(16)

1852 Words
دعك ريو جبينه ودلف إلى المكتب، وضع حقيبة الحاسب المحمول ورمى نفسه في الكرسي الوثير، أحاطت بعينيه خطوط سوداء عميقة وبدا عليه التعب، غطى وجهه وأغمض عينيه، مرَّ وقتٌ طويل منذ روادني ذلك الحلم، ربما لهذا تأثيره كان أشد عليّ هذه المرة. فتح عينيه ببطء وتنهَّد من الأعماق، انتبه لشيء موضوعٍ على الطاولة فرفعه، كان غلافه بنيّ ومعه بطاقة، نزع البطاقة وقرأها. [Thanks for the dress | شكرًا على الفستان] أزال التغليف وحدق بالإطار الخشبي، كان نسخة طبق الأصل من الإطار الذي كُسر، لم يشعر بتلك الابتسامة الصغيرة التي علت شفتيه وقد تنحى بعض من التعب عن ملامحه، أخرج الصورة من الدرج، ثبتها بداخل الإطار وحرص أن يفعل ذلك دون النظر إليه. أغمض عينيه وانتظر أن يهدأ الصخب الصادر من الداخل، أن تنحسر الدوامة الرهيبة من المشاعر السوداء، عاد الهدوء إلى ملامحه وببطء رفع الإطار ووضعه مستقيمًا فوق المكتب، في الصورة، بدا شابين يافعين، أحدهما يآرجح قدميه فوق طاولة المطبخ على وجهه ابتسامة صبيانية والثاني بيده كرة أرز وهو ينظر إليه بحاجبٍ مرفوع. رمشَّ عدة مرات محاولًا درء السائل الملتمع في عينيه، تنفس عبر فمه ولامس الزجاج، "مرحبًا، صدق أو لا تصدق لقد اشتقت لإزعاجك..." ابتلع غصةً علقت بحلقه واضطر لابعاد ناظريه، تمالك نفسه ثم حدق بالعينين الصافتين في الصورة، "الحياة تسري بدونك بطريقة عادية، أمرٌ صادم أليس كذلك؟ لم تتوقف القطارات عن العمل، الازدحام المروري ما يزال على حاله، الأعمال تتراكم في مكتبيّ، الطيور تغرد وتبني أعشاشها، حتى المقهى الذي كنا نزوره سويًا ما يزال يقدم مشروب اللاتي بالعسل المقرِّف الذي كنت تحبه." ضحك مع نفسه، "لا تقلق. العالم لم يتوقف لكنيّ توقفت." طرق على الساعة السوداء في رسغه، "كان من الممكن أن تحذرني على الأقل...كنت عندها حاولت الاستعداد...لكن، هل بالامكان الاستعداد لهذا؟" تكَّسر صوته وبُح، "هذا الفراغ، أخبرني، ماذا أفعل بهذا الفراغ؟" "في كل لحظة أتوقع أن تدخل عبر الباب، أي باب، أحدق بالضلفة كالأحمَّق، لكن الأيام تمضي ولا أحد يطرق الباب." "أنا انتظرك. من عادتك أن تتأخر لكنك دائمًا تحضر في النهاية، ألن تحضر هذه المرة؟" بلع ريقه بصعوبة وأغمض عينيه: "لم أعد أدري ماذا أفعل، أنت الشخص الوحيد الذي كان باستطاعته فهمي، ترتيب هذه الفوضى،" أشار باصبعه إلى عقله، "هذا الركام...." "...لكن أنت لست هنا...وأنا لست هنا." لمس أنفه المحمر وضحك، "لابد أنك تحسبني غ*يًّا، أراهن أنك غاضب أيضًا، كيف لا...وتلك كانت النهاية؟" "لم يتسنَ لنا أن نبدأ حتى. ثم هكذا، ببساطة. انتهى كل شيء." ..."أفتقدك حقًا أيها الأحمَّق." تجمدت يد السيد سايرس على مقبض الباب، تنشق وأخرج منديلًا من جيبه، دعك عينيه واستدار ليعود أدراجه لكنه رأى السيد فوجيوارا يقف في الرواق، اقترب السيد فوجيوارا منه ووضع يدًا على كتفه، فقال وهو يتنشق: "لقد دخل بعض الغبار في عيني." "نعم نعم. منذ كنا صغارًا والغبار يدخل في عينيك." "أتعتقد أنه سيتجاوز الأمر ذات يوم؟" تنهَّد السيد فوجيوارا وبنصف ابتسامة قال: "لا أدري..."..."هنالك بعض الأشخاص لا يغادرون أبدًا." مع جملته تلك ترددت في ذاكراتيهما ضحكة قادمة من بئرٍ قديم، اثنان وعشرون عامًا مضت على تلاشيها من هذا العالم لكن صاحبها ظل حاضرًا بغيابه، موجودٍ في كل ركن، بين ألبومات الصور، وعلى لوحٍ حجريّ في مقبرة تحيطها الأشجار، وراء النجاح الصامت لهذا الصرح، وفي عينين ذهبتين لشابٍ بات يشبهه كثيرًا. "إنهم لا يغادرون ولكن..." نظر فوجيوارا إليه مليًا ثم أكمل: "يأتي شخصٌ آخر، ليس بديلًا...لا، لكنه يبدد جزءً من وحشة الطريق." تنشق السيد سايرس بصوتٍ عالٍ وقال: "من الأفضل أن يكون هذا الشخص يومي فأنا أريدها أن تصير ابنتي." أطلق فوجيوارا ضحكة خشنة، مدوية صادرة من القلب جعلت كل من مر في الروَّاق يلتَّفِت ناحيتهما. *** وقفت ابنة السيد سايرس المستقبلية أمام آلة القهوة بداخل الكافتريا وهي محتارة أي نكهة تختار، أمسكت بكوبها الشفاف – كانت به رسمة همستر يشبه ويقل بينت بتر كثيرًا- وسكبت معلقتين سكر، ثم قهوة سوداء وحليب ومن أجل لمسة نهائية كومت كريمة فوقها فصار مظهر الكوب مشهيًا، يشبه القهوة التي تقدم في الكافيهات. "إذًا أنتِ رقم واحد وعشرون؟" قفزت يومي بمكانها عندما سمعت صوتًا غريبًا بالقرب منها، حدقت بالشاب، شعرٌ بنيّ مبعثر وتيشيرت أسوَّد مع بنطال جينز، كانت ملابسه الغير رسمية تبرز من وسط الحشد، رمشت وهي تحاول أن تتذكر إن كانت تعرفه أو لا. "المعذرة؟" منحها نظرة تقيمية من أعلى لأسفل وهزّ رأسه بآسى: "لن ت**ُّدي أكثر من شهرٍ آخر...مع الآسف." "ها؟" "الذنب ليس ذنبك. ما كان عليكِ أن تولدي بمثل هذا الوجه. الجينات أخبركُ إنه ذنب الجينات، أنتِ بريئة تمامًا." تناول كوب القهوة من يدها ولوح لها دون أن يستدير: "إن **دتِ أكثر من شهر فكوب القهوة القادم عليّ." نظرت يومي إلى يديها الفارغتين وقالت: "لقد سرق قهوتي!" "من الذي سَّرق قهوتك؟" قفزت مرة أخرى وعندما رأت ابتسامة ماكوتو المستفزة قالت: "تبًا ما خطبكم جميعًا اليوم؟ راعوا أن ليّ قلبًا رقيقًا وهنالك من يترصد تحركاتي طوال الوقت!" انهمك ماكوتو بصنع قهوة لنفسه وبنصف انتباه قال: "ومن هذا الذي يحاول الغدر بك؟" تناولت يومي كوبًا ورقيًا ووضعت به معلقتين من الكريمة: "هه نصف مجتمع الفتيات هنا على الأقل، بالمناسبة ما هي قصة رقم واحد وعشرون هذا؟" "أنتِ تمزحين؟" "ماذا؟" "عملتِ هنا لمدة ثلاث أسابيع ومازلتِ لا تعرفين؟" "لا؟" **َّتت برهة ثم أضافت، "ليس لديّ أصدقاءٌ هنا لنتبادل الأقاويل والنميمة." همهم: "خصوصًا عندما تكونين أنتِ مصدَّر النميمة." "قلت شيئًا؟" "قلت أنتِ؟ ليس لدِّيكِ أصدقاء؟" لمس جبينها بصفحة يده فصفعته،"أبعد يدك! أخر ما ينقصني أن يقوم نادي معجبيك بالانقضاض عليّ أيضًا! أوه مهلًا...لا يهم لأنه ليس لدِّيك نادي معجبين لأنك خمسة من عشرة." وضع ماكوتو يده على قلبه، "تصرين على أذيتي. انظري لقد حلقت مرج العشب." لمس ماكوتو وجهه الحليق واستدار يمينًا ويسارًا ليعطيها منظورًا بكل الاتجاهات. "أوه حقًا؟ لم انتبه، يبدو أنه لا أمل منكَّ سواء تخلصت منها أو لا." فغر ماكوتو فمه، "وقد كنت أحبها! أعيدي لي لحيتي!! هذا كله بسببك!" قطبت ووضعت له معلقتين سكر في كوبه، "هيا اسكب قهوتك وغادر حياتي." حمل ماكوتو إناء القهوة وصب في كوبه حتى كادت أن تتدفق، صب لها في كوبها أيضًا ثم قال: "حياتك لا تساوى شيئًا بدوني." "الشخص الخطأ. قل هذا الكلام لريو." كور ماكوتو أنفه: "ولم يكون ريو حياتي؟" "لأن حياتك مثيرة للشفقة لهذه الدرجة؟" "لا لا أستطيع أن أتحمل أكثر من هذا...لن أدافع عنك بعد الآن!" قال واستدار على عقبيه غاضبًا، نظرت يومي حولها فتظاهرت الفتيات بكونهن لم يكن يسترقن السمع، أرادت أن تضحك وهزت رأسها، "هااي مهلًا لم يخبرني عن قصة واحد وعشرين!" بعد دقيقة ونصف أخرى...اقتحم ماكوتو مكتب ريو وهو يقول: "بسبب موظفتك العزيزة استيقظت منذ الصباح الباكر وقمت بحلاقة لحيتي، وتصور، فقط تصور، قالت أني ما أزال خمسة من عشرة! دعك من هذا، كانت تبدو بمزاجٍ جيد لقد اعتذرت إليها أليس كذلك؟ هاه كنت أعلم أنك تعاند فقط وفي الحقيقة أنت تـ-- إعذروني لحظة واحدة يبدو أن هنالك مشكلة في الإرسال." ضغط ريو زرًا وحدج ماكوتو بنظرةٍ من الموت. فغر ماكوتو فمه وأشار إلى الحاسوب على الطاولة: "هل...هل كان ذلك اجتماع مباشر عبر الفيديو؟" أومأ ريو. ابتلع ريقه: "سمعوا كل كلمة؟" أومأ ريو. "حتى خمسة من عشرة؟ وكونك تـ -- ولأن ماكوتو يثمن حياته لم يكمل جملته. نهض ريو من كرسيه وعلى وجهه ابتسامة ساحرة، طقطق أصابعه إصبعًا إصبعًا، اثنى رأسه لجانب واحد وقال: "أين تفضل أن يكون أنفك؟ وراء عنقك؟ على جبينك؟ وتأكد تمامًا عندما انتهي منكَّ ستكون عشرة من عشرة." ببطء وبحرص نهض ماكوتو من على الأريكة، عاد خطواتٍ إلى الخلف وهو يثبت نظره على ريو، فتح الباب وقال: "شكرًا أفضل أنفي القَّبيح مكانه، تفضل تابع اجتماعك. سنتحدث عن حياتك العاطفية في وقتٍ لاحق." ارتد المسند الذي ألقاه ريو عن الباب في اللحظة التي أغلقه ماكوتو فيها، كان كوب قهوته ما يزال سالمًا في يده، أخذ منه رشفة وابتسم بشماتة. عاد ريو إلى الكرسي وشغل الفيديو من جديد، ابتسم للحضور واعتذر ثم تابع حديثه كأن شيئًا لم يكن ولكن لو ركزوا قليلًا لرأوا خطًا من الحمرة يصل إلى أذنيه. *** عادت يومي إلى مكتبها بعد أن تمكنت أخيرًا من صنع كوب قهوة بسلام، عندما وضعت يدها على مقبض الباب ووجدته مفتوحًا أدركت متأخرة خطأها...لقد نسيت إغلاقه بالمفتاح...وهذا يعني...لم تكن ترغب في الدخول ورؤية ما يقبع بانتظارها ولكن لم يكن هنالك حل آخر، ابتلعت ريقها ودفعت الباب. "يوميّ." نده ريو من خلفها لذا غريزيًا أوصدت الباب واستندت عليه، ابتسمت ناحيته وقالت: "آه نعم؟" لم يفت ريو تصرفها الغريب ذاك، لكنه تجاهله وقال: "هل انتهيتِ من تقرير السيد ساوادا؟" "نعم." حدق بها فحدقت به. "أنا أريد التقرير؟" "سأحضره لك في مكتبك." "لماذا لا تعطيني إياه الآن؟" حكت يومي خدها: "آه هه المكتب فوضوي بعض الشيء وسأستغرق وقتًا للبحث عنه." عقد ريو يديه أمام ص*رِّه ورفع تجاهها حاجبًا، "لا بأس بإمكاني الانتظار." "لا لا حاجة لتنتظر! اذهب وسأحضره لكَ مع كوب قهوة سوداء من دون سكر." "يومي." قالت بجبن: "نعم." "افتحي الباب." "لا. عيب ألم يعلمك والداك ألا تدخل غرف الفتيات؟" أزاحها ريو جانبًا وفتح باب المكتب، "هذا مكتب عمل وليس غرفة..." تشبثت يومي بكم قميصه وهي تقول: "لا رجاءً سأحضره لك..." دفع ريو الباب....تجمد بمكانه عندما رأى الأوراق الممزقة في الأرض والكيبورد المحطم إلى أشلاء **ت برهة ثم قال: "...ما هذا واللَّعنة؟" أغمضت يومي عينيها مدة طويلة، وكشخصٍ مستسلمٍ لقدره ارتمت على كرسيها الدوار وقالت: "لا تقلق، إنهم يعبرون عن استيائهم فقط." "يومي!" نظر إليها وهدر: "هذا ليس وقت المزاح من واللَّعنة يقوم بهذا؟!" تحولت عينيه لجمرة من الغضب وكز على أسنانه. حركت يومي كتفيها: "لا أدري، ليس بعد على الأقل ولكن لا يهم. لا تقلق لن يؤثر هذا على عملي." "المعذرة؟ كيف لا يؤثر هذا على عملك!!" حول نظره بين قصاصات الورق، بقايا اللوحة الرقمية والملفات الممزقة والمنثورة بكل مكان، كانت صورتها هي وران ممزقة لنصفين ومرمية أسفل قدميه مباشرة. "على هذه المهزلة أن تنتهي." استدار والشرر يقدح من عينيه فقفزت يومي من مقعدها سريعًا وأمسكت ساعده: "إياك أن تفكر بفعل شيء!" "ماذا قلتِ؟" "إن أي تدخلٍ منكَّ سيزيد وضعي سوءًا!" انتزع ريو ساعده منها وقال: "تكرمي بالشرح." "إنهم في الغالب يقومون بهذا بسببك، يظننوني أطاردك أو شيء من هذا القبيل...لذا إن دافعت عني فأنت تقوم بصب الزيت على النار." لوحت بيدها، "سأتصرف لوحدي وسأرد لهن الصاع صاعين لا تشغل بالك." بدا أن ريو يفكر في أمرٍ ما، حدق بالحائط وراءها مدة من الزمن ثم أعاد ناظريه إليها، "ربما يكون هذا بسبب هيتومي." "هيتومي؟" "إنها أخر متدربة عملت هنا. لنقل أنها كانت مزعجة." "حقًا؟ أرادت ثروتك أم أعجبتها وسامتك؟" "كلاهما." لم تندهش يومي من رد ريو بصيغة هذا أمر بديهي وزمت شفتيها. "حسنًا إذن عرفنا السبب." حدجها ريو بنظرة حادة: "لن أدع هذا يمر على خير، كان يجب عليكِ التبليغ عنه!" "وماذا سيحدث؟ ستقوم بتوبيخ الجميع دون معرفة الجاني؟" هزت رأسها: "شكرًا. لكني سأعتمد على نفسي." "انظري إلى أين أوصلك اعتمادك على نفسك!" لمس ريو بحذائه قطعة زجاج من بقايا كوبٍ على الرخام. "ما دخلك أنت ما دام لا يؤثر على عمليّ؟" "ما دخلي؟" "أجل. ألا تجدني مصدَّر ازعاج؟" .."آه ماذا قلت؟ لا أجيد فعل شيء بطريقة صحيحة؟ لقد تركتك وشأنك لم لا تفعل المثل." أطلق ريو ضحكة ساخرة، نظر إلى تقرير السيد سوادا الممزق إلى أشلاءٍ فوق الطاولة ثم ابتسم بزاوية فمه: "قلتِ أن هذا لا يؤثر على عملك صحيح؟ أريد تقرير السيد سوادا." حدق إليها بتحدي، "الآن." "حسنًا." قالت يومي واتجهت نحو الخزانة الحديدية، أخرجت المفتاح من جيب فستانها، أخذت ملفًا موضوعًا في أعلى رف وناولته لريو بابتسامة، عندما رأت النظرة المندهشة في عينيه قالت: "أنا أقوم بعمل نسختين دائمًا." دور عينيه للسماء، "أتعتقدين أني أهتم؟ حتى لو قاموا بتمزيقك إربًا لن أهتم! تأكدي من هذا!" رمشت يومي ناحيته ببراءة: "أنا لم أقل أنك تهتم." جز ريو على أسنانه ولمح وراءها ملصق نصف سليم به صورة كلب، أشار إلى الملصق وقال: "أتعلمين، أنتِ وهذا الكلب متساويين لدي تمامًا!" خرج من المكتب كإعصار وأغلق الباب خلفه برجةٍ عنيفة، ظلت يومي تحدق بضلفة الباب: أنا والكلب متساويان؟! آوه ريو سايرس الآن فعلتها!! سأجعلك تأكل كلماتك هذا أكلًا! صدقنيّ!
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD