(4)

2758 Words
"تبدين متعبة يا عزيزتي." قالت السيد ماشيكو وهي تحمل فنجان شاي إصبعها الصغير مرفوع وشعرها الفضي معقوصٍ للأعلى في أمواجٍ انتهت بكعكة ودبوس ذو جوهرة زرقاء لامعة، مسدت يوميّ المريلة وبادلتها ابتسامة متعبة: "آه نعم، ليلة حافلة،" دورت يوميّ القلم بين أصابعها بإحترافية ونظرت إلى بقية السيدات اللائي جلسن حول الطاولة، أمامهن صحون من الكعك وإبريق شايٍ شفاف طفت بداخله وريقات وردية. "أترغبن بشيءٍ آخر؟" سألت بابتسامة، كانت تشعر بالامتنان لهن، فبالأمس طلبت من السيدة ماشيكو إجازة حتى يتسنى لها التركيز على العمل في المقهى، السيدة ماشيكو مالكة محل تجميل من الدرجة الأولى، يقع في الجادة الرابعة في قلب المدينة، يزوره الممثلون وأفراد الطبقة المخملية بإنتظام، قبل عامين عندما كانت يوميّ ما تزال طالبة في عامها الثاني من الثانوية طلبت من السيدة ماشيكو السماح لها بالبقاء في المحل والمشاهدة وحسب. عندما رأت السيد ماشيكو أن يوميّ بالفعل جعلت نفسها غير مرئية وركزت على كتابة ملحوظات لتتدرب عليها لاحقًا، أخذتها تحت جناحها وقامت بتدريبها بنفسها، ولاحقًا سمحت لها بالعمل رسميًا بالرغم من افتقارها لرخصة عمل، فالزبونات الدائمات ظللن يلححن عليها بترك يوميّ تشرف عليهن، وعندما تلقت رسالة بالأمس من يومي تتطلب منها إجازة لتعمل في المقهى، أتت السيدة ماشيكو برفقة صديقاتها من أجل دعمها. مجموعة من السيدات الأنيقات في عقدهن السادس من العمر. "عندما تعودين للعمل في المحل أنا أرغب في تصفيفة مثل تصفيفة سكارليت جوهانسن الجديدة." قالت إحداهن وغمزت ليوميّ. قهقهت يومي ثم أشارت إلى عينها اليسرى ثم اليمنى وقالت: "طلباتك أوامر سيدة هيتومي." عادت يومي أدراجها إلى المطبخ المفتوح، سمعت ران تقول: "شويا طلبين موكاشينو، طلب ماكرون، وطلب قهوة سوداء." "فرغتِ من طاولاتك؟" سألت ران يومي لتومِئ ناحيتها، نظرت يمينًا ويسارًا ثم قالت: "أين زيرو؟ لم أره منذ بعض الوقت." ضحكت ران وأشارت بإصبع الابهام إلى المخزن ثم تناولت صينية بها كوبين من شويا واتجهت إلى الطاولات القريبة من المدخل. قطبت يوميّ واتجهت إلى باب المخزن وعندما فتحته تجمدت بمكانها، كان زيرو مستندٌ على الحائط وقدميه ممدتين أمامه، رأسه ملتوٍ بزاوية مؤلمة وهو غارقٌ في نومٍ عميق. تق*فصت بجواره، يديها تسندان وجهها وهي تحدق به، ابتسمت وأزاحت خصلة شاردة عن جبينه، "تستحق قسطًا من الراحة بالفعل فأنت أكثر من عمل بالأمس." تغيرت تعابير وجهها لأخرى فارغة، أدخلت إحدى يديها في جيب المريلة، تلمست بإصبعها دبوسًا مزخرف دون إخراجه. بالأمس، عندما اشتغلت المرشات فجأة وفي ثوانٍ معدودة أفسدت جهد ساعات، وقف الثلاثة مشدوهين، فاغري الأفواه، مبتلين للنخاع وقد تكونت فوق الخشب برك مياه صغيرة. كان أول فكرة عبرت عقولهم أن أمرهم قد انتهى، الشراشف تقطر ماءً، الماكينات توقفت عن الأزيز، آلة الموسيقى تص*ر أصوات احتضار، الكعك قد فسد...كل شيء كان فوضى عارمة. بحث زيرو في الأرجاء عن الشيء الذي احترق وتسبب في عمل الرشاشات فجأة لكنه لم يجد أي أثر، هزت ران رأسها وهي تجفف شعرها الأحمر الطويل بمنشفة: "إنهم هم! هذا مؤكد!! لا يعقل أن تكون هذه مصادفة! الأوغاد!! قبل أن يبدأ اليوم الأول حتى!" مرر زيرو يده عبر وجهه وتن*د: "لا يهم، ما حدث قد حدث، ونحن عالقون مع هذا..." أشار إلى الورود البيضاء السابحة في البرك وأكياس البن التي ابتلت وتحولت لسائلٍ بنيٍ ملء الطاولات. وضعت يوميّ يدًا على كتفه، "أتذكران الأسبوع الرياضي في المدرسة، عندما شاركت في سباق الركض المتتابع؟" قطب: "أنتِ؟ شاركتِ في سباق؟" نظر إلى ساقيها القصيرتين فضيقت عينيها وشدت قبضتها على كتفه بعنف: "نعم أنا، للعلم أنا أسرع شخصٍ في الفصل لذا تم اختياري، المهم، وضع أحدٌ من الفريق الخ** دبوسًا في حذائي الرياضي وما إن بدأت بالركض حتى انغرز عميقًا وسقطت أرضًا بسبب ذلك،" أغمضت ران عينيها وغطت وجهها بيديها وأص*رت صوتًا متألمًا كما لو أنها هي من أصاب، أما زيرو فرفع حاجبًا تجاه يوميّ ثم قال: "دعيني احذر، بالرغم من ذلك تمكنتِ من الفوز في السباق. آه آه أجل، ليس الجميع خارقون مثلكِ كما تعلمين." هشها كباعوضة مزعجة لكنها قطبت: "بل خسرت، بل بسبب خسارتنا لهذا السباق خسرنا الأسبوع الرياضي كله وحللنا في المرتبة الثالثة." رمشَّ زيرو باستفهام: "خسرتم؟! إذًا لماذا تخبرينني بهذه القصة؟! أين الالهام والتنمية البشرية في خسارتكم؟" "لأنه في ذلك اليوم عندما لم يكن أحد منتبه، ذهبت إلى وراء مقاعد المشجعين وبكيت كما لم أبكيّ من قبل." ق*فصت أنفها: "لا أريد أبدًا أن أشعر بذلك القهر مجددًا في حياتي!" بدت على زيرو تعابير متفهمة وأومَأ تجاهها، فرقع أصابع يديه بشكلٍ متتالٍ ثم قال: "إذًا، أمامنا ليلة حافلة إن أردنا افتتاح المقهى في مواعيده المعتادة." تسلحت ران بمكنسة وقالت: "سيندمون." أومَأت يوميّ: "قطعًا." *** بحثت يومي عن شيءٍ يصلح كوسادة فعثرت على مجموعة من الشراشف في الرف العلوي، شبت على أطراف قدميها وبالرغم من ذلك لم تتمكن من لمسها حتى، دورت عينيها بإنزعاج ومثل السنجاب، تسلقت الرفوف واضعةً قدمًا في كل رف حتى وصلت وسحبت الشراشف، تأكدت من كونها نظيفة ثم كورتها، وضعت رأس زيرو فوقها وانتظرت، لم يستيقظ أو يتململ، تابع غيبوبته بسلام لذا أغلقت باب المخزن وراءها بخفة. "يومي!" هتفت ران ما إن رأتها، "انظري إلى الشارع المقاصد..." نظرت الفتاتين عبر الواجهة الزجاجية إلى البناء المقاصد فرأت حشدًا من الناس يحيط بإحدى الطاولات في داخل المقهى. "الأمر غريب أليس كذلك؟" علقت ران بعينين متشككتين إلا أن أحد الزبائن كان يقف أمام الكاشير لذا اضطرت أن تذهب مسرعة. تكتفت يوميّ وحدثت نفسها: "هممم ما الذي فعله ذلك الغنيّ المدلل؟" نظرت حولها، كانت الأربعة عشرة طاولة ممتلئة لكن ران وشويا محكمان سيطرتهما على الوضع، سنوات الخبرة، فكرت بداخلها أن هنالك أشياء لا يمكن للمال شراءها. من المشابك قرب الباب تناولت معطفًا طويلًا يشبه معاطف المحققين، صلحَت هندامها ثم خرجت لاستطلاع الوضع. عبرت الشارع ووقفت وراء عمود إنارة وهي تراقب المقهى كشخصٍ مثيرٍ للريبة، رمقتها عدة سيدات بنظراتٍ مستغربة لكن عندما رشقتهن بابتسامة عذبة بادلنها الابتسامة وتابعن مشيهن. في إحدى الطاولات الطرفية جلست فتاة يافعة ب*عرٍ بنيّ مقصوص، أظافرها مطلية بلونٍ وردي براق وفستانها الحريري بدا باهظ الثمن، كانت منحنية على الطاولة توقع على دفترٍ صغيرٍ وحولها مراهقات وشبان يتحدثون معها بحماس، لأول وهلة لم تتعرف عليها يوميّ ولكن عندما حانت منها التفاتة ناحية الشارع تذكرتها، نوريكو، فتاة من مشاهير الانترنت، لديها في حسابها أكثر من مليوني متابع، تغنيّ أحيانًا وأحيانًا أخرى تتحدث عن مواضيع عشوائية وأغلبها عن مشاهير آخرين، دورت عينيها عندما شاهدت ريو يتحدث مع أحد الندل وقد وقف قرب الباب، خرجت من مخبئها وراء العمود واقتربت من المحل أكثر. رأها النادل وحدجها بنظرة غاضبة قبل أن يستدير ويتجه إلى المطبخ. "الخبيث! يستعمل المشاهير للحصول على زبائن، يالها من فكرة رخيصة...لكنها عبقرية!" استلت هاتفها من جيبها بحركة سلسة وحركت حاجبيها نحو الأعلى، "اثنان بإمكانهما لعب هذه اللعبة يا عزيزي،" فتحت تطبيق انستغرام الخاص بها، اختارت بضع صور لمشروبات وحلويات متنوعة كانت قد التقطها في زياراتها السابقة لمقهى تحت الصفر، بينما ظلت ران تتذمر في الخلفية: "الطعام للأكل وليس للتصوير." لكنها لم تعرها اهتمامًا فالنظر لاحقًا لاستوديو العرض وهو مليءٌ بكل هذه الصور والذكريات الجميلة يشعرها بالامتلاء. ما إن فرغت من اختيار الصور، كتبت تعليقًا صغيرًا، وأضافت العديد من الهاشتاقات، #قهوة #مقهى_آثري #Frozen #ماكشينو #شوكولا #آلة_موسيقى #مالك_وسيم #ماكرون ثم ضغطت على زر نشر وقد علت وجهها ابتسامة واسعة. لم يكن عدد متابعينها يصل إلى المليونين مثل نوريكو لكنه كافٍ لجذب بعض الانتباه، تابعت الضغط على مفاتيح الهاتف وانشغلت بالطلب من أصدقائها المقربين أن يضعوا المنشور في حساباتهم أيضًا، وداعًا للكرامة، فكما قالت: المواقف الحرجة تتطلب تصرفاتٍ متطرفة. ولأنها كانت تنظر إلى شاشة هاتفها اصطدمت بشيء صلبٍ وكادت أن تفقد توازنها وتُسقِط الهاتف إلا أن يدًا أمسكت برسغها وساعدتها على استعادة توازنها. رفعت رأسها وأعادت خصلة من شعرها خلف أذنها: "آسفة، لم أكن منتبهة، أرجو المعذرة." ابتسم الرجل بلطف، كان رجلًا ثلاثينيًا ارتدى بذلة رمادية ذات جاكيت داخلي وقبعة، لحيته خفيفة بها بعض الشيب، "لا بأس،" قال لها باقتضاب لكنه لم يفلت يدها. تململت يومي وحاولت إبعادها لكنه أحكم قبضته وقال: "ألم أركِ في مكانٍ ما من قبل؟ وجهك مألوفٌ جدًا." هزت رأسها وعادت خطوة للخلف، لكن الرجل قال: "آوه، ألستِ الفتاة في إعلان بن تيم هورتون؟" أشار بيده إلى لوحة إلكترونية ضخمة في تقاطع الشارع وأكمل: "تلك!" حاولت يوميّ نزع يدها لكن الرجل لم يتزحزح لذا على مضض نظرت إلى عينيه بانزعاجٍ وقالت: "تلك ليست أنا، رجاءً أفلت يدي." مسد لحيته بيده الحرة وحدقّ فيها، "أنا متأكد أني رأيت وجهكِ في مكانٍ ما، أنا صحفيّ..." أشار إلى دماغه، "تذكر الوجوه هو عملي." "أبعد يدك!" حاولت يومي انتزاع يدها بالأخرى وجزت على أسنانها بغضب، شعرت بالدم يفور ويصعد إلى رأسها وعندما نوّت الدعس على قدمه بكعب حذائها العاليّ وقف ظلٌ بالقرب منها وقال بحدة: "ألم تسمع ما قالته؟ أفلتها." وضع ريو يده فوق يدها ونزعها من قبضة الرجل بالقوة، حدجه بنظرة حانقة فابتعد الرجل خطوتين للخلف ورفع صفحتي يديه في الهواء: "لقد ظننتها شخصًا أعرفه، العتبى عليّ." ثم استدار وغادر. "ما خطبه وا****ة؟!" تمتم غاضبًا وهو ما يزال يحدق بظهر الرجل المبتعد. مسدت يوميّ يدها ثم رفعت عينيها إليه، كانت هذه المرة الأولى التي تنظر إليه عن كثب، فطوال هذا الوقت في رأسها لم يكن سوى رسمة كرتونية لشيطانٍ ذو شعر أ**د، أما الآن فرأت شاب في بداية عشرينياته، ب*عر فاحم ومرتب وعينين حادتين تميلان للزرقة، كان أنفه مستقيمًا وبشرته صافية، لو لم يكن بغيضًا ولم تكن هي متحيزة لنعتته بالوسيم. انتبه لتحديقها بجانب وجهه فنظر إلى الأسفل وقال: "أيعجبك ما ترينه؟" دورت عينيها نحو السماء، نعم كلبيّ هو الوسيم. تمتمت تحت أنفاسها بشيء ما فرفع تجاهه حاجبًا، أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت: "شكرًا لك." عقد ساعديه أمام ص*ره: "لا تفهمي خطَأً أنا لم أقم بمساعدتك من أجلك." **ت برهة، "لا أريد أن تحدث مثل هذه الأشياء أمام مقهايّ." تظاهرت بتصديقه وهي تومئ مع كل كلمة، "نعم بالطبع، لكني مازلت لن أقوم بسحبها، " مسدت رسغها الذي احمر، "شكرًا لك." استدارت لتذهب لكنه قال: "مهلًا، إلى أين تهربين؟" توقفت في مكانها وحدقت به، ضيق عينيه على منظرها المريب بذلك المعطف الطويل وقال: "لماذا تتجسسين على مقهاي؟ أليس من المفترض أن تكوني مشغولة بتلبية طلبات مقهاكم المزدحم." تكتفت: "إنه مزدحم بالفعل، لكن ران وشويا يعادلان اثنى عشر نادلًا من الذين لديك." **تت قليلًا ثم طرقت بإصبعها على ساعدها: "وحتى إن لم يكن مزدحمًا فذلك سيكون بسببكم أنتم!" - المعذرة؟ أشاحت بوجهها: "استخدام سمعة نوريكو بهذه الطريقة..." - هاه وما المشكلة في ذلك؟ هذا ليس غشًا ونحن لم نضع أي قوانين...ببساطة زبائن أكثر = فوز. أم ربما تشعرين بالغيرة لأنكِ لا تملكين مثل هذه العلاقات؟ فجأة كحت يومي عدة مرات وقد كادت أن تختنق بالهواء، زمت شفتيها بابتسامة مريبة وقالت بداخل نفسها فقط لو كنت تعلم... يومي: "لا بأس إفعل ما تشاء لكن لا يعني أننا سنستلم وسأريك كيف سنفوز." - بلاه بلاه بلاه، أنتِ لا تكفين عن الثرثرة لحظة واحدة. آلة ثرثرة. تاتكتف ماشين. فغرت فاهها: "كيف تجرؤ، أنت من يحب سماع صوته! لقد كنت ذاهبة في حال سبيلي لكنك أصريت على إسماعي صوتك العذب!" ابتسم بسماجة وقال: "شكرًا لك أعلم أنه عذب." شعرت يوميّ بصداعٍ يتكون في دماغها لذا لوحت بتهميش: "انسَ الأمر،" ثم استدارت وعبرت الشارع وقد أدخلت يديها عميقًا في جيوب معطفها الطويل. عاد ريو أدراجه إلى المقهى، فبسبب تسكعه هنا في الآونة الأخيرة تراكم العمل فوق رأسه، لذا أحضر حاسبه معه، اختار زاوية هادئة وتن*د، فها هو ذا يعيد كتابة نفس الأوراق مجددًا، فهو ما يزال بحاجة إلى إكمال ذلك المشروع الذي مسح خطأً قبل بضعة أيام. *** ظل المطر يهطل بغزارو طوال الليل لذا عندما أتى الصباح كانت الأرصفة ترشح بالمياه وقطرات الندى تسيل من أوراق أشجار الكرز، وبسبب الجو الرطب والبارد قليلًا تكدس الزبائن بداخل مقهى تحت الصفر، وبينما انشغلت يومي بخدمة الزبائن سمعت طفلًا ذو سبعة أعوام يخبر والدته أنه يريد كرة قدمٍ كهدية عيدميلاده، لذا أعدت له كعكة على شكل نيمو، عندما رآها اتسعت عيناه بحماس وظل يجر فستان والدته وهو يهتف: أميّ أميّ إنه نيموّ! شكرتهم والدته وقد تجعدت عينيها بود، وبالمساء بدأ المطر بالهطول مجددًا فسارع المارة إلى العودة لمنازلهم، بعضهم يضع حقائبهم فوق رؤوسهم وآخرون أوقفوا سيارات آجرة. كان ماكوتو جالسٌ برفقة ريو في نهاية المقهى، مشغول بتجميع الحسابات لليومين السابقين بينما اندمج ريو مع حاسوبه. قال ماكوتو: "إن عدد الزوار فاق المتوقع، ما الذي فعلته في غيابي؟" همهم ريو بعدم انتباه فأردف ماكوتو: "همم كان لديّ شكوكي، تعلم في هذا المجال إن المال ليس كل شيء وهم يتفوقون علينا بالخبرة والسمعة، لقد سمعت أن المقهى افتتح قبل خمسة سنوات." مرةً أخرى همهم ريو فرفع ماكوتو نظره إليه وقال: "هل أنت جاد في أمر بيعه لو خسرت؟" قطب ريو وحدجه بنظرة منزعجة: "ما الذي يجعلك تظن أني سأخسر؟ هاه، تكتف ماشين هي من سيخسر." - تكتف ماشين؟ اتسعت عينا ريو قليلًا حين انتبه لزلة ل**نه لكنه استدرك تعابير وجهه سريعًا وقال: "آه نعم، ذلك السنجاب الأشقر الذي يعمل في المقهى المجاور، إنها ثرثارة." "آهااا، ولقد أعطيتها لقبًا؟" رمقه ماكوتو بالنظرة إياها فسلك ريو حنجرته: "وما المشكلة في ذلك؟ إنها ثرثارة بالفعل مثل آلة معطلة، هاه، لابد أنهم الآن غارقون في الندم—بل غارقون في الطلبات." قاطعه ماكوتو فقطب ناحيته، أمسك ماكوتو رأس ريو وحركه ناحية النافذة، أمام المقهى المجاور تكون صف طويل من الزبائن، كانت يومي وران توزعان المشروبات الدافئة على الزبائن الواقفين في الخارج، طلب أحد الأطفال التقاط صورة مع ران بعد أن تعرف عليها وأخبرها أنها كانت شخصيته المفضلة في مسلسل أمير الشمس رغم كونها لعبت دور الأخت الشريرة. انحنت وتناولت الهاتف ثم التقطا الصورة معًا ويوميّ تضحك في الخلفية وهي تردد: حتى الأوغاد لديهم معجبون...وران تحدجها بنظرات وعيد. "ما هذا مستحيل؟ لم؟" تمتم ريو وفي تلك اللحظة التقت عينيه بعيني بيوميّ التي أشارت له بإبهامها ثم وجهته إلى الأسفل. قهقه ماكوتو أما ريو فكز على أسنانه، "ما الذي يحدث بالضبط؟!" "من الواضح أنهم بذلوا جهدًا في الدعاية وأيضًا إن سمعتهم طيبة في هذا الحيّ لذا أعتقد أن هذا أمر طبيعي." - لا أقصد هذا...إن هذا غش. قطب ماكوتو: "ما هو الغش؟" لكن ريو لم يرد عليه بل نهض من مكانه وخرج متجهًا إلى مقهى تحت الصفر، من وراء الزجاج وضع ماكوتو يدًا أسفل ذقنه وراقب العرض باستمتاعٍ تام. وقف ريو على بعد بضعة خطوات من الباب، وعندما رأته ران اتسعت عينيها وأمسكت بطرف كم يوميّ: "يوميّ إنه هنا!" وضعت يومي الكوب أمام الرجل العجوز وابتسمت، ثم التفتت إلى ران وقالت: "من هو؟" تابعت خط نظر ران فرأت ريو متأنقًا ببذلة سوداء وتكشيرته المعتادة فعبست يوميّ بوجهه. ما الذي يريده هذا المزعج؟ أشار إليها بطرف إصبعه بأن تأتي إليه. من يظن نفسه هذا الوقح أيعتقد أنيّ كلب ما؟ فلينتظر في الخارج حتى يصير جثة متعفنة! وكأنما فهم ما يدور في رأسها التقط ريو إناءً للزهور وحرك حاجبيه بطريقة تهديدية. جرتها ران من كمها بعنفٍ أكبر: "اذهبي إليهّ سيقتل صبارتي!" رمقتها يومي بنظرة طرفية: "ولماذا لا تذهبي إليه أنتِ؟" اقشعر بدن ران برعب: "تعلمين أنه يود قتليّ لافساد حاسوبه." لوحت بيدها: "لا تهتمي لن يتجرأ على تحطيمها." رفع ريو الآنية إلى الأعلى وبدا عليه نفاذ الصبر فقالت ران بجزع وهي تدفع يومي: "بل سيتجرأ!" دور ريو عينيه بضجر وبالفعل أفلت الآنية ولكن قبل أن ترتطم بالرصيف وتتفتت أمسكت بها يدان في أخر لحظة. ضيقت يوميّ عينيها تجاهه ثم قالت: "هذا تعدٍ على الممتلكات وبإمكانيّ زجك بالسجن!—شش لقد أتيت إلى هنا لأتكلم وليس لاستمع إليك..." خطر في بالها أن تهشم الآنية في رأسه لكنها على مضض وضعتها على الأرض ثم التفت ناحيته بابتسامة عنت تفضل-سعادة-الملك-اطربنا. "هذا.." أشار للطاولات الإضافية التي وضعت في الخارج. "كله غير محسوب، اثنيّ عشرة طاولة فقط! والبقية لن يدخل في رهاننا." طوت يديها: "عفوًا ولكن من أنت لتخبرني ما عليّ أن أفعله ولا أفعله؟ أتعتقد أني مثلك؟ أنا أعرف جيدًا أننا اتفقنا على اثني عشرة طاولة لمدة ثلاثة أيام، هذه الطاولات الاضافية والزوار الواقفين في الخارج غير محسوبين..." استقامت في وقفتها بتحدٍ، "ومن ثمة أنت؟ أنت الذي تتحدث عن الغش! ما زلت لم انسَّ—" **تت فجأة ثم لوحت بيدها: "فقط اذهب رجاءً." عندما هم بالرد عليها رن هاتفه فأخرجه من جيبه بغيظ وما إن رأى اسم المتصل تمتم: هذا ما كان ينقصني. استدار على عقبيه وقد أجاب، عادت يوميّ إلى الداخل لكنها توقفت أمام الكاشير وبعينيها نظرة سارحة، سألها زيرو: "ما الخطب؟" - أعتقد أني التقيتُ به من قبل. أثنى زيرو رأسه: "عمن تتحدثين؟" - لا قطعًا فهذا البغيض لا ينسى بسهولة. حرك زيرو إصبعه بطريقة دائرية بالقرب من عقله بما عنى لابد أنها فقدت عقلها ثم عاود الاندماج مع مراجعة الحسابات. ما إن دلف ريو المقهى حتى قال بإتهام لماكوتو: "أنت الذي أخبرت والدي أني موجود هنا أليس كذلك؟" قطب ماكوتو: "بالطبع ومن غيري." أشار ريو نحو الباب بيده وقال: "إخرج أيها الخائن غادر الآن، أتعلم أنه يهددني بأن يأتي إلى هنا؟" "أنت لم تطلب م**ّ أن أبقي الأمر سرًا." نظر ماكوتو إلى عازف البيانو الذي بدأ بعزف رقصة الربيع لشوبان ثم التفت مجددًا لريو: "هل من المفترض أن هذا سر؟" نظر ماكوتو عبر الواجهة الزجاجية إلى المقهى المجاور ورفع حاجبًا، أزاحه ريو جانبًا وعاود الجلوس أمام حاسبه ب**ت فلم يلمح تلك الابتسامة الخبيثة التي علت وجه ماكوتو وقد ثبت نظره على سنجابٍ أشقر انحنى ليضع كوب قهوة أمام ثنائي. وقف آراشي في الزقاق، خط واهن من الدخان يتصاعد من سيجارة بين شفتيه وقد ثبت نظره على كتاب وهو يقرأ باندماج، كانت لحظات نادرة من الهدوء ففي العادة لا يكف راينر عن الثرثرة عن هذا وذاك ولكن بسبب ازدحام المقهى اليوم لم يتمكن من أخذ استراحته بعد، سمع صوت خطواتٍ تقترب منه فالتفت، ومع التفاته رفع يده الحرة والتقط شيئًا رُمِيّ ناحيته، رمقته الفتاة ذات الشعر الذهبيّ بنظرة غاضبة ثم استدارت فتح كف يده ببطء ورأى دبوس العمل الخاص به، اسمه محفور عليه مع الحرفين الأوائل للمقهى. إذن لقد انكشف أمره هاه، فكر ثم حرك كتفيه وعاود القراءة.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD