إيليثرياس

فصل الشتاء بكل ما يعتمله من رياح قوية وامطار غزيرة تكاد تكون سيول، كانت هذه البلدة التي تقطن اسفل الجبل تعاني من ليلة باردة يسطع فيها البدر يعلن اكتماله بطريقته الباهية المعتادة وأمام احدى المنازل ذات الطابع القروي التي يتم بنائها من الحجارة الحمراء والاسمنت بينما يداري رسومات لاشجار ونباتات قد لونت بالالوان الجيرية، كان هناك رجل طاعن في السن بيد ظهرت بها العروق والتجاعيد وهو يرتدي نظارته الطبيعة والتي تشبه كعب لكوب زجاجي جلس على أريكة خشبية متهالكة كان قد تم جمعها بصورة عشوائية وقد دقت بها بعض المسامير لتثبيتها الا انها تص*ر صوت صرير كلما حاول احدهم الجلوس فوقها ، وقد وضع بعض الوسادات بالية لييتخذها الرجل العجوز متكئا له وقد وضع أمامه شالية نار ولمن لا يعلم عنها شيئا هي عبارة عن وعاء يوضع به بعض الفحم او الاخشاب الجافة ثم يتم اشعال النيران بها بهدف التدفئة او استغلالها لصنع المشروبات الدافئة، وهو ما فعله العجوز حيث امسك بابريق الشاي ووضعه فوق النيران المتأججة حتى يستطع صنع المزيد بينما يتلذذ بالفعل بالكوب الدافئ بين يديه التي تتمسك بكوب طلبا للدفء وهو ينفخ قليلا محاولا تدفئة نفسه، كان من الممكن ان يظل بالداخل ولكنه كان يشعر ان الحوائط دائما تكبق على ص*ره وكأنها قبره المحتمل جذبه اصوات دبيب حركة اقدام صغيرة كثيرة حوله انتبه لها وهو يعتدل يعدل من نظارته فوق عينيه وهو يحاول ان يرى شيئا ما فحتى مع ارتداءه نظارة فقد كان ضعيف البصر الى حد كبير لكنه على الرغم من ذلك فهو يملك حاسة سمع حادة تمكنه من سماع اكثر الاصوات انخفاضا من حوله ، ابتسم بفرح عندما سمع صوت همهمات تؤكد حضور اطفال القرية كالمعتاد لسماع قصصه الحماسية الآخذة للانفاس عن بطلة القرية جميلة التي لقبوها بالعنقاء، فهو قد اعتاد يوميا على تجميعهم على هذا النمط ليروي لهم مختلف التفاصيل عن أبطالهم واهمهم كالا اعتدل في جلسته وهو يضع كوب الشاي الفارغ بجواره قبل ان يدثر نفسه بالغطاء الصوف جيدا ثم أشار لهم بيده صعودا وهبوطا إشارة لهم أن بامكانهم الجلوس والالتفاف حوله كما اعتادوا، فرح الاطفال وهم يقتربون وقد استجابوا له سريعا وكلهم لهفة لسماعه مرة أخرى حمحم بقوة ينظف حلقه فأمامه الكثير من المجخود المضني معهم، ثم سأل الاطفال المستمعين بصوته الجهوري "أين توقفنا المرة الماضية؟" توقف عندما لاحظ همس بعض الاطفال كأنهم يتشاورون في أمر ما مما دفعه بأن يقوم بسؤالهم وهو يصب لنفسه كأس اخر من الشاي اذا كان هناك خطب ما، لكنهم **توا تماما وكأنهم يشعرون ببعض الخجل ولكن أجابه طفل ذو صوت مبحوح محبب الى الاذن "من فضلك أيها الجد عثمان قص لنا منذ البداية ،لانه انضم لنا للتو عمار وحسن أشقائي الصغار" ابتسم الرجل بحنو وهو يومئ برأسه اذا هذا ما كانوا يتجادلون من اجله يا لهم من اطفال لطيفين، شرد وهو ينظر امامه للفراغ قبل ان يكمل بنفس الصوت الجهوري "كان ياما كان يا سادة يا كرام في سالف العصر والاوان في كل دول العالم انتشر مرض بين البشر يقضي عليهم بلا رحمة لقبونه بالكورونا وعندما لم يتم ايجاد علاج له قررت احدى الدول باقامة تحالف مع عدة دول اخرى ولقبوه بالتحالف المطهر وكانت مهمتهم هي قتل كل شخص اصيب بهذا الفيروس، ولكن وقفت في مواجهتها دولة أخرى اقامت أيضا تحالفا قويا ولقبته بالمناصرين وكان هدفهم هو ايقاف طغيان تحالف المطهرين ولكن الامور تطورت واندلعت حرب عالمية ثالثة وانتشر معها الفيروس بصورة أكبر وتم هلاك أكثر من ثلثي العالم في اقل من عشر أعوام، كانت الموارد للاطباء قليلة لكنهم في نهاية المطاف استطاعوا ايجاد اللقاح المناسب للقضاء على الفيروس" ابتسم الجد عثمان ابتسامة حزينة قبل أن يكمل حديثه "كم من المؤسف ان البشر يكونون اكثر فتكا من الفيروس، فبعد انتهاء تفشي المرض كان لابد من ال*قاب واستمرت الحرب بين تحالف المطهرين وتحالف المناصرين لرد اعتبار ضحايا المطهرين، ولكن كان الامر مأساويا حيث بدأت دول المطهرين في استخدام الاسلحة الكيميائية والنووية، وأدى ذلك الى دمار الارض أيضا فبدأت تنقرض أنواع كثيرة من الح*****ت والطيور، هل تدرون صغاري كان هناك كائن ضخم للغاية له خرطوم وأنياب من العاج يسمي فيل، وكان هناك ح*****ت تتغذى على اللحوم تسمى اسود ونمور وفهود" ثم أكمل الجد عثمان حديثه بحماس "وكان هناك الكثير من الطيور وليس فقط الغراب، بل كان هناك طيور ألوانها متعددة وكثيرة، هل تصدقون كان هناك نوع من الح*****ت تعيش في الانهار والبحار تسمى أسماك، كانت تسبح داخل المياة وفي الاعماق بدون ان تتنفس من الهواء مثلنا ولكنها كانت لها خياشيم" اوقف حديثه وهو ينظر للعيون المندهشة للبعض والغير مصدقة للبعض الاخر ولكن كان هناك نظرات حالمة للطفل ذو البحة في صوته، فابتسم له وهو يكمل "ولكن تحالف المناصرين قرر أن يحاربهم بنفس سلاحهم وأن يقضوا نهائيا على كل الجيش الخاص بتحالف المطهرين، ولكن الدولة المكونة لتحالف المناصرين رفضت هذا القرار وبررت هذا الرفض بأن هكذا لن يكون هناك فارق بينهم وبين تحالف المطهرين، وانه ولو كان لابد لهم من محاربتهم فلابد ان يكون بسلاح ذكي يمكنه ان يفرق بين الأشرار والأخيار يمكنه ان يستشعر الخطر وان يتجنب المصائب، والاهم ان يكون لديه قوانين تسيره اقترح البعض انسان آلي يمكنهم برمجته بالقوانين والاهداف المطلوبة منه وبالفعل بدأت الأبحاث وبدأ ت**يم الآلي ولكن كل مرة كان يبوء الامر بالفشل فتارة يفقد صوابه ويبدأ بالقتل العشوائي وتارة اخرى يتوقف وسط معركة حاسمة لان بطاريته فقط كانت نفذت، استمر الوضع حتى اعلن تحالف المناصرين ان الفكرة قد باءت بالفشل وتم اغلاق مشروع الرجل الآلي الى الابد ليستمر الوضع كما هو تحالف المطهرين يقضي بالبطيء على دول تحالف المناصرين بينما التحالف الاخير يقف مكتف الايدي لا يعلم ما الذي يمكن ان يحدث لاحقا" توقف الجد عثمان عن الروي وهو يعدل العباءة الثقيلة على ظهره بينما يقوم بصب كوب من الشاي ويتناوله بين راحتي يديه طالبا الدفئ، ثم أكمل بشرود "رغم انه حتى أنا لم أرى كمية الدمار الذي حدث وقتها ولكن كان الامر شنيع، حتى خرج احد العلماء في ليلة وهو يحمل بين طياته ملف مهترئ تتخلله اوراق جديدة عن بحث كان يقوم بدراسته ثم قالها على الملأ انهم يمكن أن يقوموا باستخدام البشر لصنع الابطال الخارقون، بالطبع سخر الجميع منه واصبح اضحوكتهم وقاموا بالسخرية منه، فحديثه يشبه كتاب مصور من حقبة القرن الحادي والعشرين عن الرجل الحديدي والمرأة القطة والرجل العنكبوت تم صناعته فقط للسخرية من عقول الشباب عندما كان هناك رفاهية والحياة الرغد حيث لا حروب، لا ضغائن، ولا أناس تحارب بعضها البعض من اجل قطعة خبز، ولكنه اصر على موقفه وهو يعرض لهم المعادلات التي قام بدراستها على مرار اعوام، نجح بشرحه ان يقنعهم وبدأت شعلة من الامل تشتعل في الصدور اطفأتها سؤال وحيد وهل نجحت هذه التجربة وعلى كم رجل، تلعثم العالم وهو يخبرهم ان التجارب حتى الان مجرد دراسة، انتشرت السخرية بينهم ليقول العالم بكل ثقة ان لنجاح الابحاث لابد من مكون اخير وعندما وجد انه اثار انتباههم قال بتأكيد ان امر تحويل الرجال العاديين الى خارقين يحتاج ل*قار معين استطاع هو الحصول على جميعهم ما عدا مكون واحد، وهذا المكون عبارة عن ذرات تتكلس فوق نوع معين من الحمم البركانية" ارتجفت شفاة الجد عثمان فما سيقوله يخيف الجميع ممن عاصر الازمة ولكنه استجمع شجاعته ليقول بصوت خافت "عندما سأل الجميع العالم عن مكان تواجد هذه الحمم أجابهم بكل ثقة أن المكون السري يقع في حمم بركان مدينة حضرموت، وهنا نظر له الجميع بصدمة فلا يخفى عن احد ان جبال حضرموت محاطة بغلاف جوي خاص بها عبارة عن غاز الميثان والكبريت وليس الخطر هنا فقط الرائحة الكريهة التي تشبه البيض العفن وانما انه سام ولا يمكن للبشر العاديين الاقتراب منه والا ماتوا" تن*د الجد عثمان وهو يدلك جبهته السمراء بيده ثم أكمل "كادت الحكومة أن ترفض لولا ان اخبرهم العالم الطريقة المثالية لدخول الكهف والحصول على التكلسات التي تقبع فوق الحمم وهي عن طريق مجموعة متشعبة من الكهوف التي تبدو اقرب الشكل الى انفاق ومعظمها يوصل الى حيث تتواجد الحمم وهنا اصابت الحماسة احد الرؤساء وهو يعرض ان تكون هذه الكهوف هي المختبر للقيام بالتجارب فمن ناحية المنطقة معزولة ولا يمكن للاغراب ولوجها ولهذا ستكون سرية، ومن ناحية اخرى سيوفر هذا الكثير من النفقات وبهذا تم الاتفاق بأن يبدأوا في تجارب الجنود الخارقين خلف جبال حضرموت"