الفصل 5
بلقيس أثناء تناولهما الغداء بمطعم ما"
_ ناوي على إيه بعد ما خلصت جيش يا يزيد!
يزيد بعد أن أرتشف بعضًا من حساءه الدافيء:
_ هبدأ مشروعي اللي حكيتلك عنه!
_ قصدك شركة المقاولات للإنشاء والتعمير؟
هتف بحماس: بالظبط.. حلمي يا بلقيس اشتغل في مجال دراستي، ويكون عندي شركة كبيرة وليها أسم وسمعة موثوق فيها مستقبلًا.!
هتفت: ربنا يحققلك أحلامك!
رمقها بنظرة تفيض حب وحنان ودفء:
_وأنتي كمان حلم غالي عندي يا بلقيس.. ياريتك تعرفي قد إيه بحبك وبخاف عليكي ونفسي اسعدك!
ارتبكت، ولم تتجاوب معه بكلمة، يزيد يبثها دائما مشاعره.. أما هي، فلا.. وكيف تفعل، أليس من المفترض أن يكون لديها مشاعر هي الأخرى لتبثها له؟ هناك أشياء لا يجوز فيها الكذب..شعرت بالسخط على ذاتها عندما لمحت نظرة عيناه التي يخصها بها دائمًا،. كم يبدو حاني رغم طباعه الحادة وهمجيته احيانا حين يغار ويغضب ويفقد عقله.. لما لا تعطي نفسها مجالا لتحبه؟! هل فقط هيئته الغير أنيقة وملابسه الغير عصرية سببًا في فتورها نحوه؟ أم أن روحها غريبة بعالمه؟ لا تجد ابدًا خط مشترك يقربها لنفس المدار..فتورها نحوه گ وضوح الشمس. كيف إذًا ستُبني حياة زوجية بينهما..؟
_ يزيد لو قولتلك أني بعد الجواز مش عايزة البس الحجاب ابدا ولا اغير استايل لبسي، هيكون ردك إيه؟!
القت سؤالها بغتها دون تخطيط، وطرحت هواجسها أمامه، ربما خالف توقعاتها وقال ما يرضيها..!
فحدجها بنظرة مطولة، محاولا أنتقاء كلمات لا تغضبها، ثم أردف بهدوء:
_ بلقيس حجابك ده شيء مفروغ منه..و لبسك كمان لازم هيتغير لأنه في نظري منتهى التبرج، لو أنا "بخيرك" دلوقت في الحجاب أو غيره.. فبعدين مش هيكون في مجال تختاري، لأنك هتكوني وقتها شايلة إسمي و هتحاسب عليكي..بعدين أنا مش فاهم إيه مشكلتك أنك تتحجبي وتوسعي لبسك ده شوية وتغيري استايلك؟!
( وإنت اللي هتغيرلي استايلي؟!)
كاد ل**نها أن يُفصح بجملته الساخرة بضميرها.. لكنها قالت بعناد: لبسي وعاجبني.. وهتحجب اما أنا اللي اقرر ده. مش أمر ولا رغبة من حد!
ونهضت قائلة بغضب: وعايزة اروح لو سمحت، مصدعة ومحتاجة انام!
..........................
غادرا المطعم ب**ت، وكلا منهما يحاكي ضميره الخافي! يزيد الذي أصابه الحزن لهجومها وكأنها تتحين فرصة لذلك! فما أراد إلا أن يصونها من كل عين طامعة وقحة..! لكن لم يصل لعقلها سوى أنه يتحكم بها..
أما هي فازداد حنقها عليه، وغضبها يتصاعد داخلها، وجملته يتردد صداها بعقلها
( حجابك ده شيء مفروغ منه.. لو أنا بخيرك دلوقت في الحجاب أو غيره.. بعدين مش هيكون في مجال تختاري، لأنك هتكوني وقتها شايلة إسمي و هتحاسب عليكي)
هكذا ستكون الحياة إذا.. أوامر لا نقاش فيها..!
حسنًا..ربما وجب عليها التفكير بجدية في استمرار تلك الخطبة الحمقاء!..ليس من العدل أبدًا أن يُجبر مثلها على شيء!
____________________
لامت نفسها بضميرها، وهي تسير بحرص خائفة، وقد
بدا الشارع القاطن به " أستاذها" خالي من المارة بذلك التوقيت المبكر، لما عاندت والدتها حين أمرتها بإيقاظ شقيقها " ياسين" لإيصالها، بل الأكثر أنها طلبت منها حضور " مُعلمها" لمنزلهم بشكل خاص، دون عناء الذهاب بمفردها.. لكنها عاندت وأرادت ألا تختلف عن باقي زميلاتها، وتأخذ معم درس جماعي.. حسنًا ياعطر، لن يحدث شيء، ستصلين لوجهتك سريعًا.. هرولت تنهب الأرض بقدميها، وبعد برهة قصيرة لاحظت احدهم يتتبع خطاها وگأنه يراقبها، أرتعبت كثيرًا ماذا تفعل؟! منزل أستاذها مازال يبعد مسافة قليلة ولن تأمن الطريق بملاحقة ذلك السمج، فربما تهور واستغل أنها وحيدة وجذبها عنوة لإحدى المداخل المظلمة لأي بناية!
وهاهي محقة السمج بدأ بالفعل بوصلة الغزل الزائفة مع اقتراب خطواته منها.. لامفر إذا من الهروب.. لحسن الحظ أن مسكن خالتها كريمة قريب من هنا.. أطلقت العنان لقدميها مهرولة دون النظر خلفها حتى وصلت بالفعل للبوابة الرئيسية، وعبرتها سريعا مرورًا بالحديقة، ووصلت للبوابة الداخلية وراحت تطرقها بعنف، وبنفس الوقت تضع يدها على الجرس!
فشعرت بيد أحدهم تلمس كتفها، فظنت أن السمج لحقها دون أن تنتبه، وأطلقت صرخة بترتها فور سماعها صوته: ده انا يزيد ياعطر أهدي!
ألتفت وما أن رأته حتى التقطت أنفاسها..!
فتعجب يزيد وتسائل: أيه يابنتي في ايه، بتنهجي كده ليه وأيه منزلك في الوقت ده؟!
جاءت " خالتها" من خلفه بفزع وهي تدب بيدها ص*رها: حصل ايه ياعطر؟!!! أوعي تكون اختي حصلها حاجة.. أستر يارب!
عطر ومازالت تلهث: لا لا... ما... محصلش حاجة ياخالتو.. ماما كويسة! بس انا كنت رايحة الدرس والشارع كان فاضي خالص وواحد مشي ورايا وعا**ني وحاول يقرب مني..خوفت وجريت منه وجيت على هنا..!
يزيد بعد أن فارت دمائه: الحيوان ابن ال......
وذهب يتفقد البوابة الخارجية لعله يلمح أحد فلم يجد.. عاد موجها وصلة توبيخ لها:
وأنتي أيه نزلك دلوقت لوحدك ياغ*ية ولسه محدش صاحي والشوارع فعلا فاضية!
استاءت من توبيخه فهتفت بغضب: بس ماتقولش غ*ية انا كنت رايحة الدرس مش نازلة اتدلع في الشوارع!
فاقترب منها حازًا على أسنانه: أخوكي ياسين فين؟
اجابت: نايم!
فقال بتهكم: نايم؟! ده انا هطين عيشته ازاي يسيبك تنزلي لوحدك بدري كده!
هتفت مدافعة: على فكرة ياسين مايعرفش ان عندي درس بدري لأن ده معاد جديد، وأصلا البيت مش بعيد.. ومافيش داعي تضايقه، انا مش صغيرة عشان حد يوصلني.. عن أذنك!
همت بالمغادرة، فسد عليها الطريق هاتفا بتحذير:
دقيقة وهغير هدومي وأوصلك.. إياكي تتحركي قبل ما اجي وإلا هتندمي..!
حاولت الاعتراض فنهرتها الخالة لتطيع يزيد، ثم طيبت خاطرها وبررت غضبه انه لخوفه عليها.. وبعد قليل حضر وذهب معها، وأثناء سيرهما ب**ت وقفت عطر بغتة دون أن يلاحظها يزيد، وانحنت بهدوء تعقد رباط حذائها الرياضي، لاحظ يزيد اختفاء ظلها جواره، فالتفت لتتسع عيناه وهو يطالع انحنائها بهذا الشكل دون ان تدري أنها فعلة لا تليق بفتاة!
فتوجهه إليها بغضب هاتفا بصرامة: اقفي على حيلك بسرعة يا اللي معندكيش ريحة العقل!
وقفت مندهشة من ثورته! ماذا فعلت ليوبخها ثانيًا؟! ألم يكفيه توبيخها هذا الصباح.. فقالت بضيق: أنت كل شوية تزعقلي ليه انا عملت أيه دلوقتي
رباط الكوتشي بتاعي اتفك وكنت بربطه، ولا امشي واتكعبل واقع على وشي عشان ترتاح.. ؟!
نظر لها ولا يعرف ماذا يقول.. انحنائحها وبروز خلفيتها ومعالم جسدها الأنثوية ،جعل الدماء تفور برأسه، فإن كان الشارع خالي الآن من المارة! فما الحال لو فعلت نفس الفعلة الحمقاء وسط شارع مكتظ بالبشر، وخاصتًا الشباب الوقح؟!.. التصور ذاته أشعل دماء وجهه، وجعله يرمقها بغيظ متمتما: بقولك ايه.. امشي اما اوصلك خلي اليوم ده يعدي على خير ونخلص!!!
..................
التزمت ال**ت ولم تنطق بحرف، فحاول تلطيف الأجواء وتبديد غضبها، فابتسم وعلم كيف يراضي تلك الطفلة!
أمرها أن تنتظر قليلا وذهب ليبتاع اشياء يعرف أنها تحبها، وجاء ومد يده بحقيبة بلاستيكية قائلا:
اتفضلي ياستي مايرضنيش التكشيرة دي!
تمتمت بعبوس: مش عايزة، خليهم لجوري!
فأجاب : ما انا جبتلها شنطة زيها، اخلصي بقي ماتخليش ضميري يوجعني، انا اتنرفزت لأني خوفت عليكي، انتي زي جوري بالظبط واتجننت اما قلتي حد كان بيعا**ك وماشي وراكي، هو انا مش اخوكي الكبير ومن حقي اخاف عليكي وا**ر دماغك لو عاندتيني؟!
رمقته بطرف عيناها الواسعة، زامة شفتيها بضيق گ الأطفال، عازفة عن إجابته، فابتسم، واستأنفا المشي، إلي أن وصلا المنزل المقصود، فصعدت دون النظر إليه، فسألها قبل أن تبتعد أكثر: هتخلصي الدرس أمتى؟
أجابت بإقتضاب دون أن تلتفت: بعد ساعتين!