الفصل الأول (1)
الفصل الأول :
صدح صوت تلك الطرقات بالمنزل بأكمله لا يكف ولا يتوقف عن الطرق أو الرنين
خرجت تلك المرأة البالغة من العُمر واحد وأربعون عامًاو التى لا تزال تتمتع ببعض من جمالها الخاص من غرفتها الصغيرة و اقتربت من الباب محركة رأسها بقلة حيلة عالمة هوية الطارق الذى لم يفارقهم و لم يتركهم أبدًا، ودائمًا ما كان بجوارهم مساندًا لها هى و ابنتها رغم صغر سنه فكان لهم الحامى و السند
وهذا ما جعلها تظن أنه يكن المشاعر لأبنتها صغيرتها جاهلة تمامًا عما يدور بقلبه الذى أصبح لها عاشقًا و أسيرًا، مخفيًا مشاعره المتأججة المشتعلة تجاها
وكيف يخطر بعقلها شيئًا كهذا وفرق العُمر بينهم تسع سنوات، والأهم انها تريده لابنتها وحيدتها فهو رجل يُعتمد عليه و أثبت لها ذلك قولًا و فعلًا منذ صغره
فتحت الباب فوجدته يقف مولايًا ظهره له بعدما توقف عن الأزعاج الذى سببه منذ لحظات، تن*دت قائلة بأنزعاج مصطنع :
-فى حد يخبط كدة يا ثائر!؟
استدار "ثائر" ناظرًا لها و أبتسامته الجذابة ترتسم على وجهه تع** مشاعره الدفينه و قلبه يكاد يرقص فرحًا لرؤيتها ....
-انا...
(ثائر المغربى هو شاب فى الثانية و الثلاثون من عُمره طويل القامة ذو أعين فيروزية جسد رياضى ممشوق خصلاته طويلة نسبيًا بلون البندق ذو انف بارزة عنقة طويل بشرته بيضاء )
أجابها و هو يدلف الى المنزل و عينيه تجول بزوايا المنزل قائلًا بابتسامة مشا**ة
-أومال فين الهانم متقوليش لسه نايمة؟
أومأت "هبه" رأسها و قالت بيأس :
-وهى من امتى بتصحى بدرى يعني!! اهى نايمة جوة فى الصالون قدام التلفزيون و قلبت الصالة زريبة
أستدار"ثائر" واقفًا فى مواجهتها يملئ عينه وقلبه منها، رغم علمه بانه لن يشبع منها مطلقًا فقال بابتسامة حنونه عاشقة سرعان ما تحولت لمشاغبة
-طب سبيهالى بقى هى اللى جبته لنفسها، و بعدين يا هبة دلعك فيها ده مينفعش
انهى كلماته و هو يتجه ناحية المطبخ جاذبًا كوبًا فارغًا و قام بوضع بعض مكعبات الثلج و عليه ماء بارد فتمتمت بأستنكار و تهكم :
-يعنى هنبقى أنا و أنت عليها و
سريعًا ما قطعت حديثها قائلة بأعين متسعة :
-انت بتعمل ايه يا ثائر، لا بلاش انا مش ناقصة دوشة على الصبح و انت عارفها مبتسكتش
ألتفت لها "ثائر"غامزًا لها بشغف و مكر متجهًا صوب الصالون فوجدها تتسطح على الأريكة ذاهبة بسبات عميق
أقترب منها و انحنى لمستواها رافعًا الكوب و فام بأفراغة بحركة سريعة جعلتها تنتفض بنومتها شاهقة بفزع معتدلة بجلستها على الأريكة و عينيها جاحظة مما حدث
(هيام المنشاوى فى التاسعة عشر من عُمرها قصيرة القامة حيث يبلغ طولها ١٥٤ سم، جسدها ممشوق، خصلاتها بنية تصل لما بعد كتفيها بقليل، عينيها بلون القهوة، ذات رموش كثيفة، وعنق طويل، وشفاه مكتزة)
ولكن اخرجها من تسمرها و صدمتها تلك هو صوت ضحكاته الرجولية الصاخبة
كزت على أسنانها بغيظ و عينيها تكاد تطلق شرار متحركة كالأنسان الآلى تجاه والدتها التى تراقب رد فعلها و الابتسامة تليح على شفتيها فصاحت"هيام" بحدة متمتمة من بين أسنانها
-شايفة، شايفة عمل فيا ايه يا ماما ينفع كدة بذمتك، و يرجع يقولى انى عيلة يشوف حركاته هو الاول بالذمة دى حركات عاقلة
جائها صوت "ثائر" الساخر من خلفها قابضًا على ملابسها من الخلف
-لا مينفعش هتعملى ايه بقى يا اوزعة انتى ها، وايوة انتى عيلة و هتفضلى عيلة انتى مش شايفة يا بت بتكلمى ازاى مسترجل يا ابو الصحاب
التفتت له بعفوية محررة نفسها من قبضته تشعر بغيظ شديد يعتريها من إصراره على معاملتها و كأنها لا تزال طفلة بعُمر العشر سنوات، لما لا يلاحظ بأنها قد كبرت و نضجت، لما لا يرى حبها و عشقها له لما لا يشعر بقلبها الذى لا ينبض و لا يخفق الا من اجله...هو فقط "ثائرها" ......
أقتربت منه و هى تصرخ عليه مسددة له بعض اللكمات قائلة بضيق شديد أزعج والدتها التى تتقن مشاعرها جيدًا
-ثائر انت بتهرج انا مش ميت مرة قولتلك مبحبش الحركات دى بطل بقى يا اخى ايه البواخة دى
قام بتقيد ذراعيها اللذان يسددان له الض*بات خلف ظهرها قائلًا بغلاظة
-ثائر كدة حاف ، طب ده حتى عيب على طولك لما تقولى كدة
فقالت بأستنكار و هى تشتعل و تكاد تخرج النيران من فمها و اذنها و نيران غضبها تزداد اكثر و أكثر
-لا مش حاف يا خفيف تحب اقولهالك مع حته جبنه رومى
زاد من ضغطه على يديها و قال بابتسامة جانبية
-ايه يا بت طوله ا****ن دى ل**نك طولان اوى و عايز قصه
تأففت و حاولت ان تعضه بعدما انحنت قليلًا و لكنها لم تفلح بسبب ضغط يديه على ذراعيها اكثر و اكثر مما جعلها تتأوة قائلة بشراسة
-لا مش ل**نى بس وحياتك اللى طولان دى ايدى كمان طولانه بس انت سبنى و انا هوريك
تأففت "هبه" منهما و دلفت الى غرفتها قائلة بضجر :
-انا مش فضيالكم انا داخلة اغير عشان متأخرش على الشغل
و بالفعل دلفت غرفتها تاركة إياهم يتشاجرون فصاحت "هيام" بعد ان اخذت نفسًا طويلًا مهدئة أنفاسها المتسارعة
-ثائر لو سمحت سبنى بقى هتأخر على الجامعة
تركها "ثائر" و علامات الخبث ترتسم على وجهه رافعًا يديه قائلًا :
-بعد كدة تقوليلى يا عمو ثائر احترمى الخمشاشر سنه اللى بينا
-خمشاشر
قالتها بأشمئزاز و هى تنظر له من رأسة لأخمص قدميه
-سبحان الله شكلك مش ماشى مع طريقتك،يعنى شكلك ابن ناس كدة و محترم وانت ماشاء الله تربية شوارع
ضغط على شفتاه و ما كاد يقترب منها حتى سبقته مهرولة تجاه غرفتها مغلقة الباب عليها و ضحكاتها تصدح فقال
-وماله لما تبقى تنزلى يا حلوة هتروحى منى فين !!!
أجابته بتحدى من خلف الباب
-عادى ممكن منزلش و مخرجش من الاوضة، بس انا هخرج عشان انت عارف أنى مبحبش قاعدة البيت و بتخنق منها و يلا بقى طرأنا
ض*ب الباب بخفة و قال بتوعد :
-ماشى يا هيام انا هوريكى
داخل أحدى المنازل المتواجدة بتلك الحارة الشعبية
كان يرتدى ملابسه والغضب يعتريه من زوجته التى تريد منه ماهو مستحيل ولا يستطع تنفيذه أبدًا و هو الزواج بغيرها....
فكيف له ان يتزوج غيرها و عشقها يكبر بين ضلوعه يومًا بعد يوم !!
كيف يسمح لنفسه بأن يجعل أخرى زوجته تحمل اسمه و كل ذلك من اجل ان تحمل منه جالبه له ولدًا من صلبه، كيف له أن يقنعها بأنه لا يريد سواها بتلك الحياة .....
(يوسف الصاوى فى الثالثة و الثلاثون من عُمره، طويل القامة عريض المنكبين، ذات اعين سوداء و خصلات سوداء بلون الفحم، وجسد رياضى)
اما هى فكانت جالسة على فراشها متدثرة تحت الغطاء تطلع عليه و قناع من البرود يرتسم على وجهها!!
فقالت ببرود مزيف رغم تلك النيران التى تنهش قلبها العاشق المتيم به، حابسة دموعها التى بدأت ان تلتمع بعينيها و لكنه لم ينتبه لهم بسبب غضبه منها الذى جعله يتجاهلها تمامًا
(سارة المغربى فى عُمرها الثانية و الثلاثون، خصلات طويلة بندقيه فاتحة اللون ، متوسطة الطول عينيها ذات اعين بلون الزرع و وجهه مستدير ممتلئ بعض الشئ)
-ها يا يوسف فكرت فى اللى قولتهولك و لا لس
قاطعها "يوسف" بشراسة و عنف جاعلًا إياها تبتلع باقى حديثها فى جوفها
-متجبيش سيرة الموضوع ده تانى يا سارة عشان بجد لو فتحتيه تانى هتزعلى منى فاحسنلك تقفلى على الموضوع ده انا راجل ورايا شغل ناس و محتاج اركز فى الشغل ،مش هيبقى كل يوم بنكلم فى نفس الموضوع اللى مش عايز يتقفل ده
دفعت الغطاء و نهضت من على الفراش بشراسة مماثلة لشراسته منذ لحظات
-ومش هيتقفل يا يوسف،انت مش عارف انا بسمع إيه وانت برا سواء من امك و لا حتى اختك و لا حتى خالاتك اللى كل ما يجوا يقعدوا يلقحوا عليا و يرمونى بكلام زى الدبش، انا خلاص تعبت يا يوسف و بعدين انا مبقولكش نبعد عن بعض، انا بس عايزاك تجوز و هى تجبلك الولد اللى انت عايزه انا مبطلبش منك حاجة مستحيلة ،بالع** ده حقك يا يوسف، حقك أنه يجيلك عيل و يبقى جمبك و يقولك بابا، انت طول ما انت رافض كدة بتحسسنى بالذنب يا يوسف عشان مش عارفة اجبلك العيل اللى نفسك فيه
ثوانى من ال**ت مرت تشنجت خلالهم عضلات وجهه و لقترب منها قاطعًا المسافة بينهم، ورفع يديه ممسكًا برأسها لامسًا خصلاتها التى يعشقهم مغمغم بنبرة عاشق لا يريد سوى حبيبته و قربها فقط
-ومين اللى قالك أنى نفسى فى عيل يا سارة انا مش عايز من الدنيا دي غيرك افهمى، افهمى بقى أنى مش عايز غيرك
صفعت أنفاسة الحارة المتسارعة بشرتها الحليبية الناعمة فأزدردت ريقها رافعة عينيها تنظر بعينيه السوداء القاتمة
أنحنى تجاه شفتيها راغبًا بألتهمهم و لكن منعه تلك الدفعة التى تلاقاها منها و هى تغمغم بنبرة مبحوحة على وشك البكاء
-ابعد عنى يا يوسف
ضم قبضته الفولاذية بغضب حتى ظهرت عروقه وأزدادت وتيرة تنفسه و لكن تلك المرة بغضب فتاك فأماء لها برأسه متمتم بغضب دفين
-اتعدلى يا سارة اتعدلى عشان اللى انتى بتعمليه ده مينفعش وأنا ساكتلك لحد دلوقتى عشان بس بحبك و مش عايز ازعلك، بس اتقى شر الحليم يا سارة
خرج من الغرفة دافعًا الباب خلفه بعنف فأرتمت هى على الفراش تبكى بحسرة لست راضيه عن أفعالها و لكن ما باليد حيلة فقد فاض بها و لا تستطيع أن تتحمل كلمات والدته اللاذعة .....بل ليس والدته فقط بل عائلته بأكملها
عقب خروجه من غرفتهم أتجه ناحية المطبخ بعدما أستمع الى ذلك الصوت القادم منه و ما أن دلف حتى وجد والدته تقف بالمطبخ فتحدث بنبرة حاول جعلها هادئة و لكنه لم يستطع فصاح بها قائلًا
-اسمعى بقى يا ماما جواز تانى مش هتجوز ومش هقبل أنى أجيب ضرة على مراتى أنتى سامعة، فياريت بقى تقفلى على الموضوع ده و تبطلى اللى بتعمليه انتى و حنين و خالاتى
ألتفتت إليه تستمع إلى حديثه الغاضب و كلماته اللاذعة رافعة حاجبيها بتذمر لا يعجبها طريقته وأسلوبه بالحديث معها
فتمتمت بغضب مكتوم
-ايه يا يوسف الطريقة اللى بتكلمنى بيها دى و بعدين غلط فى إيه انا عشان صوتك يعلى عليا بالطريقة دى عشان خاطر السنيورة اللى متجوزين بقالكم سنين و مش عارفة تجبلى حته عيل افرح بيه، دى خلاص مبقاش فيه منها أمل و عدت الثلاثين، انا الأول كنت ساكته عشان عارفة انك بتحبها و أد*ك شوفت خدتها لكام دكتور و مفيش فايدة فيها، اسمع كلامى و تعالى اشوفلك واحدة صغيرة تفرحك بعيل يا يوسف
زفر مطولًا محاولًا تمالك غضبه و لكنه كالعادة لم يستطع كبح غضبه فقال بقسوة و شراسة
-مش عاااايزززز ،فهمتى يا ماما مش عايز عيال انا راضى و موافق و كفاية بقى كفاية وإلا والله هأخد سارة و هنقعد فى شقة لوحدينا، و بعدين انا عايز افهم ايه اللى حصلك ما انتى كنتى بتحبيها ده انتى اللى اختارتيها، انتى اللى لفتى انتباهى ليها، على اساس أمها صاحبتك من زمان و لا خلاص نسيتى ده كله
زفرت "صباح" و اغمضت عينيها لوهلة قائلة بحزن مصطنع محاولة أستعطافه
-يا بنى افهم بقى انا عايزة افرح بعيل من صلبك بقى انا خلاص بكبر و مبقاش بقيلى كتير فرحنى بعيل يا يوسف
كز على اسنانه وتشنجت عضلات وجهه ومسح على شعره متمتم بإصرار و عُند
-مستحيل مش هيحصل و الكلام ده تشيليه من دماغك انتى سامعة شيليه من دماغك لأنه مش هيحصل ،انا مش هستحمل أنها تضيع من أيدي
تركها واقفة بمفردها بمنتصف المطبخ تلعن نفسها لاختيارها تلك الفتاة البور و التى لاتستطع أسعادها بطفل صغير تنتظر وصوله بفارغ الصبر
**********