الفصل الاول
ظلت عيني جواليا مسمرتين بسكون وهدوء على ذلك الجسد الضعيف والانفاس العاجزة
التي راحت تخرج بحشرجة من المرأة الوحيدة التي عرفتها طوال حياتها
كانت تموت ... جوليا تيقنت من ذلك والكل بات يعرف ويعترف بهذه الحقيقة
فكل ملامحها دلت على ما سيحصل في القريب العاجل
ولم تستطع جواليا منع نفسها من الشعور بالالم والحزن لفقدان من كانت يوما
اغلى انسان على قلبها .. وعلى الرغم من كل شيء ..من كل ما حصل
هي لم تستطع ان تكرهها ..الله يعلم هي حاولت لكنها باءت بالفشل ...
واقتربت اكثر نحو الزجاج الفاصل وهي تشعر بانفاسها عاجزة ورفت بجفنيها
الثقيلين لتزيل اي اثر للجرح الذي تركته جدتها عميقا في داخلها
لقد ظنت بانها طلبت منها المجيء لتراها .. وتتحدث اليها بحب وعطف كما كانت في الماضي
لكي تعتذر ربما .. علها تمضي بسلام .. لكن كان كل ما نطقت به وبصعوبة
((لن استطيع مسامحتك على ما فعلته جوليا .. لا استطيع .. حاولت ولا يمكنني
فما فعلته قد جلب العار لي ايضا وليس لك فقط .. لم اتمكن من كرهك فانت حفيدتي الوحيدة
لكنني عاجزة عن مسامحتك ... اعتذر منك يا حبيبتي لكن ما فعلته كان قاسيا ... كان عار عليك ))
كل ما استطاعت جوليا فعله في تلك اللحظة هو ال**ت فيما الغضب والالم يتاكلان داخلها ويكادان
يقضيان على نعمة البرود التي باتت تتمتع بها في الاونة الاخيرة
لقد **تت ... ابتلعت الكلمات بصعوبة و**تت لا تقل شيء .. فلا يوجد شيء ليقال ..وهي تموت
على اية حال .. فلم ستجادل ؟؟ ولم ستدافع عن نفسها ؟؟ لماذا وما الفائدة ؟؟.
وزفرت انفاسها بعجز وعينيها تغرقان بدموع الاسى .. شعرت بالشفقة اتجاه المراة التي ربتها
منذ الصغر وكانت خير عون لها حتى ثلاث سنوات مضت ..حين وبكل قسوة اتخذت جانبا اخر ورضيت ب**ت
بكل الظلم والقسوة التي حلت بها
وبصوت هامس ضعيف نطقت جواليا وكانها تحادث جدتها :
- انا اسامحك جدتي .. اسامحك .. يمكنك الرحيل بسلام الان .. ( وانسابت دمعتها بخلاص ) فانا اسامحك
من كل قلبي .. اقسم .
وضمت شفتيها بارتعاش ثم رفعت يدها لتمسح باصابعها المرتجفه دموعها .. وتن*دت بعمق .. ابتعدت عن
الزجاج نحو كرسي الانتظار وحملت سترتها الرمادية وحقيبتها ..
عليها الرحيل فهي قد فعلت ما جاءت لفعله
لقد رات جدتها كما ارادت وحان موعد العودة لحياتها .. عليها مغادرة هذا المكان فلاشيء فيه
يشعرها بالراحه والامان .. وارتدت سترتها برويد في حين كان الطبيب يقترب منها
- آنسة مايرون ؟؟
التفتت نحوه برويد ووجهها شاحب :
- نعم ..!
- نحتاج لتوقيعك على اوراق تخص جدتك ..
بللت جوليا شفتيها بجفاف وعادت بعينيها رغما عنها نحو جدتها المستلقية بلا حراك داخل غرفتها
ثم همست بشرود :
-انها ليست جدتي ..
-ماذا ؟؟! .. عفوا ولكن لقد قيل لي أ...
عادت نحوه تقاطعه بعدم اهتمام وتتابع :
-لقد توقفت عن كونها جدتي منذ سنوات خلت .. اعذرني ..
وارتدت حقيبتها ثم سارت في الرواق بعيون غارقة بالحزن والالم
احزنها ان تقول ذلك لكنها الحقيقة .. فهي لم تعد تعرف تلك المراة .. لا اخبارها ولا ماذا فعلت
في غيابها .. كل شيء يتعلق بها بات ماض بالنسبة لجوليا ورفعت يدها تضع خصل شعرها الشقراء خلف
اذنها وظلت خطواتها واثقة وعينيها مركزتين على ما امامها فقط
فيما ض*بات قلبها تتسارع بعنف وجسدها يرتعش بضعف .. لا لن تضعف .. لا .. سوف تسير
لن تنظر ولن تهتم .. وبقوة وشجاعه استطاعت جوليا تخطي الرجل الواقف مقابل لها في الرواق
يحدق بها بصدمة ودقة .. وشعرت به يجذب انفاسه لما مرت بقربه دون ان تلقي عليه ادنى نظرة
وكانه غير موجود ثم تستمر بالسير مبتعدة بلا مبالاة .. وتنفست بلهاث وضمت قبضتيها شاعرة
بعينيه تلاحقانها .. فالنار تشتعل في ظهرها .. هو يراقبها وهي تكاد تقسم ..
وانعطفت اخيرا في الممر .. ثم توقفت خطواتها كما انفاسها وحدقت امامها بشحوب
مجرد وجوده كاد يفجر اعصار داخلها .. فكيف لو راته .. لربما قتلته كما كانت تتمنى تماما
وعادت ساقيها للسير ببطء وشرود .. وذهنها يعود الى ذلك الماضي الاليم ليثير فيها
ذكريات مرة دامية ..الى اليوم الذي تغير به مسار حياتها لمرتين على التوالي
الاول نحو السعادة .. والاخر نحو النهاية
{{ - كيف فعلت ذلك به ؟؟.. كيف جوليا ؟؟..
- مالذي تقولينه ؟؟. لا أفهمك ؟!!
-لاتتصرفي بجهل .. الكل بات يعلم .. لم فعلت ذلك ؟؟ هل يستحق منك هذا بعد كل الحب الذي
قدمه لك ؟؟!!.
-لا اعرف عما تتكلمين جدتي !!.. انا كنت في الخارج .. لقد وصلت للتو ولا ادري ما تقصدينه !!
-بل تعرفين .. ويا الهي !! ليرحمك الله يا ابنتي فلا ادري ماذا سيفعل بك حتى..
-ماذا تقولين ؟؟ جدتي توقفي عن المزاح ..
-وهل تريني امزح يا فتاة ؟؟ اعلمي شيء واحد مهم .. انا لن ادافع عنك .. لن اقف في صفك .. مستحيل
-جدتي مالذي تتحدثين عنه ؟؟ انت تخيفيني !!
-جوليااا ...
استدارت جوليا للخلف لتجده يقف عند الباب فابتسمت بحب
-حبيبي .. اريد اخبارك شيء مهم ..
-حقا ؟؟!!
وبسبب لهفتها لم تدرك لهجته الساخرة المريرة ولا نظراته الغاضبة النارية
اقتربت منه وعضت على شفتها بحماس :
-لقد علمت قبل قليل فقط .. واردت اخبارك اولا ..
واحاطت عنقه بذراعيها ترتفع نحوه ثم شعرت بتصلب جسده فقطبت باستغراب :
-حبيبي .. مابك ؟؟
ولامست وجنته بقلق
-لماذا جوليا ؟؟!!
ضاقت عينيها باستغراب على المه وملامحه المجروحه
-لماذا فعلت ذلك بي ؟؟
-فعلت ماذا ؟؟ مابكما انتما الاثنين ؟؟!!
وتراجعت للخلف عنه ورمت جدتها ب*رة سريعه ثم عادت نحوه :
-هل تعرفان ما الامر وتريدان المزاح ؟؟ هذا ليس مسل حقا
-جوليا ا**تي ...
-مابك جدتي ؟؟ بحق الله ما الامر ؟؟ حبيبي ؟؟!!
-لا تقولي حبيبي
وقفت متسمرة تراقب ملامحه المستثارة بغضب وهو يتابع :
- لا داع لاكمال تمثيليتك جوليا .. لقد بات كل شيء واضح .. فتوقفي عن الادعاء
-مالذي تقوله ؟؟ ها .. اي تمثيلية ليام .. مالذي يجري ؟؟
-بني ليام .. ارجوك .. لم لا تتحدثان بهدوء .؟
-لا يوجد شيء لنتحدث عنه فكل الامور واضحه .. اريدك خارج منزلي في هذه اللحظة ايتها الكاذبة
الصغيرة .. في الحال
-ليام ..
وحاولت الاقتراب منه ثم شهقت بذعر لما هب نحوها يمسك بعنقهاوكل العنف قد تفجر في عينيه
-كم اود قتلك في هذه اللحظة .. اود ان اراك تموتين فقط كي ارتاح
-مابك ؟؟!!
وغاصت عينيها بالدموع وهي ترتجف كطائر مجروح وحاولت جذب قبضته بعيدا
-ليام ارجووك ... اكاد .. اختنق ..
-ليتك تموتين فقط.. لكن احمدي الله ..
ودفعها عنه بقسوة فتهالكت للخلف ووجهها يشحب بذعر :
-احمدي الله انني لا ازال اشعر بشيء اتجاهك يمنعني من اذيتك .. فارحلي
-الى اين ؟؟ هل تمزح ؟؟ هل هذه مزحه ؟!!
-هل تظنين ايتها الخائنة الغ*يه ؟؟
-خائنة ؟!!!!
-لقد علمت بكل شيء .. رايته بأم عيني فكفي عن الادعاء بالبراءة والتصرف وكانك لا تعرفين شيء
-مالذي حصل لك ؟؟ هل فقدت عقلك ؟ انها انا جوليا .. (وعادت لتقترب منه برويد ) حبيبتك
كيف تقول عني خائنة ؟؟ كيف ؟؟
ورفعت يدها تلمس ص*ره فحدق في عينيها الدامعتين وجذب انفاسه بحدة :
-انا حبيبتك .. وخطيبتك .. سوف نتزوج قريبا فما الذي حصل ؟!! اخبرني ..
-تراجعي عني جوليا لا تحاولي حتى ..
-انا احبك .. حبيبي مابك ؟!!
امسك كتفيها بعنف وجذبها لترتفع نحوه فتوقفت انفاسها وحدقت به بشحوب
-لا تقولي حب .. ايتها اللعينه .. يا لي من ا**ق غ*ي .. كيف صدقت هذه البراءة ؟؟ كيف؟؟
وعاد ليدفعها عنه فشهقت بصدمه لمقدار غضبه
-ارحلي فقط .. لا اريدك في منزلي ...
-لن ارحل قبل ان افهم مالذي يحدث .. جدتي قولي شيء
ونظرت متوسله نحو جدتها لكن الاخيرة ظلت صامته بالم
-جدتي .. ارجوك .. ثم .. (وعادت نحوه ) كيف تطردني هكذا ؟؟ الم تق بانه منزلي ؟؟
-هذا بعدك .. منزلي لا يحوي على القذارة .. الا تفهمين ؟؟ والان ..
وجذبها من ذراعها بقسوة وسار بها خارجا من الغرفة نحو الممر ثم السلالم
-ماالذي تفعله ؟!! توقف !!.. ليام ارجوك .. ليام .... توقف
وبكت بضعف لا تدري ما يحصل ...
-ليام ارجوك حبيبي .. ارجوك ..
توقف عند مدخل القصر فارتدت نحوه تنظر الى عينيه ببكاء :
-ما الذي حدث لك ؟!.. ستطردني هكذا ؟!!..بلا اي تبرير .. ظننتك تحبني ؟!!!
-انت لا تستحقين حبي جوليا ... لقد خذلتني ..
-ليام ارجوك .. انا لا افهم .. انا ..
لكنه وبقسوة فتح الباب الخشبي الكبير .. بلا اي رحمة او شفقة رماها خارجا .. وصفق
الباب خلفها وكأنها مجرد لا شيء .. رماها ببساطة للخارج .. }}}
شهقت بارتجاف وهي تستيقظ من غفوتها وسط الظلام .. هنالك احد يطرق الباب وبعبوس اضاءت
الضوء بجوارها ثم غادرت السرير واتجهت نحو الباب لتفتحه .. كانت قد حجزت غرفه في الفندق
لقضاء هذه الليله ثم ستغادر في الصباح عائدة الى شقتها
توقفت انفاسها بصدمة وهي تلمح ذلك الرجل مجددا .. يقف مقابلا لها .. وجهه متجهم وعينينه باردتين
متحديتين .. جعل وجوده الغضب يغلي في داخلها وكبريائها الجريح يثير بعنف فضغطت على فكها بقسوة
وقابلت عينينه ببرودة اكبر لترد التحدي في وجهه
ظلت صامته تتامل شكله الذي لم يتغير .. ملامحه التي كانت في يوم من الايام احب شيء الى قلبها
فيه شيء تغيير ... الحب والرقة ماتت فيه .. وهذا مابدى واضحا تماما لها
ونطق بصوت عميق بارد :
-لقد توفيت جدتك ...
اخذت جوليا نفس حاد لتستوعب الامر وابتلعت ل**بها بجفاف لكن برودتها لم ترحل
وهي لاتزال منصتة بعدم اهتمام :
-سوف ندفنها بعد غد .. في مدافن العائلة .. ظننتك تريدين ان تعرفي .. لربما اردت الحضور
ورف بجفيه ونظراته تتحول لتلامس كافة ملامحها وجهها الرقيق الشاحب الخالي من اي
مساحيق تجميل .. عينيها الدامعيتين الحزينتين .. والشعر الاشقر الحريري يحيط بوجهها
ويلامس كتفيها .. جسدها النحيل مختف اسفل منامه بيضاء رقيقة ...
لقد تغيرت كثيرا عما كانت عليه .. حتى هي لاحظت ذلك .. لقد كبرت ونضجت
وحتى شكلها قد تغيير .. فقد تجاوزت الان الثانية والعشرون وتلك الطفله
البريئة التي كانت عليها قد ماتت .. رحلت بلا عودة .. قتلها بيديه
-مجيئك كان لسبب فارغ .. فانا لن اتي ..
قالتها باهمال فاقترب خطوة ليواجهها ولمعت القسوة في عمق عينيه الرماديتين :
-انها جدتك .. عليك اللعنه ..
لم تتاثر بانفعاله وظلت على برودتها وهي تهمس ولكن المرارة شابت صوتها رغما عنها :
-جدتي ماتت منذ وقت طويل .. الم تعرف ؟!!
-انت .....
وهز راسه ورمقها بازدراء فضمت فمها بقوة
-لماذا لم تفاجئيني ؟؟
-هنيئا لك اذا ....
وبلا اي كلمة اخرى وبحركة سريعه تراجعت للخلف خطوة ويدها على حافه الباب ..
ثم نظرت اليه بكره مميت وحركت ذراعها سريعا لتصفق الباب بوجهه
دوى صوت ذلك بالمكان مما اثار في داخلها ولو سرور بسيط لفعلها هذا
ثم رفت بجفنيها الثقيلين وزفرت بخلاص .. سوف ترحل في الغد .. هذا امر مؤكد
فهي تكره تنفس نفس الهواء الذي يتنفسه هذا النذل الوضيع .....
****************
***********