الجزء السادس
وقفت رغد مع والدتها بغرفة إعداد الطعام تساعدها بتنظيف الأواني، شاردة معظم وقتها تعيد خديجة عليها السؤال اكثر من مرة حتى تنتبه لها، نفذ صبر خديجة منها فوقفت تقرعها على ذلك التيه الذي تسبح فيه.
خديجة: مالك يا رغد فيكي أيه، وايه اللي شاغل بالك كدا ؟
رغد باضطراب: مفيش يا حبيبتي وبعدين مالي منا بساعدك اهوه.
خديجة بنظرات ضيقة : بصي يا رغد أنا أمك عارفه يعني ايه؟ أنا اللي مربياكي يا حبيبتي وعرفاكي كويس يمكن اكتر من نفسك، أنتي فيكي حاجة متغيرة قلبه كيانك مخلياكي مش على بعضك بقالك فترة، يا ترى الحاجة دي ليها علاقة بيزن.
شحب وجه رغد وفقدت النطق فبماذا ستجيب على والدتها هل تكذب عليها وتنفي ما لاحظته هى أم تخبرها بالحقيقة، لكن بما ستخبرها وما تشعر به ليس له تفسير لديها حاليا فهى لا تعرف ماهية شعور يزن لها، نعم هى لاحظت الاعجاب في نظراته، لكن ذلك ليس كافيا حتى تنخرط في حبه لهذه الدرجة، وتعلم جيدًا أن والدتها ستوبخها على سجاجتها وسطحيتها فمن العاقلة التي تهيم بشخص لمجرد أنه يطالعها بنظرات يمكن أن يطالع غيرها بها، مجهول لا تعلم عنه شئ سوى إسمه فقط صحيح أنه دخل منزلهم وتناول معهم الطعام لكن ذلك لا يعني أن تأمن له.
خديجة : سرحتي تاني هتقوليلي مالك ولا اقول لابوكي.
رغد بخوف : م م م.
صدح صوت عبدالوهاب خلفهما : هتقوليلي أيه يا خوخة مالك ومال حبيبتي.
قرع قلب رغد دقاته بعنف داخلها ولولا خوفها من والدها لوقعت أرضًا تنتفض كعصفور ذبيح من فرط الألم الذي سرى في أوصالها.
خديجة : معرفش مالها بنتك على طول سرحانة أكنها مش في الدنيا خالص.
نظر عبدالوهاب لرغد بتفحص يسبر اغوارها : أيه يا حبيبة أبوكي مالك مشغولة بأيه، أكيد الامتحانات صح.
التقطت رغد اجابتها من فم والدها وكأنه تعمد أن يلهمها الجواب حتى لا يكون السبب في كذبها عليهما لأول مرة في حياتها، هو متيقن أنها عندما تكون مستعدة ستأتي من نفسها وتحكي ما يعث بداخلها الذي جعلها تتخبط وتتوه بعد أن فقدت طريق صوابها.
رغد : عندك حق يا بابا قرب الامتحانات هى اللي ملخبطني كدا، بعد اذنكم هروح اشوف مذكرتي.
نظر عبدالوهاب في إثرها بحيرة ووجه حديثه لخديجة : اسمعيني كويس يا خوخة متضغطيس على بنتك في الكلام سبيها لما تحس انها عايزه تتكلم هتلاقيها جايه وبتحكيلك من نفسها بنتك عاقلة ولايمكن تعمل حاجة غلط، وكمان شوفيلك واحدة تساعدك في شغل البيت عشان رغد تفوق لمذكرتها كفاية عليها السفر كل يوم للكلية.
خديجة : ماشي يا خويا افضل دلع فيها كدا وربنا يسترها من اخرة الدلع ده.
عبدالوهاب مطمئنًا إياها : قولتلك متخافيش أن شاء الله رغد عقلة وربنا هيحفظها.
خديجة : اللهم آمين، يارب يا عبده يحفظها ويفرحني بيها.
ذهب إلى عا**ة محافظتهم كي ينهي لوالده اوراق تخص عمله، رائها بالصدفة تمشي وبجانبها شاب يتحدث معها بحميمة وكأنهما عاشقين، غلت الدماء برأسه وتملك الغضب منه، جاهد نفسه كي لا يذهب لها ي**ر عظمها فكيف تتجرأ وتفعل هذا، متى وأين عرفت هذا الشاب تلك الخائنة ألم تخبره أن لم تكن له فلن تكون لغيره، كيف تحنث بوعدها له، نيران مستعرة اشتعلت بقلبه حاول أخمادها فزادت اشتعالا حتى احرقت قلبه، تملك الشيطان منه ووسوس له بقتلها فهو لن يستطع أن يراها مع غيره.
ذهب ناحيتها سمع الشاب يثني عليها بكلمات الحب زاد غضبه أمسكها من مع**ها يوقفها عن التقدم، صرخت هى بذعر لظنها أنه خاطف يريد أذيتها، لكنها تمالكت نفسها حينما استدارت ونظرت له.
منة بخوف : ي ي يوسف .
يوسف بعينان يلونهما الدم : أيوه يوسف يا منة هانم ايه اللي أنتي بتعمليه ده ومين الاستاذ اللي أنتي ماشية معاه.
ابتعلت منة ريقها بثبات نزعت يدها منه بعصبية وربعتها أمام ص*رها : وأنت مالك ومالي عايز مني أيه.
تحدث الشاب بحدة : مين ده يا منة.
نظرت له منة : ده الاستاذ يوسف الهلالي بلدياتي يا عمرو.
عمرو : خير يا استاذ يوسف في حاجة مش شايفها ماشية مع راجل.
وقف يوسف في وجهه بتحدي : لأ.
عمرو بغضب : نعم.
وقفت منة بينهما تفض النزاع قبل بدئه : يلا بينا يا عمرو مفيش داعي للخناق الناس هتتلم علينا ونبقى ف*جة.
عمرو ناظرا ليوسف الصامت بغضب : فعلا عندك حق يا حبيبتي يلا بينا الظاهر عليه مجنون.
عند هذا الحد وفقد يوسف عقله كيف ينعتها هذا الغ*ي بحبيبتي وينعته بالجنون، لكمه عمرو بوجهه اسقطه أرضًا، صرخت منة وانحنت لكي تساعد عمرو على القيام، لكن يوسف لم يمهلها الفرصة وأمسك يدها يسحبها خلفه بقوة، حاولت التملص منه دون فائدة، لحق بهما عمرو ووقف بوجه يوسف بتحدي.
عمرو : أنت أيه يا مجنون أنت اللي بتعمله ده مالك في أيه بتض*بني وتخ*ف خطيبتي
وتمشي بيها أنت فاكرها سايبة ولا أيه.
اتسعت عين يوسف بغضب ونظر لمنة التي تكومت على نفسها خوفًا منه.
يوسف : اتخطبتيله ؟ انطقي قولي الكلام ده صح ولا غلط.
استجمعت منة شجاعتها الهاربة : أيوه صح أحنا اتقرت فتحتنا من يومين.
هز يوسف رأسه بتفهم وسحب منة خلفه ووقف يواجه عمرو : روح بيتكم يا شاطر ومتجيش ورايا احسن ما تبات في قبرك الليلة فاهم.
عمرو بابتسامة عريضة: أيه ده بجد ولا كلام وخلاص.
يوسف : تحب تشوف.
بكت منة برجاء : عشان خاطري يا عمرو أمشي دلوقتي ومتخافش عليا أنا هبقى كويسة.
عمرو بحدة : أنني بتقولي أيه عوزاني اسيبك معاه أنتي مجنونة أنتي كمان.
يوسف وهو مازال متمسكا بمنة : احسنلك تسمع كلامها وتمشي أنا ما بهددش على الفاضي.
عمرو : وأنا مش همشي غير بيها فاهم.
ثم هم ليض*ب يوسف الذي عاجله وامسك به من عنقه يعتصره بيده بقوة.
صرخت منة بقوة وابعدت يد يوسف عن عنق عمرو وهى تصرخ بالاخير.
منة : قولتلك امشي دلوقتي مش عوزاك تيجي ورايا انت ليه مُصر على المشاكل؟
عمرو بغضب : أنا بردو تصدقي بالله انا غلطان اني عاوز اخلصك منه اتحرقي بجاز وأنا ليا كلام تاني مع والدك.
انصرف عمرو غاضبًا يذرع الارض بقدميه
اكمل يوسف طريقه وهو مازال متمسك بيد منة بقوة يسحبها خلفه، وبعد مدة وقف بها في منطقة تكاد تخلو من المارة أمام شاطئ النيل وامسك عدة حصى في يده ووقف يلقيهم بقوة وغضب في النهر، وقفت منة خلفه تدلك يدها بألم تبكي ب**ت، استدار لها بعد أن أفرغ جام غضبه في رمي الحصى.
نظر لها بغضب : اتخطبتي نسيتيني بسرعة كدا نسيتي وعدك ليا.
صرخت عليه بغضب : أنت السبب أنت اللي اتخليت عني وخليت بابا حلف يجوزني في خلال شهر عشان يرد كرامته اللي أنت هنتها برفضك الجواز مني.
ثم جلست على مقعد حجري خلفها وبكت ب**ت وظلت هكذا مدة قصيرة، رق قلب يوسف لها جلس بجوارها يضمها لص*ره، تشبثت منة به وتوارت عن الجميع وعن الحياة نفسها بداخل حضنه.
يوسف بحزن : أنا أسف أنا اللي ضيعتك من إيدي وراجع ألوم عليكي.
منة ببكاء : وحشتني قوي يا يوسف.
شدد يوسف من ضمها : وأنتي أكتر يا حبيبتي.
منة وهى مازالت تبكي : طيب ليه عملت فينا كدا ليه رفضت عرض عيلتي في الصلح وبعدتني عنك دا أنا ما صدقت أن في حد أقترح موضوع جوازنا من بعض.
يوسف بألم وهو يقف بمواجهة النيل : كنت فاكر أني اقدر ابعد عنك وانساكي بس كنت غلطان حقيقي محستش بكدا غير بعد ما شوفتك ماشية مع الزفت ده.
منة ببكاء : أنا خلاص يا يوسف بقيت لغيرك إنساني زي ما أنا هحاول انساك.
ثم وقفت وصارت مبتعدة عنه تبكي حظها العاثر الذي اوقعها بحبيب قلبه أقصى من الحجارة، حملها ذنب مقتل عمه وحدها وهو يعلم جيدًا أنهم مجني عليهم مثل عائلته فشريف قتل بدل أبن عمها عندما اصابته طعنه كانت متوجه له من احد أفراد عائلة البهنساوي، لكن كما يقال الحسنة تخص والسيئة تعم وو**ت عائلتها بالقتلة طوال الحياة، وأخذت هى في الاقدام وظلمت منه من كانت تظن أنه لم ولن يستطيع أن يحيا بدونها يومًا فحبهما ليس وليد صدفة بل حب عمر بأكمله، حب أبناء الجيران الذي يبدأ في مهد طفولتهما ليكون هو لها الحمى والآمان وتكون هي له السكن والمودة.
أمسك يدها مجددًا يمنعها من الهروب، لم تنظر له بقت على وضعها تداري دموع فراقهما، استدار ليواجهها ينظر بحدقتيها الامعة، مدا يديه يحتضن وجهها يمسح عبراتها بأبهاميه.
يوسف : مش هتكوني لحد غيري أنتي فاهمة.
منة ببكاء: مش هينفع يا يوسف بابا حلف بالطلاق ليجوزني في خلال شهر لما أنت رفضت العرض بتاع الصلح.
يوسف : ملكيش دعوة بوالدك أنا اللي هكلمه وهوجهه فاهمة وهقنعه ولو رفض هخ*فك ونتجوز بس مش هسيبك تكوني لغيري.
بكت منة بلوعة : وأنا مش ههرب معاك واجيب لبابا العار حتى لو هروبي معاك هيطول عمري فاهم، عايزني أقف قدام الكل وواجه بابا وخدني منه في النور وقدام الناس كلها أنا بحبك أه لكن أ**ر بابا وأهلي أموت قبل ما أعملها.
يوسف: هقف قدام الدنيا كلها وقدام أبوكي مش هتكوني لحد غيري فاهمة هواجهم كلهم بس متتخليش عني مترديهاش ليا أنا كان الانتقام عميني مش مخليني افكر صح.
منة بدموع : أنا عمري ما اتخليت عنك ولا هتخلى أنا هفضل أحبك عمري كله حتى لو كنت لغيرك.
يوسف بأصرار : أن شاء الله مش هتكوني لحد غيري فاهمة.
منة بابتسامة باكية : أن شاء الله يا حبيبي.
ابتسم لها يوسف وهو يربت على يديها : أن شاء الله يا نور عيوني.