3

1884 Words
غطت بيلا في النوم، أو هذا ما ظنته في البداية، فقد تغير الشعور من ذلك السرير المريح اللدن إلى قساوة، و رطوبة باردة، فتحت عينيها ببطء لتقابل الظلام، و الجوَّ الكئيب الذي حولها. توسعت حدقتيها من الصدمة التي شعرت بها تشل عضلات جسدها، ماذا تفعل هنا، ألم تكن قبل قليل مع تلك المرأة أنجل ؟ إلتفتت بهدوء بسبب الألم الذي اجتاح عنقها و تلمَّست الأرض الصخرية أسفلها، أجل هذه هي الغرفة التي تحوي على العديد من الزِّنزانات. يا ترى ما الذي يحدث، أين هي، هل كانت تحلم قبلا، أم أنها تحلم الآن ؟ الخوف من المجهول جعل نبضات قلبها تصبح أسرع، و الرعب الذي دب في جسدها جعله يرتعش كورقة تتقاذفها الرياح العاتية، إستقامت بجسدها من على الأرض، و عقلها ما زال مشوشاً مضطرباً، هل كل ما يحصُلُ حولها مجرد حلم ؟ قرصت نفسها بقوة علَّه يكون مجرد حلم، فتأوهت بألم تدلك مكان القرصة على ذراعها، إذن هي لا تحلم، ربما تلك المرأة أنجل كانت من نسجِ خيالها الخائف، لكن هُناك الضمادات التي تلفُّ ذراعها و رأسها، من الذي فعل هذا إذا كان كل ما رأته قبل حلما ؟ أرادت التفكير أكثر فيما يحصل معها إلا أن صوت تناءا إليها، صوت ليس بالبعيد “هل هناك أحد .. أرجوك ساعدني " إبتلعت ريقها بخوف، و تحرَّكت ببطء و ترقب لمص*ر الصوت توزع أنظارها المرتعبة يمينًا، و يسارًا خوفاً من ذلك المخلوق الذي قد يظهر لها ثانية في أي لحظة، توقفت أمام زنزانة ذات باب متصدءٍ كمعظم أبواب هذه الغرفة الواسعة التي لا يضيئها إلا عدة شموع متناثرة هنا و هناك ساهمت بخلقِ جو مهيب مرعب جعل قشعريرة مزعجة تسري بجسدها، إختلست نظرة حذرة من بين القضبان الحديدية للباب فلمحت شخصًا قد تم لفه من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه بضمادات مهترئة و قد بدا القدم جليًا عليها، مستلقي على خشبة، و مقيد بأغلال من قدميه و يديه " أرجوك ساعديني " " بصوتٍ متحشرج ضعيف نطق الرجل متوسلا، بدأت تهدء نفسها و تطمئنها، ربما يكون هذا الرجل مثلها، و يمر بنفس حالتها المجهولة، حاولت فتح الباب إلا أنه موصدٌ بإحكام بقفل، تنهَّدت بخفوت ثم سألت ذلك الرَّجل بصوت مرتجف" كيف لي أن أخرجك، لا أملك المفتاح "" إنه في إحدى الزنزانات الأخرى، أرجوك إبحثي عنه "صاح الرَّجل فسارعت بيلا بسؤاله" أتعلم ما هو هذا المكان ؟ "" أجل أعرف، إذا حصلتِ على المفتاح و أخرجتني سأخبرك"قال الرجُل و عندما كادت بيلا أن تعترض صاح الرَّجل بجنون " أحضري المفتاح " بعد صراعات داخلية استمرت طويلا قررت مساعدة الرجل فربما يستطيعُ مساعدتها، ربما يعرفُ ما يحصلُ حولها، هناك العديد من الزنزانات الأخرى حولها ربما تجد المفتاح بإحداها، اتجهت لأحد الأبواب ثم دفعته بهدوء شديد و خوف ففتح سريعاً بعد أن أخرج صوت صرير مزعج أثار بداخلها المزيد من الخوف. دخلت للغرفة علها تجد أي شيء، لكن للأسف لم يكن هناك إلا زجاجة قديمة و مجموعة من القش، خرجت من الزنزانه فسمعت صوت الرَّجل ثانيةً يتوسل إليها لتُخرجه، أرادت طمأنته بأنها ما تزالُ تبحثُ عن المفتاح لكن لسبب جهلته إنحشر صوتها، و رفض الخروج. مسحت الدمعة التي فرت من مقلتيها تعبر عن الخوف الذي تشعر به بيد مرتعشة و أخذت شهيقاً و تبعته بزفيراً تحاولُ عن طريقهما تهدئة نفسها، و بعد أن قلَّ توترها اتجهت لزنزانه أخرى، فتحتها ببطء ثم دخلت بحذر فسمعت فجأة أصواتاً لهمهمات غريبة جعلتها تتوقَّفُ بمكانها. نظرت حولها هناك طاولة خشبية عادية الشكل على الزاوية، اقتربت من الطاولة تتلفَّتُ حولها بحذر لكي تكون متأهِّبة لأي هجوم مباغت من ذلك الوحش الغريب، و هناك على سطح الطَّاولة الخشبية رأت كتابات باللون الأحمر، و ورقة بدت قديمة عليها أيضًا، أمسكت الورقة، و بدأت بقراءة الكلام الذي كتب عليها على الرغم من عدم وضوحه تبدو ... كرسالة اعتذار ؟ سامحيني ! ""سمعت صوت همس خلفها، صوت مبحوح، جعل ض*بات قلبها تعلو لدرجة قدرتها على سماع طنينها بأذنيها، كادت أن تنظر خلفها، إلا أنها شعرت بأنفاس حارة تلفح عنقها، سرت قشعريرة في كامل جسدها جعلت شعر بدنها يقف من الرعب " أخبريه أنا لم أفعل شيء سيء كلُّه كذب ! " سمعت صوتاً لطفلة صغيرة تهمس بهذه الكلمات بجانب أذنها ففرَّت دموعها المرعوبة من مقلتيها، و ارتعش جسدها الخائف، لاتدري ما حدث بعدها، فقد فقدت الإحساس بجسدها فجأة، و شعرت به يرتطم بالأرض الباردة و عاد الظلام يلفها ... *** *** *** *** فتحت عينيها بصعوبة بسبب الضوء، و رمشت عدة مرات لتبعد ذلك الضباب الذي تكون على عدستيها مرة أخرى ثم نظرت في أرجاء الغرفة، إنها تلك الغرفة التي كانت فيها مسبقاً، الغرفة الهادئة المُريحة، ألم تكن قبل قليل في تلك الزنزانة، و قد تأكدت أنها لا تحلم، أذن هل هي تحلم الآن ؟ قرصت نفسها وبقوَّة إلا أنها شعرت بالألم، ما الذي يعنيه هذا ما هو الحلم و ما هي الحقيقة ؟ بدأت تفكر و تفكر، و القلق و الرعب يلعبان بها تارة يمينا و تارة شمالاً، من المستحيل أن يكونا واقعاً معا و من المستحيل أن يكونا حلماً معا، فكرت و فكرت إلى أن لمعت تلك المعلومة في عقلها، لقد قرأت قبلاً في أحد الكتب في المكتبة الملكية عن شيء ربما يكون هو ما يحدث معها الآن، لكن يجب أن تتأكد. *** *** *** *** أبعدت الغطاء الأبيض عنها و مدَّدت جسدها قليلاً لكي تستطيع الحركة. أربع أيام مرَّت على حسب كلام المرأة المدعوة بأنجل، شقت طريقها لخارج الغرفة ثم لخارج الكوخ بخطوات بطيئة، و وقفت أمام الباب قبل أن تغادر إلتفتت لذلك الكوخ الذي بقيت فيه لفترة من الزمن لم تكن تعرف فيها الحقيقة من الوهم، هل يجب عليها أن تخبر أنجل أنها مغادرة ؟ " إيزابيلا ما الذي تفعلينهُ خارج الفراش ؟ " قالت أنجل بقلق، و استغراب بينما تتجه إلى مكان وقوف بيلا التي أجابتها بصوت متعب و ابتسامة هادئة " شكراً لك على كل شيء، أشعر بأني أفضل الآن ،سوف أغادر لدي عمل علي أن أنجزه " نطقت بيلا فربتت أنجل على رأس بيلا بحنان و قالت لها بابتسامة لطيفة " أرجوك أن تأتي لزيارتي مجدَّداً، و لا تنسي تغيير الضمادات لكي لا تلتهب جروحك " زاد اتساع ابتسامة بيلا بينما تجيبها بامتنان من العطف الذي وهبتها إياه" أجل، طبعاً سوف آتي " إحتضنا بعضهما لبعض الوقت ثم أتجهت بعدها كل منهما في طريقها، إنجل التي عادت لِداخل الكوخ، و إيزابيلا التي شقت طريقها للقصر الملكي، عائدة بقدميها للمكان الذي حملت جدرانه صدى صرخاتها المكتومة عبر السنوات الماضية المكان الذي حاولت الهرب منه. *** *** *** *** مرَّت ثلاث أيَّام كاملة، و ها قد وصلت أخيراً للقصر الملكي، لم يغمض لها جفن طول تلك المدَّة إلا لثواني معدودة فذلك الكابوس منعها من النَّوم، وقفت أمام باب القصر، و أظهرت الوشم الملكي للحارس الذي يقوم بحراسة بوابة القصر في البداية نظر إليها الحارس بإزدراء من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها، فثيابها المتسخة بالطين لا توحي بكونها من العائلة الملكية إضافة إلى الأغبرة التي غطت وجهها مع الخدوش، و الضِّمادات الطبية التي تحيط رأسها و يدها. لكن عندما نظر الحارس لعينيها الرماديتان التي تشبه عيني جلالة الملك، و الوشم الملكي إنحنى باحترام، و أمر بقية الحراس بفتح بوابة القصر الحديدية لتدلف هي للداخل متجه إلى غرفتها بدون أن تتحدث لأي أحد. غرفتها معزولة عن الغرف البقية، متواجة بالجناح الغربي المهجور لهذا لا يوجد الكثير من الأشخاص الذين قد تلتقيهم بالطريق إليه. دخلت ثم أغلقت الباب خلفها لكن الغرفة كانت مظلمة تماماً، و هذا ما جعلها تتجه للستارة الجلدية تفتحها بهدوء لتتسلل أشعه الشمس إلى داخل الغرفة، و تنيرها. فتحت الخزانة الخشبية التي كانت في زاوية الغرفة و أخرجت منها أي ثوبٍ وقعت عليه أيديها، ثم اتجهت لكي تستحم، و تخفف من إنهاك جسدها بسبب الرِّحلة الشاقة، و تعب عقلها من التفكير المتواصل و قلة النوم. و بعد لحظات خرجت من دورة المياه تتأزَّرُ روب أ**د من الحرير يغطِّي فستان النوم الأ**د القصير الذي ترتديه و غيرت ضمادات إصابة رأسها و ذراعها التي بدأت بالتحسن. لكن عقلها رفض أن يعتقها من كثرة الأسئلة التي تحوم به، و قلبها الذي ملأه الهم و الحزن قبلاً ما يزال يؤلمها، إستلقت على السرير بتعب بسبب طول الرحلة،، و بدأت عيناها تغلقان تدريجياً تطالبان بالنوم الذي حرما منه لفترة طويلة فالنَّوم قبلاً كان مهرباً لها من واقعها الأليم أما الآن لديها واقعان كل واحد أسوء من الآخر ! *** *** *** *** فتحت عينيها بهدوء بسبب شعورها بنسمات هواء باردة ترتطم بوجهها ففهمت أنها عادت لتلك الزنزانة مرة أخرى، و لكن على ع** العادة لم تتفاجأ بل توقع ذلك تماماً وقفت من الأرض و ملامح البرود رسمت على وجهها، فقابلت عيناها تلك الطاولة الخشبية التي كانت عليها الرسالة سابقاً و لكن هذه المرة بدل أن يكتب عليها سامحني - كتب عليها بلون أ**د داكن بدى و كأنه طلاء - أنت المخطئة ! - تن*دت بتعب من هذه الحالة المتكررة، فهي قد لاحظت أنه في كل مرة تنام فيها تجد نفسها في هذه الزنزانة، كادت أن تخرج منها إلا أنها فجأة شعرت بشيء بارد يلتف حول قدميها، ابتلعت ريقها ببطء، و أغلقت عينيها بخوف إلا أنها تشجعت، و فتحت عينيها تنظر لما يمسك قدمها فوجدت إمرأة ذات شعر أ**د طويل للغاية و عينين ي**وهما اللون الابيض بالكامل تنظران إليها بتركيز مفزع ! *** *** *** *** فتحت بيلا عينيها مرة أخرى تلهث أنفاسها بصعوبة بسبب ض*بات قلبها العالية، يا ترا ما كان ما رأته، ابتلعت ريقها بينما ترغم جسدها الضعيف على الإستقامة بجلسته على السَّرير و بينما هي تفعل سمعت صوت الباب يطرق فتأتأت لأنها ما تزال تحت تأثير الخوف الذي يجري في دمائها سامحة للطارق بالدخول " تفضل " فتح باب غرفتها، و دخل منه جاك يلبس زيه الحربي و تلك الأبتسامة الواسعة تزين ثغره فقد كان سعيدًا بل يكاد يموت من سعادته " بيلا " توقعت عند عودتها للقصر بقاءها ببؤسها، و تضاعف وحدتها لكن عندما سمعت صوت جاك الدافئ، و رأت إبتسامته لم تستطع كبت دموعها، جاك بخير سليم معافى يقف أمامها بأعينه التي تشعُّ مرحًا. نهضت من السرير سريعا و جرت نحوه ترتمي بحضنه، و لسبب ما شعرت براحة كبيرة بداخلها، كل هذا أثار استغراب جاك الذي سألها بهدوء بينما ينظر إلى الضمادات التي تلتف حول ذراع بيلا و رأسها إضافة لملامحها الواهنة " ما الذي حصل بغيابي ؟ " " أنت بخير لم تمت، أنت بصحة و عافية ! " همست بيلا بصوت متحشرج بينما تبتعد عنه لتنظر لوجهه فأجابها جاك بصوت خافت يطمئنها " أنا بخير، الطبيب بالغ فقط، و أخبار موتي في الحرب كانت شائعة، لكن أنت لا تبدين بخير ! " تن*دت بيلا بخفوت تحاول السيطرة على مشاعرها الغريبة بينما تتمتم بابتسامة صغيرة " هل أبدو سيئة لهذه الدرجة ؟ " " " تبدين مريعة ! " أجابها جاك بينما يربت على شعرها الأ**د القصير، فتذكرت موضوع كابوسها و حينها وجدت نفسها تسأله بخفوت " أيمكنك إحضار كتب عن الأسقاط النجمي من المكتبة الملكية لا رغبة لي بالخروج حاليا ؟ " نظر إليها جاك بدقة و سألها باستغراب بينما يرفع حاجبه " لماذا فجأة، أنت معتادة على الذهاب بنفسك للمكتبة؟" قالت بيلا مرغمة نفسها على رسمِ إبتسامة صغيرة على شفتيها " لا أشعر برغبة بملاقاة أحد و أنا حقًا أحتاج هذه الكتب " و بينما إختفى جاك من أمامها مجددًا ليحضر لها ما طلبت شعرت آن و كأنما هناك بلسم يدهنُ على جرح قلبها بكلِّ مرة تتذكر حقيقة أن جاك على قيد الحياة، فجاك أحد مصادر سعادتها التي إنطفأت فجأة و دفعت الفراغ لإحتلال قلبها. ما يزالُ هناك جزء منها لم يصدق أنه بخير ربما لهذا عندما عاد تلمست وجهه و شعره تتأكد من أنه حقًا أمامها و ليس مجرد وهم تحوم به، تتأكد أنها ليست مجنونة تتخيل الأمور. " أخبريني ما الذي حصل لك بغيابي ؟ "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD