الفصل السادس /
بعنوان
الدرع الحامي
كل إنسان يعتبر أحد ما مص*ر أمانه ؛ وبالنسبة للفتيات فهن يعتبرن أبيهن الدرع الحامي ومص*ر القوة لهن ؛ لذا عندما يتعرض ذاك الدرع للخطر يشعرن كأنهن في بئر عميق يسحبون إليه بآلية ؛ ينتابهم الفزع من المجهول ويبحثون عن الآمان في كل خطواتهم
الشعور بالخوف لفقدان أحدهم لا يعادله شعور ؛ ولاسيما إن كان أحد الأبوين .
على الرغم من مرور الكثير والكثير من الحالات اليومية بين يديها في المشفى ، إلا أن من بيديها الآن هو والدها
قطعة الجنة خاصتها ؛ فلطالما كانت علاقتهم ببعض مختلفة عن علاقتها بوالدتها ؛ فكان الأمر بينهم مميز للغاية
لم يغصبها قبلا على شيء لا تريده .
دللها كفاية لتعلم أن دلاله هذا ثقة كبيرة واجبها الحفاظ عليها .
أغلق عليها باباً ولكن أعطاها مفتاحه
الآن هو راقد فوق فراشه .
وجهه مغطى بحبات العرق ؛ جفنيه يتحركان ببطيء ؛ شفتيه جافتان يحاول ترطيبهم بطرف لسانه
وها هو أخيرا يفتح عينيه
لتتحدث صباح بلهفة :
بابا..بابا إنت سامعني ؟
لم يستطع الكلام لشعوره بجفاف حلقه ولكن حرك رأسه بإيجاب لتتن*د صباح براحة متمتمة :
الحمد لله .
الحمد لله على سلامتك يا خويا ._
كده قلقتنا عليك يا أبو صباح ؟
أجابتهم نسمة متحدثة راغبة أن لا تفتح مجال للحديث مرة أخرى :
_ الحمد لله يا جماعة معلهش مكملناش كلامنا بس زي ما إنتوا شايفين إل حصل .
فهمت والدة سامي ما ترمي إليه لتردف :
_ لا ولا يهمك يا حبيبتي نكمله مرة تانية . يالا يا أبو سامى نمشي إحنا ونسيب أخوك يرتاح .
أومأ لها بالموافقة وتمتم :
تصبحوا على خير يا جماعة . يالا يا سامى سلم على خطيبتك وحصلنا أنا ومامتك .
خرجت صباح مضطرية بعد أن أشارت لها والدتها بذلك لتجده واقفا عند باب الشقة
اقتربت منه قليلا ليقول بهمس :
_كلامنا لسه مخلصش ؛ متفكريش إل حصل هينسيني إني شوفتك فوق راجل غريب .
جحطت عيناه بغضب ولكن قبل أن تتحدث كان قد ذهب لتغلق الباب بعنف ؛
وما إن دارت بجسدها حتى وجدت والدتها أمامها ؛ لم تمهلها ثوان قبل أن تصرخ بها :
_عجبك كده ؟لسه مبقالكيش يومين مخطوبة وخطيبك جاي يشتكى منك .
لم تستطع صباح منع نفسها من الضحك بسخرية وأردفت مستهزقة :
_ هو إل يشتكى ! ياعنى إنتى موافقاه يا ماما في كلامه !؟
_ إنتي غلطانة كنتي قولتيله مش هعرف أكلمك دلوقتى؛ إنتى قللتي من إحترامه ودى كبيرة جدا بالنسبة للراجل .
مسحت صباح على وجهها بيأس وأردفت :
_ أقوله إيه؟ أنا مشوفتوش غير وأنا جوة الأسانسير والحالة إل كانت موجودة معايا كان أبسط حاجة هتحصله بتر الساق ؛ يبقي مين أولى ألحق شاب لسه بيبتدى حياته ولا أقف أقدم الولاء والطاعة لسي سامى .
نهرتها والدتها بشدة وهي تلكزها في ذراعها :
بت إتكلمى عدل بلاش عوجتك دي .
أغمضت عيناها بقوة وتحدثت :
يا ماما حرام عليكى ؛ إنتى جاية عليا . _
_ أنا مش جاية عليكى أنا بتكلم عن الأصول ؛ وبعدين إيه حكاية إنك كنتي نايمة فوق الشاب بتاع الحادثة ده ؟
جحطت عيناها من تكرار ذلك اللفظ المشين وتحدثت بكامل غضبها :
_ نايمة فوقه ؟! هو قال كده ؟ لااااا ده مجنون رسمي ؛ دي ألفاظ يقولها ؛ دي مش طريقة تعبير أبدا ؛ ياعنى لا ذوق ولا دم ولا أسلوب ولا أي حاجة خالص هتجوزه على إيه بقي ؟
أثار حديثها ريبة والدتها لتتساءل بتوجس ساخر :
تقصدى إيه يا أبله صباح ؟_
كادت صباح بالرد لتستمع لوالدها ينادى عليها فذهبت إليه مسرعة وهي تجيبه :
نعم يا بابا ؛ في حاجة بتوجعك يا حبيبى ؟
أشار لها والدها بجانبه وتحدث بصوت ضعيف :
إقعدى جمبي وكلميني أنا .
قبلت يده وحدثته بمرح : _
بس كده .. حااضر يا أبو صباح .
رتب على يديها مطالبا بحنو :
_ إحكيلي بقي إيه إل حصل ؟ أنا سمعت منه وكنت مستنيكي علشان أسمع منك .
تن*دت صباح ثم بدأت في سرد الأحداث :
أبدا يا بابا كل إل حصل _
إسترسلت صباح في سرد كل ما حدث منذ الخطبة على والديها
أخبرتهم ما قاله فوق سطوح المنزل وما حدث في المطعم والسيارة واليوم في المشفى .
أخبرتهم أنه كان ضروري عليها الصعود والجلوس بتلك الطريقة لتتحكم في رد فعل جسده عن إمساكها الجرح ولفه بطريقة معينة كي تجابه خطر بتر الساق .
وكما توقعت وجدت كما الحال دائما والدها فقط من يتفهمها ويصنت لما تريد قوله ؛ فرأت إماءته الموافقة عما تقول بل وأكمل بحديثه الرزين :
_ إنتى معاكي حق يابنتي بس كان واجب عليكى تفهميه بهدوء .
_ يا بابا هو سابلي فرصة ؛ أنا إتفاجئت بيهم هنا ؛ ولو كان مش عاوز يعمل مشكلة كان كلمني وأنا كنت هفهمه بس كان الكلام يبقي بينا بعقل .
إنما من أولها يدخل أهله وييجي يشتكيلكم ده آآمن على نفسي معاه إزاى ؛ ده غير تعبيره عن إل شافه ورأيه في شغلي عموما وفرض رغبته إني أسيب الشغل من دون حتى ما يناقشني .
تدخلت والدتها في الحديث محاولة إثنائها عما تفكر :
_ يا ع**طة كل إل عمله ده يدل على غيرته ؛ وإنتى عاوزة إيه غير واحد يغير عليكى ؛
اعرفي إن ده هيحطك في عينه ؛ دي الغيرة دليل الحب .
وبعدين إذا كان على الشغل ياختى وإنتى هتحتاجي الشغل في إيه طالما هو هيوفرلك كل طلباتك ؛ المفروض تفرحي إنك هتعيشي ملكة .
نظرت صباح لوالدتها بتعجب وكأن على رأسها الطير وتساءلت بجدية :
_ إنتى مقتنعة يا ماما بالكلام ده ؛ أنا مش مصدقة إنك بتفكري بالطريقة دي ؟ وإنت رأيك إيه يا بابا ؟
نظر لها والدها بعمق وتحدث بحنو :
_ روحي وإرتاحي يا صباح وبكرة يبقالنا كلام تانى إن شاء الله .
من المؤكد أنها لن تضيع تلك الفرصة فها هي أخيرا ستحظى باللحظة التي تمنتها منذ ساعتين وهي أن ترتمي فوق فراشها ترتاح من عناء التعب ؛ لذا أماءت بإيجاب ووقفت وهي تتمتم :
_ حاضر ؛ تصبحوا على خير ؛ لو حسيت بتعب نادوني .
متقلقيش عليا روحي إنتى وإرتاحي .
استجابت صباح لطلب والدها فهي حقا تحتاج إلى الراحة جسديا ونفسياً .
بعد خروجها /
تحدث صبحي لزوجته بعتاب :
_ ما تجيش على البت تانى يا نسمة ؛ دي بت وحيدة عاوزانا نظلمها ونتعسها في حياتها ؟
جلست نسمة بجوار زوجها وشرعت في البكاء وأردفت من بين شهقاتها :
_غصب عنى يا صبحى ؛ نفسي تفرح بيها وتشوفها عروسة .
_ كله بأمر الله لو مكتوبلي أشوفها هيحصل . ربنا معطاش غيبه لحد ؛ المهم لما ده يحصل تبقى هي مقتنعة وراضية .
أزالت دموعها وتساءلت بحب :
المهم إنت عامل إيه دلوقتي ؟ _
الحمد لله ؛ في نعمة ربنا يديمها .
في الفيلا /
دلف يتمايل من إثر المشروب المسكر الذي إعتاد عليه منذ أن تصادق بأصدقاء السوء منذ عدة سنوات .
نهضت من فراشها بتذمر وبصوت مرتفع بعض الشيء نهرته :
_ إنت إيه يا أخي مبتزهقش من القرف إل بتشربه ده ؟
أصاب صوتها النفور له ليهتف بها :
بقولك إيه وطي صوتك هتطيري الكاسين .
شعرت بالغضب أكثر لما رأته من بروده لتهتف بسخرية :
_ كاسين !! مش م**وف ؛ كل همك السم إل بتشربه ؛ طب فكر في ولادك وفى مستقبلهم .
زفر بغضب وحدثها بغلظة :
أسماء لمي نفسك وعدي الليلة ؛ أنا مش فايقلك .
ارتفاع أصواتهم جذب انتباه أمير المار بحجرتهم كاد أن يكمل طريقه ولكن توقف عند ذكر إسمه
_ لاااا كده كتير بقالك مدة على الحال ده ؛ أنا لازم أشوف حل؛ بكرة هكلم أمير يتصرف معاك .
ثوان وكانت كفة يد تهبط بقوة على وجنتها اليمنى .
وعم الصمت المكان بعد أن دلف إلى دورة المياه الخاصة بحجرتهم ؛ بينما هي تهبط دموعها في صمت .
رحل أمير لحجرته وهو يفكر كيف يتصرف مع إخوته ؟ وما هو أنسب حل لتلك المشاحنات ؟
في المشفى /
أغمضت عينيها تناجي النوم علها تتوقف عن التفكير..التفكير فيما هو آتي
والتفكير فيما مضى .
مقتطفات من ماضيها الأليم تستولى على عقلها..عندما كانت لاتزال في الجامعة وأحلامها بغد أفضل تطوف عنان السماء /
جالسة بكفاتيريا الكلية بصحبة صديقاتها يتناولن أكواب من المشروبات المختلفة ويتحدثن لسيما تبدأ المحاضرة التالية .
لتبدأ إحداهن الحديث المبطن موجهة إليها :
_ أظن يا سمر المحاضرة الجاية على قلبك زي العسل .
كادت أن تُلقي كوب الشاي الخاص بها في وجه محدثتها علها تكُف عن تلميحاتها المزعجة ولكنها تحكمت في أعصابها وردت بفتور:
_ إشمعنا ؟؟ أنا كل المحاضرات مهمة عندي وبستنى السنة دي تخلص بفارغ الصبر.
ولكن ردها لم يمنع الأخرى من إستكمال حديثها ؛ فإسترسلت بمكر :
أقصد ياعني علشان دكتور كريم .
ناظرتها سمر ببرود وهمت بالرد لتجد أخرى تتدخل في الحديث :
_ وماله دكتور كريم يا ريهام ؟
سمر مافيش في دماغها كلام من ده ، مش كده برده يا سوسو؟؟
لحظات مرت عليها تُطالعهم وعقلها شرد في خطأها الوحيد عند مصادقتهم لأنهم ليسوا مثلها ؛ ولكن هي أرادت أن تشعر بالإنتماء لمجموعات الصداقة تلك التي تتكون أثناء الحياة الدراسية .
يبدو عليهن من ملابسهن أن حياتهم مستقرة وليس مثلها فهي كل فصل دراسي ترتدي ثوبا واحد لا غير أو ربما تُبدله مع ثوب الفصل الأسبق ، على الأقل لم يتحدثا بلسانهم عن هذا وتشاركا فضولهم المُجرح بأعينهم
ولكن فظاظتهم في بعض الأحيان تُشعرها بكم خطأها عند السماح لنفسها بمصادقتهم
لكنها عندما أتوا إليها مُعلنين رغبتهم في مصادقتها فرحت كثيرا حتى بعد اكتشافها السبب ورا ذلك وهو الحصول على مستذكراتها .
تن*دت بعمق وتحدثت بأمل :
_ أنا مبفكرش في حاجة ولا ليا في أي كلام من ده ؛
كل هدفي أخلص السنة دي على خير زي السنين إلى فاتت وربنا يكرمني وأتعين في الكلية علشان أقدر أقف على رجلي وأساعد أمي .
بس إنتي عارفة إن دكتور كريم بيحبك . _
_ إسمعوني الحب ده خارج قاموسي حاليا أنا مشواري طويل ؛ وأصلا ماليش في الجو ده ؛ أنا يوم ما أرتبط لازم يبقى رسمي ؛
ولو سمحتوا بلاش تفتحوا الموضوع ده تاني .
عادت من ذكرياتها على صوت الباب يُفتح وحديث إحدى الممرضات الموجه لها
ميعاد الحقنة .
كانت بحجرتها تتحدث في الهاتف الخاص بها مع إحدى رفيقاتها ، وما إن أنهت الحديث حتى إستمعت لطرق الباب ، فأجابت :
_ إتفضل .
وقفت سريعا من مكانها بعدما رأت حكمت أمامها وتحدثت :
_ ماما حكمت !! إتفضلي .
دلفت حكمت وأغلقت الباب وراءها وتحدثت مشيرة للأريكة وهي متوجهة نحوها :
_ تعالى إقعدي يا حسناء عاوزة أتكلم معاكي شوية .
إنصاعت لها في هدوء ، وما إن جلسوا حتى إبتدأت حكمت الحديث مردفة :
_ طبعا إنتي عارفة الحمل ده مهم بالنسبة ليا قد إيه ، أنا زي أي أم نفسي أشوف ولاد إبني وأطمن إن في حد هيشيل إسمه من بعده ، أنا فاهمة إنك أكيد نفسك تبقي أم ، ده شعور غريزي ، وأكيد هشام مهما حاول قدمنا إن الموضوع مش فارق معاه نفسه يبقى أب ، وبدل ما يراعي ولاد إخواته يراعي ولاده هو ، أنا مقدرة حبه ، ليكي لكن الحب لوحده مش كفاية علشان الحياه تستمر فاهماني ؟
_ فاهماكي يا ماما ، عاوزاكي تعرفي إني أكتر حد في الدنيا نفسه الحمل ده يكمل على خير ، أنا نفسي أشوف حتة مني ومن هشام ، نفسي أسمع كلمة ماما ، ونفسي أفرح هشام وأفرحك .
_ إن شاء الله يكمل المرة دي على خير ، أنا جيت أنبهك ، لازم تحافظي عليه وتهتمي بأدويتك وبأكلك كويس ، مش عاوزة أسمع كلمة ماليش نفس ، إنتي مش أي واحدة إنتي شايلة في بطنك إبن عيلة عزام لأازم تبقى قوية وتتحملي تعب وألم الحمل علشا ييجي عالدنيا بخير لو ربنا أراد ، لكن لو ربنا مأردش ...
لو حصل زي قبل كده فأنا مش هسيب هشام كده ز
ناظرتها حسناء بتعجب من حديثها وتساءلت :
_ ياعني إيه ؟
وقفت حكمت متوجهة نحو الباب وفتحته ، ثم نظرت في إتجاه حسناء مرة أخرى وأجابتها بسلاسة :
_ ياعني دي آخر فرصة ليكي يا حسناء ، أنا جيت أنبهك ، لو الحمل ده مكملش لازم هشام يتجوز ويخلف ولاد من صلبه يشيلوا إسمه .
أنهت حديثها وخرجت مغلقة الباب من خلفها ، تاركة قلبا ينزف خوفا وعيونا تذرف دمعا من**را .
أبدلت ثيابها لثياب النوم وجلست على السرير استعداد لرحلة نوم تتمنى أن لا تنتهى لتستمع لطرقات الباب فسمحت للطارق بالدلوف ليطل عليها شقيقها ؛ لم تخف دهشتها من وجوده في ذلك الوقت بغرفتها فهي ظنته نائما يأخذ قسطا من الراحة كعادته قبل أن يستيقظ في ساعات الليل المتأخرة حتى يستذكر دروسه .
_ صابر !! إنت لسه صاحي ؟ خير مش عوايدك ياعنى ؟
كانت نظرات التردد تنبثق من عينيه وشفتيه ترتجف ؛ حاول إستاعدة رابطة جأشه وتحدث بتريث :
_ عاوزة أقولك على حاجة كده بس مش عارف صح إني أقولها ولا لأ ؟
نظرت لشقيقها وقد إحتل القلق قلبها فيبدو أن هناك أمر جاد للغاية لذا تساءلت بنبرة مضطربة :
_ مالك ياواد يا صابر ؟ شكلك عامل مصيبة كبيرة .
تن*د صابر بأسى وأردف :
_ إنتى لازم تتجوزي سامى يا صباح .
وكأنها تنتظر أخيها أن يزيد من سخطها كمثال أن ما حدث طوال اليوم لم يكفيها ؛ خرجت منها تنهيدة سأم وأردفت لإنهاء هذا الحديث :
_ أتجوز سامى ! ربنا يسهل يا صابر الموضوع ده لسه بعيد حساباتي فيه بس معتقدش إني هقدر أكمل معاه .
ما إن أنهت حديثها حتى تفاجأت به يحادثها بنبرة جدية للغاية وكأنه يأمرها بتلك الزيجة :
مينفعش ..مينفعش ؛ لازم تتجوزيه _
لازم يا صباح أوعي تسيبيه .
تفاقم غضبها ولم تستطع السيطرة على صوتها الذي إرتفع ساخطا غاضبا
_هو إيه إل مينفعش ؟! ولازم أتجوزه
ما تتكلم كويس وبعدين ده قراري لوحدي أنا إل هعيش معاه وأنا لو شايفة إني مش هكمل يبقى مش هكمل .
نظر لها برفض وأكد على ما يقول :
بس إنتي لازم تتجوزيه .
صفقت كفيها ببعض بتعجب مسترسلة :_
_ برده هتقولي لازم ..لازم ليه يابني إيه ألزمه ؟؟
خرجت حروفه متقطعة مجيبا على سؤالها :
أيوة لازم لأن بابا نفسه يجوزك قبل ..قبل.._
فقدت آخر ذرات تعقلها لذا صرخت به :
_ ما تكمل كلامك عالطول
قبل إيه ؟! ما تتكلم يابنى .
ظهر الألم على وجهه وتحدث بأسف وحزن :
_ قبل ما يموت يا صباح ؛ بابا تعبان والدكتور قاله إنه هيموت قريب .
نزلت كلماته كماس كهربائي يسطو قلبها ؛ حاولت أن تستشف كذب حديثه من صدقه ولكنها تعلم أن شقيقها لن يمازحها في مثل تلك الأمور وها هي دموع عيناه الصادقة تؤكد لها ما قاله دون حاجتها لسؤاله مرة أخرى .
إنطلقت صرخاتها فما مرءت به كافي لتشعر بالوهن وها هي الآن تختم يومها بأثقل ما قد يتحمله قلبها ؛ كان صارخها ملتاعا قبل أن تفقد الوعي :.
باابااا . _
في غرفة شروق /
جالسة تستذكر دروسها بهمة ونشاط ، فهي ترى في نجاحها السبيل الوحيد للتخلص من أعباء جروحها .
كانت تصب جام تركيزها فيما تفعل لتتفاجأ بباب حجرتها يفتح ومن ثم يغلق بعد دلوف والدتها ، والتي لم تترك لها وقتا لكي تعي دلوفها ذاك وأخذت في الحديث مباشرة :
_ أنا قولتلك كام مرة تغيري من لبسك ده ؟ ها .. ردي عليا ؟
توترت من غضب والدتها وأجابت :
_ يا ماما أنا برتاح فيه .
_ مش مهم ... مش مهم ترتاحي ، المهم تبقي شيك وليكي إستايل يليق بإنك بنتي ، بقى أنا شيماء عزام طول عمري أشيك واحدة في مجتمعنا بنتي تبقي بالهيئة دي .
إمتلأت عينا شروق بالدموع من حديث والدتها ، ولكن شيماء لم تنتبه أو بالأصح إنتبهت ولم تهتم ، فأخذت تكمل حديثها بقسوة :
_ إنتي مش شايفة ميرا وشياكتها ورقتها ، بنت عيلة عزام فعلا ، ده غير شعرها إل بتهتم بيه ، وإنتي دايما نفس التسريحة ، إسمعيني كويس أنا مش هقبل واحدة من صحباتي تتكلم تاني على مظهرك ، خدي الفلوس دي وإنزلي إشتري كام فستان على الموضة ولو مش عارفة خدي بنت خالك معاكي تختارلك حاجة شيك .
أنهت حديثها ملقية ببعض المال فوق المكتب أمامها وتركتها ورحلت .
نظرت شروق للمال بغصة وإبتدأت دموعها في الإنسياب .
عند احتراق روحك وبقائها في جسدك رغم كل شيء ؛ هذا هو التحطم .
وحطام الروح أقوى وأقسى من الموت ؛ فعند الموت ينتهى العذاب ..تختفى المعاناة ...تتحرر الروح أما عند التحطم تشعر بالإنهيار وذات الوقت تكن مطالب بالصمود.؟
صرخات..عويل..إستغاثات
دماء..أسرة ناقلة .
رجال تصرخ غاضبا متوجسة..ونساء تبكين خائفة .. داعية الله بأن يتلطف .
مصير مجهول لا أحد يعلم ماذا يحدث أم ماذا سيحدث؟؟
أطباء يستقبلون الحالات بجزع
ومهابة .
بيت ينهار .. ليس جدرانه التي تشتعل بالنيران ولا الأثاث الذي تحطم .. وبالطبع ليس أسقفه التي تفتتت .
يكفى فقط أن يموت أحد أفراده .. فكيف إن كانا إثنين ؟
قبل أسبوعين /
حالتك الآن قد تكون شتان بين حالتك بعد ساعة واحدة أو أقل فتقلبات القدر كافية أن تفاجئك دائما .
بدأت التحضيرات للزفاف على قدم وساق فإن كان هذا ما سيشعر والدها بالسعادة فليكن .
_ يا صباح إنتى لسه نايمة ؟ قومي يالا بقي هنتأخر.
نظرت صباح لهاتفها تستطلع الساعة وأردفت بتذمر :
_ هنتأخر على إيه بس يا ماما ؟! دي الساعة سبعة الصبح ياعنى مافيش محلات فتحت .
أزالت نسمة الغطاء من فوق جسد إبنتها تحثها على النهوض متمتمة :
_ قومي بقي وبلاش تغلبيني عاوزين نلحق المحلات وهى فاضية علشان ننقي براحتنا .
ذعنت صباح لأمر والدتها وتحدثت بطاعة :
_ حاضر يا ماما قمت أهو.