الفصل السابع

1052 Words
بعد ذهابها..بقي ياغيز واقفا في مكانه..وضع يده على ص*ره متحسسا نبض قلبه المتسارع جراء اقترابه من هزان..أمور تحصل معه للمرة الأولى..يتأثر من أعماقه بقربها منه..رؤية دموعها أحزنته..تعود على رؤيتها شامخة ..قوية..متحدية له..لذلك حزن من كل قلبه على ضياع محصولها و جهدها..دخل إلى غرفته و أخذ صورة والده بين يديه..مرر أصابعه على وجه أبيه المرحوم..سالت دمعة حارة على خده..أغمض عينيه..تذكر ذلك اليوم المشؤوم..كان عمره حينها خمسة عشر عاما..عندما تغيب الأستاذ و عاد باكرا إلى المنزل..فتح الباب و بحث عن أمه ليجدها..بين أحضان عشيقها..في غرفة نومها مع والده..و على سريرهما..و لم يكن هو العائد الوحيد يومها في غير ميعاده..بل جاء والده أيضا..و عند رؤية ذلك المشهد القاسي..لم يتحمل قلبه و خذله..و تسبب في إنهاء حياته جراء سكتة قلبية..و أنهى احترام ياغيز للنساء..فصار يرى فيهن خائنات و عاهرات..فعندما تخون الأم..تخون كل النساء في نظره..لذلك..لا يسمح لنفسه بأن يحب..أو أن يتعلق بإمرأة..لأنه واثق أن نهاية ذلك التعلق أو الحب سيكون هو الخيانة..يعيش علاقات متعددة..يأخذ من نساءه ما يرضي رجولته و ما يشبع رغبته..ثم يرميهن خارج حياته..هو الآن خائف..من هزان..من تأثره بها..من تطور مشاعره من الرغبة و الشهوة إلى شيء أقوى و أعنف..من أن يتعلق بها و يستسلم لها و ينهزم أمامها فتخونه هي الأخرى..يعيش حالة من الإضطراب و الضياع..يريد أن تقتصر مشاعره تجاهها على الرغبة..و يحصل عليها بأي طريقة كانت..لكنه بدأ يفقد السيطرة على نفسه معها..و هو أكثر ما يخيفه في ذلك..نام ياغيز ليلتها محتضنا صورة والده..بينما لم يغمض لهزان جفن و هي تفكر في إيجاد طريقة للوصول إلى مفتعل الحريق و من ..جهة أخرى لإيجاد طريقة لتسديد قيمة القسط الذي اقترب موعد سداده.. و مع حلول الصباح..ركبت هزان سيارتها و توجهت نحو المدينة..ذهبت إلى محل للمجوهرات على ملك صديق والدها الصائغ اليوناني ماركوس..فتحت الباب و دخلت فقام الرجل المسن من مقعده و اعترضها مرحبا" مرحبا هزان..كيف حالك يا ابنتي؟" ابتسمت هزان و قبلت يده و هي تقول" أحاول أن أكون بخير عمي ماركوس" نظر إليها الرجل بقلق و قال" اجلسي يا ابنتي ..أخبريني..مالأمر؟" تن*دت هزان بعمق و قالت" بإختصار عمي ماركوس..أنا أمر بضائقة مالية و جئت إليك لكي تساعدني" ابتسم الرجل و قال" أكيد يا صغيرتي..أنا لم أنسى فضل والدك علي..فلولاه لما تمكنت من فتح هذا المحل..قولي..كم تريدين؟" ابتسمت هزان و قالت" لقد أسأت فهمي يا عمي ..لقد جئت لكي أبيع لك هذا" و أخرجت العقد الألماسي الذي ورثته عن أمها و وضعته أمامه على الطاولة..قلب الرجل العقد بحزن و قال" ما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي طلب مني والدك فيه تصميم هذا العقد خصيصا لوالدتك بمناسبة عيد ميلادها..من المؤسف أن تبيعيه" مسحت هزان دمعة سخية سالت على خدها و قالت" أنا مضطرة لذلك..أشعر أنني أنزع قطعة من قلبي و أبيعها..لكن.." قاطعها" اسمعي يا ابنتي..سأحتفظ بالعقد و سأعتبر أنك رهنته لي و سأعطيك ثمنا مناسبا جدا له..و عندما تنف*ج هذه الأزمة..سأبيعه لك..أنت فقط" ابتسمت هزان بسعادة و قالت" تمام..اتفقنا..شكرا لك عمي ماركوس" ..و كما وعدها..أعطاها مبلغا ماليا هاما..أخذته هزان و عادت إلى الأرض....سددت أجور العمال و خبأت الباقي لكي تسدد قيمة القسط لياغيز..حبست هزان نفسها في غرفتها و بكت بمرارة..للمرة الأولى تشعر أنها عاجزة..و ضعيفة..أمام الحمل الثقيل الذي تركه لها والداها..تضطر أن تتخلى عن أشياء غالية على قلبها لكي تحتفظ بما هو أغلى..طرقت أمينة بابها و قالت" هزان..لقد جاء كمال..يريد أن يقابلك" قالت"قادمة" و عدلت من هيأتها و مسحت دموعها و خرجت إليه..وقف عندما رآها و قال" مرحبا هزان..كيف حالك؟" قالت" أحاول أن أكون بخير ..شكرا لك..تفضل بالجلوس" جلس و جلست قبالته فقال" هزان..أنا أريد أن أساعدك..محصول الأرض التي اشتريتها وفير و أنا لست بحاجة إليه..خذيه و بيعيه و سددي قيمة القسط" نظرت إليه هزان نظرات كلها إمتنان و قالت" شكرا لك من كل قلبي..لكنني لن أقبل بذلك" سأل" لماذا؟ " أجابت" لأنني لا أريد أن أكون سببا في خلاف بينك و بين والدك" قال" و ما دخل والدي بذلك؟" قالت" كمال..أنت تعلم أنه لا يريدك أن تكون على علاقة معنا..لقد قال ذلك بوضوح" وقف كمال و سأل بعصبية" ماذا؟ هل أتى أبي إلى هنا؟ متى كان ذلك؟" قالت" منذ يومين..لقد كان واضحا و صريحا معي..لا يريدني أن أقترب منك أو أقبل مساعدتك ..و أنا تقبلت ذلك..فهو أبوك و .." قاطعها كمال" لا..ليس له الحق أن يقرر لي حياتي..أنا أريد أن أكون قريبا منك و أن أساعدك..لن أسمح له بالتدخل بيننا" و ..خرج مسرعا دون أن يهتم بنداءات هزان المتواصلة لكي تستوقفه..في المساء..أوصلت هزان أختها إيجه إلى منزل صديقتها سيلين لكي يدرسا سوية و تبيت عندها ثم عادت إلى المنزل..وجدت نفسها لوحدها..فالعم بهجت و زوجته أمينة ذهبا لحضور عرس قريبتهم..قامت بتسخين العشاء و حاولت أن تأكل..تناولت القليل من الطعام ثم غسلت الأواني و جهزت لنفسها كأسا من الشاي الأخضر و جلست أمام التلفاز..شاهدت فيلما مضحكا و ارتفع صوت ضحكاتها في المنزل..للمرة الأولى منذ زمن تضحك من كل قلبها..و سرعان ما انقلب ضحكها إلى بكاء..عندما تذكرت أمها و أباها..و سعادة عائلتها عندما كانت مجتمعة..و حب والديها يلفها هي و أختها..و لا يسمح للبرد بالنيل من أجسادهما الصغيرة..يغمرانهما بالعطف و الحنان و الإهتمام..و يحميانهما من كل مكروه أو أذى..و كما ارتفع صوت ضحكها..ارتفع صوت بكاءها..لم تنتبه إلى صوت الخطوات التي اقتربت منها ..لكن اليد التي وضعت على كتفها نبهتها من غفلتها..فرفعت رأسها لتجد ياغيز يقف بجانبها..وقفت و قالت و هي تمسح دموعها" أنت؟ ماذا تفعل هنا؟" ابتسم و مرر أصابعه على وجهها لكي يمسح دموعها التي لم يعد قادرا على تحملها ثم قال" أردت أن أطمئن عليك..هل أنت لوحدك في المنزل؟" نظرت إليه هزان بحدة و أجابت" نعم..أنا لوحدي..احذر أن.." وضع ياغيز اصبعه على شفتيها لكي يمنعها من المواصلة و قال" شششش..لا تخافي..لن أؤذيكي..جئت لكي أعيد لك شيئا تحبينه" و مد لها صندوقا صغيرا..ترددت هزان في أخذه منه فأمسك يدها و وضعه على كفها..فتحت هزان الصندوق فوجدت فيه عقد أمها الألماسي..فرحت هزان لرؤيته ثم سألت" كيف حصلت عليه؟ لقد رهنته عند العم ماركوس و لم أبعه" ابتسم ياغيز و قال" أعلم ذلك..لقد طمئنته أنني سأعيده لك..لذلك قبل..احتفظي به..إنه آخر ذكرى لك من والدتك" حملقت هزان في وجه ياغيز غير مصدقة ما تسمعه منه..ثم نظرت إلى العقد و ابتسمت..فقال ياغيز" الآن تحقق ما أردته" لم تفهم هزان ماقصده فلامس وجهها و قال" إبتسامتك جميلة..أردت أن أعيدها إلى وجهك" شعرت هزان للمرة الأولى بالأمان و السعادة في وجوده ..أسعدها تفكيره فيها و قيامه بهذه الخطوة التي لم يكن مجبرا عليها..ابتسمت هزان و ارتمت بين أحضانه تعانقه..شد عليها ياغيز بين ذراعيه و مرر يده على شعرها فتمسكت هزان بكتفيه و دفنت رأسها في ص*ره..استمتعت بصوت دقات قلبه المتسارعة و رائحة جسده الذكية..نسيت نفسها و لم تعد تهتم لما يحدث حولها..رفعت رأسها أخيرا و بقيت تنظر إليه..التقت نظراتهما و شعرا بمغناطيس يشدهما نحو بعض..فأمال .. ياغيز رأسه و أخذ شفتيها بين شفتيه في قبلة رقيقة و عذبة بادلته إياها بسعادة.. ..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD