وقفت يومي بداخل المصعد وهي تتثاءب وقبل أن تنغلق الضلفتين دلف ماكوتو، في فمه قطعة دونات وبيده كيسٌ بنيّ فاحت منه رائحة حُلوة. نظر إلى الهالات حول عينيّ يومي، ابتلَّع قطعة الدونات وقال بابتسامة: "صباح الخير."
لم تملك يومي طاقةً لذا همهمت بردٍ ما دون اهتمام، اختلس نحوها نظرة، ثم رفع الكيس وأخرج منه قطعة دونات ما إن تثاءبت يومي مرة ثانية حتى حشرها في فمها.
انتشر طعم الشوكولا الحلو في فمها فأضاءت عينيها الناعستين كمصباح مضغت على مهل، يدها أمام فمها وما إن ابتلعتها هتفت: "طعمها لذيذ! من أي اشتريتها؟"
"سر المهنة."
"ماكوتو هل أنت مرتبط؟"
ما إن سمعها عاد ماكوتو خطوة للوراء وقال: "لا. لم تسألين."
"عندما ترتبط أو تتزوج في المستقبل قم بما فعلته الآن." رفعت إبهامها للأعلى: "أعدك بحياة عاطفية سعيدة."
هز رأسه وعندما رن المصعد وخرجا منه تمتم بصوتٍ مسموع: ويقولون الطريق إلى قلب الرجل معدته!
لاحظ أن يومي تجمدت في مكانها وعلى وجهها تعابير غريبة فتابع خط نظرها، كان السيد فوجيوارا يقف برفقة ريو في الرواق وهما يتناقشان عن ملفٍ ما حمله ريو بين يديه، بدا أنهما انتهيا من الحديث، قال ريو جملة أخيرة جعلت السيد فوجيوارا يبتسم.
دعكت يومي عينيها عدة مرات وعندما لم يجدي ذلك نفعًا انحنت تجاه ماكوتو وسألت بعدم تصديق: هل..هل تلك ابتسامة؟!
أومَأ ماكوتو ناحيتها وهو يخرج قطعة دونات أخرى ويلتهمها، "أخبرتك أنهما مقربان."
"هذا...هذا ليس عدلًا!"
حرك ماكوتو كتفيه وكأن الأمر لا يعنيه البتة، تابع مشيه ناحية مكتبه تاركًا إياها تقف وحدها أمام بهو المصاعد، التفت السيد فوجيوارا وذهب أيضًا وبقيّ ريو في الرواق وهو يتفحص الأوراق بين يديه.
"انسي الأمر، فلطالما أراد وريثًا لشركته، حسنًا مباركًا له لقد حصل على وريثه."
تابعت يومي مشيها بخطوات سريعة وعندما مرت بريو تجاهلته وتظاهرت بأنه غير موجود وكأنها لم تضطر لمناورته لتمر وتصل إلى مكتبها.
ريو الذي تم تجاهله: "..."
"تعالي إلى هنا! ألا تحترمين من هم أعلى منك مرتبة في العمل؟"
توقفت يومي أمام مكتبها وهمت بإخراج المفاتيح من الحقيبة، رمقته بنظرة طرفية وقالت: "لا أستطيع أن أكذب وأقول صباح 'الخير' ولا خير فيه على الإطلاق بعد أن... "
"بعد أن؟"
رشقته بابتسامة وأدخلت المفاتيح في الباب، "لأني احترم من هم أعلى مني مرتبة وسنًا لن أكمل هذه الجملة."
دلفت إلى المكتب فدخل ريو وراءها وقال: "لماذا تغلقين المكتب بالمفتاح؟" فتحت فمها لترد عليه فقاطعها وأضاف: "المكتب ليس بغرفتك الخاصة، اتركيه مفتوحًا طوال الوقت، هل هذا مفهوم؟"
نظرت إليه بتردد وبدا أنها تفكر في أمرٍ ما لكن بعد مدة ابتسمت بطريقة مزيفة وقالت: "حسنًا."
ظل ريو واقفًا بمكانه لذا أشارت بيديها الاثنتين نحو الباب، "لقد دخلت من هنا في حال نسيت كيف تخرج."
احتنق وجه ريو بالغضب أو الاحراج أو كليهما معًا ورمقها بنظرة حادة قبل أن يخرج ويصفع الباب خلفه. وضعت يومي يديها على خصرها وحدثت الباب: ألم تقل اتركيه مفتوحًا طوال الوقت قبل ثلاث ثوان وحسب؟
نظرت إلى الكابينة وراءها، كانت مرتبة ونظيفة كما تركته بالأمس ف*نفَّست الصعداء، اهتز هاتفها بداخل جيب تنورتها فأخرجته وأجابت، ظهر وجه ران في الشاشة وهي تقول: "صباح الخير، صدقي أو لا تصدقي إني أفتقد إزعاجك، كما أن الزبائن يسألون عن الحسناء الأجنبيَّة التي كانت تعمل هنا!"
"هااي أنا لستُ أجنبية أنا خليط!"
في إطار الفيديو كان زيرو يجلس على طاولة المطبخ يقوم بعد الفواتير وبجواره شويا يصنع في كأس مثلجات بالفواكه.
حركت ران كتفيها وقالت: "أقنعيهم هم وليس أنا، إذًا كيف هو عالم الرشد؟"
لحظيًّا علت ابتسامة عريضة وجه يومي وقلبت الهاتف لتُرِي ران كابينتها المزينة، "إلهي متى تسثنى لكِ تزيين المكتب كما لو أنه غرفتك الخاصة!"
تذكرت يومي تعليق ريو قبل قليل فدورت عينيها للسماء، "أنا أحتاج بيئةً مناسبة للعمل."
"هاه وهذه البيئة تطلب رؤيتك لوجه مامورا كل صباح؟"
أزاحت يومي خصلًا من شعرها الذهبي وراء كتفها بغرور، "بالطبع ولكن دققي النظر جيدًا أنتِ موجودة أيضًا في أحد أرفف قلبي."... انتبهت ران لصورتهما في الحفل موضوعة بجانب مامورا فقالت بتآثر:" آووو ما ألطفك!" حدقت الفتاتين ببعضهما البعض بحب فسمعتا صوت شخصٍ يختنق في الخلفية، نظر زيرو إلى الشاشة بقرَّف وقال: "توقفا عن فعل هذا."
اقترب من الهاتف: "وأنتِ كفي عن التحديق بأبطال الشوجو مانغا وإعملي بجد. ميمورا هذا لن يصرف عليك في المستقبل."
"هاي! اسمه مامورا إنه وسيم وهذا كل ما عليه فعله. أن يظل جميلًا ولطيفًا."
هزَّ زيرو رأسه على حالها بشفقة، وضع شويا الآيسكريم فوق الطاولة وقال: "للحق إن أبطال الشوجو مانغا وسماء، إنهم يرسمونهم بشكلٍ جيد."
نظرت الفتاتين إلى شويا الذي كح، قالت يومي بقلوبٍ متطايرة: "ليسوا أوسم منك يا شويا."
حمل شويا الكأس في صينية ذهبية، أذنيه محمرتان وسمعته يومي يقول قبل أن يخرج من المطبخ: أنا أبلغ السابعة عشرة!
ضحكت ران بلا استحياء بينما تظاهرت يومي أن قلبها انكَّسر، بعد أن انهت الفاصل الدرامي قالت: "سأحاول أن آتي للزيارة اليوم أو غدًّا ولدي خبرٌ سيدهشكما للغاية."
ران: "لا تفعلي هذا، التشويق سيئ لقلبي!"
لوحت يومي بيدها وأغلقت المكالمة، أعادت الهاتف لجيبها وجلست، أمامها في المكتب تناثرت العديد من الأوراق التي تتعلق بشركة ڤيرليس، فبعد ساعتين ستحضر السيدة أوليفيا من أجل اجتماعهما وأرادت أن تكون مستعدة تمامًا.
***
جلست يومي برفقة السيد أوليفيا مونرو في قاعة الاجتماعات الثانية، كانت قاعة صغيرة نسبيًا ذات جدران زجاجية شفافة تحوي طاولة مستطيلة بثمان كراسي، جهاز عرض وبورد أبيض، أمام كل كرسي وضع دفترٌ وقلم حمل علامة الشركة، حرف إف متعرج باللون الأحمر.
حضرت السيدة أوليفيا قبل مواعيدها بعشرين دقيقة، ارتدت بذلة نسائية أنيقة ولفت شعرها المتموج على شكل كعكة، بالكاد استطاعت يومي منع نفسها من القفز بمكانها بفرح وهي ترى المرأة التي غيرت منظورها للملابس، فقبل أن تعثر على موقعها في الانترنت لم تكن يومي تهتم بشكلها الخارجي كثيرًا، لكن مع الوقت باتت تفهم بهجة أن تبدو جميلًا وأدمنت الشعور ولكن من دون التطرف فيه.
تبادلتا التحايا وأحضر قسم الضيافة للسيدة أوليفيا شاي إيرل غراي كما طلبت، ثم بدأتا الحديث عن الشركة، أدخلت يومي الاجابات في فورم على الحاسب، أنشأته بنفسها خصيصًا ليسهل عليها ترتيب البيانات وكتابة التقرير لاحقًا، وما إن تتالت إجابات السيدة أوليفيا انحسرت الفتاة المعجبة بداخل يومي وتحولت لموظفة بملامح محايدة. ركزت على الأسئلة التي حددها ريو باللون الأحمر وكلما **َّتت السيد أوليفيا وبدت عليها الحيرة كانت يومي تعطيها مثالًا من شركة أخرى لإيضاح ما تعنيه، جرى الأمر بسلاسة، لدرجة أنهما لم تلحظا أن أقداح الشاي قد فرغت والساعة باتت الحادية عشرة والنصف.
أغلقت يومي شاشة الحاسب المحمول وقالت بابتسامة: "هذا كل شيء، ما إن انتهي من كتابة التقرير سأرفعه لرئيس القسم وستسمعين منَّا خلال يومين أو ثلاثة."
"هذا جيد."
حدقت السيدة أوليفيا بالطاولة مدة من الزمن ثم قالت: "بالنسبة للمدير التنفِّيذي للشركة، لقد أخبرتك أن خبيرًا سوف يشغر هذا المنصب، الحقيقة..."
النظرة المهتمة في عينيّ يومي حثتها على الإكمال لذا قالت: "مازلتُ مترددة بهذا الشأن، أرغب في إدارة الشركة بنفسيّ لكني أعلم أن الأمر ليس بسيطًا ويتطلب خبرةً وحزم، زوجي ريتشارد هو من اقترح عليّ أن أعين خبيرًا حتى يتسنى لي التركيز على الت**ِّيم دون شواغل أخرى... ولكن..."
ابتسمت يومي ووضعت القلم والدفتر على الطاولة، "أنتِ لا تودين أن يُدير غريبٌ ما شركتك التي تعبتِ حتى تصل إلى ما هي عليه."
"نعم نعم بالضبط! حاولت شرح هذا لريتشارد لكنه ق*فَّص وجهه بطريقة الرجال تلك وأخبرني ألا أكون عاطفية!"
نفخت السيدة أوليفيا خصلة عن جبينها وعقدت يديها أمام ص*رِّها بانزعاج، زمت يومي شفتيها ثم قطبت: هل يا ترى يشعر والدي بذات الشيء؟ لذا هو مصر على توريثي الشركة؟...قبل أن يكتمل حبل أفكارها سألتها أوليفيا: "ما رأيكِ أنتِ؟"
"آه،" طرفت يومي وعقدت أصابعها معًا، "سيدة أوليفيا لست بمكانة تسمح لي بابداء رأيي..."
"هراء." انحنت للأمام فلمع خاتم الألماس في يدها، "أريد أن أعرف رأيك يومي، فتاة لفتاة، لستِ موظفة في هذه اللحظة ولن أغضب أيًّا كان رأيك."
رنَّ تحذير ريو في أذنيها بأن تبقي عملها احترافيًا طوال الوقت...أزاحت صورته جانبًا في عقلها وقالت: "هراء."
رمشت أوليفيا باستغراب.
"الإدارة تحتاج لخبرة صحيح ولكن ليس هذا كل شيء، إنها تحتاج شخصًا متعلقًا بما يفعله ويصب قلبه فيه، يمكنك دائمًا تعيين استشاريين إداريين لمساعدتك والعمل في قسم الت**ِّيم لن يشغلك عن إدارة الشركة، حوجتك لاختيار أحدِهما فقط...هذا هراء."
نهضت السيدة أوليفيا من مكانها واحتضنت يومي الجالسة في الكرسي بالجانب، "أنا بريطانية ولا أحب المعانقة...لكني أعانقك الآن."
قهقهت يومي وربتت على يدها المحيطة بها، وفي خضم اللحظة لم تنتبه لريو الواقف في الرواق، كان يشاهد عبر الحائط الزجاجي بينما يده في جيبه، حذاؤه يطرق على الرخام وعلى وجهه تكشيرة:
وقد قلت حافظي على علاقة رسمية!!