(14)

2541 Words
بعد أن غادر السيد "دايسكي أونو" العميل الخامس ليومي خلال هاذين الأسبوعين، كان على وجهه ابتسامة ووعدها بدعوتها لحفل افتتاح الفندق الذي ينويّ بناءه بالقرب من بحيرة يوكوهاما ما إن يكتمل، سارت معه حتى المخرج وبطريقة ما تحول مجرى حديثهما من تصاميم الفنادق إلى أخر فلمٍ تصدَّر الْبوكَّس أوفيس، تبادلا الأراء حول أعمال هذا المخرج الأخيرة، لوح لها ثم ركب سيارته البوغاتي السوَّداء واختفى في الشارع. عادت يومي إلى قاعة الاجتماعات واحتلت مقعدها المعتاد ثم انهمكت بكتابة التقرير، نظارتها الشفافة تغطيّ نصف وجهها وهذه المرة رفعت شعرها على شكل كعكة وثبتته بدبوس على شكل يعسوبة. "عليكَ أن تكف عن مراقبتها هكذا." قفز الشاب الواقف في الرواق عندما سمع هذه الجملة، رأى كايجي يرفع نحوه حاجبًا، فكشر ناحيته: "لقد أفزعتني! أصدِّر صوتًا وأنت تمشي!" تكتف كايجي: "لو لم تكن تفعل في شيءٍ مشين لما فزعِت." أشار برأسه نحو القاعة، "اذهب وتحدث معها كالرجال." بادل الشاب نظره بين يومي وكايجي ثم هزَّ رأسه، "ليس الآن." "لماذا؟ هل تحتاج وقتًا لتجهيز نفسك للرفض الذي ستتلقاه؟" "ياه ثقتك بي أثلجت صدِّري." نظر إلى كايجي بضغينة، "لكنك محق." رمشَّ كايجي تجاهه عدة مرات ثم انفجر ضاحكًا، تابع مشيه في الرواق وهو يحدث نفسه، "إلهي لم أحسب أن بإمكان الشخص التدهور لهذه الدرجة..." "اخرس!" *** ظهر على حاسوب ريو إشعار بتلقيه بريد إلكتروني جديد فضغط على الأيقونة، وبالفعل كان تقرير السيد دايسكي أونو كما توقع، مؤخرًا اعتاد على طريقة عمل يومي هذه وبات لا يندهش، خصوصًا أن سرعتها في التسليم لم تكن تؤثر على جودة عملها، والحقيقة أنه لم يرد الاعتراف...لكن تقاريرها كانت أفضل من التقارير التي يتلقاها من بعض رؤساء الأقسام. فمع التقرير الأساسي كانت ترفق مستندًا آخر يحوي معلوماتٍ إضافية عن العميل ذاته مع ملاحظاتها الشخصية والشركات التي اعتمدت عليها لتوضيح بعض النقاط للعميل...كما أن تقاريرها كانت مختصرة وتحويّ المعلومات المهمة وحسب دون أي حشو. فكر: لو أكملت عشرة تقارير على هذا النهج فسيمنحها علاوة. تثاءب واضعًا يده أمام فمه، قطب بعدها باستيعاب، لقد تثاءب للتو! لا يذكر متى أخر مرة حدث هذا...في العادة يواصل العمل حتى ساعاتٍ متأخرة من الليل ولا ينام بشكل جيد بالرغم من ذلك كان من النادر أن يشعر بالنعاس أو الاسترخاء، والآن تثاءب! بل شعر برغبةٍ في النوم...كان الأمر أقرب لمعجزة. فتح الدرج العلويّ وأخرج مجموعة فواتير احتاج لتسليمها إلى السيد فوكوياما كين حتى لا ينال توبيخًا آخر، انتبه لإطار الصورة المنكفئ على وجهه بداخل الدرج، تردد وهلة لكنه في النهاية مد يده وتناوله. وضعه على سطح الطاولة منكفئًا، تحسس سطحه البنيّ المنقوش، شعرَ بالنتوءات أسفل أصابعه، السعادة المسروقة من زمنٍ قديم، طبقة خفيفة من الغبار **َّت حواف الإطار، ترددت في ذهنه نغمات أغنية قديمة...تسللت عبر مذياع صغير موضوعٍ فوق ثلاجة. "كف عن ملاحقتي في كل مكان لن أريك إياها قبل أن تكتمل." حدثَّ ريو الشاب الجالس على حافة الطاولة في المطبخ، يأرجح قدميه، ترددت من المذياع أغنية 'ماد ورلد' بصوتٍ منخفضٍ جدًا بينما انهمك هو بصنع كراة الأرز، مد الشاب يده ليأخذ واحدة فصفع ريو يده. دلك مكان الضرَّبة بتقطيبة وقال: "لا تكن بخيلًا، فقط مقطع واحد، أرغب بتحميلها في حساب الانستجرام..." شقت وجهه ابتسامة عريضة غبِّية وسرق كرة أرز على حين غفلة من ريو فضيق الثاني عينيه تجاهه، "لقد وصل عدد متابعيني إلى المليون! وبنهاية هذا العام أرغب أن يصيروا أربعة ملايين، لذا تعاون معي قليلًا!" "هاه لم لا تستعمل 'سحرك الخاص' لزيادة عدد المتابعين؟" أعاد الشاب شَّعره العسليّ إلى الخلف بحركة من المفترض أنها 'كول' لكن بعض الأرز التصق بخصله فكتم ريو ضحكة وهز رأسه. "سحري قد يَّكفي لإضافة مليون متابع آخر وليس ثلاثة ملايين. أنا أعيّ مقدراتي جيدًا." "تاداشي، اذهب وافعل شيئًا مفيدًا في حياتك ودع طعامي وشأنه." لعَّق تاداشي أصابعه: "لكني أحب الأونيغري التي تصنعها...ومن ثمة هكذا نحافظ على التوازن، أحدنا يجيد الطبخ والثاني يجيد الأكل..." ازدادت ابتسامته اتساعًا ورفع قبضته في الهواء، "نحن فريقٌ مثالي." بدلًا عن أن يضرِّب ريو قبضته بقبضة تاداشي وضع له كرة أرز بنكهة السلمون المملح وقال: "اغرب عن وجهي." 'كليك' انتبه الشابين إلى الصوت فالتفتا وراءهما، كان السيد سايرس يقف في صالة المعيشة وبين يديه كاميرا فوريَّة، ظل يحدق بالكاميرا حتى بصقت صورتهما فكشرَّ ناحيتها وقال: "كان علي تجريبها بأخذ صورة لشيزوكو. تسك." رمى الصورة على الأرض واستدار على عقبيه، حدق الشابين ببعضهما البعض، كرة أرز غير مكتملة بيد ريو، وأرز ملتصقٍ بشَّعر تاداشي. قطب تاداشي وقال: "لقد نعتك أنت بالقبِّيح." بدأ برفع الإطار المنكفئ قليلًا فقليلًا، وما إن كاد أن يستقيم على الطاولة ارتجف كفه فسقطت الصورة منكفئة برجة، بسط ريو يده وقبضها عدة مرات محاولًا ايقاف ارتعاشها لكن دون فائدة، انحنى بجسده للأمام وغطى عينيه ثم أطلق تنهيدةً من أعماقه. *** وضعت يومي التقرير المطبوع على كابينة كازويا، كانت كابينة كازويا فارغة تمامًا كما لو أن لا أحد يشغرها، بجوارها جلست رومي على كرسي دوار وهي تتحدث بالهاتف، تلعب بخصلة قصيرة من شعرها وتبدو بمزاج جيد، لم تكلف نفسها عناء الرد على تحية يومي عندما دخلت، اعتادت على تصرفاتها الجافية هذه لذا لم تتأثر وفكرت أن لديها أسبابها، ربما في السابق تسبب لها المتدربون في قسم خدمة العملاء بالكثير من المشاكل لذا صار موقفها دفاعيًا...وعدائيًا بعض الشيء؟ "آه نعم، أنا أحب السوشي...عمومًا لا يهم أين سنذهب، أود أن أراك ونجلس ونتحدث، بت مشغولًا في الآونة الأخيرة." أغلقت يومي الباب وراءها وضحكت بخفوت: حتى الآنسة ناميكاوا ذات التكشيرة المرعبة تتحول لحملٍ وديعٍ مع خطيبها. ولماذا فكرت أنه خطيبها؟ لأن ماسة ذات تسعة قيراطات وردية كتلك التي ترتديها رومي لابد أن تجذب نظر أي شخص. كان من الواضح أن خطيبها رجلٌ غنيّ...ومن صوت رومي الناعم معه بدا لطيفًا أيضًا...حركت كتفيها وتمنت لها السعادة. مشت في الرواق وهي تهمهم بأغنية ما، رأت ريو يقف مع رجلٍ ذو قامة فارعة، ناوله ظرف بني فأومَأ الرجل، قال ريو شيئًا وابتسم. مرت بجوارهما وألقت التحية ثم أخفضت رأسها...كانت تنوي متابعة مشيها إلا أن ريو قال: "يومي، أرسلي لي الملف الأصلي الخاص بالسيد دايسكي، هنالك خطأ مطبعي أرغب بتعديله." نظرت يومي إليه بأعين متسعة قليلًا، لم ينتبه ريو إلى نفسه لكنها المرة الأولى التي ناداها فيها باسمها...كانت حتى الأمس تدعى "هاي" أو "أنتِ" أو "تكتف ماشين". وعت إلى نفسها فقالت سريعًا: " سأقوم بمراجعته وتعديله وسأرسله إليك مجددًا." "لا لا داعي، إنها كلمة واحدة فقط أرسلي الملف." "...حسنًا." "وجه جديد لم أره من قبل." علق السيد فوكوياما فالتفتت يومي إليه. أثنى رأسه ومنحها نظرة تقيمية، "ألم أرك من قبل في مكانٍ ما؟" سكَّت قليلًا ثم ابتسم، "كنتِ برفقة ماكوتو في الحفل السنوي العام الماضي، أليس كذلك؟" برعب نظرت يومي إلى ريو ثم إلى السيد فوكوياما، "آه أجل..." "أرادت ابنتي الحديث معك، قالت أنكِ تبدين كنجمات السينما." "هه ه ه ما ألطفها..." عقد السيد فوكوياما يديه خلف ظهره: "تعملين في قسم التخطيط؟" "نعم، لكني متدربة،" "تبدين يافعة، كنت ساستغرب لو كنتِ موظفة ثابتة." "حقًا؟ تبدو لي كفتاة في الثلاثين على الأقل." قال ريو بابتسامة ساخرة. حدجته يومي بنظرة حادة بينما بدا الاستمتاع على السيد فوكوياما، استأذنهما بعد ذلك وغادر، ظلت يومي تنظر إلى ظهره المبتعد بملامح غريبة، فقال ريو: "أخبركِ للتو أن لديه ابنة، هذا يعني أنه متزوج." دورت عينيها للسماء، "أحيانًا أتساءل ما هي الصورة الرائعة التي تضعها عني في رأسك." أدخل ريو يديه في جيوب بنطاله وقال مبتسمًا بزاوية: "صدقيني لا ترغبِّين بأن تعرفي." "صدقني لهذا لم أسأل." اختلست ناحيته نظرة وفكرت: يبدو أنه لم يهتم بما قاله السيد فوكوياما... "بالمناسبة، لم أعتقد أن علاقتك بماكوتو جيدة لهذا الحد." بل اهتم! "لماذا؟ أتغار عليه؟" "هاه، سألفه بشريطة حمراء وأضعه أمام بيتك." "أنت صديق سيئ." "من المفترض أن يكون الأصدقاء سيئون." "أنت سيئ بطريقة استثنائية." "لأنني استثنائي." وقف السيد سايرس برفقة فوجيوارا أمام باب المكتب، كانا ينويان الذهاب إلى بهو المصاعد، لكن عوضًا عن ذلك قررا التنصت على الثنائي الواقف في الرواق...عندما سمع سايرس جملة ريو الأخيرة ضرَّب جبينه بيده. بعد أن قام ريو بتعديل الخطأ المطبعي في التقرير الذي أرسلته له يومي أعاد طباعته، رتب الأوراق ودبسها سويًا ثم طبع نسخة ثانية. وضع النسخة الثانية في ظرفٍ بنيّ واتجه ناحية مكتبها، طرق الباب وعندما سمع الإذن دلف. كانت يومي جالسة على كرسيها الدوار، بين يديها علبة بها أرز وبعض الأطباق الجانبية، لم يبدُ عليها الاستمتاع وهي تأكل على مضض. رفع تجاهها حاجبًا وقال: "لماذا تبدين أبشَّع من المعتاد؟" "ملحه زائد." وضعت العلبة جانبًا ونهضت، "هل هذا تقرير السيد دايسكي؟" "نعم،" أعطاها الظرف ثم قال: "أرسلت لك نسخة إلكترونية في بريدك." "حسنًا." انتظرت أن يغادر لكنه ظل ينظر حوله، بعد برهة سأل: "لماذا لا تتناولين غدائك مع رومي؟" ضحكت بداخلها بسخرية وعاودت الجلوس على الكرسي الدوار، "هل تعتقد أن أي فتاتين تعملان معًا تلقائيًا تصيران صديقتان؟" "نعم؟" تنهَّدت ثم لوحت بيدها: "انسَ الأمر أنت لن تفهم عالم الفتيات المعقد." "علاقتكما ليست جيدة؟" "إنها ليست سيئة." هممممم، حدق إلى صندوق غدائها البائس وتذكر أنها خلال الأسبوعين الفائتين لم تكن تأكل في الكافتريا، أحيانًا كانت تشرب القهوة أو تتناول الحلوى مع ماكوتو لكنه لم يرها برفقة شخصٍ آخر...غريب...أليست نحلة اجتماعية؟ دور عينيه للسماء، قطعًا سأندم على هذا... "تعاليّ." قال ثم استدار على عقبيه وخرج. "هاه؟ ها قد تم إعادتي إلى "تعاليّ" و"أنتِ" و"تاكتف ماشين" كما توقعت تلك كانت زلة لسَّان!" بالرغم من دمدتها بضجرٍ تحت أنفاسها إلا أنها تبعته ولم تنسَ أن تغلق باب المكتب وراءها، كان ينتظرها بداخل المصعد، ما إن دلفت رمى لها مفتاح السيارة. "هاي أنت! أنا لست بسائقك الخاص." تجاهلها وأخرج هاتفه من جيبه، فتح أحد التقارير وشرع بالقراءة. ترجلا في مصف السيارات الأرضي، ضغطت يومي على ريمود السيارة فأضاءت أنوارها الأمامية، ركبت في مقعد السائق بينما فتح ريو المقعد الثاني وبنصف انتباه جلس وثبت الحزام، أدخل إحداثيات الموقع في الجي بي إس وعاود التركيز مع هاتفه. تنهَّدت يومي وهي تدخل الشارع، مرةً أخرى حرمها من غدائها –السيئ- ولكنه غداء على أي حال، ولمّ؟ ليذهب إلى...مهلًا...هل هذا عنوان مطعم رامن؟ أوقفت السيارة أمام مطعمٍ صغير في شارع طرفي والتفتت نحوه بعدم تصديق، "هل تأكل في مثل هذه الأماكن؟!!" قال وهو يترجل: "حتى أنا كنتُ طالبًا ذات يوم." حاولت يومي تخيل نسخة أصغر عمرًا من ريو، بلا تكشيرة ومن دون النظرة المزدرية للعالم، لكنها لم تستطع، هزت رأسها وقالت: "لا مستحيل لابد أنه كان مملًا أيضًا." رنَّ جرس الباب حين دلفا فحياهما الطباخ، ردا تحيته، وقف ريو أمام الكاونتر وطلب لكليهما ثم اختارا إحدى الكابينات الطرفية في الخلف. "هل تنتظر أحد ما؟" رفع رأسه من الهاتف وعلى وجهه نظرة هل-أنتِ-غ*ية؟ "يا إلهي لقد أحضرتنا إلى هنا حتى نأكل بالفعل؟ نأكل وحسب؟" لم يجب عليها وركز مع الهاتف. "هل أنت من سيدفع؟ يجب عليك أن تدفع فأنت رئيسي." كنت أعلم أني سأندم على هذا... وضع الطباخ أمامهما طبقين من الرامن الساخن، كان لون الشوربة أحمر وفوق قطع النودلز توجد بيضة نصف مسلوقة. استنشقت يومي الرائحة الشهية وقالت: "كم إشتقت إليها." تناول ريو العودين وبدأ بالأكل. "لم أعتقد أنك تحب الأكل الحار." "لماذا؟" "لأنك ممل." تابع أكله وتجاهلها، التقطت أعوادها وأخذت لقمة كبيرة، وضعت يدها أسفل خدها بسعادة وهي مستمتعة بالطعم اللاذع الذي انتشر بفمها. "بالمناسبة كيف حال ويقل بينت-بتر؟" مع سؤالها كاد ريو أن يشرق، كح مرتين ثم أخذ نفسًا عميقًا..."لا تقولي هذا الاسم في الأماكن العامة!" "لماذا؟ إنه اسم جميل." هز رأسه بيأس وعاود الأكل، بعد هنيهة قال: "إنه مزعج، ظل يغني بلغة الفئران-- إنه همستر وليس فأرًا –ظل يغني بلغة الفئران الليل كله ويركض في عجلته الدوارة...حتى بعد حرقه لكل هذه السعرات الحرارية ما يزال سمينًا أفكر بإخضاعه لحمية غذائية." "لا تنعت ويقل بالسمين! إنه يحب الأكل فقط! إياك أن تحرمه من إحدى مباهج الحياة القليلة." "سأقلل عدد حبات دوار الشمس إلى النصف." "لا أنصحك بذلك. ألم تسمع بقصة السمكة الذهبية؟" "السمكة الذهبية؟" "نعم،" أشارت نحوه بأعواد الطعام وقالت: "كان هنالكَّ سمكة ذهبية، مالكتها تعيش وحدها في منزلٍ ريفي بسيط، كانت تضع السمكة الذهبية في حوضٍ لوحدها لأنها أول سمكة اقتنتها في حياتها وتضع بقية الأسماك في حوضٍ مجاورٍ لها، وفي أحد الأيام لاحظت الشابة اختفاء إحدى السمكات الثلاث، وبعد يوم، اختفت سمكة أخرى، اعتقدت مالكتها أن القطة هي المجرمة...لذا أغلقت باب الصالة بالمفتاح ومنعت القطة من الدخول." وضع ريو يدًا أسفل خده وبدا عليه الضجر، لكنها لم تعبأ به وواصلت: "في اليوم التالي رأت مالكتها ذيِّل سمكة يخرج من فم سمكتها الذهبية فاكتشفت السر الرهيب، كانت سمكتها الذهبية تقفز للحوض الثاني، تلتهم الأسماك وتعود إلى حوضها..." "آه قصة مثيرة للاهتمام." علق وتناول لقمة كبيرة من النودلز التي تصاعد منها البخار. هشته يومي: "لا تقاطعني، توقفت المالكة عن جلب أسماك أخرى حتى لا تصير طعامًا لسمكتها الذهبية الشرهة، لكنها أخطأت ذات يوم وتركت باب الصالة مفتوحًا فتسللت القطة إلى الداخل...—هل أكلت السمكة الذهبية وأراحت العالم من شرورها؟" "شش قلت لا تقاطعني...فقدت القطة إصبعًا من يدها اليمنى...وعندما سألها الطبيب البيطري عن السبب شَّعرت المالكة أن الأمر قد تخطى حدوده...لذا في اليوم التالي، وضعت حوض السمكة الذهبية في القبو وأغلقت عليها بالمفتاح، لم تكن تدخل إلى القبو إلا لاطعامها كل فترة وأخرى." تناولت يومي لقمة ومضغتها على مهل فرمقها ريو بنظرة ركزي-مع-القصة! حركت عينيها وابتلعت اللقمة ثم قالت: "ألم تكن ضجرًا قبل قليل؟ المهم، حدث انقطاع كهربائي في المنزل بسبب عاصفة عاتية، لذا طلبت المالكة عامل تصليح ليهتم بأمر الأسلاك، فتحت له باب القبو وذهبت لاعداد العصير وبينما كانت تقوم بسكبه تذكرت--السمكة الذهبية!" أومأت يومي وألصقت ناظريها بالطاولة بحزن وهي تهز رأسها بتأثر. قال ريو: "ربما لو أطعمتها بعض النودلز لعزفت عن تناول اللحم بكل أنواعه." قهقهت يومي على تعليقه الغبِّي ثم قالت: "نودلز بنكهة الجالبينو." "نعم، أو يمكننا إطعامها ويقل بنت-بتر فهو يكفي لجعلها تشعر بالشبع لما تبقى من حياتها." "كيف تجرأ على التفكير بهذا! لقد غيرتُ رأيي أعد ويقل إليّ." هز ريو رأسه بطفولية: "لا لقد بات ملكيّ، السير ويقل بينت بتر سايرس." مد الطباخ رأسه وحدق بالزبونين الجديدين، كانا يأكلان بسعادة والفتاة تهدد الشاب بأعواد الطعام، قلب النودلز في القدر وبدأ يصفر بمزاجٍ رائق. عندما عادا إلى الشركة أستوقفهما جينتا أمام طاولة الاستقبال في الطابق الأرضي، كان يحمل بين يديه صندوقًا يحوي العديد من الملفات. "هذه هي الملفات التي طلبتها من المخزن." تناول ريو منه الصندوق ومرره ليومي، عندما أمسكت به ترنحت للخلف وتوازنت بصعوبة. "ضعيه على مكتبي، سألحق بك بعد قليل. هنالك ما أود مناقشته معك عن العميل القادم." فغر جينتا فمه وقال: "رئيس! سأخذه أنا إلى المكتب إنه ثقيل!" لوح ريو بيده: "لا تهتم لا يخدَّعك مظهرها هذا إنها تتمتع بقوة ثور." رمشت يومي ناحية ريو لكن جزء منها بات معتادًا على تصرفاته هذه لهذا ابتسمت بغيظ مكتوم وتابعت مشيها إلى بهو المصاعد دون قول شيء. "رئيس!! لا يجب عليك القول عن فتاة أنها تتمتع بقوة ثور خصوصًا أمامها!" تكتف ريو وقال باستغراب: "لماذا؟ إنها الحقيقة." لم يعلم جينتا بماذا يعلق لكنه شعر بقلقٍ شديد تجاه مستقبل رئيسه، في نفس الوقت، عندما دقق بملامح ريو وقد بدت عليه حيرة بريئة جعله ذلك يود أن يضحك، هذا جانبٌ لم يره من قبل...لطالما بدا ريو سايرس كشخصٍ متحكمٍ بحياته تمامًا، شخصية مثالية بلا عيوب...لكن ها هي ذا الفقاعة تختفي وكل ما رآه هو شابٌ في الخامسة والعشرين...من الممكن مصادقته. دلفت يومي إلى المكتب وقد صلحت وضعية الصندوق الذي كاد ينزلق للمرة الثالثة، تقدمت الخطا ناحية مكتب ريو ووضعته بالقرب من حاسوبه المحمول، التفتت لتخرج لكنها شعرت بأنها دعست على شيءٍ ما، نظرت إلى الرخام، كان هنالك إطارٌ مرمي على الأرض ومحطم تناثرت شظايا الزجاج من حوله، انحنت على الأرض ولملمت القطع المبعثرة، سمعت صوت باب المكتب يفتح، اقترب ريو منها وقال: "غدًا سيأتي السيد تسودا--" بتر جملته حين رأى الإطار المحطم بين يديها، فوريًا تحولت نظراته لأخرى داكنة..."اللَّعنة لا تستطيعين حتى وضع صندوقٍ بطريقة صحيحة؟" فتحت يومي فمها لكنه قاطعها: "إلهي ما كان علي أن أعتمد عليك!!" اقترب منها بسرعة وانتزع الإطار ثم أشار برأسه إلى الباب: "اخرجي رجاءً." حاولت يومي الحديث لكنه قاطعها مجددًا: "لا أرغب في سماع شيء فقط رجاءً اخرجي." حدجته بنظرة من الغضب الخام، وعندما بادلها النظرات الحادة استطاع أن يستشف خيبة أملٍ كذلك، سالت قطرة من الدماء عبر كفها من بقايا الزجاج الذي التقطته، أعطته ظهرها وقبل أن تخرج قالت بهدوء: "أنا لم أ**ِّره ولك أن تصدق ما تشاء." خرجت بعدها من المكتب وأغلقت الباب، نظر ريو إلى الصورة المصفرة في كومة من الخشب المحطم، وإلى رقعة الدماء الصغيرة على الأرض، شعر بوخذات في عينيه فأغمضهما، ولمدة طويلةٍ جدًا لم يفتحهما مجددًا.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD