جراحة بأيادي الجن

قبل ان اقوم بتعريف نفسي اليكم ارجو منكم التخلي ولو قليلا عن الفكرة الراسخة بعقولكم عن اشكالنا نحن معشر الجن، فهيئة الأشباح والعفاريت الكامنة بمخيلاتكم بعيدة تمام البُعد على ما نحن عليه، فأصحاب الأعين الواحدة، واصحاب الأنياب الطويلة، اما اصحاب الحوافر المقززة والقرون التى تصل الى حدود السماء جميعها فقط من وحي خيالات لا تمت لحقيقتنا بصلة، ولكننا خُلقنا كما خُلقتم، لا تختلف حياتنا كثيرا عن حياتكم، فنحن لنا عائلات وأيضا يأتي علينا الوقت الذى نعاني من مشاكل تحدث حالنا كحال البشر، نموت كما تموتون، نعمل كما تعملون، فنحن ايضا نملك العقول التي تميز الانسان عن الحيوان، لذلك لا نختلف عنكم بل أيضا نحب ونتزوج ونكون اُسر كما تفعلون، اعلم بأن هناك الكثير ممن يرفضوا الاقتناع بأن الجن ايضا لهم قلوب ومشاعر ولكن ها هي الحقيقة لا اخفيها عليكم، وان كنتم لا تقتنعوا بما سردته بالأعلى فلتأخذوا حكايتي وكأنها حكاية من الخيال لا علاقة لها بالحقيقة...وقبل ان ابدأ بالأحداث سأقوم بتعريف نفسي واسرتي لكم حتى تصلكم الصورة كاملة عن طبيعة معيشتي. أسمي: كهيال بني ساهف الأخيضر، من الجن المسلم، أصول عشيرة والدتي مسلمة وموحدة بالله وتتبع تعاليمه منذ بداية الخليقة وعلى هذا الحال حتى الأن لا يوجد بها من انشق او اتخذ طريقا اخر يبعده عن التقرب من الله، اما عائلة بني ساهف الأخيضر فهي مسلمة من اصولها ولكن بها من أنشق واتخذ طريق تحقيق المكاسب الأكبر وهو السحر الأ**د واعوذ بالله من ان اكون من متبّعي السحرة، لم ينشق مجرد افراد من العائلة ولكن أنشقت اعمدة العشيرة وهم اعمامي بأكملهم أكثر من خمسة وتسعون نفرا من الجن أتبعوا ذلك الطريق، ولكن...ومن لكن تبدأ مراحل فقداني لأبي، حينما قرر ابي عدم الأنصياع الى اوامر عمي الأكبر"نشاظ" عندما أمر ابي بأن يتبع طريقهم الجديد وقرر ابي أن يجادل عمي: - أزاي بتطلب طلب زي ده؟ أحنا مسلمين وموحدين بالله...أزاي عايزنا نمشى فى طريق الابالسة؟ نشاظ: - أجتمعت الاراء على الموافقة على اتباع الطريق ده، طريق الهيبة والنفوذ والوصول للمكاسب. ساهف: - اعوذ بالله اني اكون من متبعين طريقكم، أنا من اصول مسلمة وزوجتى من اصول مسلمة ومش هبعد عن طاعة الله واوامره. نشاظ بغضب فى حضور باقى افراد العشيرة المنشقين: - بترفض الانصياع لأوامر كبار العشيرة. ساهف: - برفض الانصياع لأى امر يغضب ربي. نشاظ: - هتخسر كتير يا ساهف: وبأشارة أمرة لبعض الخدام قام عمي بأصدار قراره بنفي ابي لأبعد بقعة فى أحدى بوابات الجحيم...بقعة محاطة بالشياطين وخدام الأبالسة التي يصعُب التغلب عليهم بسهولة، وذلك ما جعل عشيرة امي ترفض رفضا قاطعا ان تدخل معهم فى حروب لانقاذ ابي، فالحرب مع الشياطين لن ينتج عنها سوى خسائر فادحة فى ارواح لم يكُن لها ذنبا في خلافات عائلة ابي، وعندما حدث كل ذلك كنت انا طفلا صغيرا لا اعي ما يحدث حولي حينها، ولذلك وعندما تم اضطهاد والدتي من قبل عشيرة الأخيضر قرر جدي أن ننتقل لبقعة بعيدة جدا عن جحيم عشيرة الاخيضر، تاركين خلفهم ابي داخل منفاه بعيدا عن الأعين والمسامع، بالفعل انتقلنا إلى احدى البقاع القريبة من عمار مدينة القاهرة، بقعة خالية من البشر الذين لم نجد عائق فى السكن بالقرب منهم، فنحن من الجن الذي يستطيع التعايش مع البشر دون التسبب بأى اذى لهم او لنا، ولذلك تأقلمنا على مدينتنا الجديدة التى انتقلنا اليها انا ووالدتي وجدي وعشيرة والدتي بأكملها، ظللنا بتلك البقعة سنوات طوووووويلة حتى أتى هذا اليوم الذى انهيت به دراستي...نعم فنحن ايضا ندرس ونعمل كما أخبرتكم فى السابق، وبالفعل بدأت فى العمل وحال امي لا يختلف عن سائر حال الامهات بدأت فى الألحاح: - كهيال لازم تبدأ تبني عائلة انت كمان، وعلشان كده جمّار شايفاها تليق بيك. كهيال: - لا يا امي لسة شوية وقت. امي: - ليه محتاج وقت؟ العشيرة فيها اكتر من 100 واحدة لسه متجوزتش اختار اللى تناسبك فيهم وتعجبك، وشاور بس هتلاقيها تحت رجليك. كانت امي تتمادى فى تدليلي بشكل مبالغ به، فهي ترى ان ليس هناك من بالوسامة مثلي، او بتلك الطلة البهية احد غيري فى ابناء عشيرتي، تدليلها لي ومدحها الدائم فى حُسني وبهائي جعل ثقتي فى نفسي تزداد يوما بعد يوم الى ان اقتربت الى حد الغرور ولكنها لم تصل بعد ولذلك لم يكُن ليعجبُني احد، وليس ذلك فقط سبب عدم موافقتي بأن اختار عروس من جنيات العشيرة ولكنني لا ارغب فى ان تكون هذه هي معيشتي، رغم انني على يقين تام بأن لو كان ابي موجودا معي الان لكان حسم الامر بكلمة واحدة فى ان يكون زواجي واتمامه لن تحظى به سوى أبنة عمي نشاظ الكبرى"نيمارا" فهي كما يُقال عنها اجمل جنيات القبائل بل أجمل المخلوقات عموما، لكنني لم اراها حتى الأن ولكن لم يكُف أبناء عشيرتي ممن راؤها عن وصف محاسنها وجمالها الأخاذ، كانت رغبتي قوية بأن أختار عروسي بنفسى وارادتي ورغبتي بها وليس رغبة بالزواج للزواج فقط، نعم فكانت رغبتي فى ان اعيش مشاعر الحب قوية، ولذلك كنت دائم الرفض لألحاح والدتي. مرت سنوات وسنوات وحالنا كما هو نعيش فى سلام بجوار البشر دون ان يشعروا بوجودنا، فنحن نعيش على مقربة منهم بدرجة كبيرة فالمسافة بيننا لا تتخطى العشرة كيلوات فقط، وها قد اتى التغيير، ها قد اتى التعمير والتطور الى تلك البقعة المهجورة التي اتخذنا منها مدينة لنا ولافراد عشيرتنا، ها قد بدأ الزحف العمراني ليصل الى تلك البقعة من الارض فيقوموا بتشييد المنازل الفارهة كأحدى المجمعات السكنية، ورغم زخم الوقت واعمال البناء الا اننا لم نشعر بالضيق من وجود هذا الازعاج فنحن نستطيع التكيف على وجود البشر حولنا دون ان يشعروا بوجودنا، ولكن مع استمرار الانتهاء من الوحدات السكنية واستمرار الضجيج نتيجة التواجد للكثير من البشر بتلك المنطقة بدأ بعض من افراد العشيرة بالأستياء من ذلك الازعاج ولذلك قرروا ان يجدوا بقعة اخرى لينتقلوا اليها، ولذلك ظللت انا ووالدتي وجدي وبعض ممن قرروا البقاء معنا فى تلك المنطقة، ومع انتهاء البناء أخذ ذلك المجمع السكني وقت كبير وهو خالي تماما من البشر، يبدو انه باهظ الثمن لذلك لم يجدوا من يقوم بشراء وحداته، وذلك كان فى صالحنا فنحن الأن نقطن فى احد تلك البنايات الفارهة دون ان يزعجنا احد او يطالبنا احد بشيء: - لو البشر عندهم قدرتنا على السكن فى بيوت زى دي من غير من يدفعوا فيها حاجة كانوا كلهم اتمنوا انهم يكونوا عفاريت. همست بتلك الجملة لتبتسم امي عند سماعها وهي تقول: - متقلقش، زى ما فيه ناس مش هتعرف تيجي تعيش فى بيت زى ده، هتلاقى كمان مع الوقت اللى يقدر يشتري بيت واتنين وتلاتة...بس ياريت ميجيش اللى يضطرنا اننا نبعد عن المكان اللى عيشنا فيه سنين طويلة وبقى جزء مننا. كهيال: - يا امي احنا نقدر نعيش فى اى مكان نحب نعيش فيه، مش البشر اللى هيطردونا من مكانا هما اللى هيكونوا بيتعدوا على بيوتنا وعلشان كده هما اللى لازم يكونوا مش موجودين، ومش هينفع نسمح بان حد يمشينا من المكان بتاعنا، مش هقبل استسلم للبشر زى ما اخوالي قرروا يعملوا. أمي: - احنا يا كهيال كمان لنا اماكن نسكن فيها، ودى ارضهم حقهم يعيشوا فيها زى ما يحبوا، زى ما احنا نقدر نعيش تحت الارض وفى البحر وفى اي مكان من غير ما حد يحس بينا ولا يرفض وجودنا. كهيال: - انا يا امي لو مشيت من المكان ده مش هروح اى مكان تاني غير اني هرجع لأصلي وللمكان اللى اتولدت فيه، وابداء ادور على ابويا حتى لو لواحدي، وانا هعرف اوصله. وقبل ان انتهي من مناقشتي مع والدتي استمعنا الى صوت تلك السيارة...السيارة التي اتت معها تلك الفريدة النادرة، السيارة التي غيرت حياة نفر من الجن لتجعلها تتمحور حولها هي فقط، اتت لكي تجعلني أتحول من ذلك المسالم الأقرب للبشر بطباعه الى هذا الجني الذي يرغب فى الحصول على حبيبته مهما كلفه ذلك حتى وان اضطررت للجوء الى عالم السحر هو ايضا.