لفصل 8
( هي الخسرانة.. عمرها ما هتعوض يزيد)
تمتمت عطر بجملة حانقة على مسامع جوري الباكية، فهتفت الأخيرة: بس صعبان عليه يزيد أخويا ياعطر.. رغم إنه بيحاول يداري ويكون طبيعي علشان مانزعلش عشانه.. بس انا حاسة بيه.. الألم والحزن وال**رة مالية عنيه!
_ ما عاش ولا كان اللي ت**ر يزيد.. أخوكي راجل يا جوري وهيعدي من أزمته ويكون افضل، وبكرة ربنا هيعوضه بأحسن منها مليون مرة.. أصلا بلقيس دي بنت مغرورة ورخمة وعمري ما حبيتها.. وذنب يزيد مش هيروح، بكرة تتجوز واحد غتت زيها، واحد مش هيحب غير جمالها اللي زايل!
جففت جوري وجهها: عندك حق.. أخويا طيب وحنين وأكيد ربنا هيعوضه.. وواصلت : بس لازم نعمل حاجة تبسطه ياعطر، فكري معايا..!
أجابتها بحماس: سهلة جدا، أيه رأيك نعمله حفلة لعيد ميلاده اللي قرب.. وكلنا نجيبله هدايا ونحسسه إننا بنحبه وحواليه.. وننسيه البت دي خالص، ونخليه هو وياسين وعابد يخرجونا ونتفسح ونضحك ونلعب ونهزر.. ومانخليش لعقله فرصة يفكر فيها.. وهو مع الوقت هينساها.. محدش بيفضل فاكر حد ناسيه يا جوري، صدقيني دي مسألة وقت..!
_ عندك حق.. خلاص أنا وانتي هنظبط كل حاجة ونعمله مفاجأة تفرحه!
_______________________
عبر الهاتف!
_السلام عليكم.. أيه فينك يا يزيد، مختفي من بعد ما خلصت جيشك..!
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، إزيك يا أحمد، أنا موجود اهو، وكنت هتصل بيك والله عشان نناقش مشروعنا..!
أحمد بمرح: أيوة كده يابشمهندس افتكرتك نسيت عايزين. نشتغل، أخوك مالوش في قاعدة البيت!
هتف مبتسمًا: لا ماتقلقش فترة بسيطة وهكون عند في القاهرة، بس أنت شوفلي شقة قريبة من مقر المشروع عشان أقيم فيها..!
_ لا من الناحية دي ماتشلش هم.. هشوف حاجة مناسبة.. واستطرد: بس انت مش قلت في بيت لعمك عا** في القاهرة، وهو قالك تقيم فيه؟
يزيد: مش هينفع.. لأن فيما بعد ممكن مرات عمي وبلقيس ينزلوا القاهرة لما تشتغل مع والدها.. وانا مش عايز اعتمد على حد في حاجة.. اجيب شقة خاصة بيا افضل!
احمد باستعاب: وجهة نظر.. وكمان كده أحسن عشان على الأغلب هكون معاك مش هسيبك لوحدك يا معلم!
_ شكرا يا أحمد..!
_ العفو يا زيدو على أيه.. ربنا بس ييسر أمورنا وننجح زي ما بنحلم.. تعرف أما حكيت لبابا إننا هنتشارك في مشروع هندسي للبناء والتعمير .. انبسط أوي وهو كمان هيساعدني!
_ الحمد لله.. أنا بردو والدي حب فكرتي، وبصراحة لولا مساعدته المادية، ماكنتش هقدر اعمل المشروع ده.. وكمان زوج خالتي "العم ناجي" هيشارك معانا بنسبة 25%، عشان ياسين يكون معانا بعد التخرج من كلية تجارة! هو في أخر سنة!
_ حلو جدا.. أهو يتحمل فيما بعد القسم المادي ويظبط الحسابات !
_ بإذن الله!
_ طيب اسيبك بقى، وهكلمك بعدين!
بس هو في سؤال كده يا يزيد، ممكن أسأله؟
_ اتفضل!
_ حاسس صوتك متغير.. حزين. مش متحمس.. هو في حاجة؟ بعد الشر حد من أهلك تعبان؟
_ لالا ابدا كله تمام.. وأهلي بخير اطمن!
_ طب وخطيبتك؟
**ت ولم يجيب، فتمتم أحمد بحذر:
يعني زعلان إنت وخطيبتك؟ ياعم روق كده، هو في اتنين مخطوبين مش بيتخانقوا ويتخا**وا.. أكيد هتتصالحوا يا روميو..!
_ أنا انفصلت أنا وخطيبتي يا أحمد!
صدم من حديثه فتمتم بذهول: نعم؟؟؟ أزاي وليه؟ فهمني لو ينفع تحكيلي! ده انت كنت بتقول عايز تكتب الكتاب بسرعة وكلمت عمك في كده!
تجرع ألمه، وهتف باقتضاب: نصيبنا انتهى لحد كده!
لم يشأ أن يكون لحوحًا، فهتف مواسيًا: هو فعلا كله نصيب.. عموما انت ماتزعلش يا يزيد.. أنت أصلا هتتلهي في مشروعنا، وهتنسى كل ألمك.. وصدقني ربنا هيعوضك بالأحسن.. أكيد سعادتك مش معاها..!
_ الحمد لله على كل حال.. المهم أنت اعمل زي ما اتفقنا.. وأنا هكلمك تاني!
______________________
بلقيس: عمو راغب، نزلني بعيد شوية عن الجامعة، عايزة اتمشى!
السائق: حاضر يا بلقيس هانم!
......... ....
بخطوة متأنية هادئة، تسير وذهنها شارد! منذ تركت يزيد.. ووالديها يصيبهما الحزن، هل أخطأت حين تركته؟! أكان لزامًا عليها أن تُكمل علاقة غير متكافئة ومحكوم عليها بالتعاسة؟! يزيد لا يشبهها.. ليس هو فتى أحلامها.. لم يجذبها، حاولت أن تتقبله لأجلهما وكي تسعدهما وفشلت.. ماذا تفعل لتستعيد ضحكتهما الصافية معها.. والدها لم يعد يشاركها مشاهدة أفلامها الأجنبية المفضلة گ عادتهما.. وولدتها كل يوم تفيق من نومها فَزِعة، ولا تحكي ابدا ما تشاهده. فقط تظل تستعيذ من الشيطان! وترمقها بنظرة خائفة لا تفهمها..!
بخضم شرودها انتفضت جميع حواسها بغتة، وذراع قوية تلتف حول خصرها وترفعها أرضًا، وتدور بها بلمح البصر! فانتقلت لجانب الطريق المرتفع بسرعة. خاطفة، وصوت رجولي يصدح بخشونة غاضبة: مش تحاسبي يا أنسة؟! في حد يمشي سرحان وسط الطريق والعربيات رايحة جاية؟!!!
أنعقد ل**نها وسيطرت عليها رجفة هلع، بعد أن أدركت أن سيارة أحدهم كانت على وشك الاصطدام بها، لولا تدخل ذاك الغاضب..رفعت عيناها ببطء تناظر تلك البنية القوية، لشاب يستحوذ على قدر وفير جدا من الوسامة والأناقة والجاذبية.. خفضت نظرها سريعا قبل أن يُفضح إنبهارها الخاطف، ولأنه يستحق الشكر، أردفت باقتضاب:
_ مأخدتش بالي.. عمومًا شكرًا..!
منحها نظرة باردة، وهتف بلا مبالة: ركزي بعد كده ..ثم وضع نظارة سوداء تع** طيف أخضر يشبه لون قميصة، فبدا گ لوحة تنضح أناقة ووسامة ملفتة.. وتركها دون إضافة المزيد.. فتعجبت لإهماله جمالها دون أن يلحظه، وهذا يُعد شيء غريب ونادر حدوثه معها.. كيف لم تنتشي بنظرة انبهار واحدة تروي غرورها وتزيد ثقتها بجمالها الآخاذ..؟!
نفضت كل تلك البعثرة داخلها ولامت نفسها:
هتتأخري على محاضرتك وانتي واقفة زي الهبلة كده!
وهرول حتى يتثنى لها الحضور دون تأخير، أو توبيخ من أستاذها السمج! صاحب المحاضرة الأولى!
______________
أنتهت المحاضرة للتو.. فغادرت القاعة، ملتقطة هاتفها، فصديقتها تيماء لم تأتي گ عادتها.. ويجب أن تطمئن! وبعد عدة رنات، أجابت تيماء:
صباح الخير يا بلقيس!
بلقيس: صباح الخير يا تيمو.. ليه مش جيتي انهاردة حبيبتي قلقتيني عليكي!
بنبرة توشي بالإعياء: معلش يابلقيس جالي دور برد فظيع.. مقدرتش انزل للجامعة.. يومين على ما اتحسن واجي.. مش هوصيكي ع المحاضرات عشان هبقى اخدها منك!
_ سلامتك يا تيمو.. ولا يهمك، هكتبلك نسخة من المحاضرات، وهساعدك فيها كمان أما ترجعي.. المهم خدي بالك على نفسك!
اغلقت الهاتف وهي تشعر بالضجر.. غياب تيماء ترك فراغًا، ولا تريد العودة للمنزل، ربما ذهابها للمكتبة والاطلاع قليلا سيكون شيء مفيد.. بالفعل توجهت للمكتبة، ووقفت تمرر عيناها على الأرفف لتنتقي كتاب مناسب، فوجدت ضالتها، وما أن مدت أصابعها لتلطقته، حتى سبقها كفٍ رجولي ضخم وأخذ الكتاب، وابتعد دون أن يلتفت لها وأخذ موضع للجلوس بزاوية ما.. واتكأ بمرفقيه على طاولته، متصفحًا الكتاب بهدوء وكأنه لا يراها..!
تبينت ملامحه جيدا وأدركت أنه نفس الشاب الذي أنقذها قُبيل ساعات قليلة من تصادم السيارة بها، لا تعرف لما شعرت تجاهه بالاستفزاز..هل لتجاهله جمالها الذي اعتادت أن يخ*ف لب الناظرين إليها، أم لفظاظته الواضحة..اللياقة والذوق كانا يُحتمان عليه ترك الكتاب لها، خاصتًا أنه أخر نسخة بالرف.. كيف له أن يجمع بين الشهامة بأنقاذها.. والفظاظة بآنٍ واحد؟!
ضمت قبضتها بتحفز، وذهبت إليه بوجهٍ ثائر:
_ على فكرة إنت معندكش ريحة الذوق!
كان منهمكًا بالقراءة، إلى أن سمع جملتها الو**ة بحقه، فرفع بصره إليها ببرود هاتفًا: وانتي ل**نك طويل مع إن المفروض تكوني بنت مهذبة.. وأحسلك ماتتكلميش بوقاحة أكتر، لأني مش شايف إي عملت حاجة تستدعي غضب سيادتك!
عقدت ساعديها: يعني اما امد ايدي واخد كتاب وانت تتعمد تسبقني وتاخده، دي مش قلة ذوق؟ المفروض تسيبوا وتشوف غيره.. المكتبة مليانة قدامك!
وقف عاقدً ساعديه هو الأخر بتحدي واضح، وتمتم ببرود: انا بالفعل كنت سابقك وانا باخد الكتاب، ومش المفروض اسيب حاجة لحد لأني حر، وهرد نفس ردك... المكتبة. مليانة قدامك!
وجلس مرة أخرى مستعيدا تركيزه بالقراءة، دون الأهتمام بمن تكاد تحترق غيظًا ولا يستبعد أن يشم منها رائحة شياط الآن!
نفخت بنفاذ صبر، فطايرت غرتها الأمامية، وعلمت أن الجدال مع شخص يشبه لوح الثلج لن يثمر شيء. فبحثت عن كتاب أخر، وبالفعل انتقت واحدًا وجلست بزاوية بعيدة عنه وراحت تقرأ بذهن مشتت.. حاولت التركيز وفشلت.. تشعر بشيء جاثم على ص*رها، يضايقها ولا تعرف مص*ره أو سببه.. ولأن تركيزها غائب، ضمت صفحات الكتاب ثانيًا، ووضعته جانبًا على الطاولة.. وظلت شاردة بعين غائمة حزينة..!