وقف ريو أمام سريره يحدق ببذلتين موضوعتين فوقه، إحداهما طقم بلونٍ بني داكن بها جاكيت داخلي والثانية رمادية مع قميصٍ أبيض. كان المنبه الرقميّ يشير إلى السادسة والنصف صباحًا، مرر يده عبر شعره الذي ما يزال رطبًا وقد اِلْتصقت بضع خصلات داكنة بجبينه.
حمل البذلتين وأعادهما للخزانة، أخرج بنطال جينز أسّود وقميصٍ بنفس اللون، خرج من غرفة تبديل الملابس ووقف أمام مرآة طوليَّة وهو يغلق أخر زرارتين في القميص، سرح شعره بيديه عدة مرات فانصاع إليه وبات مرتبًا. من على الطاولة المجاورة للسرير فتح الدرج العلوي وتناول ساعة يد، عَقَد سوارها الجلدي بتآنيّ ثم صلح وضعيتها على رسغه.
ظهر على سوارها بعض التعرجات وبدأ باطنها الأسّود بالتسلخ. لامس سطحها الزجاجي بإصبعه مررًا إياه بطريقة دائرية، باتت قزحيتي عينيه الزرقاء قاتمة كما لو أن أحدًا سكب فيها قطرة حبر.
خرج من الغرفة بعد أن أغلق الباب خلفه فبدا بهوٌ ممتدٌ لشقة استوديو عصرية، احتوت على مطبخٍ بألواحٍ رمادية داكنة وسطحٍ زجاجي لامع، وأمام المطبخ المفتوح كان هنالك جلسة كحلية على شكل حرف إل الانجليزي برفقة طاولة خشبية ذات لونٍ فاتح فوقها مرجعٌ عن إدارة الأعمال، كانت الجدران مغطاة بستائر سميكة من جهة اليمين وعلى الحائط المقابل عُلقت شاشة إل سي دي مسطحة.
في نهاية الشقة استند مكتبٌ أبنوسي على الحائط وبجواره صفين من أرفف كتب مشابهة له، أمامه كرسيّ مدولبٌ وثير، تكدست العديد من الملفات والأوراق على الأرض وبالقرب منها كوبين فارغين وقلم هايليتر.
وضع ريو لنفسه ملحوظة بأن يقوم بترتيبها لاحقًا ثم اِتَّجه إلى المطبخ المفتوح، ضغط على آلة القهوة وفتح باب الثلاجة، أمامه رصت كراة الأرز -الأونيغري- المغلفة بكيسٍ شفاف ف*نّاول واحدة وأغلق الباب بعقِّب قدمه، أزال الكيس وتناول قضمة...بنكهة السلمون المملح هذه المرة، دمدم ثم أكملها بثلاث قضمات كبيرة، غسل يديه وشرب كوب الماء دفعة واحدة.
أطلقت آلة القهوة صوت رنين فأوقفها، فوق الماكينة عُلقت صورة بداخل إطار أسّود أملس، كان السيد سايرس واضعًا يده حول كتف ريو، السيدة آيري محتضنة ابنتها الصغيرة شيزوكو بفستانها الوردي المنفوش وضفيرتيها، شيزوكو تضحك على تعابير ريو المنزعجة. وكليك. تم تحنيط اللحظة في متحف الزمن.
نظر إليها ريو مدة وقد علت شفتيه شبح ابتسامة، ربما أذهب لتناول العشاء نهاية هذا الأسبوع، فكر، ثم استند بظهره على الطاولة وتناول قدح القهوة وبيده الأخرى أخرج هاتفه وتفقد أحوال الطقس لهذا اليوم، غائم مع احتمالية هطول المطر لاحقًا، رائع، كم كان يحب المطر!
أكمل شرب القهوة، ارتدى حقيبة الكتف من على المشبك وأغلق الباب خلفه، وبينما هو يمشي ناحية المصاعد تغيرت تعابيره لأخرى منزعجة، باتت خطواتُه أسرع وقال بصوتٍ مسموع: من الأفضل ألا تتأخر في أول يوم عملٍ لها.
"أتشو" عطست يوميّ ومن حقيبتها الحمراء أخرجت منديلًا ثم قالت: "سيد أوشيها، أعلم أن والدي يأتمنك على حياتي لذا فإن سرعة السيارة لا تتجاوز عادةً الثمانين لكني بحاجة أن تسرع...حتى لا أفقد حياتيّ."
نظر إليها السيد أوشيها عبر المرآة الأماميَّة للسيارة: "لقد تأخرتِ ربع ساعة فقط، إنه ليس بالأمر الجلل."
تقدمت يومي للأمام حتى صارت بين الكرسيين وقالت: "ليس بالأمر الجلل لي ولك، ولكل شخصٍ طبيعي يمشي فوق الأرض...لكنه ليس طبيعيًا...إنه وحش مفترس يكشر عن أنيابه وينويّ الفتك بي مع أول خطأ...-هذه ليست دراما أنت لم تلتقِ به- لذا رجاءً ادعس على دواسة الوقود هذه كما لو أن حياتيّ على المحك، لأنها على المحك فعلًا!"
قهقه السيد أوشيها وهو يهز رأسه، فكر أنها تبالغ لكنه على أي حال انصاع إليها ودعس على دواسة الوقود، بسلاسة ازدادت سرعة سيارة الليموزين متجاوزةً سيارة تلو الأخرى، عادت يوميّ في كرسيها إلى الخلف وتنَّهدت الصعداء، كل هذا بسبب أنها أغلقت المنبه، خمسة دقائق قال! تحولت الخمسة دقائق لنصف ساعة لذا اضطرت للجريّ في أنحاء الغرفة بينما تدمدم بأن هذا اليوم لا يمكن أن يكون أسوأ...ثم تذكرت أنها سترى وجه ريو منذ الصباح الباكر فأدركت أنه نعم، بالإمكان لهذا اليوم أن يصير أسوأ.
توقفت السيارة أمام الشركة فترجلت يومي حاملةً معها صندوقًا زهريًا متوسط الحجم، قبل أن تغلق الباب قالت للسيد أوشيها: "لو أن يوي كان أكبر مني لتزوجت منه فقط لتصير حماي."
أطلق السيد أوشيها ضحكة عالية وشاهدها تهروِّل عبرَّ باب شركة، انزلق الصندوق منها فثبتته في اللحظة الأخيرة، بأنفاسِ لاهثة وقفت أمام المصعد وهي تردد: افتح افتح افتح.
بطرف عينها شاهدت الباب السحاب يُفتح وريو يدخل عبره، لم يكن متأنقًا كعادته ببذلة باهظة بل ارتدى قميصًا عاديًا كفكف أكمامه، أمسك حقيبة الحاسب بيد وبالأخرى كان يقرأ شيء ما على هاتفه المحمول، فُتح باب المصعد بصوت "دينق" بدا لها في تلك اللحظة أجمل من صوت الصراف الآلي، من داخل المصعد خرج ماكوتو وعندما رآها قال: "صباح الخ- دفعته للأمام ثم دلفت، "كن مفيدًا وماطله قليلًا!"
أُغلِق باب المصعد في وجهه وهو يرمش بعدم فهم، لكن حين رأى ريو يتقدم ناحيته حرك عينيه للسماء، تقدم ناحية ريو وأوقفه، قائلًا بنبرةٍ مبتهجة: "صباح الخير ريو."
رفع ريو رأسه من الهاتف وكشر في وجهه.
"أتعرف شركة ميتو للهواتف المحمولة التي تعاقدنا معها قبل مدة؟"
همَّ ريو بالضغط على زر المصعد لكن ماكوتو سد عليه الطريق وأكمل: "إنهم يبحثون عن وجهٍ دعائي لهاتفهم الجديد، ها ما رأيك؟ بالمناسبة إن الأسّود يليق بك جدًا."
أزاحه ريو بيده كما لو أنه يبعد باعوضة عن طريقه، ضغط على زر المصعد وتمتم: "تخيل أن أول وجه تراه منذ الصباح الباكر هو هذا الوجه،" ثم أطلق تنهيدةٍ تراجيدية من أعماق رئتيه.
دلف إلى المصعد وضغط على الطابق الحادي عشر، أُغلِقت الضلفتين في وجه ماكوتو الذي كان يمرر يده عبر شعره بحيرة، حدق بانعكاسه على الضلفتين المعدنتين، شعر بنيّ وعينين ذهبتين ولحية خفيفة تميل للون الأشقر، لم يكن بشِّعًا أليس كذلك؟
وقف بجواره هيروشي وهو يحمل ورقة، فاِلْتفت إليه ماكوتو وقال: "ما رأيك، هل هذا وجه يصلح لدعايَّة؟"
رشقه هيروشي بنظرة مشمئزة وعندما أصدَّر المصعد صوت "دينق" دخل، وفقط حين بدأت الضلفتين في الإنغلاق أجابه: "إن كانت دعايَّة مبيد حشري وكنت أنت الحشرة."
رفع ماكوتو قبضته بتهديد في الهواء لكن الضلفتين انغلقتا بوجهه وأخر ما رأه هو وجه هيروشي المعتد بنفسه، ضيق عينيه تجاه انعكاسه وقال: "لا يهم، ما زلت أملك وظيفة براتبٍ جيد."
تجاوز ريو مكتبه بخطواتٍ سريعة، كانت بعض الأبواب نصف مفتوحة، واستطاع سماع محادثات الموظفين التي بدت كهمهة، بعضهم وقف أمام آلات الطباعة والتصوير وآخرون تق*فَّصوا في كابنياتهم، كل منهم منكبٌ بتركيزٍ على العمل في مهامه الصباحية، هسهست الأقلام مع احتكاكها بالأوراق، فاحت رائحة القهوة في الجو وتعالى أزيز من أجهزة الحواسيب التي تعمل، وصل إلى المكتب الطرفي في نهاية الرواق ومن دون طرقه فتح الباب، تفاجأ حين رأى كعكة مثبتة بدبوس به يعسوبة وصاحبتها مرتدية فستانًا زهريًا، منحنية تقرأ ملفًا وبالقرب منها كوب شايٍ أخضر يتعالى منه البخار.
"أي خدمة؟" سألت دون الالتفات ناحيته، ففتح فمه لقول شيء لكنه لم يدرِ ماذا، لقد أتى إلى هنا بنية التأكد من كونها تأخرت، لكن ها هي ذا تعمل بجد ومن الواضح أنها أتت قبله منذ وقتٍ طويل...حمحم وفك الزرارة العلويَّة من قميصه، "آآ آم صباح الخير؟"
التفتت يومي ناحيته وهي تنظر إليه باستحالة كما لو أن ما تفوه به أمرٌ يستحيل أن يخرج من فمه هو بالذات، شعر بحرارة تتصاعد بوجهه وأراد فقط أن يستدير ويغادر، تغيرت تعابير يومي إلى ابتسامة وقالت: "صباح الخير." لم تكن ابتسامة مصطنعة وفكر أنها تلائهما حقًا، فكشر وقال: "هل اِلْتقيتِ برومي؟"
"لا، ليس بعد بالأمس لم تكن موجودة بمكتبها."
أومَأ ناحيتها: "إن احتجتِ لمعرفة شيء ما فقط اسأليها."
"سأفعل."
كانت تتوقع أنه سيستدير ويذهب لكنه ظل متكئًا على إطار الباب، لاحظ للصندوق الزهريّ أسفل قدميها فأثنى رأسه، تابعت خط نظره وفكرت بداخلها لابد أنه يكره هذا اللون.
سأحرص على ارتدائه كثيرًا في المستقبل.
"حسنًا." قال كمن لا يدري ماذا يضيف وأغلق الباب خلفه.
"إنه غريب أطوارٍ حقًا،" أضاءت شاشة هاتفها الموضوع على المكتب فالتقطته، ضغطت على الرسالة فظهرت صورة لصندوق هدايا ملئٍ بإسطواناتٍ موسيقية لفرقة كورية ومجلات للموضة، أسفلها كُتب...
("أوسم شخصٍ في العالم": هل هذه هي الفرقة التي تحبينها؟)
قهقهت يوميّ، لابد أنه استوعب كونه نسيّ إخباري عن سفره إلى كيوتو وهذه رشوة!
كتبت بسرعة احترافية على الكيبورد: "هؤلاء إِكزو يا والديّ لكني أحبهم أيضًا، شكرًا، لا تنسى تناول إفطارك كالعادة." أرسل لها وجهًا أصفر مبتسمًا، من المفترض أن يكون ودودًا لكنه بدا كقاتلٍ فر من مصحة عقلية، هزت رأسها على خيارات والدها الفريدة في الإيموجيز ثم أرسلت له قلبًا.
قرقعت أصابعها ونظرت إلى الكابينة الفارغة أمامها، رفعت الصندوق الزهريّ وقالت بحماس: لنبدأ العمل!
بعد 15 دقيقة كانت يوميّ قد فرغت من تهيئة وكرها السري، نصفها منه، أما النصف الثانيّ تركته فارغًا كما هو، فليس هنالك متدربٌ سواها يعمل في هذا القسم لذا كانت الكابينة المجاورة لكابينتها فارغة.
