هذه المرة، عندما دلفت يومي إلى مكتبها ورأته مقلوبًا رأسًا على عقب، لم تتأثر مثل المرة الأولى، جلبت أدوات النظافة وشرعت بالكنس وإزالة الفوضى، جمعت الأوراق الممزقة وتوقفت يدها فوق قصاصة، جزء من الاقتباس الخاص بباولو كويلو، "لأن الناس لا يؤمنون بالكنوز." حدقت بالجملة المكتوبة في الورقة وابتسمت بمرارة، لو كان الشخص الذي فعل هذا يملك ما يثمنه حقًا...لما شغل نفسه بجعل حياتها تعيسة وانشغل بحياته الخاصة عوضًا عن ذلك... وجدت نفسها تشعر بالشفقة عليه بدلًا من الغضب، وسرعان ما تحسن احساسها تجاه الأمر كله. من الآن وصاعدًا ستغلق باب المكتب بالمفتاح وإن سألها ريو ستخبره بأي عذر؛ لن تمنح هذا الشخص سعادة تكرار فعلته للمرة الثالثة.
وبالتفكير في ريو...طوال الطريق إلى الشركة ظل صامتًا، أخرج التابلت وظل يقرأ التقارير بتركيزٍ وهدوء، وعندما وصلوا اتجه إلى غرفة الاجتماعات مباشرة..."لم يخطئ السيد آكيرا عندما نعته بمدمن عمل." حدثت نفسها وتحولت تعابيرها لأخرى ساكنة.
فرغت من التنظيف فبات المكتب لامعًا، عاد مرتبًا وأنيقًا كما كان وصورة مامورا تحدق بها بتشجيع، "لا تقلق...ليس بإمكانهم ازعاجي."
خرجت من المكتب بعد أن أغلقته بالمفتاح، كانت تمشي في الرواق عندما اصطدمت بجدارٍ صلب، كورت أنفها وقالت: "لماذا يوجد حائط في منتصف الممر؟" رفعت رأسها فرأت لحية ماكوتو وعينيه الذهبيتين تنظران إليها بازدراء.
"أنت أيها الحائط لا تقف في منتصف الممر."
تكتف الحائط: "الرجل يقف بسلام وهو يشرب في كوب قهوته ثم يرتطم به سنجاب أشقر وبدلًا عن أن يعتذر إليه يطلب منه أن يبتعد."
سمعهما السيد سايرس الذي مر بجوارهما، وضع يده حول كتف يومي وقال: "لو طلبت منك يومي أن تقفز من النافذة...فعليك أن تقفز من النافذة."
عقد ماكوتو يديه أمام صدِّره: "هذه تفرقة عنصرية منك!"
قطب السيد سايرس: "بالطبع هي تفرقة عنصرية."..."ماذا ظننت أني سأحب كل من هبَّ ودب؟"
قهقت يومي ورمشت ناحية السيد سايرس ثم قالت: "أنا أيضًا أحبُكَّ سيد سايرس."
"سأخبر السيدة آيري بأنك تخونها!" هتف ماكوتو وهو يشير للثنائي المتحالف ضده: "وحينها أنت من سيقفز من النافذة."
رمقه السيد سايرس بنظرة مشمئزة: "إن آيري لا تمتلك عقلًا صغيرًا مثل عقلِّك، كما أنها لطالما رغبت بابنة أخرى، أخت كبرى لشيزوكو..."
عانقت يومي ذراعه وقالت: "سيسعدني أن أكون ابنتها ولكن أخبرها أن تتخلصَّ من ريو أولًا..." **َّتت برهة ثم أضافت: "دع والدي يتبناه فيبدو أنه يحبه أكثر مني."
"حقًا؟ فوجي يحب حبة الفاصولياء تلك؟ إلهيّ ذوقه سيئ للغاية..."
"أليس كذلك؟ تصور لقد أخبرني ماكوتو أنه يأخذهم للاحتفال بنجاحي كل عام...من دوني! فقط ليذهب ريو معهم!"
قال ماكوتو: "لا تذكريني بالمأكولات البحرية الشهية فلقد تناولت غدائي للتو."
"آه صحيح، فعلًا سمعت أنه يأخذ شباب قسم التخطيط لفندق ريتز كل عام، إلهي لم أحسب أنه كان يقصيك بسبب ذلك المزعج." لوح سايرس بيده، "لا تهتمي سأخذك لمطعمٍ أفضل منه في أي وقتٍ تريدينه."
"أنت الأفضل...والديّ."
رمق ماكوتو عرض الحب الرخيص هذا باشمئزاز وتناول رشفة أخرى من قهوته التي بردت بسببهما.
"بالمناسبة كيف أقنعت ريو بالموافقة على العمل مع يومي؟" وجه السيد سايرس سؤاله لماكوتو الذي بسببه كاد أن يشرق، كح عدة مرات وعندما عاد الهواء للدخولِّ عبرَّ المسار الصحيح، قال: "ما الذي تقصده؟ أنا لم أقنع أي أحد بأي شيء."
"ها؟" التفت السيد سايرس إلى يومي وقال: "مهلًا لمّ إذًا..."
"إنه لا يعرف من أنا." أخبرته يومي وهي تكتم ضحكة وقد زمت شفتيها معًا.
"أنتِ تمزحين؟"
هزت رأسها نفيًا، "قبل أن أعمل في الشركة بقليل حدث بيننا.....أمرٌ ما..وبسببه كان يكرهني، لذا عندما قدمت طلبًا للتدريب هنا وافق مباشرة بهدف الانتقام مني."
"أتعنين أنه لا يعرف أنكِ نفس اليومي التي —يهرب منها كأنها مرض الطاعون؟" هزت رأسها وعيناها تتآلقان، "لا يملك أدنى فكرة، كما أنني استخدم كنية والدتي حتى لا أحصل على معاملة خاصة من الموظفين الكبار."
بدا على سايرس أنه وضع النقاط فوق بعضها البعض، "هاه وأنا الذي ظننته تعقل وقرر أن ينضج أخيرًا..." زم شفتيه، "لا أريد أن أفوت اللحظة الذي سيكتشف فيها أنه حفر قبره بيديه! عليكِ بتصويرها من أجليّ أو سأجبركما على إعادة المشهد!"
"ولا أنا أرغب بتفويتها!" قالت يومي بابتسامة عريضة ثم تبادل الاثنين نظرات لم يعرف لها الشر مثيلًا. أما ماكوتو الذي كان يبادل نظره بينهما هز رأسه وهو يفكر أنه هذه هي المرة الأولى التي يشفق فيها على ريو...ولكن سرعان ما نفض احساس الشفقة حين تذكر أنه أخبر ريو مرارًا بكونه سيندم لكن الثاني تجاهله ببرود.
هاه، على نفسها جنت براقش.
***
طرقت يومي على باب المكتب بيدها الحرة، سمعت الإذن بالدخول لذا دلفت، كان ريو جالسٌ على الأريكة البيضاء، أمامه الحاسب وبين يديه ورقة بها رسمٌ بيان فقط النظر إليه جعلها تشعر بالصداع.
لم تقل شيئًا لذا رفع نظره إليها، لاحظ أنها تضع يدًا خلف ظهرها وعندما بدا أنها لن تتحدث من نفسها قال: "ما الأمر؟"
جلست يومي بالقرب منه فرفع تجاهها حاجبًا، أخرجت الشيء من ورائها ورفعته أمامه... كان يتحرك...أصغر من كف اليد...وله فراء أبيض به رقعة بنية في الخلف، خديه سمينين، ويمتلك عينين سوداويتين كالعنب...
"أعرفك على السير ويقل-بينت بتر." قالت ومدت إليه الهمستر السمين.
رمشَّ ريو لكنه تلقائيًا تناول الهمستر منها وحدق بكرة الفراء التي حملقت نحوه، "ما...هذا؟"
قطبت يومي وقالت: "لقد أخبرتك للتو إنه السير ويقل-بينت بتر وأنت والده الجديد."
"هذا الشيء السمين...من أجلي؟"
تحرك الشيء السمين بين يديه، لكنه كان ناعمًا ولينًا كالمارشملو لذا رخا ريو قبضته حوله.
"نعم."
"أحيانًا، لا أستطيع أن أفهم ماذا يجري بدماغك..." **َّت برهة وهو يرمش نحوها بعدم تصديق، "هل ذهبتِ إلى محل حيوانَّاتٍ أليفة وحدقتي بالقفص ثم خطر في بالك أن إهداء همستر سمين لرئيسك في العمل فكرة عبقرية؟"
"ويقل-بينت بتر يحتاج لمنزل ومالك يعتني به، فكرت أن قلبك عطوف ومحب وواسع كمقابر كلاڤرتون لذا قررت أنك المرشح المناسب."
ملسّ ريو فرو الشيء الذِّي لا يستطيع حفظ اسمه ورفع نظره إلى يومي ثم قال: "أنتِ معتوهة."
"على الرحب والسرور."
"لن أسميه ويقل-بي..بلغ بلغ..."
"اسمه ويقل بينت- بتر."
استوعبت حينها أن كونه يعترض على الاسم وليس فكرة التبني كان تقدمًا من جانبه، لذا قالت: "لااا يمكنك تغير اسمه!! لقد اعتاد عليه وانتهى الأمر! تخيل أن تستيقظ يومًا ما وأحدهم ينادِّيك بالسير لويس آرثر بنتدراغون بدلًا عن ريو! إنها جريمة!"
"وويقل-بينت بتر ليس جريمة؟"
"إنه يفرفر ولونه يشبه زبدة الفستق."
رفع ريو الهمستر واحتضنه، "أنتِ معتوهة! حتى هو يوافقني على ذلك."
نظر إلى الهمستر الذي تابع قضم أطراف أصابع ريو فشعر بالدغدغة.
"أطعمه مرة واحدة في اليوم، إما صباحًا أو مساءً، واشترِ له قفصًا جميلًا. بساقية دوارة طبعًا."
"لماذا تتحدثين كأني وافقت على ابقائه؟" نظر ريو إلى ويقل وهزه، "كما أنه سمين سيكلفني الاعتناء به ثروة."
وضعت يومي يديها فوق أذني ويقل وسدتهما، "هاي أنت لا تقل عنه أمامه أنه سمين! أتظن أنه لا يفهم؟"
أبعده ريو من بين يديها وهزه في الهواء فاهتزت طبقات ويقل المكتنزة كلها، "وماذا تسمين هذا إذًا؟ غاز الهيليوم؟"
"ستحضر مصلحة شؤون الهامسترز إلى بيتك وتأخذه منك إن لم تحسن السلوك."
ضحك ريو على جملتها الغبِّية، بدا يافعًا أكثر، انغلقت عيناه للنصف وقهقه مما جعل ويقل يهتز بين يديه، سرها رؤيته هكذا، فمنذ حادثة الأمس مع السيد آكيرا وابتسامته الحزينة تلك تشغل بالها، لذا ظلت طوال الليل تفكر في خطةٍ مثالية للرفع من معنوياته وعندما عثرت على ضالتها، ارتدت خفها المزغب، حملت مفاتيح السيارة وذهبت إلى أقرب مول تجاري، وما إن وقعت عيناها على ويقل-بينت بتر- اختارته، أخبرها صاحب المحل أن ويقل متعب فهو يأكل كثيرًا ويتحرك كثيرًا ويثير جلبةً صاخبة ونصحها باقتناء سلحفاة بدلًا منه، لكنها رفضت رفضًا قاطعًا، فريو يحتاج من يتعبه ويملأ حياته صخبًا...وإن كان بحجم كف اليد ويأكل كالثقب الأسوَّد... فقد قرأت في كتابٍ ما أن كل من يقتنون الحيوَّاناتِ الأليفة يصيرون أكثر سعادة وانفتاحًا...ومن ملامح ريو المسالمة وهو يمسد فرو ويقل-بينت بتر استنتجت أن المعلومة ربما تكون صحيحة.
"حسنًا، سأحتفظ بهذا الشيء مؤقتًا ولكن عندما أذهب لزيارة والداي سأعطيه لشيزوكو لتعتني به."
"إياك! تخيل أن تستيقظ يومًا ما وتجد نفسك في مدينة نوتنغهام بدلًا عن طوكيو؟ لا تكن قاسيًا!"
"شيزوكو ستعتني به أفضل مني كما أني لا أكون متواجدًا في الشقة معظم الوقت."
تكتفت يومي: "إذًا أبقه معك هنا."
رمش ناحيتها: "أبقيه معي هنا...في المكتب؟"
أومأت بكل الجدية في العالم، رفع يده وفلقها في جبينها بإصبعه: "حقًا عليكِ بالبحث عن الترس المفقود هنا،"
مسدت مكان الضَّربة وهي تنظر إليه بحنق، "ليس هنالك ترس مفقود، ما المشكلة في إبقائه هنا؟ صحيح أنه سمين لكن ليس لهذه الدرجة."
أغلق ريو أذني ويقل وقال: "لا تنعتيه بالسمين."
ففغرت فاهها بعدم تصديق، تظاهر بالغضب ثم أردف: "قد تجدينه أنتِ لطيفًا ونصف سلاسة الفتيات لكني أستقبل في هذا المكتب رجال أعمال..."
"ما المشكلة؟ ويقل بينت بتر مهذب وسيحيهم كما يجب."
رفع ريو الكائن السمين حتى بات بمحازاة عينيه: "هل هذا صحيح؟ هل تجيد قول مرحبًا؟"
لكن الكائن السمين تابع قضم أصابع ريو دون الرد عليه فالتفت إلى يومي وقال: "أرأيتِ؟"
"المهم، لقد صار مسوؤليتك الآن ولا يحق لك التملص منه، لقد اشتريته بنصف راتبي!"
"هل تمتنين عليّ بالهدية التي أعطيتني إياها؟"
"أجل. وهذه ليست هدية. أنت مجرد مسكنٍ مناسب لويقل."
رمقها بالنظرة إياها فقالت إحم ونظرت بعيدًا ولآن مزاجه كان طيبًا لم يقل شيئًا وتابع مداعبة السير ويقل-بينت بتر وعلى وجهه ابتسامة.