الجزء الرابع
في منزل رغد
جلست رغد بغرفتها تستذكر دروسها بتركيز شديد قطع تركيزها صوت والدها الجهوري الذي بدا لها انه يحادث احدهم بالهاتف بعصبية شديدة، انتفضت من مكانها وخرجت له كي تهدئه حتى لا يمرض مجددًا، فاستمعت له يقول.
عبدالوهاب :يا سيادة العميد انا تحت أمرك في أي حاجة بعيد عن بنتي، بنتي خط احمر مش هدخلها في مشاكلي ولا صُلحي مع حد.
**ت عبدالوهاب يستمع لصوت محدثه ثم تحدث بحدة : لأ يا فندم بنتي لسه صغيرة ومش هجوزها دلوقتى حتى لو هيبقى فيها بحور دم.
**ت ثانيا لبرهه ثم تحدث : أنا مستعد لأي ضمانات حضرتك تاخدها عليا عشان تضمن اني مفيش مشاكل هتيجي من ناحيتي.
ثم اضاف بحزن: وبعدين انا استعوضت ربنا في حق اخويا واحتسبته عند ربنا شهيد ومعملتش اي حاجة يقوم ده كله يتقلب عليا وتعاملوني اكني انا الجاني مش المجني عليه.
استمع عبدالوهاب مجددًا واضاف: تقديرك ده على عيني وراسي يا جناب المأمور وعارف ان الامر جاي من فوق وغصب عنك، على العموم انا مستعد لأي مجلس صلح وأي شروط انا موافق عليها ما عادا جواز بنتي من زين البهنساوي وده شرطي الوحيد.
انهى عبدالوهاب حديثه بالهاتف والتفت لكي يضع هاتفه على الطاولة وجد رغد تقف متخشبه من هول ما سمعت، اقترب منها وجذبها لحضنه ومسد على ظهرها برفق.
عبدالوهاب :متخافيش يا حبيبتي انا مش هدخلك طرف في أي موضوع ، لأن أنتي عندي اهم وأغلى حاجة في الدنيا دي كلها.
رغد بعبرات متلألئه: بس أنت واخواتي كدا هتبقوا في خطر وأنا مستعدة أعمل أي حاجة عشانكم بس تفضلوا معايا وحوليا مقدرش استحمل حتى فكرة فقدان حد تاني كفاية عمو شريف.
عبدالوهاب بحزن : متخافيش يا حبيبتي اللي حصل مش هيتكرر تاني وان شاءالله ربنا يقدرني واحميكم بس أنتي ملكيش دعوة بحاجة أنتي هتكملي علامك وهتعيشي حياتك زي ما انتي عايزة وتتجوزي اللي تختاريه وترتحيله فاهمة.
شددت رغد من احتضان والدها : ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك عمري كله أنت الآمان والسند الحقيقي ليا بعد ربنا.
عبدالوهاب : متخافيش يا حبيبتي طول منا عايش عمري ما هخليكي كبش فدا لحد حتى لو كنت أنا ولو كانت حياتي التمن بردو لأ.
رغد : متقولش كده يا بابا أنا كلي فداك.
ربت عبدالوهاب بحنو على ذراعها وهو يبعدها عنه : بلاش الكلام ده يا حبيبتي دلوقتي وادخلي كملي مذاكرتك يلا.
جاءت خديجة من غرفة اعداد الطعام وهى تجفف يديها بمنشفة قطنية : العشا جاهز يا عبده هتاكلوا دلوقتي ولا نستنى شوية.
عبدالوهاب بحزن : مليش نفس كلوا انتم.
ثم توجه ناحية غرفته ببطئ متهدل الاكتاف وكأنه يحمل فوق ظهرة حمل الجبال، وقفت رغد امامه ورسمت على ثغرها ابتسامة ودودة.
رغد : لو حضرتك متعشتش معانا أنا كمان مش هاكل وهنام من غير عشا وأنا ميته من الجوع يرضيك تنيمني جعانة.
ابتسم عبدالوهاب لها وشعر بداخله بسعادة لمحاولتها جعله يتناول عشائه ايقن بداخله أن تلك الماسة خاصته تستحق كل تضحية يقوم بها من أجلها، هى بحر حنان يفيض ويغدق على الجميع صغيرًا وكبيرًا، هى فلذة كبده الذي تمناها من الله كثيرًا فهو حرم من نعمة الشقيقات ولم يكن لديه سوى شريف فقط، واستجاب الله له بعد طول دعاء وجاءت رغد ووجد فيها فعلا الشقيقة والابنة والصديقة.
عبدالوهاب :وتفتكري أن بابا هيرضى ينيمك جعانة.
اتسعت ابتسامتها وزادت اشراقًا: حبيبي يا بابا أنا هروح اجيب تيته وأنتي يا ماما هاتي الأكل بسرعة أصل عبده يرجع في كلامه.
خديجة :أه ياني منك محدش واخد حقه تالت ومتلت من عبده غيرك انتي يا مفعوصة.
رغد بدلال: مممم حسه كدا في كلامك بغيرة يا ست ماما ولا ايه رأيك يا عوبد.
وضع عبدالوهاب يديه على كتف رغد :شكلها كدا يا رغوده في واحدة غيرانة منك هنا.
خديجة : يا ساتر عليك أنت وبنتك هتغيروني بالعافية على العموم مش غيرانة.
توجه عبدالوهاب لزوجته يحاوطها بذراعه : ممممم طيب عيني في عينك كدا.
نظرت خديجة له بتحدي لكن سرعان ما اخفضت نظرها فهى مازالت تربكها تلك النظرات وتخجلها وكأنها مازالت بكرًا، التهبت اوصال عبدالوهاب وثارت مشاعره من تلك الفاتنة التي بخجلها قادرة على قلب كيانه برغم مرور سنون كثيرة على أرتباطهما، تن*د بصوت مسموع ثم مال على أذنها هامسًا.
عبدالوهاب : لو بنتك مش واقف كان هيبقالي معاكي تصرف تاني خالص وياريت تعدي ليلتك دي على خير ومتبصيش ليا لغاية ما ندخل أوضتنا مفهوم ولا ندخل من دلوقتي.
خديجة بخجل : خلاص يا عبده البت واقفة.
رغد بمزاح : أنا من رأيي يا سي بابا تاخد ماما جوه وتحط ليها قطرة احسن من الوشوشة دي بدل حد من اخواتي ما يجي يقفشكم.
هم عبدالوهاب ناحيتها وكأنها سيض*بها : أنتي يا بت يا شقية بتقولي ايه.
جرت رغد ضاحكة لغرفة جدتها :خلاص يا عم الحاج متزوقش ماشية لوحدي اهوة بس العشا بسرعة عشان جعاااااانة.
ضحك عبدالوهاب : ادخلي يا خوخة هاتي الأكل عشان بنتك هتف*ج علينا الناس بجعورتها دي.
اسرعت خديجة تهم الخطى : حاضر ثواني ويكون الاكل على الصنية.
في مخفر الشرطة بمدينة رغد
طرق باب رئيس المخفر ودخل احد الضباط مؤديًا التحية العسكرية، اشار له رئيسه بالجلوس على احد المقاعد امام مكتبه، جلس بخفة منتظرًا أنتهائه من المكالمة الهاتفية
المأمور : تمام يا سيادة اللوا الآمن مستتب وكله تمام عيلة الهلالي متأمنة كويس خصوصا بنت عبدالوهاب الهلالي.
استمع رئيس المخفر لمحدثه ثم اجاب : لا يا فندم متخافش أنا مكلف أكفئ ظابط عندي بمراقبتها من بعيد وحضرتك متقلقش من تهديد زين البهنساوي انا مدي أمر ليزن يتعامل مباشرةً معاه لو فكر يتعرض لها.
انصت مرة أخرى واجاب : عارف يا فندم لو جرالها حاجة عبدالوهاب الهلالي هيقلبها حرب أهلية عايزك تطمن انا مسيطر على الوضع وقريب هنعقد مجلس صلح أنا جمعت الاطراف كلها معايا واتفقت على كل حاجة.
انهى رئيس القسم المكالمة الهاتفية وزفر بقوة مخرجًا لهيب أنفاسه التي جثمت على ص*ره طوال المكالمة، نظر للضابط أمامه متمعنًا.
حسام : أيه الاخبار يا سيادة الرائد.
ارسل له يزن ابتسامة تطمئنه : كله تمام يا فندم البنت شكت فيا بس الحمدلله قدرت اقنعها بالآمان من ناحيتي من غير ما أعرفها أنا مين.
حسام : كويس حاول على قد ما تقدر أنك متكشفش غطاءك قدامها لأن عبدالوهاب لو عرف بتهديد زين بخ*ف بنته ممكن يرفض مجلس الصلح ويتجه أنه ياخد تاره منهم بالدم وخصوصًا من زين، والحكاية كلها مش مستهله شوية وقت لغاية ما نعقد مجلس الصلح واهي هانت كلها كام يوم ونخلص بقى من الدوشة دي.
يزن : جدت تهديدات تانية من زين البهنساوي.
حسام: أكيد جدت تهديدات ووالده بيحاول يسيطر عليه لأنه هيتجنن عايز عبدالوهاب يوافق على طلب إيد بنته.
يزن : هو الجواز بالعافية طالما رفضوا خلاص يصرف نظر ويشوف غيرها.
حسام : المشكلة أن زين والبنت بيحبوا بعض من زمان وكان هيتقدم ليها مجرد ما تدخل كلية بس موت عمها بسبب أبن عمه عقد الامور وبقى من سابع المستحيلات أنهم يوفقوا عليه ده اللي عرفته من عزيز البهنساوي والد زين.
يزن بضيق : طيب ليه عبدالوهاب الهلالي ما يوافقش عليه وبكدا يض*ب عصفورين بحجر يتمم الصلح ويضمن أن مش هيكون فيه مشاكل تانية من ناحيتهم.
حسام : أنا كلمته أمبارح بالليل وحاولت اقنعه رفض رفض قطعي وقالي أنه مستعد لاي ضمانات بشرط نبعد بنته عن موضوع الصلح ده خالص هو مش هيقدمها كبش فدا مهما كانت العواقب.
يزن : لدرجادي بيحبها وبيخاف عليها.
حسام: دي بنته الوحيدة وتقريبا كدا الدنيا عنده في كفة وهى في كفة.
يزن : بس تعرف أن كدا أفضل لما رفض الجوازة دي.
حسام :ليه ؟
يزن : لأنه كدا عيلة السرجاوي لو وافق على طلب زين هيفكروا أن عبدالوهاب هيتفق مع عيلة البهنساوي عليهم وتزيد المشاكل من ناحيتهم.
حسام : لأ عيلة السرجاوي عرضوا أن يوسف أبن عبدالوهاب الكبير ياخد بنت زاهر السرجاوي وتقريبا كدا يوسف وبنت زاهر كانوا بيحبوا بعض بردو بس ظروف قتل شريف الهلالي خلت يوسف يسبها بعد ما كان ناوي يخطبها.
يزن : مين اللي قال لحضرتك على ده حد من عيلة السرجاوي.
حسام: لأ عبدالوهاب نفسه هو اللي قالي وكان موافق على الجوازة دي بس المشكلة أن يوسف رفض الاقتراح ده وحلف لو أبوه ضغط عليه ليكون قتلها.
يزن: يا الله هى كل ما تتحل من ناحية تتعقد من ناحية تانية.
حسام: عندك حق عشان كدا أنا وافقت على الصلح بدون جواز زي ما عبدالوهاب اقترح مع أخذ ضمانات على الأطراف التلاتة.
هم يزن بالوقوف : تمام كدا يا سيادة المأمور هو ده الحل الوحيد والأمثل، بعد أذنك همشي أنا يدوب هوصل على ميعاد خروج بنت عبدالوهاب الهلالي.
حسام مقهقها : عشت وشوفتك سواق ميكروباص يا يزن.
ضحك يزن أيضاً : شغلانة متعبة قوي بس هعمل ايه ده شغلي ولازم التزم بيه.
حسام : هانت يا سيادة الرائد.
يزن : ربنا يسهل يا فندم، بعد أذن حضرتك.
حسام : تمام اتفضل دلوقتي.
انصرف يزن مؤديا التحية العسكرية وخرج مغلقا الباب خلفه .