رواية لعبة حب

الفصل الثاني

لعبة حب

الفصل الثاني

مسكت رنا دفترها ودموعها تسيل على وجنتيها وبدأت تسطر كلماتها .. اه يا مذكرتي يا ملجأ حزني ومعاناتي كلما هجرتك وجدتني أعود إليك راكضة محملة بوزر كبير كمتاجر سافر بلاد الغربة و أخذ يحمل البضائع من كل حدب و صوب إلى أن عجز عن التحمل فعاد إلى منزله و قد أنهكه السفر و **ر ظهره الثقل ما أشبه ذلك بعودتي لأفضي إليك و لو جزءا هينا من ما يجول في خاطري لقد تعبت و كرهت العيش بين الناس اه كم هو صعب أن تتوالى عليك الض*بات دون سابق إنذار أصبحت أعيش مكرهة أستطيع القول أني فهمت الآن أننا نحن البشر تو**ين ل**ر بعضنا عاشقين لإطلاق الأحكام على الغير مولعين برمي كلام **هام تقطر سما تتغلغل في أنفسنا فتمزقنا و ترمي بنا أشلاء، محبين للظلم و الإذلال و الحقد على بعضنا. إننا لا نستطيع العيش دون اتهام الغير و إلقاء اللوم إننا لا يمكن أن نحتمل البقاء دون جرحنا للآخرين إننا لا نستطيع أن نفهم ما جرى و نستمع للآخر قبل القيام بفعل ما لا بل على الع** نحن نعيش لنهاجم و نفترس بعضنا لكي يحكم كل على الآخر حسب ما قيل لكني وصلت لدرجة تجاوزت فيها قدرتي على التحمل اه يا مذكرتي لو تعلمين مدى ألمي و خيبتي .

آه لو تعلمين في أي مأزق وقعت و في أي صراع أعيش .صراع يحتم علي الاختيار بين عائلتي و مشاعرهم و بين قراراتي التي اتخذتها منذ القدم صراع يخيرني بين دوسي على نفسي و إخضاعها و بين عن من قاموا بتربيتي هل حقا سأتمكن من تجاهلهم و إنكار ما فعلوه لأجلي فقط لأرضي نفسي ماذا عساي أفعل ليتك تستطيعين إجابتي ليتك كنت قادرة على الكلام و نصحتني لكن الرجاء لا ينفع الآن فلن يغير شيئا بل يتوجب علي التفكير مليا و تحمل نتائج قراراتي و أغلقت مذكرتها لتطلق العنان لدموعها أكثر و أكثر التي لو تجمعت لكونت بركة من شدتها.

أما جاسر فقد كان هو الآخر يفكر فيما حدث و فيما سيحدث عند لقاءه مع والدته غدا خاصة و أنها مريضة بالإضافة إلى علمه برغبتها الملحة عليه ليتزوج و يحاول البحث عن الطريقة المثلى لكي لا ي**رها

أشرقت الشمس معلنة حلول يوم جديد يحمل في طياته العديد و العديد من الأحداث و المفاجئات استيقظت رنا بمزاج معكر فلم تغفو سوى لساعتين نظرا لانشغال تفكيرها بكلام جدها الذي حز في نفسها كثيرا أما جاسر فقد تجهز و اتجه إلى بيت العائلة الكبير حيث يقيم جده عمه و زوجته ووالدته . كانت المحطة الأولى لجاسر هي غرفة والدته فكم يعشق أن يتبادل معها الأحاديث رغم شخصيته الصارمة فقد كان قليل الحديث عاقل رصين لا يشارك مشاعره كثيرا يميل إلى العزلة أحيانا و ال**ت دائما مما يجعل البعض يراه شخصية مملة أما البعض الآخر يعتبرونه شخصية متغطرسة لكن ما يخفى على الناس أنه داخل شلال الجليد حسب وصف كوراي يوجد طفل بريء و مراهق مجنون لا يخرج إلا للأشخاص المقربين ذوي المكانة المميزة لديه و الذين يتميزون بقلة عددهم . دخل جاسر غرفة والدته التي كانت مستلقية على السرير شاحبة الوجه و أصبحت هزيلة البنية بعض الشئ مما احزنه و **ر قلبه لكنه عمل جاهدا على إخفاء تأثره بمنظرها لكي لا يحزنها فاليوم قد رأى ابتسامة والدته الاخاذة مرسومة على محياها بعد طول غياب أي منذ أن اكتشفت مرضها رأى في نظرة عينيها لمعة تنم عن فرح عميق استطاع أن يحدد سببه لكنه أبى قبوله إلا عند سماعه من فمها. اتجه نحوها معانقا إياها مقبلا وجنتيها و يداها و مشتما رائحتها التي يعشقها و ترسخت في عقله منذ الطفولة و أردف قائلا : صباحك ورد يا احلى أم في الدنيا كيف أصبحتي .

لترد عليه : صباح النور يا اوسم شباب تركيا و أكثرهم تألقا يا من تجعل نظرة الفخر في عيني أمك دائمة . أنا بخير جدا فرحة جدا فقد حققت امنيتي و ستتزوج ستجعل أمك ترى كنتها قبل أن تفارق الحياة جاسر: أمي يكفي ما هذا الكلام فليحفظك الله لي و هل كل هذه السعادة سببها خبر الجريدة و ليس قدومي و زيارتي لك قالها بطفولية بحتة مما أضحك والدته فقالت و هل أصبحت تغار الآن لا تحزن فهذا الخبر يخصك و يخص ساكنة قلبك حبيبتك التي طلبت منها الزواج في المطعم دون أن تخشى شيئا و إنما حررت ذاتك و تصرفت كما تمنيت دائما فأنت لم ترد يوما أن تعيش في الخفاء قاطعها جاسر قائلا لكن الأمر ليس كما تظنين فأجابته هيا بني هل يعقل أنك تخجل من أمك ثم لوهلة اختفت ابتسامتها و ظهر الحزن في عينيها مضيفة أم إن الأمر خاطئ هل يا ترى كله كان خيال هل سيبقى زواجك حلم بعيد المنال اتمناه في اليوم المئة مرة . حزن جاسر كثيرا و تشوش و بدون وعي منه قال

لا حبيبتي طبعا الأخبار صحيحة و ساتزوج مما أعاد الفرح لوالدته أما هو فكان يلوم نفسه على ما فعل فإلى ما ستؤول الأمور فهو لا يستطيع **ر أمه و احزانها خاصة و أنها مريضة . عاد إلى الواقع على صوتها الذي يطلب منه أن يصف لها زوجته المستقبلية. يصفها ؟ كيف ذلك و هو حتى لا يعلم عن ملامحها شيئا عدا ما قاله مراد و رآه في الصحف و هو شعره متوهج فكانت في الصورة مولية ظهرها للكاميرا و أثناء لقائهما المصادف لم يدقق بل حتى إنه لم ينظر لها فاعاد بعض من كلمات مراد عنها قائلا أنها جميلة و شعرها أحمر لكنه تحجج أنه يفضل أن تراها أمه لتحكم .عاش تضاربا في المشاعر بين القلق و الاضطراب و بين راحته لعدم الحاجة لوصف إنسانة لم يرها عند سماع والدته تخبره أنها تنتظر قدومهما قريبا . توجهت نورسين سريعا لامينة لتستفسر بعد مغادرة جاسر الغرفة : ايه أخبريني ماذا قال جاسر ؟

أمينة : لم يقل شئ و لم يدحض ما نشر أكاد أطير فرحا لا أصدق أن جاسر قرر أن يتزوج

نورسين : أليس كذلك وسيم زوجة عمه كبر و سيتزوج هل طلبت منه إحضار الفتاة إلى هنا

أمينة: بالطبع فعلت كم اتمنى أن تكون مناسبة تماما لجاسر و تسعده فأنا لا أريد شئ آخر

نورسين: لا تقلقي ستكون ألا تعلمين مدى ارتفاع عتبة إعجاب ابنك لقد كدت أجن بسببه كل أسبوع أحدد له موعدا مع فتاة لكنه في كل مرة يخرج فيها قائمة عيوب و الحال أنه يفعل ذلك لأنه وجد ما ترنو إليه نفسه .

أمينة : نعم لقد أرهقك هذا الموضوع لن أنسى معروفك

نورسين: امان المهم في النهاية أننا وصلنا لمبتغانا كما أن جاسر ابني أيضا. في حين انفرد جاسر مع عمه : أين جدي ؟

نجمي : لقد ذهب إلى الجزيرة لبضعة أيام و لا تحاول تضليل الموضوع جاسر أنت ابني الذي لم احضى به مكانتك عندي كمكانة سودا كلاكما مهمان و أنا أعرفك جيدا حالتك هذه لا تتوافق مع ما نشر هناك أمر يدعو للريبة.

جاسر : ماذا سأقول ياعمي غير أن كل الأخبار مجرد إشاعات لكن بسبب حالة امي لم أتمكن من نفي الأمر خاصة عند رؤية سعادتها و حماسها لا أعلم ماذا أفعل.

نجمي : بني أنت أدرى لا أريد أن اضغط عليك لكن لا توهمها بشئ و تجعلها تبني اوهاما ثم تتراجع ذلك لن يكون جيدا بتاتا .

جاسر : سأحاول تدبر الأمر . هل ننهض الآن لقد تأخرنا

تناول جاسر الإفطار معهم مع عجزه عن اخبار الجميع بحقيقة الأمر و قد كان تفكيره مشغول بما سيفعل ليحل الأمر دون **ر أحد .

بينما كانت رنا هي الاخرى غارقة في تفكيرها في كلام جدها إلى أن أتت فرح تخبرها أنهم قرروا عقد المؤتمر الصحفي في الغد لكي تتوقف هذه الإشاعات مما زاد تشوشها . مر اليوم ثقيلا جدا على رنا و جاسر و قد عملا على ألا يفكرا في الأمر لما يسببه لهما من ارتباك لكن الليل أتى و أعاد معه كل التخبط .

رافق مراد جاسر كما اعتاد دائما عندما يشعر بضيق صديقه فتساءل عن سبب حزنه مما جعل جاسر يروي له ما جرى مع والدته .

مراد : ما فعلته يا أخي هو الصواب في الوقت الحالي فكما تعلم الخالة أمينة أصبحت حساسة و يجب أن تكون حالتها النفسية جيدة للعلاج فلا تحزنها ثم إن الأمر كان صدفة عجيبة و إجتماعكما أمر مخطط من القدر. أخي اسمعني جيدا لعل هذا هو الأفضل فلتتحدث مع رنا و تطلب منها ألا تنفي الخبر في الغد و إنما تؤيده اشرح لها وضعك علها تتفهمك ثم قوموا بخطبة شكلية لغاية إسعاد والدتك لفترة ثم انفصلا إن أردتما ليس ضروريا أن تتزوجا يعني. برأيي فكر بالأمر أمينة تيزة تستحق التضحية لإسعادها.

أما في الطرف المقابل كانت الفتيات جالسات إلى أن بادرت فرح القول : رنا قد يكون الوقت غير مناسبا لكني أريد أن أعرف كيف حصل ذلك .

رنا : آه فرح إنه آخر أمر قد يخطر في عقلنا فالموقف كان غاية في البساطة المهم ذهبت للغداء مع جيهان قبل أن تسافر فأنا لم أعد أرها كثيرا في البيت لكنها اضطرت أن تغادر باكرا بسبب تقدم موعد الطائرة بقيت لدفع الحساب و حين كنت مغادرة و أنا مشغولة بإخراج المفتاح من حقيبتي اصطدمت بشخص ما فوقعت من يدي و لأنه كان لبقا انحنى ليناولني إياها و من الواضح أن الصحافة قد كانت هناك في تلك اللحظة تماما و انظري إلى المصائب . أوف يا فنحن حتى لم ندقق في ملامح بعضنا أو حتى ينظر كل منا في وجه الآخر و انظري إلى ما آل الأمر إليه أصبحنا في غفلة منا عشاق و سنتزوج قريبا أليس أمرا مثيرا للجنون. و الأحلى من كل ذلك كلام جدتي و جدي الذي لا يغادر عقلي و يحسسني بتأنيب الضمير لأني سبب في حزنهما. لو كنت هناك لرأيت فرحتهم و سعادتهم بخبر الزواج و أنا غدا و بكل بساطة سأخرج و أكذب الخبر و سأكون مجددا مص*ر تعاستهما.

أقسم أني سأفقد عقلي من التفكير إحترت ماذا أفعل كيف أقبل أن أحزن من يحبوني و أ**رهم ساعديني لإيجاد حل.

فرح: و الله رنا ماذا سأقول لم أكن أتخيل أن أمرا بهذه البساطة قد يتضخم لهذه الدرجة لكن عند التفكير أعتقد أنه يجب أن ترضخي للأمر و اقبلي به ماذا لو تطلبين من جاسر قبول الأمر لفترة ثم تحججوا بأمر ما قائلين أنكم لم تنجحوا و أنكم عاجزين عن الإستمرار في العلاقة و بذلك لا ت**رين أحدا و تحمين جدك مما قد يسببه له الحزن فكما تعلمين آخر نوبة قلبية تعرض لها لشدة حزنه عند رؤيتك منهارة .

رنا : آه فرح لا تذكريني كلما أستحضر تلك الأيام و كلما تسللت فكرة مرض جدي و حزنه و عذابه ينتابني إحساس بت***ب الضمير فكيفما كان أنا السبب الأساسي في ذلك

فرح : لا رنا و ما علاقتك غير ذلك لا تنسي دور الجاسر ففي مثل هذه الفترة يصبح جسم الإنسان أكثر حساسية و عرضة للأمراض لمجرد الانفعال أما عن حزنه فهو نابع من حبه لك لا تفؤاد هكذا.

رنا : تمام لا تقلقي. ها احزري ماذا حصل

فرح : ماذا أيضا ألا يمر يومان بدون حوادث و مشاكل .

رنا: جولاي هانم اتصلت و هي غاضبة لم تترك كلمة لم تقلها لقد جعلتني أشعر كما لو أنني ارتبكت جرما ما في حق البشرية لكم هو صعب أن تسمعي تلك الكلمات لشخص اعتبرته فردا من العائلة فيما مضى لكن ستكشف الحقيقة عاجلا ام آجلا و سيتملكها الندم على ما قالته عله يكون درسا حتى لا تحكم على الكتاب من عنوانه كما أنها قالت أنها لن تدعني و شأني و ستعمل على ضمان تعاستي من يسمعها سيظن أني أعيش في عالمي قزحي أساسه السعادة و الرخاء.

فرح : دعك منها لا تهتمي لها أحيانا و خاصة في الآونة الأخيرة أصبحت أعتقد أنها منومة مغناطيسيا بأفكار ايجه السوداوية.

رنا : لن أهتم من بعد الآن فلقد تعبت من مجاراة أفكار الغير و العمل على إرضائه و الآن كفانا حديثا و لننم فغدا ينتظرنا يوم حاسم من يدري ماذا سيحدث فيه و ما المصيبة و المشكلة التي ستطرق بابنا لتعكر حياتنا أكثر من ذلك.