سألها و هما داخل المصعد" في أية مادة علمية كنت متفوقة عندما كنت تدرسين؟" أجابت بسعادة طفلة صغيرة" كنت متميزة في مادة الرياضيات..أحب حل المسائل الصعبة و المعادلات المعقدة..لكن" صمتت و لم تنهي كلامها فالتفت إليها ياغيز..لامس خدها بطرف اصبعه و قال" لا تحزني..ستفعلين ما تحبين..سأضعك في قسم المحاسبة..ستكونين تحت تدريب مدفوع الأجر لمدة شهر..ثم سأتسلم تقريرا عن مردوديتك و مستوى عملك و بعدها أقرر ان كنت سأبقيك هناك أو أنقلك إلى قسم آخر" ابتسمت و قد احمرت وجنتاها خجلا من لمسة اصبعه الرقيقة و قالت" حسنا..سأبذل قصارى جهدي لكي أكون عند حسن ظنك بي" قال" ستكونين..أنا متأكد من ذلك" انفتح المصعد و خرجا معا..قام ياغيز بتعريفها على الموظفين و تعريفهم عليها ..تجولا معا في مختلف أقسام الشركة إلى أن وصلا إلى قسم المحاسبة..قال ياغيز يخاطب السيدة زليخة رئيسة القسم" زليخة ..هذه متدربتك هزان..ستهتمين بها بصفة خاصة..و تعلمينها كل أصول العمل و ستقدمين لي تقريرا عنها في نهاية كل أسبوع..انها أمانة لديك..اتفقنا؟" ابتسمت المرأة و أجابت" بكل تأكيد سيدي..انها في أيادي أمينة" ربت ياغيز على كتف هزان و قال" ..ليسهل الله عملك..أنا في مكتبي اذا احتجت إلى شيء" نظرت إليه هزان بامتنان و قالت" لا أعلم كيف أشكرك سيد ياغيز..ما تفعله معي كثير جدا علي" غمزها بخفة و قال" المهم أن تكوني مرتاحة..عن اذنك" و خرج فيما تابعته هزان بعيون كلها اعجاب به و بشخصيته المميزة..في مكتبه..جلس ياغيز يراجع بعض الملفات عندما دخلت ألما و قالت" سيدي..لقد فعلت ما طلبته مني..كل أوراق السيد مراد قانونية و أصلية..و الجامعة الأمريكية أكدت كلامه" ابتسم ياغيز بسعادة و هتف"جميل..شكرا لك ألما..اتصلي به و حولي لي الإتصال" ..بعد لحظات كان يقول على الهاتف" سيد مراد..لقد درست كل الأوراق و تأكدت من صحتها..يشرفني أن أدعوك للعمل معنا..نحن بحاجة إلى شخص كفء مثلك..أنتظرك اليوم..تمام..إلى اللقاء" أنهى ياغيز المكالمة و البشر يعلو وجهه..لكن ملامحه عبست فجأة عندما رن هاتفه و ظهر اسم دويغو على الشاشة..رد" نعم دويغو" قالت" مرحبا حبيبي..هل نتغدى معا اليوم؟" صمت قليلا ثم قال" تمام..نلتقي في مطعمنا المعتاد..بعد ساعة من الآن..إلى اللقاء" سمع طرقات على باب مكتبه..قال" ادخل" دخلت السيدة زليخة و قالت" أعتذر سيد ياغيز..أردت فقط اخبارك بأن هذه الفتاة التي أحضرتها إلي اليوم بها شيء غير عادي..لا بد أنها نابغة..انها تجري كل العمليات الحسابية ذهنيا..لا تستعمل الآلة الحاسبة أبدا..لقد أدهشتني.."
حملق ياغيز في زليخة و هو يقول" أحقا ما تقولين؟" هزت رأسها بالإيجاب و قالت" نعم..تستطيع التأكد بنفسك إذا أردت" وقف ياغيز و تبعها إلى قسم المحاسبة..وقف وراء الباب الموارب و راقب هزان و هي تعمل و تحل العمليات التي تعطيها اياها زليخة ذهنيا..و مهما كان العدد كبيرا..كانت عبارة عن آلة حاسبة بشرية..ابتسم ياغيز بسعادة و هو يراقبها..سعيد لأجلها..و أخيرا..ستكتشف في نفسها موطن قوة ينسيها مواطن الضعف التي عمل الجميع على اخراجها..ستجد في تفوقها في العمل ما يعيد لها ثقتها بنفسها و يجعلها فخورة بما تفعله..ستنسى كل ذلك الهراء عن شؤمها و ستثبت للجميع و لنفسها أولا أن كل ما حدث في الماضي كان تقديرا إلاهيا لا دخل لها فيه..ابتعد ياغيز عن الباب و عاد إلى مكتبه..وصل مراد فاجتمع به على مدى ساعتين يتباحثان معا خطة الإنتاج الجديدة و مواصفات الحواسيب و طريقة تسويقها..نسي ياغيز تماما موعده مع دويغو..و لم ينتبه إلى اتصالاتها المتكررة لأن هاتفه كان على الوضع الصامت..أنهى اجتماعه و فتح مراد الباب و هم بالخروج فاصطدم بدويغو التي كانت تهم بالدخول..قالت بنبرة غاضبة" هاي..هل أنت أعمى؟ كدت تسقطني أرضا" نظر إليها مراد و قال" أعتذر..لقد حدث ذلك دون قصد..عن اذنك" تجاوزها و ابتعد..أما هي فدخلت و صفقت الباب خلفها..نهض ياغيز عن كرسيه و سأل" دويغو؟ ماذا حدث؟ لماذا تصرفت هكذا؟" رمقته بنظرة غاضبة و أخذت تصيح" ماذا؟ و تسأل أيضا؟ هل تريد أن تصيبني بالجنون؟ ألم نتفق على الغداء معا اليوم؟ لقد انتظرتك كالبلهاء في المطعم..كان منظري يثير الشفقة..هذا كثير سيد ياغيز" وضع ياغيز يده على جبينه و قال" اووو..لقد نسيت..آسف..انشغلت مع مراد و لم انتبه ..لا تؤاخذيني" قالت" لا تعتذر..أنت تتعمد تجاهلي..هذا واضح..و هذا الوضع بدأ يزعجني..لو كنت تحبني حقا لما نسيت موعدنا..اتصلت بك أكثر من مرة لكنك لم ترد..ياغيز..كن صريحا معي..هل هناك امرأة أخرى في حياتك؟ تغييرك هذا لا يبرره سوى ظهور امرأة أخرى..قل" صمت ياغيز قليلا ثم قال" لا يوجد أحد..كل ما في الأمر أنني مشغول بالعمل..و لا أجد الوقت المناسب لك..و أنت لا تحاولين أبدا تفهم ظروفي..أعتقد أننا بحاجة إلى فترة راحة من هذه العلاقة" لمعت الدموع في عيون دويغو و سألت" ماذا تقصد؟ هل ستتركني؟" أجاب" لا..أريد أن نعيد التفكير في علاقتنا..الوضع صار" قاطعته دويغو بقولها" فهمت..أنت تنفصل عني..سأقول ما لم تستطع قوله..كل منا في طريق" فتحت باب المكتب و خرجت ..خطت خطوتين لكنها عادت و رمت الخاتم في وجه ياغيز و هي تقول" فلتذهب إلى الجحيم ياغيز إيجمان" سمع صراخها كل الموظفين..