(15)

2641 Words
دلفت يومي إلى قاعة الاجتماعات وبين يديها أوراق ودفاتر بها علامة الشركة المميزة، أمام كل كرسي وضعت ملفًا ودفترًا وقنينة ماء على أبعاد متساوية، عندما انتهت اتجهت لجهاز العرض وتأكدت من كونه يعمل للمرة الثانية، أرادت أن يكون كل شيء مثاليًا فاليوم سيحضر السيد "دايسكي أونو" للتوقيع على العُّقود النهائية بعد إبرام بعض الشروط، ولهذا السبب قامت بحجز القاعة الرئيسية في فندق الهيلتون قبل يومين، واليوم حضرت قبل ثلاث ساعات من الموعد المحدد لإضفاء اللمسات الأخيرة. في العادة، يكون هذا من ضمن عمل قسم العلاقات العامة لكن الفتيات في القسم رفضن التعاون معها ولم يحاولن حتى قول ذلك بطريقة لبقة، ببساطة خيرنها إما أن يقمن بالعمل وحدهن وإما أن تقوم به لوحدها لذا أخبرتهن أنها ستهتم بالأمر، وهذا يعيدنا للحظة الحالية. دلف ماكوتو إلى القاعة وتوقف بمكانه، كانت الأسطح الزجاجيَّة تلمع وقد فاحت رائحة معطر أزهار منعش، على طاولة جانبية رصت أكواب ورقية بالقرب من ماكينتي قهوة وأطباقٍ تحويّ مأكولاتٍ خفيفة، وبجوار الطاولة وقفت زهرة ترتديّ فستانًا أبيض وجاكيت رسميّ داكن مع كعبٍ عالٍ، هاتفها في يدها وعلى وجهها ملامح شاردة. سلك حنجرته وقال: "ما رأيك بوظيفة دائمة في قسم الميديا؟ نحتاج مثل هذا العنصر النسائي في قسمنا." كشرت الفتاتين خلفه وقالت إحداهما: "هل أنت أعمى؟ نحن عنصرٌ نسائي!" التفت ماكوتو إليهن، ماكو ذات القامة القصيرة والشخصية الجبانة وشيناتسو، التي تحدثت للتو وشعرها أسوَّد بخصلٍ بنية، قامتها طويلة وترتدي تنورات رسمية تجعلها تبدو كامرأة أعمال محنكة، ابتسم ناحيتها وقال: "هل حدث وقمتن بمثل هذا الجهد؟ عدا عن المناديل المعطرة لإزالة المكياج لم أركن تقمن بتلميع أي شيء طوال هذه السنوات الثلاث." "أنت! أتعتقد أن مهمتنا هي التنظيف لنكون لائقات بلقب 'عنصر نسائي'؟" قطب ماكوتو ناحيتها: "طبعًا، وماذا تظنين؟ في عقل أي رجل الفتاة كائن يجلب النظام والسلام كفراشة أينما حلت..." رمقها بنظرة من أعلى إلى أسفل، "هل تبدين كفراشة؟" في البدأ لم تنتبه يومي إلى الدخلاء فقد كانت مندمجة مع الهاتف ولكن صوت شيناتسو الغاضب أعادها لأرض الواقع، نظرت إليهم وقالت: "ما الخطب؟" "ليس هنالك خطب." رفع ماكوتو إبهامه، "أحسنتِ، كل شيءٍ مثاليّ." أومَأت يومي ناحيته وخطت خارج القاعة، تابعها ماكوتو بنظره إلى أن اختفت في الرواق، أدخل يديه في جيوب بنطاله الرمادي وقال: "غريب، لم ترجع شعرها للخلف وتقول'وماذا توقعت ها؟ كل شيء مثاليٌ مثلي'" قالت شيناتسو: "ما هو الغريب؟" لم يجب ماكوتو عليها وعوضًا عن ذلكَّ سأل: "هل أعدتِ طباعة العَّقد؟" ضيقت شيناتسو عينيها ناحيته بضغينة وأرادت رمي الملف في وجهه. وقفت يومي أمام المصعد، أضاءت شاشة هاتفها فرفعته لترى الرسالة التي تلقتها وعندما فُتِحت الضلفتين دلفت من دون النظر أمامها، قرأت اسم المرسل فشقت وجهها ابتسامة وقبل أن تكتمل شهقت وعادت للخلف، شعرت بسائلٍ بارد يقطر عبر ملابسها، جفلت ونظرت للفتاة، كانت الفتاة تحمل كوب عصير شفاف نصفه بات فارغًا، أزاحت خصلة من شعرها وقالت بابتسامة: "أوه آسفة، لم أتعمد ذلك." فوريًا تعرفت يومي عليها، إيرينا، إحدى فتيات قسم العلاقات العامة اللائي رفضن التعاون معها، حدقت بكوب العصير الأحمر في يدها وإلى فستانها الأبيض الذي بات ورديًا الآن بسبب 'الحادث غير المقصود'، رمقتها يومي بنظرة حادة فتكتفت الفتاة واثنت رأسها، "ماذا هل أنتِ غاضبة؟ آه سأشتري لكِ غيره، لابد أنه ماركة رخيصة على أي حال." أطلقت يومي ضحكة ساخرة وما إن فتحت الضلفتين خرجت بخطواتٍ صلبة، 'ماركة رخيصة' حتى الأعمى يستطيع أن يخمن أنه غالي الثمن ويكلف على الأقل نصف راتب تلك الشمطاء لكنها لم ترغب بازعاج نفسها بالمهاترات، ليس الآن وقبل الاجتماع فعليها أن تكون موجودة في قاعة الاجتماعات خلال عشرين دقيقة، أخرجت من حقيبتها منديلًا كحوليًا وبدأت بمصارعة الرقعة، ولكن كلما دعكتها اتسع اللون الوردي وانتشر أكثر، كزت يومي على أسنانها وركلت باب دورة المياه، استندت عليه وصرخت: "اللَّعنة عليّ وعلى هذا المكان وعلى قبولي ذلك الرهان السخيف! كان عليّ أن أرفض واتابع العمل مع السيدة ماشيكو، كم أكرههم جميعًا!" في الطابق الخامس، دلف ريو إلى قاعة الاجتماعات التي باتت الآن شبه ممتلئة، حدق بالمكان من حوله وشعر بأنه مختلف عن العادة، جلس في الكرسي بالطرف الأيسر وخلف قدمًا فوق الأخرى، نظر إلى ساعة يده، ما يزال هنالك بعض الوقت، تناول الملف من سطح الطاولة وقلب أوراقه، جلس ماكوتو بقربه وسأل: "هل رأيت يومي؟" "لا." "بالمناسبة..." "ماكوتو اجلس في مكانٍ أخر، لديّ عمل كما ترى." "اخرس، بالمناسبة هل فعلت شيئًا غبِّياً في الأيام الماضية؟" "الشيء الغبِّي الوحيد الذي فعلته في حياتي هو مصادقتي إياك." "على الرحب والسعة،" لوح ماكوتو بيده، "لكني لا أتحدث عن هذا، أعني يوميّ، هل فعلت شيئًا غبِّياً ليومي؟" "لماذا تفترض أني فعلت شيئًا غبِّياً لها وليس الع**؟" "لقد فعلت شيئًا غبِّياً إذن!! إلهي! أغيب يومًا واحدًا وهذا ما يحدث!!" دور ريو عينيه بضجر، "ما الذي جعلك تصل لهذا الاستنتاج؟" "لأنك تواصل الرد على أسئلتي بأسئلة." أبعد ريو وجهه ولعن بداخله، إحدى مساوئ أن يعرفك شخصٌ ما أكثر من اللازم. "أنا لم أفعل شيئًا." تكتف ماكوتو: "هاه! ياا عزيزي من الواضح أنك فعلت شيئًا مريعًا! في الحقيقة أعتقد أنك الشخص الوحيد الذي ينجح في جعل يومي تبدو بتلك الجدية، أنت تقتل شبابها ومرحها!" "إلهي الرحيم، رجاءً غادر شبابي أنا واختفي من أمامي." وضع ماكوتو مرفقه على الطاولة والتفتَّ ناحيته بجسده العلويّ، "انطق، ما الذي فعلته؟ لا.. مهلًا أتعلم، لا أريد أن أعرف حتى فقط اذهب واعتذر إليها." منحه ريو نظرة فارغة ورمش ناحيته، فأضاف ماكوتو بحزم: "الآن!" "الآن لدي اجتماع إن لم تلحظ وأنت تعيقني عن التركيز معه." انتزع ماكوتو الأوراق من بين يدي ريو وقال: "ومن تظن جهزّ لهذا الاجتماع ها؟" قطب ريو ونظر من حوله، للتو فهم لماذا يبدو المكان مختلفًا، تذكر مكتب يومي المنظم واهتمامها الهوسي بالتفاصيل فعلت شفتيه شبح ابتسامة. "ريو سايرس." قال ماكوتو وقد تغيرت نبرة صوته لأخرى، "اسمعني جيدًا، لا تعتقد أن الجميع سيكونون مثلي، لقد احتملتك لمدة عامين وهذا لأني شخصٌ بلا دم، لكن لا تتوقع نفس الشيء من يومي، خصوصًا من يومي، تابع تصرفاتك كمراهقٍ مدلل وصدقنيّ لن تنظر إليك مجددًا أبدًا...إن كنت محظوظًا فستعتبرك مثل الحائط." "أتعتقد أني اهتم؟" أومأ ماكوتو: "نعم، أنت تهتم، ولأنك تهتم أنا أقول لك هذا الكلام الآن." تبادلا نظرة طويلة...في النهاية أشاح ريو بنظره أولًا، انتزع منه الأوراق وشرع بقراءتها متجاهلًا وجوده كليًا. "ألا تعتقدين أن ما فعلته كان لئيمًا بعض الشيء؟" قالت ماكو لإيرينا الجالسة بجوارها، فتحت إيرينا قنينة ماء وارتشفت منها ثم قالت: "بل كنتُ لطيفة، علينا تلقينها درسًا...هذا المكان ليس من أجل أشباهها." "كونهما تناولا طعام الغداء سويًا لا يعني أنهما يتواعدان، أو أنها تطارده، إلهيّ أنتن تبالغن ألا نخرج مع ماكوتو وهيروشي في بعض الأحيان؟ لماذا تفترضن أن الأمر مختلف؟" رمقتها إيرينا بنظرة مزدرية: "أنتِ ساذجة للغاية يا ماكو، إنها تنادي الرئيس باسمه!" دورت ماكو عينيها: "نحن ننادي ماكوتو ماكوتو وراء ظهره." أومأت شيناتسو وقالت: "أنا أناديه ماكوتو أمامه." "أنا أعتقد أن إيرينا على حق،" قالت فتاة شقراء تجلس على يمين ماكو، "إنها تتناول غدائها وحدها في العادة، لو كان الأمر كما قلتِ لماذا لا تخرج معنا؟ بل إنها لم تحاول التعرف على أي أحد...هي فعليًا لا تتحدث سوى مع ماكوتو والرئيس...ألا تعتقدين أن هذا مريب؟" حاولت ماكو ضحد حجتها لكنها لم تعرف بما تجيب، بالفعل كانت الفتاة الجديدة لا تتحدث مع أحد، بل بالكاد تغادر مكتبها، حتى روميّ زميلتها في قسم الموارد البشرية لم تكن علاقتها معها جيدة، تن*دَّت ماكو وثبتت ناظريها على من دخلت للتو، تمعنت النظر بها واتسعت عيناها بدهشة. "هاي! انظرن!" همست شيناتسو: "هذا نفس الفستان أليس كذلك؟" "واللَّعنة كيف فعلت ذلك؟" قالت الشقراء بينما فغرت إيرينا فاهها، هي متأكدة أنها سكبت العصير على الفستان...دعكت عينيها ونظرت مجددًا. انتبهت يومي لنظراتهن المثبتة عليها لكنها تجاهلتهن وجلست على الكرسي في زواية بعيدة، كان المقعد بجوراها فارغًا، أخرجت قلمها وطالعت مجموعة الأوراق أمامها بهدوء. حضر السيد دايسكي أونو بعدها بدقائق، تبادل التحايا مع الموجودين وصافح كل من ريو وماكوتو ثم شغر المقعد المقاصد لهما، أظلمت القاعة وبدأ البروجكتر بعرض صورٍ متتابعة بينما وقف ماكوتو وهو يشرح الخطة التي ينون اتباعها في الترويج لمجموعة الفنادق الجديدة. في الظلام، التفت ريو ناحية يومي فوجد أنها منتبهة مع ماكوتو، تذكر الإطار المحطم، الصورة التي تمزق طرفها وقبض يده حول الأوراق، "مراهق مدلل ها؟"، وكأنما شعرت بنظراته المصوبة ناحيتها التفتت يومي إليه فالتقت أعينهما لوهلة، وبسرعة أشاحت بنظرها بعيدًا كما يفعل المرء أحيانًا عندما تلتقي عيناه خطأً بعيني شخصٍ غريب، شعر ريو بنكزة في قلبه لكنه كشر وحدث نفسه: لم أهتم؟ إن كانت بالفعل لم ت**ِّره كان بإمكانها إخباري بذلك مجددًا...كنتُ مستاءً وحسب ألم ترى ذلك؟ "كما قلت، السيد سايرس سيطلعكم على بقية المعلومات." قفز ريو في مقعده وانتبه لماكوتو الذي كان يجز على أسنانه وفي عينيه نظرة نارية عنت –انتبه-مع-الاجتماع-أيها-الغر! سلك ريو حنجرته وماطل ريثما يعرف عن أي شي يتحدثون بالضبط، حدق بالعنوان المكتوب على الشاشة ثم تناول الأوراق، تغيرت تعابير وجهه لأخرى جادة وشرع بالحديث عن الأرباح المتوقعة للخمسة أعوام القادمة، وخلال الوقت الذي ظل يتحدث فيه لم تنظر يومي إليه على الإطلاق، ظلت تكتب في الدفتر ب**ت وبعِّينيها نظرة بعيدة وشاردة، أمرٌ لم يفت عليه. عندما انتهى الاجتماع انتقل الوفد إلى المطعم المفتوح في الأسفل لتناول طعام الغداء، حجزت يومي خمسة طاولات خارجية أطلت على بركة سباحة كبيرة تلآلآت مياهها الزرقاء مع أشعة الشمس، تنحى ماكوتو بريو جانبًا –الأحرى بالقول خطَّفه إلى زاوية بعيدة- وضع يدًا على الجدار بقربه وقال: "إذن؟" كان ريو متكتفًا ومتكئًا على الحائط باسترخاء، "إذن ماذا؟" "ما الذي تنتظره؟ اذهب واعتذر إليها. الآن." "لدينا ضيوف كما تعلم." "إنهم لا يهتمون بوجودك، منذ متى وأنت تقوم بالترفيه عن الضيوف على أي حال، هذا عملي." حدق ريو بيومي التي كانت تتحدث مع الندل وتشير إليهم بأخذ الأطباق الفارغة وإبدالها بأخرى. "كما ترى إنها مشغولة." "آه نعم مشغولة للغاية. الآن. ريو سايرس." أطلق ريو تنهيدة من أعماقه ثم قال: "بعد التحلية." انزلق أسفل يد ماكوتو وعاد أدراجه، أراد ماكوتو الصراخ عليه لكنه عندما رأى الضيوف ابتسم قسرًا وتبعه الخطا. جلست فتيات قسم العلاقات العامة في طاولة منفصلة وهن يراقبن يومي بفضول، قالت ماكو: "إنها تعمل بجد. عليكن الاعتراف بهذا." "هاه إنها تتظاهر بهذا فقط. مجرد منافقة." قالت إيرينا وألقت بخصلة من شعرها وراء ظهرها. "لا أعلم..." قالت شيناتسو، "تبدو ليّ صادقة." دورت إيرينا عينيها والتفتت إلى كانا وقالت: "لا تقولي لي أنكِ تتفقين معهن؟" لفت كانا خصلة شقراء من شعرها المصبوغ حول اصبعها وقالت بابتسامة جانبية: "لا تمزحي، راقبن هذا العرض المشوق." نظرت الفتيات إليها باستغراب ثم تابعن خط نظرها، كانت كانا تراقب نادلًا يحمل صينية بها عدة أطباق، أمامه مشت يومي وهي تحدق بهاتفها وعلى وجهها ابتسامة جعدت زوايا عينيها، بدت تعابير وجهها ناعمة وتساءلن من هذا الذي يجعلها تبتسم هكذا؟...بعدها بثوان ارتطم النادل بكتف يومي وسقطت في الماء بطرطشة عالية! أخرجت يومي رأسها من الماء بشهقة، أحاطت جسدها المرتجف بيديها وهي تحاول استيعاب ما حدث، وقف النادل ينظر إليها بنظرة فزعة بينما التفتت الرؤوس كلها ناحيتها، حتى السيد دايسكي أونو ومحاميه، شعرت بالدفء يغزو وجنتيها وأرادت أن تختفي تحت الماء ولا تخرج مجددًا. "أنتِ بخير؟ هل دعستِ سمكةً وقتلتها؟" قال ماكوتو وقد انحنى ناحيتها، يده ممدودة إليها مع بابتسامة، تناولت يده وقالت: "أتمنى لو كان بها أسماك قرش والتهمتني. إلهيّ أود أن أموت." أعاد ريو يده إلى مكانها وزم شفتيه، اقترب منهما عندما سحب ماكوتو يومي وقال: "أنتِ بخير؟" اقتربت يومي من ماكوتو محاولةً الاختباء من نظرات الجميع، ضحك في قبضة يده وقال: "أوه لا تحاولي الاختباء، الصوت كان مثل قنبلة انفجرت في المحيط." ضرَّبته بقبضتها مرتين على ص*رِّه وقد تحول وجهها لحبة كرز ثم همست بإحراج بـ اخرس!، فتحت فمها لتقول شيئًا آخر لكنها عطست، ازداد ارتجافها وهي تحيط نفسها بيديها وقد بدا شكلها بائسًا، خلع ماكوتو جاكيت بذلته ووضعه حولها. "اذهبي وغيري ملابسك إن لم ترغبِّي في إجازة مرضية لمدة شهر." شدت يومي الجاكيت حولها وقالت: "تبدو لي فكرة جيدة." "ريو اذهب معها، أنا سأهتم بضيوفنا الأعزاء." "لا. شكرًا. سأتدبر أمري." أعطتهما ظهرها واتجهت إلى داخل الفندق، وقف ريو في مكانه ببلاهة فدور ماكوتو عينيه، "هل تنتظر كرت دعوة؟" دور ريو عينيه ولحق بها إلى الداخل، سمعت يومي خطواته التي تلحق بها فقالت: "يمكنك العودة لضيوفكَّ سأتصرف لوحدي." "وماذا تنوين أن تفعلي؟" "هذا ليس من شأنك." "إن كنتِ ستمرضين بسبب هذا وتتغيبين عن العمل فهو من شأني." "لا تقلق، حتى وإن كنت أحتضر فسأتي للعمل." "وما فائدتك وأنتِ تحتضرين؟ أحتاج إليكِ وأنتِ بصحة ثور." توقفت يومي مكانها والتفتت إليه: "رجاءً، دعني وشأني." فتح ريو فمه فقطاعته: "أنا لا أستطيع فعل هذا...تعلم...متابعة تقلباتك هذه، لا أستطيع المشيّ حولك كما لو أنني أمشي على قشور بيض!" أمسكت بمرفقها المبتل ونظرت إلى الأرض، "التعامل معك متعب...أنا هنا لمدة ستة أشهر وحسب، كل ما أريده أن تمضي هذه الفترة بسلام وبعدها سأغيب عن وجهك للأبد...لكن انظر!" أشارت لشكلها المزري والمياه التي تقطر من شعرها: "هذا ما أحصل عليه بالمقابل...لذا رجاءً، تابع تجاهلي وسأتابع تجاهلك." استدارت لتذهب فجذبها من يدها، كانت عينيها محمرة...تساقطت دموعها وهي تدعكمها بصفحة يدها. "آه تبًا..." "هل تبكين؟...مهلًا...أنا لم أتعمد...كنت فقط...أنا حقًا..." "أنا لا أبكي." تابعت كفكفت دموعها بيدها اليسرى،"إنها عدساتي اللاصقة لقد سقطت إحداها." أفلت ريو رسغها كمن لُسِع وقال: "المعذرة؟!" "أنا أرتدي عدسات لاصقة، سقطت واحدة في المسبح." "أنتِ لا تبكين؟" "لا." شعر بالغيظ واحمر وجهه، لقد أوشك للتو على الاعتذار منها بسبب ابتزازها العاطفي ولكنها لم تكن تبكيّ! "لا أصدق! وأنا الذي..." نظرت عبر عيونها الدامعة وقالت: "وأنت ماذا؟ هاه أتعتقد أني سأبكي بسبب شخصٍ مثلك. في أحلامك! أنت لست مهمًا لهذه الدرجة." كز ريو على أسنانه وتقدم ناحيتها خطوة: "أعيدي ما قلته مجددًا!" نظرت يومي حولها ثم قالت: "أترى ذلك الحائط؟ أنا اهتم لأمره أكثر منك." اتشووو. دور ريو عينيه وقال: "نعم نعم، دعينا من هذا الآن." أمسك بيدها مجددًا وجرها معه إلى الخارج، حاولت المقاومة لكن قبضته كانت محكمة والضيوف في الفندق يحدقون بهما، ابتسمت لهم ثم التفتت إليه ومن بين أضراسها قالت: "أفلت يديّ!" "شش، هنالك محل ملابس قريبٌ من هنا، أم ترغبِّين متابعة التجول بهذا الشكل؟" نظرت يومي إلى نفسها، شعرها المبتل ولونها الذي بات شاحبًا بسبب التصاق الفستان الأبيض ببشرتها ثم تن*دَّت. دلفا إلى المحل فاقتربت البائعة منهما وقالت: "لحظة واحدة سأحضر لكِ منشفة،" جلس ريو على أحد الكراسي بينما وقفت يومي أمام منكانات العرض، كانت تحاول ألا تبدي اهتمامها لكن لمعة عينيها بإشراق كشفتها، زم ريو شفتيه، واضعًا اصبعًا أسفل ذقنه وآخر على خده راقبها وهي تتحرك من أمام فستانٍ لآخر كفراشة سعيدة. نظر إلى ساعة مع**ِّه، مرت عشرين دقيقة وكانت ما تزال لم تحسم قرارها بعد! بل أن ملابسها ذاتها كادت أن تجف...حرك رأسه بيأس ونهض، أمسك بها وأجلسها على كرسيه بالقوة فقالت: "هايّ!" "شش لا تتحركي من هنا." نظر حوله يمينًا ويسارًا، وقع نظره على فستانٍ رمادي، أطرافه مخرمة بطبقة من الدانتيل الأبيض ويربط بشريطة حول الرقبة، "هذا..." أشار لصاحبة المحل وقال: "ستأخذ هذا..." نهضت يومي وعاينت الفستان، "ذوقك ليس سيئًا، ولكن رمادي؟ حقًا؟ أليس هنالك لون زهري من نفس هذه التشكيلة؟" سألت صاحبة المحل وقبل أن تجيب عليها قاطعها ريو: "لن تشتريّ فستانًا زهريًا آخر!!!" تكتفت يومي بعناد: "وما دخلك أنت؟ إنها خزانتي أنا!" "لا. أنا لا أدفع لكِ راتبًا كبيرًا من أجل أن تشتري أشياء ب*عَّة." بادلت صاحبة المحل النظر بينهما وقد زمت شفتيها، فكرت بداخلها: آه أيام الشباب... دفع ريو يومي ووضع الفستان بين يديها ثم قال: "تحركي، لا وقت لدينا، علينا العودة لتوديعهم على الأقل." على مضض دلفت يومي إلى غرفة تبديل الملابس، ابتسمت صاحبة المحل تجاه ريو الذي أخرج بطاقته الإئتمانية وقال: "سندفع بالبطاقة." تناولت منه البطاقة واتجهت وراء الكاونتر لإعداد الفاتورة، نظرت إليه وقالت: "صديقتك؟" كشر ناحيتها فوريًا وقال ببرود: "إنها موظفتي." هزت رأسها بدون اقتناع فضيق عينيه تجاهها، لماذا دائمًا تفكر النساء بالرومنسيات؟ ناولته الفاتورة بابتسامة فأخذها وخرج من المحل، وقف أمام الباب الزجاجي، يدٌ بداخل جيبه وهو يعبث بحجرٍ على الرصيف بحذائه. خرجت يومي من غرفة التبديل وقد شعرت بالانتعاش، أخيرًا تخلصت من الملابس المبتلة المزعجة بالرغم من أن رائحة الكلور ما تزال ملتصقة بأنفها، لاحظت أن ريو ينتظرها خارج المحل بينما وقفت البائعة تنظر إليها بابتسامة: "تبدين جميلة، الفستان يلاؤمك." "شكرًا لك." أجابتها يومي وهي تخرج بطاقتها من الحقيبة فقالت السيدة: "لقد دفع صديقك الحساب."..."إحم أعني رئيسك." "آه حقًا؟" أجبرت يومي نفسها على الابتسام وشكرتها وما إن خرجت من المحل قالت: "أنت! من سمح لك أن تدفع لي؟" دور ريو عينيه للسماء، "هل لنا أن نتخطى هذا المشهد المبتذل؟ كلانا غنيّ على أي حال ولن يتأثر حسابي أو حسابك البنكي لو دفع أحد منا الحساب." رمشت يومي ناحيته لبضع ثوان، "ما أدراك أني غنية؟" "هاه، وهذه الملابس الغالية التي ترتدينها كل يوم تشتري نفسها بنفسها؟" "هاه حتى أنت تستطيع تمييز كونها غالية وتلك الشمطاء تظاهرت بالجهل." "المعذرة؟" مشت يومي بمحازاته وقالت: "لا شيء لنذهب." لكنه لم يتحرك ووقف بمكانه يراقبها، لاءهما الفستان الرمادي وجعل شعرها الذهبي يبرز أكثر، ترنح الفستان من حولها بينما انهكمت بإصلاح غرتها لكن دون فائدة، تبعثرت الخصل الذهبية على جبينها بعشوائية ومنحتها طابعًا بريئًا، أص*ر كعبها العالي صوتًا مع الرصيف جعل المارة يحدقون بها، أدخل ريو يديه في جيوبه وفكر: ربما ماكوتو على حق.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD