الفصل الثامن

1143 Words
تمازجت الشفاه و تهدجت الأنفاس و تسارعت دقات القلوب و التصقت الأجساد..يد ياغيز التفت حول رقبة هزان و قربتها منه أكثر أما يدها هي فتمسكت بكتفه لكي لا تقع..صارت تشعر أنها تطير و أن قدماها لا تلامسان الأرض..اشتعلت نيران الرغبة في جسد ياغيز و صار يخشى أن يفقد السيطرة على نفسه و أن يخيفها منه فسحب نفسه من عناقهما و أبعد فمه عن فمها و هو يقول " لقد تأخر الوقت..يجب أن أذهب..تصبحين على خير " و قبل أن يتحرك مبتعدا من أمامها أمسكت هزان يده و قالت" شكرا لك..قبل قدومك كنت أشعر أنني وحيدة جدا و ضعيفة و عاجزة..لكن بعد أن أتيت..صرت..المهم..شكرا لك مرة أخرى..لقد أعدت لي قطعة كدت أفقدها من قلبي و ذاكرتي" و وقفت على أطراف أصابع قدميها و طبعت على خده قبلة رقيقة..أغمض ياغيز عينيه و هو يغالب نفسه لكي لا يسحبها ثانية بين ذراعيه..لمسة شفتيها الخفيفة على خده جعلت الدماء تغلي في عروقه و أنفاسه تضطرب..فابتعد مسرعا و غادر..بقيت هزان في مكانها تستعيد في خيالها ما حدث منذ قليل..لقد تبادلا قبلة دافئة كلها مشاعر و أحاسيس..قبلة قربتهما من بعض و أحيت في قلب هزان مشاعر جديدة لم تعرفها من قبل..للمرة الأولى..يسعدها اقترابه منها و تقترب هي منه دون خوف أو تردد..مجرد تفكيره فيها و في سعادتها جعلها تنظر إليه بعين أخرى..استيقظ عقلها فجأة محذرا إياها من خطورة استسلامها لمشاعرها و انجرافها وراء قلبها و نيتها الطيبة..ففي النهاية هذا هو الرجل الذي كانت تناديه منذ أيام فقط بالشيطان..لكن..حدثت نفسها بأنها ..ربما بدأت بإكتشاف وجه آخر له..هو الوجه الآخر للشيطان..تلك الليلة..لم يداعب النوم أجفان ياغيز و هزان..هو كان مستغربا من نفسه..من تغيره معها..من مشاعره القوية التي صار يحس بها تجاهها..لقد تركها عندما خاف عليها من نفسه و من رغبته فيها..في السابق ..كان يرى فيها مجرد جسد يريد الحصول عليه بأية طريقة..كان مستعدا أن يفعل المستحيل من أجل ذلك..أما الآن..فهو يخاف عليها..يخشى أن يجرح مشاعرها..يكره أن يرى دمعتها..يفرح عندما يرى ابتسامتها..تغيير لا يجد له تفسيرا منطقيا..كل ما يعرفه أنه مشدود إليها بطريقة مخيفة..هي..أسعدها أن ترى منه تصرفا انسانيا و أن يفعل من أجلها ما يضمن رؤيته لابتسامتها على وجهها..تشعر أنه قد يخفي جانبا طيبا في أعماقه..ع** ما يظهره من شر و وقاحة و استهتار..تتمنى أن يكون ما تشعر به صحيح..رغم أن عقلها يحذرها منه و من الإطمئنان له..فقد يكون يحاول استغلالها بطريقة جديدة..يوهمها أنه يحبها لكي يحصل عليها..يغير معاملته لها..يعاملها جيدا..يسمعها كلاما رقيقا..ثم يقسو عليها و يعذبها و يذلها..صراع بين عقلها و قلبها ترجو أن يتفقا في النهاية على الإيمان بأن له وجها آخر ..طيبا يخفيه خلف قناع الشيطان الذي يرتديه..و أن يتأكدا من ذلك أيضا..في الصباح..استيقظ ياغيز باكرا..شرب قهوته على عجل و خرج على حصانه..يريد أن يراها..أن يقضي بعض الوقت إلى جانبها..أن يسمع صوتها..أن يرى ابتسامتها..الرغبة في الحصول عليها كجسد فقط..اختفت..لتحل محلها رغبة من نوع آخر..رغبة في التقرب منها و التعرف عليها أكثر..اقترب من أرضها..رأى العمال قد تفرقوا هنا و هناك و شرعوا يعملون..ثم رآها..هناك..تتكئ على شجرة زيتون..ترتدي قميصا أ**د اللون و سروالا يناسبه ..و تغطي شعرها بوشاح وردي ..كانت تتكلم على الهاتف..ترجل ياغيز و مشى نحوها..انتبهت إليه فحاولت أن تظهر أنها لم تتأثر بما جرى البارحة و أنها تعامله بنفس الطريقة السابقة..وقف بجانبها و بقي ينتظر أن تنهي مكالمتها..بعد قليل..التفتت إليه و قالت" أهلا سيد ياغيز" ابتسم و قال" مرحبا..كيف حالك هزان؟" قالت" بخير..كنت سآتي إليك اليوم" سأل بحماس" خيرا؟ لماذا؟" اجابت" لأعطيك القسط الثاني" هز رأسه و قال" لا مشكلة..ها قد أتيت أنا..أرى أنك وجدت عمالا" قالت و هي تبتسم" كمال وفرهم لي..ليسلم..إنه يساعدني كثيرا" مجرد مدحها لكمال جعله يشعر بالضيق..و بدا ذلك واضحا على ملامحه..مرر أصابعه في شعره و قال" إنه قريبك و من الطبيعي أن يساعدك" قالت" إنه لا يساعدني لأننا أقرباء فقط..بل لأنه طيب و مراعي" حدجها ياغيز ..بنظرة حادة ثم أبعد نظراته عنها..قال" هل تمكنت من معرفة سبب الحريق؟" أجابت بحزن" لا..مع الأسف" التفت إليها و قال" هزان..صدقيني..لست أنا من فعل ذلك" نظرت إليه و قالت" لسبب لا أعلمه..أصدقك" ابتسم بسعادة و قبل أن يجيبها..اقترب منهما كمال و حياهما قائلا" من الجيد أنني رأيتكما معا" قالت" مرحبا كمال..ماذا حدث؟ " صافح كمال ياغيز ثم قبل هزان على خدها تحت نظرات ياغيز المشتعلة و قال" أنا أقيم حفلا الليلة في منزلي و أردت أن أدعوكما للحضور" ابتسمت هزان و قالت" أنا جاهزة للحضور" نظر ياغيز إليها و قال" و أنا أيضا..شكرا لك سيد كمال على الدعوة" هز كمال رأسه ثم همس بكلمات في أذن هزان فتغيرت ملامحها و بان الضيق على وجهها..تضايق ياغيز من كلامهما السري و تضايق أكثر عندما رأى الحزن الذي اكتسى وجه هزان..كان يريد أن يحضنها..أن يضمها بين ذراعيه..أن يمسح الحزن و يبدله بفرح و سعادة..أن يسألها عن سببه فتخبره كأنه شخص تثق به و تطمئن للحديث معه..يريد الكثير و الكثير ..لكنهما مازالا بعيدين ..استأذنت هزان منهما و نادت العم بهجت و أوصته بسير العمل ثم اختفت داخل المنزل..تابعها ياغيز بنظرات قلقة ثم التفت إلى كمال و سأله" مالأمر؟ ماذا أخبرتها؟" رمقه كمال بنظرات مستغربة و قال" عفوا؟ و لماذا تسأل؟ " اقترب منه ياغيز و هو يحاول السيطرة على أعصابه ثم قال" أسأل لأنني رأيت الحزن الذي اكتسى ملامح وجهها بعد الحديث السري الذي تحدثتماه معا" قال كمال" سيد ياغيز..هذا ليس من شأنك..لا تنسى أن أكثر من يحزن هزان بيننا هو أنت..لذلك..ابقى بعيدا عنها..لا تتدخل..انها مسألة عائلية" و ابتعد من أمامه..جمع ياغيز قبضة يده و تأفف بضيق .ثم اتجه ناحية المنزل و طرق الباب..فتحت أمينة الباب و قالت" تفضل" قال بنبرة قلقة" أريد رؤية هزان..هل هي بخير؟" قالت" اعذرني..لا تريد أن ترى أحدا..تستطيع العودة فيما بعد إذا أردت " قال" شكرا لك..عن إذنك" و خرج..في غرفتها..أمسكت هزان صورة والدتها و عانقتها بشدة و هي تبكي..قالت تخاطب أمها" ماما..اشتقت إليك كثيرا..أترين..أخوك ظلمك..و قسى عليك..و حرمك من حقك..و الآن..حان دوري..أتصدقين أنه يمنع ابنه من الحديث معي و يهدده بأن يتبرأ منه إذا تواصل معي أو ساعدني..لماذا هو قاسي هكذا؟ لماذا؟ ألم يكفه ما فعله معك؟ ألا يستطيع أن يرى في ابنة أخته التي يجب أن يمنحها الحب و الحنان و أن يدعمها ؟ ألم يحن الوقت لكي ينسى الماضي و يفتح معي صفحة جديدة؟ تعبت يا أمي..تعبت" ..عاد كمال إلى بيته و بدأ يجهز للحفل..كان باله مشغولا بهزان..والده يضغط عليه و يهدده لكي يبتعد عنها..لكنه يعجز عن ذلك..من جهة..هي ابنة عمته التي لم يرها منذ سنوات و يرغب في مساعدتها..و من جهة..يريد أن يتقرب منها أكثر..كل ما فيها يلفت انتباهه..يرى فيها الفتاة التي لطالما حلم بها..جميلة..طيبة..ذكية..تحب الأرض و تقدسها و ترفض التخلي عنها تحت أي ظرف من الظروف..كمال شاب طموح و طيب..يحب الارض و الزراعة..لطالما كان يسأل والده عن سبب قطع علاقته بأخته..لكنه كان يتهرب من الإجابة..و عندما كبر..علم أن والده عارض زواج أخته بمزارع فقير و حرمها من حقها في الميراث..غضب من أبيه و حاول جعله يعوض لبنات أخته ما فعله مع أمهم..لكنه رفض..فكان أول شيء فعله عندما عاد من السفر..أن سأل عنهن و اشترى أرضا مجاورة لهن لكي يساعدهن و يدعمهن..هو لا يأبه بتهديد والده له و لا بكلامه القاسي..ليس مستعدا أن يخسر علاقته الطيبة ببنات عمته أو أن يتخلى عنهن..هو رجل يعتمد على نفسه و عمله يكفيه عن أموال والده..عاد ياغيز إلى قصره قلقا و مهموما..اعترضه عكاش و قال"سيد ياغيز ..لقد حققت في أمر الحريق كما طلبت .. "مني و عرفت الفاعل" التفت إليه ياغيز و سأله بلهفة " من؟"
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD