في قنا بمنزل الحاج رضوان :
تجلس نور بحديقة المنزل الكبير وبيدها كوب من القهوة ومن حولها الأشجار العالية ويطغى على ال**ت صوت زقزقة الطيور وكأنها تغنى معا فى تناغم جميل يطرب الأذن كأنها معزوفة بيتهوفن , لكن عقل نور شاردا فى حال شمس وأخذت الأسئلة تدور فى رأسها: أين هى ؟ ماذا تفعل ؟ هل هى بخير ؟
الأسئلة كثيرة ولا تجد لها اجابة, لامت أخاها كثيرا على ما حدث فهو السبب وراء ذهابها , لا تعلم لما عامل شمس بتلك الطريقة , لطالما كان أخيها جاسر قليل الكلام مع النساء وبارد فى تعاملاته معهم أو بالمعنى الأصح لا يفضل أبدا التعامل معهم اذا لماذا دائما ما كان يقتنص الفرصة لمحادثتها واهانتها
بالرغم مما حدث هي حزينة لأنه ترك البيت فهو بالنهاية أخيها ورغم تعامله الجاف معها الا أنها تعشقه فهو رغم عصبيته الشديدة الا أنه يمتلك قلب حنون ويخاف عليها كثيرا لذلك هي لا تحزن منه مهما فعل
أثناء شرودها أتى علي من الخارج فوجدها على هذا الحال شاردة لا تشعر بمن حولها فقرر اغتنام الفرصة فهو لن يحظى بها مرة أخرى كما أنه يريد الانتقام منها لما تفعله من مقالب به, توجه الى داخل المنزل وأحضر وعاء كبير من الماء المثلج وذهب ناحية نور وعلى وجهه ابتسامة خبيثة ثم وقف خلف الأرجوحة التى تجلس عليها وألقى عليها الماء المثلج قائلا بضحك: تعيشى وتاخدى غيرها يا حلوة عشان تحرمى تعملى فيا مقالب تانى, دا أنا هنفخك
شهقت نور بصوت عال ثم توجهت ببصرها الى علي الذى يضحك عليها, أخذت كوب قهوتها وتحركت ب**ت اتجاه المنزل في حين أن علي قطب حاجبيه في قلق وأخذ يتساءل هل زودها معها أم هل أتى في الوقت الخطأ , تحرك تلقائيا وراء نور لكى يسترضيها فلا يهون عليه أن تحزن بسببه فهي أخته الحبيبة
جرى ناحيتها مسرعا ووقف أمامها بحيث يمنعها من المرور كانت تنظر أرضا ولم ترفع عينيها فمد علي يده لكى يرفع رأسها ويسترضيها وحينما فتح فمه ليتحدث تفاجأ بنور ترفع رأسها وعلى وجهها ابتسامة لا تنم على الخير فقطب جبينه متسائلا بحيرة عن سبب هذه الابتسامة وما هي الا ثوان حتى وجد كوب القهوة يسكب عليه, شهق عاليا ونظر لنور الواقفة أمامه بثقة وعلامات الانتصار مرسومة بدقة على صفحة وجهها البيضاء
نور بثقة: العب على أدق يا شاطر مش أنا الى أسكت عن حقى
علي: أبو منظرك يا نور وأنا الى قلت أجى أصالحك عشان زعلتى منى أتاريكى ميه من تحت تبن
نور وهى تعدل ياقتة بلوزتها بفخر: عيب عليك دا أنا نور والأجر على الله لك أن تفخرا ان أنا أختك يا ابنى
علي: تفخرا!!!! ما أنا فعلا فى خرا عشان انتى أختى
نور: ايوة طبعا يا اب.....**تت قليلا لتستوعب جملته وما ان همت بض*به حتى وجدته يهرب من أمامها بسرعة
فى قسم الشرطة
خرج ليث من مكتبه متوجها الى الملجأ بعد أن جعل رجاله يبحثون عن الملجأ الذى خرجت منه نسمة, وأثناء خروجه قابل عمله الأ**د ملاك كما يسميها, زفر حانقا من رؤيتها وقطب حاجبيه في غضب جم, هل اذا قتلها سيحدث شيء بل على الع** سيرتاح ويريح الأمة, وجدها تنظر له بثقة رافعة حاجبها بتحدي سافر له أن يرفض أن ترافقه
ليث بضيق: هو أنا مش هخلص منك أبدا
ملاك بغيظ: لأ أنا قاعدة على قلبك ومش هسيب القضية
ما ان خطت خطوتان حتى توقفت تنظر له فوجدته فى مكانه لم يتحرك فقالت له: انت هتفضل واقف كده زى خيال المأته كتير, عندنا شغل لو نسيت
قبض على يده بشدة حتى ابيضت مفاصلة وجاهد ليكبح جماح غضبه حتى لا ي**ر عنقها هذا ثم توجه بخطوات غاضبة تجاه سيارته ولم يوجه لها كلمة فتبعته ب**ت وركبت بجانبه ولم تنطق بحرف لمعرفتها أنه قد وصل الى أقصى مراحل غضبه
وصلا الى الملجأ خلال فترة قصيرة بسبب سرعته العالية والتي أرعبت ملاك بشدة ولكنها لم تتحدث خشية أن يؤذيها وهو غاضب, ترجلا من السيارة ودخلا الى الملجأ , سئل عن مديرة الملجأ فدله أحد العاملين على مكتبها, وصل أمام الباب ودخل دون استئذن, وقفت المديرة قائلة بغضب لذلك الوقح
المديرة بغضب: أنت داخل زريبة يا حضرت مش فيه باب تخبط عليه
ليث بلامبالاة: أنا أدخل المكان الى أنا عاوزو وبالطريقة الى تعجبنى
كادت أن تقاطعه مديرة الملجأ ولكنه أوقفها بحركة من يده علامة السكوت وأكمل قائلا: احنا مش جايين نرغى فى كلام فاضى, هسئلك شوية أسئلة وتجاوبى عليهم بالذوق بدل ما تجاوبى بالعافية, البنت الى اسمها نسمة الى خرجت من الملجأ دا من حوالى شهر عايز أعرف عنها كل حاجة وأهم حاجة مين الى جابها هنا
ابتلعت المديرة ريقها بخوف وأجابت بصوت مهزوز: أ.... أنا معرف أنت بتتكلم عن مين
ملاك: امممممم ابتدينا بالكذب, بصى يا خالتى قولى الحقيقة أحسن بالذوق بدل ما تقوليها وأنت متعلقة من شعرك الى شبه ست أطاطا دا
المديرة بانفعال: احترمى نفسك, وأنا الى عندى قلته ولو ممشتوش دلؤتى أنا هبلغ البوليس
ليث باستهزاء: تحت أمرك وأدى البوليس وصل أهو
أنهى كلامه باخراج شارته لها فرمشت بعينيها باضطراب فأكمل ليث: بما ان بقه البوليس قدامك أهو فتقدرى تتكلمى دلؤتى
المديرة: أنا قلتلك معرفش حاجة ونسمة الى بتتكلم عنها دى احنا لاقيناها على باب الملجأ من لما كانت فى اللفة ومكنش معاها أى حاجة نعرف بيها هويتها
ملاك: اممم متعرفيش أمال الفلوس الى بتيجى للدار كل شهر باسم فاعل خير عشان تهتموا بنسمة دى ايه
الميرة بارتباك: أ...أد*كى قلتى فاعل خير يعنى واحد بيعمل خير مش أكتر
ليث: الكلام دا تضحكى بيه على العيال الصغيرة مش احنا وهو لو فاعل خير هيبقى بيبعت الفلوس لنسمة بس ليه مكان يبعتها للأطفال كلهم الى فى الملجأ وبما ان نسمة مكنتش بتخرج من الملجأ يبقى عرفها منين عشان يبعتلها الفلوس
المديرة: والله الكلام دا تقولوا للراجل دا انما أنا معرفش حاجة
كاد ليث أن يعنفها لكن ملاك أوقفته ثم سحبته من يده للخارج وحينما خرجا من الملجأ شد ليث ذراعه بعنف منها وهدر بها غاضبا
ليث بغضب: هو أنت ساحبة ابن اختك
ثم قبض على ذراعها بشدة فظهر الألم بوضوح على وجهها فلم يهتم وتابع بفحيح أفعى: مش عشان صابر عليكى فتسوقى فيها انتى مشوفتيش وشى التانى عامل ازاى فأحسلك تتقى شرى عشان متتحرقيش بنار غضبى
بعد أن أنهى كلماته الغاضبة وجد ملامحها ي**وها البرود فغضب أكثر وشدد على ذراعها بقسوة لكنها أبعدته عنها بصعوبة ثم نظرت له بلامبالاة وأردفت قائلة: لو طلعت الغضب الى جواك ممكن نرجع القسم تشرب عصير يهد*ك عشان نعرف نتكلم بهدوء زى الناس المتحضرة
تركته في صدمته من برودها وكلامها وذهبت باتجاه السيارة تمشى بخطوات واثقة , فتحت باب السيارة وجلست بهدوء ع** انتفاضتها من الداخل فهي كادت تموت من الرعب ولكنها اصطنعت البرود فهي تعلم كيفية التعامل معه فهو سريع الغضب ولا يرى أمامه أثناء غضبه ويجب عليها أن تتعامل معه بهدوء لأنها لو عاندته وعنفته سيؤذيها لا شك
وقف ليث في مكانه مذهولا من تصرفها هل هي قطعة جليد, شد شعره من الغضب الذى يحرقه من الداخل بلا هوادة , أخذ يزفر أنفاسه التي تشبه اللهب في حرارتها ثم توجه نحو سيارته بخطوات غاضبة وأثار قدمه تطبع على الأرض من ضغطه عليها, ركب في مقعد السائق وانطلق بسارته يسابق الريح أثناء قيادته اتصل على صديقه أدم لكى يتقابلا
أوصل ملاك الى قسم الشرطة وانطلق بسيارته بسرعة فائقة ليقابل أدم, بعد فترة وصل الى مكانه المفضل هو وصديقه وجد أدم هناك يجلس على صخرة بالقرب من شاطئ النيل وينظر أمامه بشرود حتى أنه لم ينتبه أن ليث وصل
اتجه ليث اليه بخطوات بطيئة وكأنه يحمل ثقلا فوق كتفيه ثم جلس بجواره ب**ت حينها فاق أدم من شروده ونظر الى صديقه فوجد حالته مزرية
أدم بمزاح: مالك يا عنترة
ليث: متضايق يا أدم الحمل بقى تقيل يا صاحبى
أدم بجدية: مالك يا صاحبى
ليث: فاكر نسمة
أدم: أيوة مش دى البنت الى بتدور عليها عشان قضية قتل حسين عبد العاطى, مالها ايه لاقتها
ليث بتنهيدة: لا لسة بس أنا خايف عليها البنت دى غلبانة وملهاش حد ودلؤتى مش عارف هى فين ولا ايه الى حصلها
أدم: ايه يا قيس زمانك انت وقعت ولا ايه
ليث: وقعت ايه يا ابنى, أنا محبتش نسمة أنا بس تعاطفت معاها حستها طيبة وبريئة زى قمر أختى وكان ممكن أختى تبقى مكانها عشان كدة أنا عايز أساعدها
لم يلاحظ ليث اضطراب أدم عندما ذكر قمر وأخذ يسترسل فى الكلام غير منتبه لشرود أدم فقد عاد أدم بذاكرته الى ما حدث قبل عدة أيام حينما ذهب الى قمر
فلاش باك ...
كانت قمر عائدة من كليتها حينما ظهر أمامها أدم وطلب منها أن يجلسوا قليلا في أى مطعم قريب لأنه يريد اخبارها بشيء مهم, فوافقت قمر وذهبت معه لمطعم قريب من جامعتها
قمر بملل: ايه يا حاج أنت جايبنى هنا عشان تسكت ماتقول فى ايه
أدم: حاج !! مش هعلق على كلامك لأنى عارف ل**نك متبرى منك, سكت لحظات يجمع شتات نفسه المتناثرة كحبات الرمل ثم أخذ نفسا عميقا قبل أن يقول ما جعل قمر تفغر فاهها دهشة لما قاله
أدم: أنا بحبك يا قمر وعايز أجى أتقدملك , أنا عارف انك اتفاجأتى بس أنا مكنش عندى الشجاعة عشان أقلك ومتفكريش انى وحش عشان قابلتك بره وكدة لا أنا بس عايز أعرف رأيك أقبل ما أتقدملك مش أكتر
لم تعرف قمر ماذا تقول له أتخبره أن هناك شخص قد سبقه وطلب يدها وهى وافقت لأنها تحبه كما يحبها وهى كانت ستخبر أخاها اليوم لدى عودتها ليأتي حبيبها ويطلب يدها
قمر بحزن: بص يا أدم أنت معزتك فى قلبى كبيرة بس أنا بحبك زى أخويا ليث بالظبط , و ...وكمان فى شخص أنا بحبه اسمو رحيم وهو كمان بيحبنى وكلمنى النهاردة عشان يتقدملى رسمى , أ .. أنا أسفة يا أدم
ماذا تقول تلك الحمقاء هل تخبره بحبها لأخر وهو يهيم بها عشقا منذ أن وقعت عيناه عليها منذ ثلاث سنوات شعر بقلبه يتمزق بلا رحمة نظر لها فوجد عيونها بها غمامة من الدموع فتمالك نفسه
أدم بثبات مصطنع: ولا يهمك يا قمر كل شيئ قسمة ونصيب وأنا أتمنالك السعادة حتى لو مش هتكونى من نصيبى
قمر بشفقة على حاله: أنا أسفة أوى يا أدم
حينما لم تتلقى منه ردا نهضت ببطأ وخرجت من المطعم عائدة الى منزلها تاركة ورائها رجل قلبه محطم ولكن ما بيدها حيلة فهى لا تكن له أى شعور وان وافقت عليه خوفا على حزنه فسوف تظلمه وقلبها معلق بأخر
نهاية الفلاش باك ...
أفاق أدم من ذكرياته على صوت صديقه ليث ينادى عليه ..
ليث: أدم.. مالك عمال اتكلم من الصبح وأنت ولا هنا فى حاجة
أدم: لا يا صاحبى أنا بس متضايق شوية , ما أنت عارف المشاكل الى بينى وبين عمى مبتخلص
ليث: هو لسة م**م برضوا يجوزك بنتو , أنا مش عارف ازاى أب يعرض بنتو للجواز كدة
أدم: بالع** يا ليث دا عمى بيعشق بنتو دى أوى وبيخاف عليها من الهوى الطاير وزى ما أنت عارف دى عادات الصعيد ان البنت لابن عمها والواد لبنت عمو
ليث: بس دا كان زمان هى لسة العادات دى موجودة دا أنا فكرتها انقرضت
أدم بسخرية: تنقرض !!! دا احنا الى ممكن ننقرض والعادات تفضل زى ما هى, مرحبا بكم فى مصر
ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتى ليث غصبا عنه بسسب مزاح صديقه , تن*د بارتياح بعد محادثته مع صديقه فهو ليس صديقه فحسب بل أخوه ويعتبره كل عائلته , وجه بصره ناحية النيل مستمتعا بجماله الخلاب ونسمات الهواء التى تداعب وجهه باستحياء وحركة الأشجار الخفيفة من حولهم تبعث فى نفوسهم الراحة