قد حدث لكي!!"
إيلا التي بقيت صامته بين ذراعا الينور اللذان اطبقا عليها، شعرت بالذنب والاسف الشديد...
لم تدري ماذا تقول لها... لكنها علمت أنها لا يمكنها أن تخبرها بما حدث حقاً... ليس لأن الينور لن تصدق، بل لأنها كانت اسفه...لأجل اللحظات التي قررت فيها نسيانها، اللحظات التي تخلت فيها عنها واختارت أن تبقي بجوار نيكولاس للابد...
والغريب أنه مع شعورها بالأسف الا أنها لم تندم أبداً علي كل ما حدث...
بل كانت مازالت تتمني بداخلها أن تعود الي هناك مرة أخرى، لذلك إيلا بمشاعرها وافكارها المضطربة، ظلت صامته لفتره طويله... قبل أن تفتح فمها...ترددت للحظه وقد علمت أن ما ستقوله قد يجعل الينور تحزن، الا أنها لم تجد عذر اخر يجعلها تصدق اختفاءها وغيابها طوال تلك الفترة سواه...
"اسفه الينور... اتصل بي أحدهم ليخبرني أنه قد وقع حادث لعمي، لذلك ذهبت اليه فوراً... لم استطع إخبارك بالأمر حينها لأنه أمر يتعلق برايان... ولأني كنت على عجله من امري استقليت القطار وذهبت لرؤيته... واتضح أنه لم يكن امراً كبيراً، **ر قدمه فقط وكان عليه عدم الحركة لبضع شهور...لذلك بقيت هناك لمساعدته في مزرعته طوال هذا الوقت...لم أتمكن من ترك عمي بمفرده، لذلك بقيت هناك فقط حتي شُفي ومن ثم عدت اليوم... لكن سُرقت محفظتي، ولم يعد معي مال ولم اعلم أين اذهب او ماذا أفعل حتي اصابني التعب وفقدت الوعي"
كان بالفعل لدي رايان اخ... والذي لم تعلم اي شيء عنه سوي انه امتلك مزرعة ما...غير ذلك فهي لم تقا**ه مطلقاً ولم يأتي ذلك الشخص ابداً حتي في جنازه كلا من رايان وستيلا...
لكن...من كان سيعلم أنها ستستفيد من عمها ذاك في يوم مثل هذا ؟
حل **ت بغرفه المشفى التي تواجدت فيها ممرضه والينور و والدتها التي تفهمت رغبه إيلا بعدم ذكر اي شيء يخص رايان امام الينور فتحدثت بدلا من ابنتها...
"مع ذلك إيلا كان عليكِ الاتصال بنا وإخبارنا إن كنتي ستمضين كل هذا الوقت هناك "
"اسفه خالتي... أردت ذلك لكني فقدت هاتفي في القطار... لذلك لم اتمكن من الاتصال طوال هذا الوقت..."
"ما هذا بحق الجحيم!! ما زلت لا أصدق كيف يمكنكِ الذهاب هكذا بدون إخباري، ظننت أن شيئاً ما قد حدث لكي خاصتاً وأن جواز سفرك ومتعلقاتك كانت كما هي بالغرفة... لكني سعيدة بعودتك علي اي حال، لقد عدتي سالمه وهذا اهم شيء..."
"...اجل...الينور..."
ابتعدت الينور قليلاً عن إيلا وهي تمسح دموعها التي بللت عيناها الفيروزية وتنظر لإيلا مرة أخرى...
"ثم ما بال هذا الثوب ؟...من اين احضرتِ شيئاً ضخماً كهذا ؟؟ هذه المجوهرات ليست حقيقية اليس كذلك ؟ "
ضحكت إيلا، وهي تنظر لصديقتها التي تأملت الثوب...
"اجل...إنها حقيقية..."
شهقت الينور بحده وقد وضعت يديها علي فمها
"إيلا لقد جننتني اليس كذلك ؟؟ هل استخدمتِ كامل ثروتك لشراء هذا الشيء ؟!"
"ليس كامله تبقي القليل..." قالت إيلا مازحه وهي تتأمل بحزن الثوب الذي كان من المفترض أن يكون ثوب خطبتها... لكن بفضل الثروة والاملاك العديدة التي تُركت لها من رايان وستيلا كان بإمكانها قول مثل هذه الكذبة...لقد...كذبت كثيراً الآن... الكذب مجدداً بعد فتره...جعلها تعيد التفكير بنيكولاس إن كان نيكولاس كان سيعلم أنها تكذب علي الفور...
تماسكت نفسها وهي تحبس دموعها التي عاودت الظهور بأعينها حال تذكرها نيكولاس... إن بكت الآن، ستقلق الينور و والدتها و سيظنون أن شيئاً اخر قد حدث لها ولن يمكنها الخروج من ذاك الموقف حينها...بعيداً عن الينور...والده الينور والممرضة سيظنون أنها جنت وقد يتم اجبارها علي الذهاب لطبيب نفسي بعدها...
قاطعها من افكارها دخول سكرتير والده الينور الحجرة، والذي اتي ليبلغها بما ذهب ليستعلم عنه...
"إيلا ؟ هل تشعرين انك بخير ؟ " سألت والده الينور بعد لحظات...
أومأت إيلا برأسها واستكملت والده الينور كلامها
" قال الطبيب أنك بخير وإنما فقط متعبة ومجهده قليلا... لذلك استريحي غدا هنا... وسأحجز لنا طائره بعد الغد لنعود الي المنزل "
"حسناً خالتي..."
"اذا سنتركك لترتاحي الآن... الينور ستبقين اليس كذلك ؟"
"بالتأكيد يا أمي..." أجابت الينور التي لم تترك يدها أيدي إيلا...
"اذا اراكم غداً يا فتيات.."
"خالتي لحظه!!.." استوقفتها إيلا بعجله وهي تنهض من سريرها
" في الواقع، لدي طلب..."
"أياً كان ما تودين يا عزيزتي "
"الينور... تلك اللوح التي رأيناها سوياً بمتحف الفندق...ما اسمها ؟..."
................
"تفضلي...يمكنك الذهاب من هذا الجانب انستي "
"اوه.. أجل.. شكرا لك" أجابت إيلا وهي تأخذ جواز سفرها من الموظفة...
أعادت وضع نظاره الشمس علي عينيها...
"ترتدين نظاره شمس بدلا من نظارتك العادية..." أشارت الينور الي امر لم تفعله إيلا عاده...
لكن إيلا لم تجب او تُعقب علي تساؤلها وإنما فقط وقفت منتظره تحرك الأشخاص الذين امامها...
كيف تخبرها ؟... أنها امضت الليل كله تبكي بعد أن اخبرتها خالتها أن اللوحة تم بيعها منذ فتره...
وعلي الرغم من صلات والده الينور...الا أن امين المتحف لم يرغب بالإفصاح عن مكان نقلها حتي النهاية... لذلك لم يكن هناك شيء اخر لفعله...
لم تكن واثقه حتي إن كان سيمكنها العودة مرة أخرى إذا امتلكت اللوحة...
لكن مع ذهاب اللوحة الآن...بدا أن كل آمالها تحطمت...
"إيلا...؟"
نظرت إيلا لالينور التي نادت باسمها...
أدركت انها شردت مرة اخرى بتفكيرها...
نظرت مرة أخيره خلفها قبل أن تصعد الطائرة... لم تكن واثقه...هل بإمكانها ترك هذه المدينة حقاً والرحيل هكذا ؟...
لم تدر ما ينبغي عليه فعله...لكنها سرعان ما تذكرت... أن اللوحة لم تعد هنا بأي حال... لذلك لا فائدة من وجودها هنا أيضاً، ولذلك بوجود الينور بجوارها لم يكن امامها اختيار سوي العودة لمنزلها...وحياتها...
...................
"إيلا!!" هتفت الينور بغضب بينما طرقت الباب مرة أخرى...
إيلا التي ظلت راقده اسفل غطائها بالسرير...لم تهتم لأي من صراخها...
"فقط الي متي ستظلين بغرفتك بهذا الحال!!"
هتفت الينور مرة أخرى...وهي لا تدري ما الذي جري لصديقتها، لم يكد يمضي شهر منذ عودتهما...
كانت تعلم أن إيلا لم تكن علي طبيعتها منذ أن عادت، كانت تبدو متعبه وشارده اغلب الوقت لكنها حتي الاسبوع الماضي استمرت بالخروج والبقاء معها كما اعتادوا دائماً
الا أن إيلا بدأت بالتعذر عن عدم مجيئها ومن ثم توقفت عن الخروج تماماً...
حتي مع اتصالات ورسائل الينور و وزياراتها لها وبقائها امام غرفتها طوال اليوم، الا أنها أبت الخروج... وقد علمت من مدبره منزلها أنها لم تتناول اي شيء منذ الامس... مما دفعها للمجيئ والطرق على باب غرفتها مرة أخرى في قلق...
اي امر قد يكون حدث لها حتي ترفض تناول الطعام ؟!...إيلا التي لطالما تمتعت بطعامها وكان الطعام هو احد اكثر الاشياء المفضلة لها ؟... كاد القلق أن يفقدها صوابها...ففي اعين الينور...كان على إيلا ان تكون دائما بصحه جيده...
"فقط اخبريني ما الامر!!!" هتفت مرة أخرى ولم تجد رداً...
"اذا لم تخرجي الآن سأطلب من لينا مفتاح غرفتك وسأدخل سواء شئتِ ام ابيتِ!!"
انتظرت لحظات وكانت علي وشك الذهاب لمدبره منزلها لينا للحصول علي مفتاح غرفتها حقاً... لكنها استمعت لصوت خطوات إيلا التي اتجهت الي الباب ومن ثم قامت بفتحه...
تفاجأت الينور للحظات بأعين إيلا المُنتفخة و وجهها الشاحب وشعرها المبعثر الذي خرج في كل مكان، لكن اكثر ما فاجئها كان حده نظرات إيلا لها والتي شعرت منها... أن الكلمات التالية التي كانت إيلا علي وشك قولها...
...لم تكن بالكلمات التي ستود أن تسمعها...
..............