قضت هزان ليلتها تلعن ياغيز و حقارته و تلعن نفسها لأنها تجاوبت و لو بصورة
مؤقتة معه و مع قبلاته..لكنها كانت معذورة لأنها المرة الأولى التي يقبلها رجل
فيها..فطيلة فترة دراستها كانت ترفض إقامة علاقات مع شبان تقربوا منها..كانت
تصر على التركيز على درسها و تخصصها لكي تعود بسرعة إلى أرضها و بجانب
أبويها..قالت تحدث نفسها" لن أسمح له بالإقتراب مني مرة ثانية..لن أضعف أو
أستسلم..سأقاومه بكل ما أوتيت من قوة لكي لا ينجح في إثبات أنه قادر على
الحصول على كل إمرأة رغب فيها..هو رجل حقير تحركه شهوته و رغباته..و أنا
فتاة قوية و ذات كرامة..لن أسمح له بإهانتي أو هزمي..سأستعيد أرضي منه و
سأتخلص منه إلى الأبد" ..ابتسمت بسعادة و أغمضت عينيها محاولة أن تنام..و مع
انبلاج الصبح..استيقظت بحماس..شربت قهوتها و ذهبت إلى الأرض..كانت ترتدي
سروالا أ**دا و قميصا ورديا و تلف شعرها بوشاح وردي و تحتذي حذاء اسودا
يصل إلى ركبتيها..انهمكت مع العمال في حصاد القمح و الشعير و وضع الأكياس
في المخزن الخشبي..ابتسمت هزان بسعادة و هي ترى المحصول الوفير الذي
سيمكنها من دفع أجور العمال و تسديد القسط الثاني من قيمة الرهن..اختفت
إبتسامتها عندما لمحت سيارة مرسيدس سوداء اللون تقف بجانب الأرض و ينزل
منها خالها أوندر..اقترب منها و قال دون مقدمات" اسمعي..ابتعدي عن ابني..لن
أسمح لك بإغواءه و إبقاءه هنا إلى جانبك و استغلاله" قالت" سيد أوندر..أنا لا
أستغل ابنك..لم أكن أعلم أصلا أن كمال اشترى أرضا هنا إلا عندما رأيته أمامي..و
صدقني..لو لم يخبرني من هو ..لم أكن لأتعرف عليه..لأن علاقتنا منقطعة" قال"
لن تخدعيني..ما يجب أن تفعليه هو أن تبتعدي عن ابني..و إلا.." قاطعته هزان" و إلا
ماذا؟ هل ستحرمني من ميراث جدي كما حرمت أمي منه..مؤسف حقا..خسارة أن تأتي
لرؤيتي بعد كل تلك السنوات لكي تهددني..لم يخطر ببالك أن تسأل عن أحوال
بنات أختك..أو تعيد علاقتك بهم علك تعوض سنوات الفراق..اطمئن سيد أوندر..لن
أستغل ابنك..لست بحاجة إلى أحد..أمي ربتني جيدا و علمتني أن اعتمد على
نفسي..لا تقلق" لم يقل شيئا و ابتعد عنها..ركب سيارته و ابتعد..بقيت هزان
..تنظر إليه بغضب و تراقب إبتعاده..أنهت هزان عملها و عادت إلى المنزل..ملأت مغطس الحمام بالمياه الدافئة و
استلقت فيه محاولة أن تتخلص من تعب يوم منهك جسديا و عاطفيا..تمنت أن
يكون مجيء خالها لأنه و أخيرا عرف خطئه و قرر أن يعيد العلاقات المقطوعة منذ
سنين..تمنت أن يكون لها سندا بعد رحيل والديها..أن يعطيها بعض الدعم و الحنان
الذين صارت في حاجة ماسة لهم..في ظل تسلط الشيطان و محاولته سرقة
أرضها و شرفها بأي ثمن..لكن هذا لم يحدث..و ستجد نفسها الآن مضطرة أن تضع
حدا لكمال و تمنعه من الإقتراب منها أو مساعدتها لكي لا يتواجه مع والده
بسببها..أنهت هزان حمامها و جلست مع إيجه و بهجت و أمينة يتناولون عشاءهم
معا..قالت إيجه" أختاه..غدا يوم عطلة..أريد أن أساعدك في الأرض" ابتسمت هزان و
قالت" حسنا يا صغيرة..سأسمح لك شريطة ألا تهملي دروسك" صفقت إيجه بحماس و
اقتربت من أختها و قبلتها على خدها و هي تقول" شكرا أختي" ثم عادت إلى مكانها و
واصلت عشاءها..قالت هزان" عم بهجت ..غدا سنأخذ المحصول إلى العم يشار
..لقد اقترح علي أن يشتريه بالكامل مني و بسعر مناسب جدا" ابتسم بهجت و
قال"هذا جيد يا ابنتي..فرحت كثيرا" ربتت هزان على يده و قالت" لولاك أنت و العمة أمينة لم أكن أعلم ماذا كنت سأفعل..شكرا لكما لأنكما
كنتما بمثابة العائلة لي بعد رحيل والدي" هم العم بهجت بإجابتها لكن رائحة احتراق
داعبت خياشيمهم و سمعا صوت صراخ يقول" انسة هزان ..سيد بهجت
..أسرعوا..الحقوا..المخزن يحترق ..أسرعوا" ارتعد جسد هزان بشدة و أسرعت
هي و الجميع إلى الخارج فرأوا ألسنة اللهب تلتهم جدران المخزن
الخشبية..وضعت هزان يديها على رأسها و دمعت عينيها و هي تقول"
غير معقول..لا يمكن..مستحيل..يا الله" ثم أسرعت إلى خرطوم المياه و وجهته نحو
المخزن و صاحت بأعلى صوتها" إيجه..إفتحي الصنبور..بسرعة" أخذت هي تطفئ
النيران و ساعدها بهجت و عثمان العامل في الأرض المجاورة بنقل المياه من
العين القريبة و رميها على النار..ساعة مرت كأنها سنة على هزان و عائلتها..انتهت
بإحتراق كامل المحصول و انهيار جدران المخزن..بكت إيجه بصوت عال فاحتضنتها
أمينة و هي تحاول مواساتها..أما هزان فكانت ترى تعبها و جهدها يضيع هباء أمام
عينيها..مسحت دموعا غزيرة سالت على خديها و هي تشعر أنها تكاد
تختنق..انهارت واقعة على الأرض واضعة رأسها على ركبتيها..اقترب منها كمال
الذي ترجل لتوه من سيارته و ربت على كتفها و هو يقول" حمدا لله على سلامتك
هزان..أنا آسف جدا لما حدث" رفعت نظرها إليه و قالت" شكرا لك كمال" سألها"
هل تعرفين ما هو سبب الحريق؟" صمتت هزان قليلا ثم وقفت..ركبت حصانها
..أوموت و هي تقول" أظن أنني أعرف" و انطلقت مسرعة نحو قصر الشيطان..
سابق أوموت حصان ياغيز الريح و طار بهزان..و فور وصولها ترجلت عن ظهره و
اقتحمت القصر و هي تصيح بأعلى صوتها" أين أنت أيها الحقير؟ أين أنت أيها
الشيطان؟ هل هذه أساليبك القذرة لكي تهزمني؟ لن تنجح في ذلك..هل سمعتني؟ ان كنت رجلا اخرج إلي و انظر مباشرة في عيني و اعترف أنك
أنت من أحرق المحصول..هيا..أرني وجهك..اخرج..هيا" و تردد صدى صراخها في كامل
أرجاء القصر..و بعد لحظات..فتح باب القصر و خرج ياغيز و هو يرتدي روبا منزليا
بني اللون و تحته تظهر بيجامته..اقترب منها و قال" مالأمر آنسة هزان؟ لماذا تصرخين كالبربرية هكذا؟"
ابتسمت بسخرية و قالت" و تسأل بكل وقاحة؟ هل أنت سعيد الآن؟ هل تظن أنك
هزمتني لأنك أحرقت لي المحصول؟" مرر ياغيز أصابعه في شعره و قال بهدوء"
هزان..أنا لا أفهم عما تتكلمين..عن أي محصول تتحدثين؟" أجابت" محصول القمح
و الشعير..لقد احترق و ذهب هباء أمام عيني" ثم اقتربت منه و أخذت تضرب على
ص*ره بيديها و هي تصيح " هل أنت سعيد؟ هيا أجب..هل تظن أنك ستهزمني و
تجعلني أتخلى عن شرفي و أرضي؟ أنت واهم يا هذا" أمسك ياغيز بيديها و أبعدهما
عنه و هو يقول" لا أعلم إن كنت ستصدقينني..لكنني لست أنا من أحرق
المحصول..أقسم لك" ضحكت هزان بصوت عال و قالت" تقسم..بماذا؟ بشرفك
مثلا؟ أنت مضحك جدا..أتعلم..أنا أشفق عليك ..حقا..أنت تحاربني بأساليبك القذرة
و تعتقد أنك قادر على جعلي أستسلم..لن تنجح..تأكد من ذلك" و همت بالإبتعاد عنه
لكنه أمسك ذراعها و قال" هزان..لست أنا من أحرق المحصول..صدقيني أرجوك"
التفتت إليه هزان و عيناها قد امتلأت بدموعها و قالت" لن أصدق حقيرا مثلك..لقد
سرقت مني تعبي و مجهودي..و لن أسمح لك بسرقة شرفي و أرضي..حتى لو
كلفني ذلك حياتي..هل فهمت؟ أنا مستعدة أن أموت من أجل الحفاظ على شرفي
و أرضي" حاولت أن تتملص منه لكي لا تبكي أمامه لكنه لم يطلق سراحها..بل
جذبها نحوه و عانقها بشدة واضعا رأسه في شعرها..تخبطت هزان محاولة أن
تتخلص من قبضته المحكمة لكن دون جدوى..انهمرت دموع هزان بغزارة على
خديها و صارت تشهق بالبكاء..فداعب ياغيز خصلات شعرها بحنان و هو يهمس "
هزان..أرجوك..صدقيني..لست أنا من أحرق المحصول..لم أفعل ذلك..من حقك ألا
تصدقيني..لكنني أقسم بتراب والدي الذي أحبه أكثر من نفسي أنني لم أفعل ذلك"
..بقيا متعانقين للحظات..أجسادهما متلاصقة..أنفاسه تحرق بشرتها..و دموعها
..بللت قميصه..ثم ابتعدت هزان عنه..نظرت إليه بصمت ثم ركبت حصانها و ذهبت..