الفصل ٥

1684 Words
وقف سلطان الجان عن عرشه، ثم قال بعد **ت، - لا بد لكما أن تعاقبا. تقدم تاج خطوتين مترددتين نحو السلطان، نظف حلقه ثم قال و صوته المرتعش يفضح مشاعره المرتبكة، - مولاي.. أشار له الملك بيده، - أفصح يا تاج. - ماذا لو.. اجتمعت الأميرة وردة.. بالأمير قمر الزمان؟ عقد سلطان الجان حاجبيه، نزل الدرج، ثم وقف أمام تاج قبل أن يسأل، - ماذا لو اجتمعا؟ تلعثم تاج وهو يحاول شرح اقتراحه للملك، - أقصد أنه.. إذا ما تمكنا.. من الجمع بينهما.. نكون.. قد.. أصلحنا ما تسببنا فيه.. من مشكل. أضافت لمار على كلامه متوسلة، وهي تسرع نحوهما، - سنصلح ما تسببنا فيه من قلق و حيرة للأميرين، و نجمع بينهما، فهلا تسمح لنا و تسامحنا؟ أتوسل إليك يا أبي. نقل الملك نظراته بينهما في **ت لمدة، ثم سأل أخيرا، - و كيف ستصلحان الأمر؟ اقتربت لمار من والدها قبل أن تجيبه، - سنجد طريقة- قاطعها والدها بنبرة قاسية، - ستجدان طريقة؟! متى ستجدان طريقة؟! أمسكت الأميرة بذراع السلطان بلطف، ثم قالت، - أرجوك أبي! ثق بي هذه المرة وحسب. ثق بتاج! سنجد طريقة. امنحنا بعض الوقت وحسب. - كيف أثق بكِ و قد خالفتي أمري مرارا؟ ثم التفت إلى تاج وهو يرمقه بنظرات حادة، - و كيف أثق بمن سرق مني من قبل؟! خفض تاج بصره و ضغط على شفتيه، ثم طأطأ رأسه كالمذنب. قالت لمار مصرة على اقتراحها، - سنجد حلا. امنحنا فرصة أرجوك يا أبي. أتوسل إليك. أغلق السلطان عينيه لمدة، و لم يفتحهما حتى زفر و أراح ص*ره. - كم من الوقت تحتاجان؟ رفع تاج رأسه ليكشف عن ملامحه المذهولة، و ارتسمت سيماء الارتياح و الاطمئنان على محيا الأميرة، و اتسعت ابتسامتها فأشرق وجهها، ثم ارتمت في حضن والدها وضمته إليها بحرارة. - شكرا لك يا أبي! شكرا لك! لن أنسى لطفك ما حييت. ربت السلطان على ظهر ابنته، ثم أمسك بكتفيها و أبعدها عن ص*ره برفق. ضغط قليلا بيديه على كتفيها، وهو يتفحص عينيها بنظراته الجادة. - احذري أن تصنعي مشاكل أخرى يا لمار. - لا تقلق يا أبي. اكتفى بإيماة بعد أن بادلها النظرات طويلا، فأومأت له كذلك، ثم التفتت إلى تاج متبسم لعلها تطمئنه، فبادلها بابتسامة صغيرة مرتبكة. أعادت النظر إلى والدها، ثم طلبت، - أ يمكنك أن تحرر تاج؟ رفع الملك حاجبا، - و لماذا أحرره؟! - أحتاجه حرا. عبس سلطان الجان، فأسرعت ابنته في تفسير قصدها قائلة، - أحتاجه ليل نهار. - أ لا يكفي بداية منتصف الليل حتى طلوع الفجر؟! - لا يكفي! عقد السلطان حاجبيه، - ما الذي تخططين له يا لمار؟ - لست متأكدة بعد، لكن ثق بي. تأفف الملك ثم مسح وجهه بكفيه، - حسنا! و كيف سينفعك تاج و هو حر؟ ثم أضاف وهو ينقل عينيه بين ابنته و سجينه، - سيفقد جناحيه، و سيبقى مجرد إنسانا لا فائدة منه! - سأكون جناحيه يا أبي. كما أنه قد يكون مفيدا أكثر وهو على طبيعته! **ت لمدة وهو يحدق بعيني ابنته المتحمستان قبل أن يقول، - حسنا! و كم من الوقت تحتاجين. - أعطني ثلاثون يوما. اتسعت عينا الملك، و عدم تقبله جواب ابنته مكتوب بوضوح على صفحة وجهه بوضوح. - ثلاثون يوما؟! - ثلاثون يوما و سأجمع بين الأميرة و الأمير. بل سأجمع بين عائلتيهما و مملكتيهما أيضا. رمقها والدها بنظرة حادة، فابتلعت ريقها في توتر. ثم أخيرا، تقدم السلطان نحو تاج، و طلب منه أن يمد يده، فأطاع أمر السلطان دون تردد. أمسك الجني بالسوارين حول مع**ي سجينه، ضغط عليهما حتى انطلق منهما شعاع ذهبي أجبر كل من تاج و لمار على إغلاق عيونهما. استمر السلطان في ضغطه على السوارين، حتى اختفى لونهما الذهبي، و أصبح نحاسيا أحمر. أفلت الملك مع**ي تاج، فاجتمع الضوء في السوارين. فتحت لمار عينيها، ثم أسرعت نحو رفيقها، لكن سرعان ما تراجعت، عندما لاحظت أنه يتنفس بصعوبة و تثاقل، و جسده يهتز من رأسه حتى قدميه. خرج الشعاع من سواريه و انتشر في جسمه بأسره حتى بدى و كأنه عمود من الضوء. ثم اختفى النور فجأة، و سقط على ركبته و هو يلتقط أنفاسه كمن جرى أميالا. أسرعت إليه لمار لتطمئن على حاله، فلاحظت اختفاء الرموز التي كانت موشومة على ذراعيه، ص*ره و عنقه و بعض من وجهه. افتر ثغرها عن ضحكة واسعة و هي تتفقد وجهه بيديها، - أنت حر! عدت حرا! أجاب صوت الملك قائلا، - مؤقتا. وقف تاج على قدميه أخيرا بمساعدة لمار، و التي أعادت انتباهها إلى والدها. سألت، - مؤقتا؟ تقدم الملك نحوهما خطوتين ثم وقف باعتدال. - أمامكما ثلاثون يوما. ثم أضاف موجها كلامه إلى سجينه، - ما إن تنتهي المهلة حتى يعود السواران إلى أصلهما الذهبي، و عندها ستعود إلى البئر، و ستبقى سجينا هناك حتى آخر يوم في حياتك و لن تخرج أبدا. هذا إذا فشلتما بالطبع. اصفر وجه تاج و شحب فجأة، و اقشعر جلده خوفا من ما سمعه من ملك الجان، و الذي استمر في حديثه بعد سكوت، - أما اذا نجحتما، فأنت حر. شعر تاج بخليط من الفرحة و الذعر يهز قلبه بجنون، لكن سرعان ما عاد انتباهه لما يحدث أمامه لحظة تحدث الملك إلى ابنته قائلا، - أما أنتي يا لمار، إذا فشلتما، سيكون عقابك عسيرا. ابتلعت الأميرة ريقها، و حاولت جاهدة الحفاظ على ملامح ثابتة تخفي بها الإستياء الذي اعترى نفسها في تلك اللحظة. أخذت نفسا و قالت بلهجة جافة، - لن نفشل يا مولاي. سنصلح أخطاءنا و نعود قبل انتهاء المهلة. .... على سطح برج قصر الملك ورد شاه، انفجر دخان أبيض فضي براق في الهواء، و ظهر وسطه تاج يطفوا. كان في قميص طويل مخملي أزرق داكن عليه رشوم بديعة مطرز بخيوط من ذهب، و سروال أ**د لا يظهر منه سوى القليل، و خفين يماثلان الثوب في اللون و الطرز. التف الدخان حول جسده، ثم أنزله إلى الأرض على مهل. و ما أن حط تاج على قدميه حتى اجتمع الدخان الأبيض بجانبه في الهواء، و تكون على شكل جسد، فظهرت لمار وسطه وهي ترفرف بجناحيها، ثم أنزلت جسدها ببطئ حتى لمست قدماها الأرض. إلتفت إليها تاج مستفهما، - ما الذي نفعله هنا؟! ابتسمت، - أُصلِحُ ما أفسدتُه. - و كيف؟! ما الذي تخططين له؟! اقتربت منه و حملت كلتا يديه بين يديها، أخذت نفسا، ثم زفرته بهدوء قبل أن تقول، - أريدك أن تدخل غرفة البرج و تقابل الأميرة. ابتلع ريقه ثم تلعثم قائلا، - أدخل.. ماذا؟! أقابل.. الأميرة؟! - أريدك أن تخبرها بمن يكون قمر الزمان. سأل في انفعال، الخوف واضح في عينيه المتسعتين، - و ماذا لو سألتني عن من أكون؟! - فقط أخبرها بمن تكون! رفع كلا حاجبيه منذهلا، - تمزحين؟! - و لما لا؟! اذا ما أخبرتها بحقيقتك فستصدق كلامك! - و ماذا لو سألتني عن أمر ظهور قمر الزمان في غرفتها ليلة أمس؟! و ماذا لو سألتني أيضا عن كيفية معرفتي بالأمر؟! أطبقت لمار شفتاها و تشتت نظراتها، ثم أجابت بعد **ت، - لم.. لم أفكر في كل هذا! سحب يديه إليه في استسلام و أفلت يديها، و ظهرت ملامح الإن**ار على محياه. تأفف ثم قال، - هذه ليست فكرة جيدة. لنعد. - أرجوك، تاج. أغلق عينيه محاولا السيطرة على غضبه، - سنصنع مشكلا آخر هكذا يا لمار. - لا داعي لأن تخبرها بمن تكون! فقط قل أن الأمر لا يهم، و أخبرها عن قمر الزمان. إنها الطريقة الوحيدة ليلتقيا! يجب عليها أن تعرف من يكون! - إنها فكرة سيئة. للغاية! - ثق بي و حسب. هذه المرة وحسب. - لا أستطيع! حدقت به لمدة بتعابير غير مفهومة على وجهها، فظهرت ملامح مرتابة و مترددة على وجهه. تلعثم، - ل.. لمار.. - آسفة! لكن يجب عليك أن تثق بي. ض*بت بجناحيها و طارت، ثم حملته من تحت ذراعيه رغما عنه و هو يصيح باسمها و يطلب منها أن تنزله أرضا، لكنها لم تعر لصياحه اهتماما. وضعته على أرض شرفة غرفة الأميرة، ثم وقفت أمامه. فتح شفتيه و عيناه تصيحان غضبا قبل أن يتحدث حتى، لكنه تجمد مكانه و لم تخرج و لو كلمة واحدة من ثغره، لحظة سمع حوارا حادا يدور بين صوتين مؤلوفان بداخل غرفة البرج. التفت إلى الستارة التي تفصل بين الشرفة و الغرفة، ثم أعاد نظراته إلى لمار في قلق. تساءلت و هي تتقدم نحو الستارة، - الأميرة و السلطان! لوحت الجنية بيدها أمام الثوب المسدول، ليكشف لها عن ما يحدث بالداخل، فاقترب تاج من الستارة بعد تردد، و هو يراقب الأميرة و والدها، بعينان مهمومتان قلقتان. صاح الملك ورد في انفعال، - كفي عن جنونك يا وردة! أسرعت إلى السرير مشيرة إليه، وهي تؤكد على حقيقة كلامها، - ؤاكد لك أنه كان هنا! أنظر إلى الخاتم! هل سبق لك أن رأيت مثله عندي؟! مسح ورد شاه على وجهه بكفيه، من جبينه حتى وصل إلى شفتيه، ثم توقفت أصابعه عند ثغره، وهو يحدق بابنته بعينان تصرخان قلقا. - لقد جننتي! اضطربت تعابيرها بعد ما نطق به والدها، - أبي! تقدم نحوها بخطوات بطيئة وهو يتفحص وجهها في خوف، - لقد جننتي بالفعل! - أبي! أبي أنا- قاطعها قائلا كالمنهزم، - كفى يا وردة. كفى أرجوكي. ثم أسرع نحو الباب لتسرع خلفه وهي تردد، - لست مجنونة! لماذا تقول كلاما كهذا؟! أبي! فتح الباب ثم التفت إليها ليقول، - ابقي هنا حتى أعود لك بطبيب يعالجك من توهماتك. - أبي! اسمعني أرجوك! لكنه همّ بالخروج و أغلق الباب خلفه. تغرغرت عينا وردة اللتان اتسعتا صدمة بالدموع، و التي ترقرقت على خديها وهي تجر خطى الخيبة عودة إلى سريرها. جلست ثم مسحت وجهها، و هي تحاول التقاط أنفاسها و تهدئة نفسها، لكن سرعان ما أجهشت بالبكاء، فضمت ساقيها إلى ص*رها، و جعلت جبينها على ركبتيها. التفتت لمار إلى تاج، لتلاحظ انزعاجه من ما رآه من أحداث و سمعه من كلام، و بدى لها قلقه على الأميرة واضح على محياه، كوضوح الشمس في كبد السماء. مدت يدها إلى كتفه فالتفت إليها مستيقظا من شروده، رماها بنظرات متحسرة، ثم عاد يراقب الأميرة وردة الجنة. قالت لمار بعد أن ترددت طويلا، - أدخل و أخبرها عن قمر الزمان يا تاج. أغلق عينيه في يأس، و سيطر الإحباط على ملامحه و حركات جسده. أشاح بوجهه بعيدا عن وردة، و مرر يده بين خصلات شعره في حيرة، ثم قال وهو يبتعد بخطوات سريعة عن موقفه، - الأمر ليس سهلا يا لمار. اقتربت منه بضع خطوات، - و هل ستتركها هكذا تبدوا كالمجنونة أمامهم؟! - حتى و إن علمت من يكون الشاب من ليلة أمس، لن تستطيع تفسير ظهوره المفاجئ في غرفتها للسلطان! سيظنها تختلق الأمر. - ستجد وردة طريقة لتصل إلى قمر، ثق بي. كل ما تحتاجه هو معرفة من يكون. التفت إليها، ثم إلى وردة الجنة. تقدم نحو الستارة، فاختفى مشهد الغرفة أمامه. وقف لمدة أمام الثوب الذي يرفرف مع حركة الرياح، فتقدمت لمار و وقفت بجانبه. - ماذا قررت؟ أخذ نفسا، - سأقابل الأميرة. ....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD