الجزء السابع
عدة أيام أنقضت ورغد تبحث عنه في كل سيارة وكل وجه تراه يومها تقضيه شارده تائهه وهو القاسي ذو القلب المتحجر تعمد أن يعاقبها على خوفها ورهبتها منه بغيابه عنها، لماذا الا يحق لها، نعم هو أظهر اصله الطيب ونقاء معدنه لكنها ليست مخطئة لكن لماذا لا يفهم هذا لماذا اختفى عنها ٥ أيام كاملة الا يعلم أنها يكفيها عقاب غياب ساعة واحدة فقط عنها فهى بدونه تمر عمرًا كاملاً، نزلت من السيارة التي تستقلها بعد أن وصلت للمدينة المتواجد بها جامعتها، مشيت ببطئ تتلفت هنا وهناك بحذر لكن دون فائدة لم تجد ذلك القاسي استرسلت في طريقها، ثم أخرجت نظارتها الشمسية ترتديها تداري بها تلك العبرات التي خانتها ونزلت غير عابئه بمظهرها أمام الجميع، فالقلب إذا توجع ذرفت العين عبراتها حزنًا عليه مما أصابه والما به من عذاب.
ذهب لوالده بعد مواجهته بمنة بيوم، وقف أمامه بثبات طلب التحدث معه على انفراد كي يستطيع إقناعه بالذهاب معه لطلب يدها من والدها بعد أن رفضها اول مرة، دخل مع والده غرفة مكتبه الصغير الذي اختصها لنفسه بعيد عن ازعاج عمليات البيع والشراء.
عبدالوهاب : خير يا يوسف في أيه خلتني سبت العمال وهما شغالين في طلبية دش الذرة الصفراء اللي مطلوبة مننا بكرة.
يوسف : متخفش يا بابا أحنا عندنا الكمية المطلوبة وزيادة كمان، أنا كنت عايز حضرتك في موضوع مهم.
عبدالوهاب بمكر : أتكلم على طول يا ترى هتبرر موقفك ازاي.
يوسف : موقف أيه اللي ابرره يا بابا ؟
عبدالوهاب: يوسف متلفش ودور عليا مش معنى أني قاعد هنا في المدشة مبخرجش أبقى مش عارف ايه اللي بيدور من ورايا.
يوسف بانزعاج: بابا أنا ملتزم بوعدي ليك وعمري ما هخلفه ابدا.
عبدالوهاب بحدة : وامبارح لما روحت تدفع الضرايب والتأمينات بتاعة المدشة والمحلات التزمت بوعدك ولا ض*بت خطيب منة وجرجرتها وراك ده تسميه أيه فهمني.
يوسف بارتباك : مين قال لحضرتك كدا.
عبدالوهاب : زاهر السرجاوي بنفسه طلبني بالتليفون بيرد عليا غلط أبني قبل ما يروح يعمله محضر عدم تعرض لبنته تاني.
يوسف بغضب : محضر عدم تعرض ليه أنا كنت عملت ايه.
عبدالوهاب بغضب : أنت أتجننت ولا ايه أنت فاكر اللي عملته ده ساهل دي سمعة بنت وكمان قدام خطيبها.
يوسف : متقولش خطيبها منة مش هتكون لحد غيري.
عبدالوهاب: ومين كان منعك تخطبها منا يما اتحيلت عليك وانت عامل فيها عم الطرزان ومنشف دماغك جاي بعد ما اتخطبت تقول محدش هيخدها غيري.
يوسف : بابا أنا أسف أنا كان الانتقام منهم عميني بس مقدرتش اتحمل لما شوفتها ماشية مع الشخص البارد ده أتجننت وفقدت أعصابي ارجوك يا بابا ساعدني.
عبدالوهاب : اساعدك ازاي أيه المطلوب مني.
يوسف : تيجي معايا نطلبها من والدها واكيد هو هيوافق.
عبدالوهاب : وايه اللي يخليه يوافق بعد ما انت رفضت عرضهم زاهر السرجاوي كرامته فوق الدنيا وكان رافض عرض الجواز لولا انضغط عليه من عمه كبير عيلتهم، وكمان حلف ليجوز بنته في خلال شهر لما أنت رفضت وده اللي حصل وخطبها لمعيد ليها في الجامعة كان متقدم قبل المشاكل دي ما تحصل وهى كانت رفضاه.
يوسف : أنا هقنعه يا بابا وان شاء الله هيوافق.
عبدالوهاب : ماشي لما تقنعه في الأول ساعتها هاجي معاك واخطبهالك لكن قبل كدا لأ مش هدخل بيت واترفض منه فاهم اقنعه الأول وأنا على استعداد اتمم فرحك في شهر وده شرطي قولت ايه.
يوسف بتحدي : حاضر يا بابا هقنعه وهيوافق وهتروح وانت مرفوع الراس.
عبدالوهاب بتحذير : مش عافية ولا بالقوة يا يوسف افعالك يا حبيبي هى اللي هتخليه يوافق يديهالك لو لقاك حفظت عليها وبتحبها فعلا، اقولك على سر في نفسي عارف يزن لو جه طلب مني ايد رغد هوافق برغم أني مشفتوش غير مرة واحدة وبرغم كمان أنه سواق مكروباص ومعرفش عنه حاجة غير اسمه بس هوافق عشان هو راجل بجد حافظ على أختك وحماها في وقت هو كان ممكن يعمل اللي هو عايزه فيها ومكنش فيه رقيب عليه غير ربنا وضميره ومحدش هيعرفه لأنه غريب عن بلدنا، لكن هو راجل بيخاف ربنا وده اكتر حاجة عجبتني فيه خليك زيه خاف عليها واحميها من نفسك قبل اي حد غريب ساعتها زاهر هيدهالك وهو مطمن أنك راجل وهتحافظ عليها.
يوسف : حاضر يا بابا هثبت له ولحضرتك أني راجل بيخاف ربنا وقادر أني احميها،
عبدالوهاب: ربنا يبارك فيك ويحفظك وينولك اللي في بالك يا حبيبي.
في سيارة جيب سوداء زجاجها بني لا يكشف عما بداخلها، يجلس خلف مقودها يشاهد حيرتها دموعها المتحجرة بحثها عنه في كل الوجوه قلبه يألمه عليها لكن ما بيده حيلة لا يريدها أن تتعلق به أكثر من ذلك فهو رأها غارقة في حبه حتى النخاع، فقرر مراقبتها من بعيد حتى تنقضي تلك الفترة ويتم الصلح المنتظر، هى بالنسبة له مهمة عمل عليه القيام بها على أكمل وجه لا يريد التقاعص ولا التقصير حتى ينال استحسان رؤسائه كالعادة، ظل عقله يردد ذلك كي يقنع نفسه انها لا تعني له اكثر من ذلك، يترك عقله يتحكم به حتى لا يعطي قلبه فرصة لفرض سيطرته عليه ويغرق في حبها اكثر من ذلك، لكن سرعان ما نفض تلك الأفكار عن رأسه، عندما وجد أحدهم يعترض طريقها اوقف السيارة ونزل مسرعًا يلتهم المسافة بينهما، غلت الدماء بعروقه عندما وجد ذلك المتطفل يمسك يدها يجذبها له حتى ارتطمت بص*ره.
ارتعبت رغد عندما وجدت زين البهنساوي امامها وبعينيه حقد السنين، رجعت خطوة للخلف لتهم بالهروب من أمامه لكنه عاجلها وامسك بيدها يجذبها له يريد احتضانها، قاومته رغد بكل ما أوتيت من قوة لكنها فشلت في حماية نفسها منه، نزلت دموعها وتحشرج صوتها فعحزت حتى عن الصراخ، فوجئت بزين يطاح أرضًا ونافورة دماء تخرج من أنفه ويزن ينحني عليه يواصل لكمه ويسبه بأفظع السباب، أبتسمت من بين دموعها عندما رأته ووقفت تشاهده وهو يكيل الض*بات لزين.
أفرغ يزن جام غضبه على زين وتركه طريحًا ضائع الملامح بعد تورم وجهه من ض*بات يزن له يقاوم فقدان الوعي بصعوبة بالغة ووقف ببطئ يترنح باعياء
أشار له يزن بسبابته : لو فكرت بس تقرب ليها تاني هتكون حياتك التمن فاهم، المرة دي تحذير بس.
أمسك يزن بيد رغد الشاردة واتجه بها ناحية السيارة ودفعها برفق دخلها واغلق الباب بعصبية ثم دار الناحية الأخرى وصعد خلف المقود وذهب بالسيارة في طريق العودة لبلدتها مرة أخرى، ظل صامتًا يزفر بغضب فهو فسر سكوت رغد بالرضا عما يفعله ذلك المستهتر بها.
تنحنحت رغد : أحم أ أ...... أنا مش عارفه اشكرك ازاي على إنقاذك ليا من الحيوان ده.
نظر له يزن بغضب : بس أنا مكنتش شايفك مضايقة من الحيوان واللي بيعمله فيكي بدليل أنك حتى مصوتيش تحتمي في حد منه.
شعرت رغد بالإهانة في حديثه لها : أنت قصدك ايه بالكلام ده.
ض*ب يزن المقود بقوة : قصدي واضح يا أنسة ليه مصوتيش وزعقتي افرضي أنا مش موجود كان زمانه خ*فك دلوقتي.
نزلت عبرات رغد بحزن : أنا لما بتحط في موقف خناق أو موقف زي ده صوتي مبيطلعش، وبعدين أنا مسمحلكش تكلمني بالطريقة دي أنت فاهم ولو سمحت وقف العربية دي خليني انزل.
يزن بغضب : أنتي تخرسي خالص فاهمة مش عايز اسمع صوتك لغاية ما اروحك.
رغد بعصبية : وأنا مش هروح معاك نزلني.
يزن : طيب ماهو صوتك عالي أهو ولا دي حجة ولا صوتك مبعلاش غير عليا وبس.
زاد بكاء رغد رغمًا عنها : أنا مش هجاوبك ولو أنت مصدق كلامك ده صدقه مش هحاول ابرئ نفسي قدامك.
ثم **تت رغد تنظر من نافذتها للطريق وعبراتها تنهمر بمرارة على اتهام يزن لها.
تمالك يزن نفسه وسيطر على غضبه و**ت هو الآخر يراجع ما حدث لام نفسه كثيرًا فهو بالغ في ردة فعله واحتد عليها، لكنه رغمًا عنه فقد أعصابه وتملك الغضب منه عندما لامس زين جسدها، أغمض عينيه بيأس فمهما كابر وعاند لكي لا يعترف بوقوعه اسير هواها ففي النهاية ستأتي الساعة التي يرغمه قلبه على الاعتراف فما شعر به لم يكن سوى شعور بالغيرة نعم الغيرة التي تفقد أعتى الرجال صبرًا صبرهم، الغيرة التي يمكنها تدمير الأخضر واليابس في لحظة تملكها من احدهم، نظر لها وجدها تزيل عبراتها بيدها وهى تنظر للطريق من نافذتها، أوقف السيارة بجانب الطريق وزفر بصوت مسموع، ظلت رغد على وضعها لم تنظر ناحيته، تنحنح بالحديث.
يزن : ممكن تبطلي عياط لو سمحتي.
هزت رغد رأسها بعناد رافضة الانصياع لأوامره.
يزن بابتسامة جذابة : طيب لو قولتلك عشان خاطري.
اهتزت رغد من داخلها لكنها لم تبدي له شئ.
يزن : ممكن تبصيلي.
رفضت رغد النظر له بل فتحت الباب وخرجت تقف أمام النيل، تركها يزن تقف قليلا لعلها تهدأ، أخرج هاتفه وقام بمهاتفة رئيس الشرطة بمدينة رغد وقص عليه ما حدث وطالبه بسرعة عقد مجلس الصلح وانهى معه ثم هاتف والد رغد وأعلمه بما حدث دون أن يعلمه بمعرفته بهوية المتعدي على رغد حتى لا يكشف تغطيته كما أمره العميد حسام، شكره عبدالوهاب وهو يسجد لله شكرًا على أنقاذ فلذة كبده ثم طلب من يزن بتوصيلها للمنزل حتى يسارع هو لحل تلك المشكلة التي صارت تهدد ابنته الوحيدة، أنهى يزن المكالمة ثم خرج من السيارة ووقف بجانب رغد.