عادت للوراء وحدقت بمجهودها بفخر فقد كان التحول جذريًا، **َّت الفاصل بورق حائطٍ على شكل سماء وغيوم، في الجهة اليسرى علقت كالندر وبقربه صورتين، واحدة سلفي لها ولران من حفل إكمال ران أول دراما انترنت لعبت فيها دور الأخت الشريرة، وفي الثانية، كانت تجلس بقرب السيد فوجيوارا على أريكة، بين يديه قدح قهوة وقد رفع تجاهها حاجبًا بينما أمسكت هي الكوب بيديها الاثنتين ومنحته ابتسامة عريضة، التقطها السيد أوشيها لهما خلسة وباتت من مفضلاتها الآن.
بجوار الصورتين كان هنالك بوستر مصغر فيه صورة مامورا، بطلها المفضل من شوجو مانغا النجم الساقط، وأسفل البوستر علقت اقتباسًا: "عندما تكون كنوزنا قريبة جدًا منا، فإننا لا نلاحظها أبدًا، أتعلم لماذا؟ لأن الناس لا يؤمنون بالكنوز." - باولو كويلو.
أسفل الشاشة المسطحة والكيبورد وضعت مفرشًا ناعمًا وفأرة على شكل فأرة رمادية، بالجهة اليمنى اصطفَّت نوتات ودفاتر مع أقلامٍ في حاملٍ معدنيّ بالقرب منه شمعة برائحة القهوة، على المقعد كان هنالك وسادة زرقاء وبالأسفل وضعت مشغل موسيقى صغير.
التقطت صورة عبر هاتفها، فتحت تطبيق انستجرام واختارت صورتان، الأولى كانت للمكتب قبل أن تجري عليه "ماك أوفر" والثانية بعد أن فرغت من جعله يبدو مشهيًا للعمل. قامت بنشرها مع تعليق: "الآن تبقى فقط أن أعمل." مع وجوه ضاحكة، وأسفلها:
#البوابة_نحو_عالم_الرشد #من_أجل_كوريا #الحياة_قاسية #فلتحترق_الرأسمالية #رئيس_و*د #الخطوة_الأولى_في_مشوار_الألف_ميل
رن جرسٌ غريب فقفزت بمكانها، نظرت يمينًا ويسارًا فانتبهت إلى الهاتف الأرضي الموصل بالقابس، كان متصلًا بفَّا** وموجود فوق طاولة خشبية قصيرة، نهضت ورفعت السماعة، "تحتاجين كل هذا الوقت للإجابة؟"
لم تحتج أن تفكر في هوية صاحب هذا الصوت الساحر، قال ريو: "هل رومي معك؟"..."لا."...
"إنها لا تجيب على هاتفها، أنا أحتاج ملف شركة لارسون بشكلٍ عاجل، أخبريها أن تحضره إليّ."
"آآم حسنًا."..."كفيّ عن العبث بحاجياتك في المكتب وإعملي."
قال جملته الأخيرة ثم أغلق الخط بوجهها، حملقت بسماعة الهاتف في يدها: "مهلًا! كيف عرف!" تلفتت حولها: "هل يرقبني هذا المزعج من مكانٍ ما؟"
أعادت السماعة إلى مكانها وخرجت، أخبرها ماكوتو بالأمس أن مكتب رومي هو ثالث مكتبٍ على اليسار، توقفت أمامه وطرقته، كان الباب مواربًا لذا دفعته قليلًا وألقت نظرة، لم يكن هناك أحد ولكن فوق طاولة بيضاء وُضِعت حقيبة راقية من ماركة شانيل ومعطف، كان سطح المكتب مرتبًا، صف من الملفات تراكم بطريقة أبجدية وبالقرب منه أربعة كتب، دفعت يومي الباب ودلفت، يبدو أنها خرجت قبل قليل، فكرت، فما تزال شاشة الحاسوب مضاءة وهنالك رائحة لافندر خفيفة عابقة في الجو، اقتربت يومي من المكتب وابتسمت حين رأت كتابًا مفتوحًا على مصراعيه، "كيف تقع في الحب لسيسليا آهيرن." وبالأسفل منه رواية الأمير السعيد لأوسكار وايلد وكبرياء وتحامل لجاين أوستن.
من الآن أنا أحب هذه الفتاة...قبل أن تكتمل هذه الفكرة في رأسها نفضتها وقالت بحزم: هوي قلنا لا علاقات اجتماعية! العمل العمل ركزي...
تذكرت أن ريو قال بأنه يحتاج الملف بشكلٍ عاجل لذا خرجت من المكتب وأغلقت الباب خلفها، في الرواق وقفت موظفتين تتحدثان مع بعضهما البعض بشكلٍ ودي، بدتا صديقتين مقربتين، عندما مرت بهما يومي ابتسمت وحيتهما ثم سألت إن كانتا تعرفان أين ذهبت روميّ، نظرت إحداهما إليها مدة بطريقةٍ لم تفهمها لكنها أجابت قائلة: "ستجدينيها غالبًا في الاستراحة الخاصة بالفتيات." عندما رأت الحيرة مرتسمة على تعابير يومي أضافت: "الطابق الثانيّ الباب الخامس بجهة اليمين."
شكرتهما وذهبت لكنها ظلت تشعر بنظراتهما على ظهرها إلى أن اختفت في بهو المصاعد، داست الزر وقد علت وجهها تقطيبة، هنالك أمرٌ يشعرها بعدم الارتياح لكنها لا تستطيع وضع يدها عليه. كانت تثق بحدسها فهو لم يخذلها من قبل قط. زمت شفتيها وشعورٌ سيئ بدأ بالتصاعد داخلها.
***
أمام مكتب ريو وقف السيد "فوكوياما كين" بيدين معقودتين خلف ظهره، حدق ريو بالفواتير التي ناولها له السيد فوكوياما وسأل: "ما هذه الفواتير؟"
"مطعم تايوان، قبل أسبوعين يوم الخميس، كان هنالك عشاء احتفالًا بإكمال الصفقة مع شركة ميتو للهواتف المحمولة وأنت دفعت الفاتورة من حسابك الشخصي."
بدا على ريو التذكر فقال: "آه نعم؟"
"سيد سايرس، هل يدفع لك والداك تكاليف معيشتك؟"
قطب ريو: "لا، أنا أقطن وحديّ."
رمقه السيد فوكاياما من فوق إطار نظارته الذهبي وقال: "إذن أنت تدفع أجرة الشقة وفواتير الكهرباء والماء والغاز بنفسك، غير منصرفات المعيشة الأخرى بالطبع."
"أجل..."
بدا ريو حائرًا عن مقصد السيد فوكوياما لكنه اعتاد على احترام كبار السن لذا لم يبدِ امتعاضه.
"خلال ستة أشهر، لقد قمت بالدفع لـ ثمانية مناسبات مختلفة تخص الشركة من حسابك الخاص، هل أموالك تأتي من الهواء؟"
فتح ريو فمه للأجابة لكنه قاطعه مكملًا: "إنها تأتي على حساب وقتك وجهدك وصحتك، لكن ها أنت ذا تبعثرها كما لو أن لا قيمة لها. أيبدو لك هذا تصرفًا حكيمًا سيد سايرس؟"
"إنها ليست بالمبالغ الكبيرة..."
"أعتقد أن 1,098,480 ين يعتبر مبلغًا كبيرًا لأي شخص يجيد الحساب."
فتح ريو فمه كالسمكة ثم أغلقه مجددًا فقد شعر أن أيًا كان ما سيقوله سيوقعه في ورطة أكبر، لذا أخيرًا نظر إلى السيد فوكوياما وقال: "أنا...آسف؟"
أومَأ السيد فوكوياما: "لقد أرسلت المبلغ إلى حسابك مع مرتب هذا الشهر ومن الآن فصاعدًا استخدم البطاقة الإئتمانية الخاصة بالشركة، سنقوم بخ**ِّ المبلغ من نثريات المكتب."
أراد ريو الاحتجاج على إعادته المبلغ لكن عندما رأى نظرة فوكوياما الحازمة ارتفع خداه بما يشبه ابتسامة وقال: "شكرًا لك."
استدار السيد فوكوياما وخرج من المكتب، لم تكن خطواته الوئيدة تسمع وعندما أغلق الباب خلفه ظل ريو يحدق بضلفته...من الجيد أن السيد فوكوياما ليس والده وإلا كان سينصاع لكل طلباته بلا نقاش...اقشعر من الفكرة المرعبة، فتح هاتفه وبحث في قائمة الأسماء عن رقم والده، عندما رأى السيد سايرس الرسالة التي تسلمها من ريو رمشَّ عدة مرات.
"هنالك فائدة من كونك عديم فائدة." قرأها بصوتٍ عالٍ ونظر إلى ماكوتو بعينين متسعتين ثم قال بذهول: "الوقح قليل الأدب!" أما ماكوتو حاول كتم ضحكته لكنه فشل فشلًا ذريعًا مما تسبب بطرده من المكتب.