(3)

2768 Words
وهيّ تدندن أكملت يومي ربط شريطة حمراء حول علبة حلوى شفافة، وضعتها في كيسٍ ورقي ثم التفتت ناحية زيرو وران وقالت: "هيا بنا." تبادل الاثنان نظرة متوجسة لكنهما تبعاها الخطا نحو الخارج، كانوا يقطعون ممر المشاة حين بادلت يوميّ نظرها بين لافتة مقهاهم والمقهى الجديد...لتهزَّ رأسها...هذا الشخص يسخر منهم حتمًا! فلافتتهم لونها داكِن وقد كتب عليها "تحت الصفر" بلون أزرق جليدي أما الأخرى فكانت بلونٍ أبيض وقد كتب عليها بلونٍ بنيّ دافئ "قهوة ساخنة" ضيقت عينيها وأصبح لخطواتها ثقلٌ أكبر. ما إن وقفت أمام المحل حتى فُتح الباب السحاب ولسعها هواء التكيف البارد، أُغلِق الباب وراءهم وبتناغمٍ واحد توقفت خطواتهم معًا...فالمشهد كان من عالمٍ آخر! رخامٌ أبيض لامع، طاولات بشراشف حريرية ذات لونٍ سكريّ، ورود حمراء في أوعية زجاجية ورائحة قهوة قوية تعبق في الجو مع نفحة خفيفة من الكراميل، تحرك الندل بانتظام بزيٍ بنيّ أنيق وبالقرب من المدخل رُصت عدة مظلات بذات اللون، وأمام آلة الحساب وقفت فتاة حسناء وقد اندمجت بالحديث مع إحدى الزبونات بود...كل ما في المكان كان مثاليًا ويع** خدمة ذات مستوى رفيع. بلع زيرو ريقه بصوتٍ مسموع وقال: "لننسحب ونتظاهر بأن أيًا من هذا لم يحدث." سلكت يوميّ حنجرتها: "المكان لا بأس به." "لا بأس به؟!" كررت ران وراءَها لتقول: "أتمنى أن تصير حياتي لا بأس بها أيضًا." تقدم ناحيتهم أحد الندل فأخذوا معًا خطوة للوراء، ومن خلفه ظهر شخصٌ آخر كان يتحدث مع نادلٍ بالقرب منه، عقدت يوميّ حاجبيها وهي تقول: "مهلًا..." وفي ذات اللحظة التفت الشاب فارتسم التفاجؤ على وجهه وبعد هنيهة رسم ابتسامة كبيرة واتجه ناحيتهم. قال النادل الذي وصل قبله: "طاولة لثلاث أشخاص؟" وقبل أن يجيبوه وضع الشاب يده على كتفه وقال: "لا بأس أنا أعرفهم سأهتم بالأمر بنفسيّ." أومَأ النادل ناحيته واستدار على عقبيه، قالت يومي: "ماكوتو؟! ما الذي تفعله هنا!" - أتعرفين الأعداء؟ علق زيرو ليقهقه ماكوتو، ويقول: "أنت صاحب المقهى في الشارع المقابل؟" ثم مد يده فتصافحا. قالت يومي: "أتذكران أسبوع الياكيتوري؟" أومَأ كل من ران وزيرو فمن المستحيل نسيان ذلك الأسبوع، فبعد رحلة عمل إلى هوكايدو رافقت فيها يوميّ السيد فوجيوارا لمدة أسبوع كامل لم يتناولا سوى الياكيتوري وهو أسياخ من الدجاج المتبل المغمور بصلصة حارة، افتتن والدها بالطعم بعد حفل شواء أقاموه هناك، وفي الفطور والغداء والعشاء كان لا يطبخ سواه، أمر جعل يوميّ تتذمر لهما يوميًا حتى بات لفظ كلمة ياكيتوري بين ثلاثتهم م***عًا منعًا باتًا! أشارت يومي نحو ماكوتو كما لو أنها تعرض تحفة آثرية وقالت بضغينة: "هو السبب!" قطب ماكوتو: "أسبوع الياكيتوري؟" ضيقت عينيها تجاهه: "ألا تذكر حفل الشواء الذي أقمناه في الشاطئ؟ وكنت أنت المسؤول عنه؟ حسنًا كان العشاء لذيذًا وراق لوالدي للغاية لدرجة أنه لأسبوع كامل لم نتناول سوى الدجاج ومع كل لقمة كنت ألعنك حتى أخر حفيد..." قهقه ماكوتو من الأعماق، تغضنت زوايا عينيه الداكنتين وبدا مستمتعًا، عندما فرغ مسح الدموع من أطراف عينيه وقال: "هو لم يذكر الأمر أمامي قط! لو عرفت كنت سأدعوه للعشاء مرةً أخرى." "إلهي إياك!" قالت يومي بفزع حقيقي فضحك مجددًا. ابتسمت ران وعلقت: "تبدو علاقتكما جيدة، كان من المفترض أن تكون شخصًا بغيضًا." - نحن صديقان جيدان. قال ماكوتو ثم أردف: "بالرغم من لقاءاتنا التي تنحصر على مناسبات الشركة." "وبالرغم من الفارق العمريّ الكبير." أضافت يوميّ بخبث وهي تلقي بخصلة من شعرها الذهبي وراء ظهرها فهز ماكوتو رأسه مؤكدًا. "تمتعي بالشباب فهو لن يدوم." وضع يدًا فوق الأخرى: "بالأحرى سمعت من السيد فوجيوارا أنكِ وضعتِ أول أقدامك نحو سلم النضج وستعملين معنا في الشـر-- كيف يقرر هذا؟! هذا قطعًا لم يحدث!" - حقًا؟ بدا سعيدًا وهو يقول في ذلك. أخذت يوميّ نفسًا عميقًا وأخرجته، ما يزال يعاملني كطفلة! لوحت بيدها: "دعنا من هذا أنت المالك صحيح؟ لماذا اشتريت محلًا في قطعة سكنية من الدرجة الثالثة لتفتح مقهىً من الدرجة الأولى؟" لوهلة بدا على ماكوتو ملامح مستغربة، كما لو أن تروس عقله تستوعب في أمرٍ ما، وضع يده على ذقنه وحدق برقعةٍ في الأرض ثم بابتسامة أعاد ناظريه إليها وقال: "لا هذا ليس مقهايّ بل مقهىً اشتراه صديقي، لديّ خبرة في هذا المجال من عملي الجزئي في السابق لذا طلب مساعدتي." لسببٍ ما لم تعجب يومي الملامح على وجه ماكوتو فقد بدا كما لو أنه يتسلى؟ "أوه ها هو ذا قد حضر." قال ماكوتو بتزامنٍ مع انفتاح ضلفتي الباب الزجاجتين ليفغر الثلاثة أفواههم مع دخول شابٍ عشريني يضع جاكيت بذلته على مرفقه وعلى وجهه تكشيرة يعرفونها جيدًا والتي ما إن رآهم حتى تحولت لابتسامة صفراء. توقف أمامهم وقال: "أتيتم لتذوق قهوة جيدة؟" **ت برهة ثم أضاف: "تفضلوا المقهى مقهاكم." "أنت!" هتفت ران: "صاحب الحاسوب!" أما زيرو فأغمض عينيه محاولًا تجاهل هذا الواقع المزعج بينما بادل ماكوتو نظره بينه وبينهم وقال: "هل تعرفون ريو؟" انفجرت يومي بالضحك فجأة وظلت تضحك وتضحك حتى دمعت عيناها ومن بين قهقهاتها قالت: "يا الهي أنه أنت حقًا،" "هل أنت جاد؟" تابعت الضحك، "من يشتري مقهىً من أجل شيء كهذا رباه معدتي...هل تبلغ من العمر عامين؟" "لابد أنك أكثرت من مشاهدة الدراما، رباه لا أستطيع التنفس..." بينما حدق الأربعة نحوها كما لو أنها فقدت عقلها، علت بعض الحمرة والانزعاج وجه ريو الذي قال ببرود: "لن تضحكي هكذا عندما يفلس مقهاكم خلال أسبوع." اعتدلت يوميّ في وقفتها بينما يدها ما تزال على معدتها، انتظرت حتى انتظمت أنفاسها مجددًا ثم قالت: "لقد عرضت عليك دفع ثمن الحاسوب، ألم أفعل؟" تكتف: "ومن قال أني أريد تعويضًا على الحاسوب؟" حدج ران بنظرة مركزة من الغضب الخام جعلت جسدها يقشعر ثم أضاف: "وفات الآوان على الاعتذار كذلك...الآن استمتعا بتحمل نتائج أفعالكما." - مهلًا مهلًا مهلًا... لوح ماكوتو بيديه مقاطعًا الشرارات المتكهربة في الجو وقال: "فليشرح لي أحدكم ما يحدث هنا." - صديقك هنا اشترى المقهى من أجل الانتقام منا. ومع أخر كلمة كتمت يوميّ ضحكة بصعوبة وفشلت فقد انحنت وقهقهت مرةً أخرى كما لو أن هذه أطرف نكتة سمعتها في حياتها. قطب ماكوتو بحيرة واِلْتفت إلى ريو: "هل هذا صحيح؟ ألهذا طلبت م**ّ شراء هذا المكان؟" - لطالما أردت ابتياع مقهىً... وسحق أمثالهم أثناء ذلك ليس بالصفقة السيئة. "هل أكلت شيئًا فاسدًا؟" سأل ماكوتو ثم وضع يده على جبين ريو: "أنت مريض؟ أتشعر بالتوعك؟" صفع ريو يده بعيدًا وقال: "غادروا جميعكم إن لم تكونوا راغ*ين بطلب شيء ليس لديّ وقت للثرثرة معكم." - أتعتقد حقًا أن المقهى سيغلق بسبب تافهٍ كهذا، يا إلهي أخبرني كم عمرك؟ تجمد في مكانه واستدار، خطا بضع خطوات ووقف أمامها: "معك حق، سيأخذ هذا بعض الوقت وأنا ليس لديّ الكثير منه للتسكع هنا، إذًا ما رأيكُ برهانٍ صغير؟ كل شيء أو لا شيء." تحفزت يومي وسألت: "وما الذي يجعلك تظن أننا نود تسليتك؟" تظاهر بأنه يفكر بطرق سبابته على ذقنه ثم قال: "ربما لأنها فرصتكم الوحيدة؟" نظر إلى زيرو وأضاف: "أوه أنا أعلم أنك على بعد شعرة من الافلاس..." أشار للمكان بيديه..." وأعتقد أن هذا المكان أكثر من شعرة. سينتهي أمرك قبل أن تتمكن من انهاء مخزون البن لهذا الشهر. صدقني. سأحرص على ذلك." رمقه زيرو بنظراتٍ صامتة ثم خاطب ران ويومي: "لنذهب." - هل ستهربون؟ بعد العرض الشيق الذي أريتموني إياه ذلك اليوم لم أعتقد أنكم حفنة من الجبناء. "قد يكون هذا الأمر بمثابة لعبةٍ لك لكنه ليس كذلك بالنسبة لنا." قالت يومي وناولت ماكوتو كيس الحلوى فأخذه منها، استداروا ليذهبوا إلا أن ريو قال: "ثلاثة أيام، اثنى عشرة طاولة، من يحصل على عدد زوارٍ أكثر يحتفظ بالمقهى أما الخاسر...فعليه ببيعه." - انسَ الأمر. - كان عليّ توقع هذا ففتاة 'مثلك' لا تجيد سوى الكلام. تجمدت خطوات زيرو والتفت رامقًا إياه بنظرة متقدة، قال من بين أضراسه: "قبلت رهانك اللعين ولكن أضف إليه أن الفائز يبرح الثاني ض*بًا كذلك." رفع يو راحتي يديه: "موافق." جذبت ران قميص زيرو بينما قالت يومي: "زيرو!! لا تفعل هذا!" طقطق زيرو أصابع يديه وعلى وجهه ابتسامة المجرمين وقطاع الطرق ثم قال: "اتفقنا." *** "يمكنك أخذ استراحتك الآن يا آراشي." أومَأ آراشي ناحية المدير ثم خلع المئزر البنيّ وتناول قنينة ماء من طاولةٍ طرفية وخرج عبر الباب الخلفيّ، استند بظهره على الحائط واضعًا سيجارة بين شفتيه، بحث في جيبه عن الولاعة وما إن رفعها لطرف السيجارة حتى فُتِح الباب بعنف وبرز من ورائه صاحب شعرٍ أشقر "لن تصدق ما سمعته للتو!" هتف راينر بانفعال جبينه مغطىً بالعرق ووجهه محمر. أجابه آراشي بهمهمة ونفث سحابة من الدخان نحو الأعلى، سحب الثانيّ نفسًا عميقًا وأطلقه عبر فمه لتهدئة أعصابه ثم قال: "أتذكر المالك الذي أتى مساء الأمس؟ الشاب العشرينيّ؟ سمعته يتحدث مع أصحاب المقهى المجاور وما فهمته أنه ابتاع هذا المقهى خصيصًا لتدميرهم،" هزَّ رأسه بعدم تصديق: "لقد تراهن معهم، من يحصل على زبائن أكثر خلال 3 أيام ي**ب وعلى من يخسر بيع مقهاهّ! إلهيّ ما خطبه أيعتقد أن هذه لعبة ما؟" مرر يده عبر شعره وجز على أسنانه: "ماذا لو لم يقبل المالك الجديد تعيننا؟ تبًا للأثرياء ونزاوتهم!" تابع آراشي تدخينه ب**ت مما جعل راينر يكشر:"ألا يهمك ما قد يحدث؟ لو نسيت فأنا أرغب بتذكيرك لد*ك قسط دراسيّ بعد شهرين وستحرم من الامتحانات النهائية لو لم تسدده." حدقا بالمبنى ذو الطابقين في الشارع المقاصد، لم يكن كبيرًا ولافتته بيضاء كالثلج كتب فيها بحروفٍ زرقاء داكنة، تدلى من أعلى الباب الخشبي القديم مصباحين كهربائين على شكل قناديل ونحت في خشب الباب كلمتي "مرحبًا بك." بالانجليزية، كان بسيطًا لكن جاذب للنظر. "آراشي، علينا أن نتصرف! بالأمس كنت أتباهى أمام أصدقائي بوظيفتي 'الثابتة' الجديدة..." قالها وأطلق تنهيدة من الأعماق، نظر آراشي إليه وحرك كتفيه، سحق السيجارة بحذائه الجلدي ثم استدار نحو الباب وذهب. "فقد لو أمتلك ربع برودك..." تمتم راينر مع نفسه وعندما وقعت عيناه على المبنى المقاصد تحولت نظراته لأخرى من الكره الخام، استدار ودلف صافعًا الباب خلفه بشدة. *** اتكأ زيرو على الطاولة بمرفقيه، ألقى ظل المصباح الأصفر بضوءٍ على وجهه فلم تبدُ ملامحه واضحة، شابك أصابعه معًا وقال: "بعد كل ما حدث علينا البدأ في تنفيذ الخطوة الأولى." أومأت يوميّ بحزم وقالت: "نعم علينا تمريغ أنف ذلك المغرور بالتراب." "ما هي الخطوة الأولى؟" سألت ران وهي ترمش ناحية زيرو الذي سلك حنجرته وقال: "الخطوة الأولى هي...التفكير في الخطوة الأولى." دورت ران عينيها للسماء بينما كادت يوميّ أن تض*ب جبينها بسطح الطاولة. - أنت تعمل في هذا المجال منذ سبع سنوات! وليس لد*ك خطة؟! هزت ران رأسها: "وأنا التيّ لوهلة قصيرة عابرة جدًا أعجبت بك سابقًا!" حرك زيرو كتفيه: "كوني راغبٌ في تحطيم وجهه لا يغير من حقيقة كوننا مفلسون." "إذًا لماذا تحدثت بكل تلك الثقة؟" قالت ران بغيظ. "دعكما من الشجار." قالت يومي ثم من داخل حقيبتها استلت بطاقة إئتمانية ذهبية لمعت مع الضوء،"الأزمات الحرجة تتطلب حلولًا متطرفة." حدقا بها بانبهار فقالت: "سأنفق على مقهاك من عرق جبينيّ لكنك ستعيد لي المبلغ مع الفوائد بالطبع!" تكتف زيرو: "سأبلغ عنك بتهمة منح ديونٍ غير قانونيَّة." همست ران ليومي: "هل هنالك شيء يدعى ديونًا غير قانونية؟" هشتهما ثم نهضت من الكرسي وأمسكت بمرفق زيرو الذي رفع نحوها حاجبًا فقالت بابتسامة جانبية: "الخطوة الأولى...التسوق!" اتسعت عينا زيرو بهلع مع سماعه تلك الكلمة إلا أن يوميّ جرته بقوتها الكبيرة التي لا تتناسب مع إطارها الصغير وسحبته ناحية الباب. "لا مهلًا!" رفع يده وهو يحدق نحو ران طالبًا النجدة لكن الثانية لوحت ناحيته بمنديلٍ أبيض كزوجة وفية تودع زوجها الذاهب إلى الحرب. "لحظة..لماذا أنا؟ يــو-أُغلِق الباب خلفهما تاركًا جملته مبتورة. زمت ران شفتيها بشماتة ثم حمحمت وهي تشمر عن ساعديها للبدأ في التنظيف لكن قبل ذلك تراقصت الخطا نحو الخارج وقلبت اللافتة لتتحول الكلمة من مغلقٍ إلى مفتوح. *** كان ماكوتو جالسًا على كرسيّ ريو المدولب وهو يدور به، ومع كل دورة كان يرمق ريو الجالس على الأريكة وأمامه على طاولة القهوة أكوامٌ من الأوراق والملفات انهمك بالعمل فيه بتركيزٍ تام، أوقف ماكوتو الكرسي ثم بدأ الدوران بالجهة المعا**ة. "هل تنويّ بجدية النوم هنا مرةً أخرى؟" لم يكلف ريو نفسه بالرد عليه فأردف: "لو أنك تسمح لي بتعيين مساعدٍ لك لما اضطررت للقيام بكل هذه المهام وحدك." مرةً أخرى لم يرد عليه ريو، ابتسم ماكوتو ابتسامة صفراء. "حسنًا، تجاهلني وهذه المرة سأحرص على تعيين فتاة من ذلك النوع للعمل معك كمتدربة." رفع ريو رأسه ناحيته بسرعة حتى كادت رقبته أن تنخلع وحين رأى الملامح المتسلية على وجه ماكوتو ضيق عينيه بضغينة: "سأختار المتدرب الجديد بنفسيّ إياك أن تدخل في هذا الأمر." أوقف ماكوتو الكرسي بقدمه ورمق ريو بنظرةً طويلة، "لماذا تفضل المتدربين على الموظفين الدائمين؟" عاود ريو عمله وتهميشه له لذا أكمل ماكوتو الحديث مع نفسه: "هممم، أذكر جيدًا أنك رفضت العمل معيّ أيضًا في البدأ...آوه فهمت!" ض*ب ماكوتو قبضة يده بكفه المفتوح: "أنت تفضل المتدربين لأنهم مؤقتون! وأيضًا لأنهم يخافون منك لذا من السهل إبقاء مسافة رسمية وثابتة بينكما..." هز رأسه: "ألهذه الدرجة تكره العلاقات الشخصية؟ اعترف هل حطمت فتاة قلبك من قبل فبت فاقدٍ للأمل في البشرية؟" - ماكوتو. - هممم؟ - احمل نفسك وأخرج من مكتبيّ. "لكني أحب مكتبك." مرر ماكوتو اصبعًا على سطح الطاولة المصنوعة من خشب الأرز بحب، "ألا تنوي الموت قريبًا؟ لا تنسى أن تكتب لي في وصيتك أن أرث هذا المكتب...على أي حال، بالمستوى الذي تعمل به صدقني ستموت قبل عيد ميلادك السادس والعشرين." نهض ريو من الأريكة واتجه نحو ماكوتو الذي جحظت عيناه قليلًا حين اقترب منه بخطواتٍ صلبة، جر ريو الكرسي...فتح باب المكتب...رماه خارج المكتب بكرسيه ثم صفع الباب خلفه. ظل ماكوتو يدور بالكرسي المدولب وهو جالسٌ في الرواق وحين خرج السيد فوجيوارا من مكتبه رأى ماكوتو، التقت نظراتهما فلوح له ماكوتو بابتسامة ثملة وقال: "شعر كرسي ريو بالملل لذا..." لم يعلق السيد فوجيوارا ولكن عندما مر بالقرب من الكرسي دفعه بعيدًا. *** دلف السيد يامادا إلى مقهى تحت الصفر، إن السيد يامادا زبونٌ معتاد للمقهى فهو مالك متجر ألبسة قريبٍ من هنا وقد اعتاد كل يوم في تمام الثانية عشرة وقبل العودة إلى منزله أن يحتسي كوب شايٍ بالحليب والق*فة، رنّ جرس الباب الخشبيّ وما إن وضع قدمًا بداخل المقهى حتى تجمد في مكانه. نظر من حوله مشدوهًا، أسفل حذائه الأ**د طُليت الأرضية الخشبية بطبقة من الشمع فصارت لامعة لدرجة أنه رأى انعكاس وجهه فيها، من السقف تدلت ندفات ثلج صنعت من الزجاج وأص*رت صوت رنين لطيف مع كل نسمة هواء، تدرجت ألوان شراشف الطاولات من النيليّ للأزرق الغامق حتى السماويّ الفاتح وفوق كل واحدة كان هنالك وردة بيضاء منعشة في إناء شفاف، عبق الهواء برائحة القهوة القوية والحلويات، بجوار الباب كان هنالك مجموعة من المظلات الشفافة ومشابك جديدة لتعليق الحقائب والمعاطف، وبالطرف البعيد رأى آلة موسيقى تعمل بالقطع النقدية الحديدية أص*رت ألحان غيتار جون لينون، لذا خرج السيد يامادا ونظر إلى اللافتة، قطب وهو يقرأ المكتوب: مقهى "تحت الصفر" فتح الباب ودلف مجددًا فسمع صوت قهقة مألوف، التفت ناحية الكاشير فبادلته ران ابتسامة وقالت: "ألهذه الدرجة يبدو مختلفًا؟" حرك السيد يامادا رأسه وقال: "رباه ما الذي فعلتموه بالمكان؟" "هل يبدو جيدًا؟" سألت ران بتوتر فأجاب من فوره: "بل رائعًا! رغم الثيم البارد..." قهقه "إلا أنني أحببت التغيير." خرج زيرو من المطبخ مع كلمات يامادا الأخيرة ووراءه يوميّ التي تحمل بين يديها صينية فرن كان الكعك فيها على شكل رجل الثلج ووحشٍ ثلجي أبيض بعيونٍ زرقاء، ابتسمت ورفعت أنفها للأعلى بغرور فدور زيرو عينيه وتمتم وعندما رأى السيد يامادا حياه وقال: "المعتاد؟" أومأ السيد يامادا بالايجاب فاتجه زيرو إلى المطبخ لاعداده، أدخل السيد يامادا قطعة نقدية في آلة الموسيقى واختار أغنية ترنيمة عيد الميلاد ثم رشقهم بابتسامة وقال: "تناسب جو المكان." قهقهت الفتاتين ومدت إليه يومي قطعة كعك فقضم منهما بامتنان وما إن فعل حتى أنارت عينيه كمصباحين: "طعمها لذيذ! لم أظن أنكِ تجيدين—" كح مرتين عندما انتبه لنفسه بينما حاولت ران قتل ضحكتها، دعست يومي على قدمها وقالت بابتسامة لم تصل لعينيها: "سيد يامادا المظاهر خادعة، أنا أجيد الطبخ والخبز ولا أقوم بحرق المطبح أثناء ذلك..تعلم مثل مَنْ." ناول زيرو السيد يامادا كوب الشاي الورقي وحدق نحو يومي بضغينة: "مثل مَنْ؟ ها؟" فبادرته ابتسامة خلابة: "مثل شابٍ وسيمٍ يمتلك زوجين من الأعين الرمادية الساحرة وعقلًا بحجم عقل الباعوضة." قهقه السيد يامادا، تكتف زيرو وقال: "بالمناسبة ليس لديّ قاعدة شخصية ضد ض*ب الفتيات." رخا ال*قدة بين ساعديه وأضاف: "آوه مهلًا أنتِ لا تحسبين مع الفتيات أصلًا لذا لا يهم." مطت يومي شفتها السفلى وخاطبت السيد يامادا: "أسمعت ما قاله؟" رفع السيد يامادا إصبعًا حازمًا في وجه زيرو: "لا تقم بتهديدها يوميّ هي مفضلتنا، إنها تلعب معي الشطرنج وزوجتي لا تكف عن مدحها بينما تنظر إلى المرآة وهي تقول إنها حولتها لحسناء..." قهقه، "لذا إياك وإزعاج يوميّ!" "هذه عنصرية منك سيد يامادا، أنا من يتم التنمر عليه هنا،" رمقهما بنظرة طرفية، "فقط لأنهما أصغر م**ّ سنًا تتحدان ضديّ." شابكت ران ويومي أيديهما بحب ورمقتاه بنظرة بريئة، رفع السيد يامادا الكوب واتجه نحو الباب قائلًا: "جميلٌ ما فعلتموه بالمقهى، سأذهب قبل أن تتصل بي الحسناء وتقوم بتوبيخي." ما إن أغلق الباب وراء السيد يامادا وضع زيرو يديه على خصره وحدق بالمقهى: "هذه الأرضية اللامعة والسقف المغطى بندف الثلج، ماكينة القهوة الحديثة والشراشف ذات الرائحة المنعشة، معطر الجو برائحة الخوزامي والورود البيضاء بداخل الخزفيات الغالية...إنه بشع." "أنت الب*ع!" قالتا بتناغم وأردفت يومي: "أعرف أنك تكره التغيير بإمكاننا إعادته إلى ما كان عليه بعد نهاية الرهان، الآن نحن نحتاج هذه الواجهة الجديدة من أجل الدعاية، لقد اتصلت بشبكة معارفي وطلبت من هيرو أن ي**م لنا إعلاناتٍ ورقية، غدًا سأطلب من آكيرا وأصدقائه توزيعها مع هذا الكعك كعينة مجانية." طرق زيرو بحذائه على الارضية الخشبية المصقولة وعندما رآى انعكاسه تجهم وكرر: "بشع." وقفت الفتاتين بجواره، يومي عن يساره وران عن يمينه وهما ترمقان مجهود عملهم المضنيّ بإعجاب، في الخلفية تراقصت نغمات أغنية ترنيمة الميلاد فعلت تعابير ناعمة وجه زيرو. زادت ابتسامة يوميّ اتساعًا وقالت بثقة: "بات أمر فوزنا محسومًا— اشتغلت مرشات إطفاء الحريق بعنفٍ وأغرقت المكان في ثوانٍ معدودة، استمرت المياه بالإنهمار كدشٍ قويٍ لمدة ثلاثة دقائق ثم توقفت عن العمل، **ت ذاهل تام، لم يكن يُسمَع إلا صوت قطراتٍ تسقط من المرشات على برك المياه التي تجمعت في الأرضية المبتلة.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD