" " " " " "
شفت من كوب قهوتها باستمتاع، جولتها اليوم بجبل القلعة الذي ينبض في عمان
لقد ضاعفت اليوم جهدها، إذ أنها جاءت واختارته عنوان مقالتها القادم، إلا أنها هامت فيه ككل مرة تأتي بها إليه، تلتقط كل معلم وتصوره، تأخذ أجمل المناظر وتسهب فيها إبداع الحركة، اللقطة والمشهد..
لقد كان التصوير هواية لها روحت عنها في صغرها، وجدتها طريقتها في التعبير، إذ أنها توثق الطبيعة والتأمل بطريقتها، تشارك الجمال فلا تستفرد به لعينها فقط، تأخذ الجمال بروح تقدره، وتظهر معها الأشياء مضاعفة بروعتها والسبب يكمن في إتقانها وحبها لما تتقنه!
السرّ في الحُب!
والحب في التقدير!
والتقدير يبوح بأصول الشغف، فتتلبس الأرواح التائقة الاندماج به، فتبدو جزءاً من الصورة.
تطلعت حيث المدرج الروماني المكان الأثري الذي عبقت تفاصيله برئتيها، لقد صورت العديد من السياح الذين كانوا سعداء جداً وهي تلتقط لهم، فتركت ب**ة سعادتهم في روحها أثراً عظيماً!
إنها لا تلتقط الأجساد والأماكن، أنها تلتقط الهالات والأرواح ف*نسخ الصورة بورقة، وتحتفظ بالهالة في روحها!
فلا تمر صورة دون أن تتذكر موقفها، أناسها والإحساس الذي تُرك فيها وقتها.
تن*دت بهيام، رؤية عمان بأكملها في وضح النهار لها نكهة مميزة تختلف عن رؤيتها ليلاً رغم سحرها!
الإيجابية التي حطت على قلبها قشعت عنه ما كان يؤرقها الأسبوع الماضي! خاطب جديد، ومشاكل جديدة مقسمة بحرفية بين عائلتها من جهة، ومؤسستها من جهة أخرى!
لقد تجاوزت التاسعة والعشرين وكبكر لعائلتها يؤرقهم رؤياها ترفض كل خاطب بلا سبب مقنع أو وجيه!
ما الذي ستتحجج هذه المرة؟
شاب في بداية عقده الرابع على معرفة وثيقة بوالدها أخبرها عنه في خلوة القهوة خاصتهم
-شوفي يا عين أبوكِ الشب عمره مناسب إلك، مكمل تعليمه وعلى خلق ودين، بعرفه من زمان والأهم محترم وفيه مواصفات بتعجبك ..
هدأ حيرتها بالقول اللين:
-شاوري حالك، وأسألي قلبك وأحكيلي وأنا دايماً معك !
والدها دائماً بصفها لكنّها لا تنكر حزمه اللين، وتود حقاً أن تقر عينه بزواجها .
على النقيض جاءت محادثتها مع والدتها قبل ثلاثة أيام وموافقتها حيث قابلته بعد ألف حوار ورجاء جاء بتوبيخ أمومي:
-يا إمي أنت مو صغيرة العمر يمشي فيكِ، ما بتعرفي بكرة ربنا شو كاتبلك، نعيش معك أو لأ..
تتأثر نبرة صوتها يرق قلب علياء لها :
-أنا مو دايمة إلك، ولا أبوك ، ما حدا ضامن عمره ولا ضامن شو بصير معه بكرة!
وبإقناع مدروس بعناية:
-فكري، شب منيح لساتو بأول التلاتين، فهمان عنده بيت ملك وسيارة ووظيفة ممتازة.
تستشف عدم الرضا فتضخ المواصفات الرائعة علّها تلين:
-أخلاقه مشهودلها ما بقلك وافقي عليه، بس عالأقل شوفيه، يمكن تتغير نظرتك عنه يمكن يهتدي سرك إله شو بعرفك؟
تجيبها بحوار كل مرة، الحوار المكرر ذاته:
-يا ماما بس أفهم شو اللي رح يغير نظرتي بس أشوفه ؟؟
تقر بمنطقها:
- إزا الفكرة حالياً بحسها بعيدة عني ونفسي أعمل أشياء كتير؛ مسألتي مو شخصه بس القبول ..
ترددت وملامح والدتها التي تغيرت من اللون الحاني إلى لون الشر أهدت لها شراسة النطق فلم تتردد وأكملت :
-القبول اللي بحسه الواحد من أول ما تنطرح الفكرة ما حسيتو.. والله ما حسيتو يا ماما..
لطمت والدتها ص*رها وغمغمت بخيبة:
-يا خيبتي منك، شو اللي مو ببالك؟ شو القبول اللي بتقولي عليه؟ فهميني!
جاءت عالية ش*يقة علياء الصغيرة بطبق بذور عباد الشمس تستمتع بالمناقشة عوضاً عن فيلم السهرة فها هو أمامها ببثٍ حي ومباشر ومع أول بذرة سألت بدهاء:
-شو قبول مو قبول يا علياء ؟؟
وإجابة متفق عليها لم تعلم من أقر بها أولاً:
-أنتِ تسكتي، خليك بحالك !
عادت والدتها لعلياء تكمل إقناعها المقدم بغلاف التوبيخ:
-تجوزنا واحنا ما بنعرف مين اللي جاينا، أبوك لإنه مدلعك بلشتي تطلعي بحجج، ما حدا مقوي عينك غيره والله! هو السبب هو!
تجاوزت بصعوبة أن أمها متزوجة من دون رؤية والدها، إذ أنها توثق الرسائل والأغاني التي يحفظونها ويرددونها دوماً، وقصة الحب التي جمعتهما، لكن جدية الموقف وخوفاً من ض*بة قاضية كفردة الخف الذي كانت ترتديه ورمتها به آخر مرة أدارا نقاشاً فيه جعلوها تحفظ ماء وجهها ولم تتحدث، إلا أن عالية لم تفتها وسألت والدتها بإنكار:
-ماما أنت جد ما شفتي أبوي قبل الخطبة؟ وهدول الأشياء شو؟
أشارت حيث المذياع والأشرطة بجانبه، فلم تمسك علياء ضحكتها وانفجرت في حين زعقت والدتهما:
-اخرسي أنت ما خصك ،حسبي الله فيكو انتوا قد ما انتوا خيبة، منى عيني بس انكم تصيروا زي بنات الناس.
-وأنت التانية! الشب بدو يجي وبدك تشوفيه وهاد آخر كلام عندي وروحوا انت وإياها جيبوا الملوخية لنقطفها
سارت حيث المطبخ مقتنعة أنها ضد وبشدة مقابلة الخاطبين بلا نية قبول، إنها لا تقتنع بفكرة أن الرؤية سُتغير نظرتها، أو تهديها القبول، لكن لحديث والدتها تأثير عليها فما كان منها إلا أن وافقتها
اتصلت بروبي يومها وطلبت منها مقابلتها، فالتقتا في إحدى المنظمات الخاصة باللاجئين وحين أفضت لها، أجابتها روبي بتفهم:
-علياء أنت مو مضطرة توافقي ع شخص بس لمجرد أنه انجبرت عليه، هاي حياتك..
سيدة أربعينية قاطعت حديثهما تسأل عن مكان تسجيل المبادرة المقامة بالكتابة والقراءة المجانية .
-هيها يا خالتو أول غرفة على إيدك اليمين .
عادت إلى علياء :
-شو كنا نحكي صح؟
-عن حياتي؟
-آه صح، هاي حياة كاملة اللي مقبلة عليها، إذا ما كنت ناوية ومقدرة الإشي اللي داخليته، لا تغامري وتفوتي!
حدّثتها بجدية حقيقية و كلامها جاء من نبوءة خبرتها:
-الزواج مو مغامرة.. مؤسسة بحالها.. أساسها إيجاب وقبول..
غاص صوتها بشيء من حنين، تذكرُ حديثاً لوالدها حدّثها به في موقفٍ مشابه ليلة خطوبتها قبل سنوات لكنها خطبة لم تكتمل واستعجل خاطبها الرحيل إلى السمّاء ككل من أحبتهم:
-القبول بن*دى من أول مرة تسمعي بالقصة القلوب ما بتغلط ..
ما بتخلي صاحبها يتوه!
لاحظت تأثر علياء بالكلام فاستغلت ذلك وسألتها:
-هسّا كوني منطقية، واسالي حالك شو حسيتي بوقتها والموضوع كله هون _أشارت بسبابتها حيث ص*رها_
إزا ارتاح قلبك معناها تمام واستمري، وإذا لأ بلاها!
ثم وقفت وأراحت جسدها من جلستها المتعبة :
-هلأ شو رأيك نشتري عصير ليمون، رح أموت عطش لإنه..
ثم عادت إلى علياء وأخبرتها بهمس :
-اليوم مخصص لقضايا العنف والطلاق، ما رح أحكيلك مع كم حالة تعاملنا وشو كانت نتائج الزواج المبنية على غلط!!
تأسفت ملامح علياء فلم تؤجج المشهد درامياً عروبة إذا أشارت نحو كوخ يبيع العصائر
-بالله عليك شربيني قبل ما أموت عطش، وساعتها وزعي عني عصير بأيام العزا ..
ضحكة علياء صدحت رغماً عنها حينها، إذ أن روبي وبرغم إتقانها للهجة الأردنية ببراعة تحسد عليها إلا أنها تخلط لهجة القروي بالمدني فتشكل مزيجاً لذيذاً يجعلك تود سماعها كل الوقت..