الفصل السادس

1149 Words
شد عليها ياغيز أكثر بين ذراعيه و هو يتمتم " أتعلمين لماذا ترفضين الإجابة على أسئلتي؟ لأنكي جبانة..نعم..أنت جبانة..لا تملكين الشجاعة و لا القوة لمواجهتي..تخشين أن تقولي كلاما تفقدين معه احترامك لذاتك..تخافين أن تري نظرة كره و احتقار في عيني عوضا عن نظرة الحب التي كانت فيها سابقا..أنت امرأة جبانة..لو لم تكوني كذلك لما كنت رفضت الميراث الذي تركه لك والدك..تفضلين الهرب و دفن رأسك في الرمال كما فعلت في السابق..تخافين من مواجهة الجميع و رؤية نظراتهم القاسية و المتساءلة..إلى هذه الدرجة يسيطر عليك الخوف ..لا تنظري إلي هكذا..أنا متأكد أنك جبانة" كانت بعض الإنشات تفصل وجهها عن وجهه..شفاههما تكاد تتمرد على عقليهما و تتلامس..عيونهما تنطق بكلمات لا تشبه تلك التي تقولها أفواههما..تملصت هزان من قبضته المحكمة و قالت بغضب" أنا لست جبانة..و صمتي لا علاقة له بالخوف أو الجبن..صمتي سببه الوحيد أنك لا تستحق تبريرا أو توضيحا أقدمه لك..لا تستحق أن أريحك من عذاب أسئلة لطالما نخرت رأسك..لأنك لو كنت تريد أن تسمعني لفعلت ذلك قبل خمس سنوات..لكنت سألتني و سمعتني و وثقت بي..لكنك خيرت أن تصدق ما تراه و تكتفي به..خيرت أن تجد لنفسك سببا تكرهني به و تمحوني به من قلبك و من حياتك..واصل اذا فعل ذلك و لا تنظر إلى الوراء..أنت الآن زوج أختي..و ستبقى كذلك..تلك العلاقة الوحيدة التي قد تجعلني أتكلم معك..لا فائدة من النبش في الماضي..لا علاقة لك بحياتي و لا بخياراتي..دعني و شأني" و مشت مبتعدة عنه..صاح من خلفها" ..جبانة" تجاهلته و واصلت طريقها إلى القصر..بعد لحظات..دخل ياغيز إلى غرفة المكتب..سكب لنفسه كأسا من الويسكي و جلس على الكرسي الهزاز..تن*د بصوت مسموع و هو ينظر إلى قطع الحطب التي تلتهمها النيران داخل المدفأة..وجد نفسه يعود بتفكيره إلى وقت مضى..إلى زمن كان فيه عاشقا ولهانا..يحب بكل ما أوتي من قوة و من نبض في قلبه..يختصر الكون كله في تلك الفتاة الجميلة ذات الشعر الطويل و التي انطلقت حكايته معها ذات يوم..عندما أنقذها من الغرق..كانا يتواجدان معا مع العمال خلال عملية جني العنب..يساعدانهم و يحملان الصناديق إلى الشاحنات..يسمع صوت غناءها العذب الذي يطرب سمعه و يلامس وتين قلبه..يتعمد ملامسة يدها و هو يعطيها قارورة الماء..و تكون تلك اللمسة كفيلة بإشعال النيران في جسده..يراقب حركاتها و سكناتها..يقضي معها أغلب وقته دون كلل أو ملل..إلى أن جاء ذلك اليوم الذي استجمع فيه شجاعته و صارحها بحبّه..كانت هزان ليلتها تشرف على تجهيز النبيذ في المصنع رفقة خبراء مختصين..و لما أنهت انزوت في مكتبها تصمم الغلاف الجديد للقوارير..طرق ياغيز الباب و دخل ..ارتعش القلم في يد هزان و سقط..كان التوتر الجنسي بينهما جليا و واضحا..نظر إليها ياغيز و ابتسم ثم اقترب منها و هو يقول" هزان..لقد تأخر الوقت..ألن تعودي إلى المنزل؟" هزت رأسها بالنفي و هي تتجنب النظر إليه..وقف بجانب كرسيها و انحنى بجانبها فلامست يده ذراعها..همت هزان برفع خصلة من شعرها الطويل نزلت على جبينها لكن ياغيز أمسك يدها و أبعدها ليقوم هو بذلك..ازاح خصلة الشعر ثم مرر أصابعه بخفة على جبينها نزولا إلى وجنتها و زاوية شفتيها..ارتعدت هزان و أغمضت عينيها مستمتعة بملمس يده على وجهها..همس هو بصوت مبحوح" لطالما تمنيت أن أقوم بذلك..أنت رائعة الجمال هزان" فتحت هزان عينيها لتغرق في بحر عيونه البلورية و تنسى نفسها..سألت بصوت مرتعش" ماذا نفعل نحن؟" أحاط وجهها بكلتا يديه و أجاب" نحب..نعشق..نجن" حملقت فيه هزان بعيون دامعة و قالت" ماذا؟ هل تمزح؟" هز رأسه بالنفي و قال" لا..أنا لا أمزح..هزان..أنا أعشقك" ثم أخذ إحدى يديها ووضعها على ص*ره حيث يخفق قلبه بجنون و تمتم" .انظري..هل تسمعين هذا اللحن الفريد من نوعه؟ هذه الدقات المجنونة تنطق بحبي لك..هزان..أنا أحبك..ما يحدث لي معك يحدث للمرة الأولى في حياتي..لم يسبق لي أن تعلقت بإمرأة بهذه الطريقة..اراك في كل زاوية..أسمع صوتك في كل مكان..رائحة عطرك تحاصرني و تفقدني صوابي..أريد أن أكون بجانبك دائما..هل فهمت الآن لماذا ترينني دائما بقربك؟ هل عرفت الآن سر تلك النظرات التائهة التي ترينها في عيوني؟ ..أنا أعشقك هزان..و أنت؟ ألن تقولي شيئا؟" نظرت إليه هزان للحظات ثم قالت" ياغيز..أنا..و أنا أيضا أحبك..بكل جوارحي..أنا.." قاطعها يومها بقبلة على شفتيها ضمنها كل الحب و العواطف الجياشة التي يكنها لها..مسح ياغيز دمعة سالت على خده..نهض عن الكرسي الهزاز..وضع الكأس الفارغ على الطاولة ..و ذهب إلى غرفته..بالكاد نامت هزان تلك الليلة..كوابيس مزعجة..أصوات متتابعة..تغمض عينيها أحيانا من التعب و الإرهاق..ثم تفتحها بعد لحظات..تفكر بعمق في هذا الوضع الجديد الذي وجدت فيه نفسها..اتخذت قرارا نابعا من كرامتها ..و صارت تشك في صحة ذلك القرار..كلمة جبانة التي سمعتها من ياغيز استفزتها و جعلتها تعيد التفكير..هي ليست جبانة..هي انسانة موجوعة و متألمة و لا ترى في المواجهة نهاية لمعاناتها أو تعويضا لما مر عليها..لكن الأمر الآن أصبح مختلفا بالنسبة إليها..ستثبت لياغيز و للجميع أنها شجاعة بما فيه الكفاية لكي تبقى و تنظر داخل عيونهم جميعا..انبلج الصبح و تسللت أشعة الشمس لتلامس وجه هزان..نهضت من سريرها..وقفت أمام المرآة..هالات سوداء تحت عينيها..لكنها رأت لمعة جديدة في عيونها..لمعة اصرار و قوة لم تعرف لها مص*را..نظرت إلى حقيبتها الصغيرة التي أحضرتها معها..بعض الثياب البالية و القديمة..بحثت عما تلبسه..لكن دون جدوى..عبست للحظة..ثم اتجهت إلى الخزانة الكبيرة التي تقع في طرف غرفتها..كانت تتمنى أن تجد بعض ثيابها القديمة هناك..لكن من يترك ثيابا في مكانها طيلة خمس سنوات..فتحت الخزانة فشهقت بأعلى صوتها..ثياب جميلة و جديدة من أشهر الماركات العالمية..أحذية مختلفة..و ساعات يد..و بضع مجوهرات..إضافة إلى عطرها المفضل..كل الثياب على قياسها..و الأحذية كذلك..سمعت طرقات على الباب فقالت" تفضل" ..دخلت أختها نازان..و أمام دهشتها مما تراه..قالت" لا تستغربي أبلا..لقد كان أبي يجدد خزانة ثيابك كل شهر..يأمر بإحضارها من مختلف بلدان العالم..كأنه كان متأكدا من عودتك ذات يوم إلى هنا" عبست هزان و بدا الأسى واضحا على ملامحها..لامست أختها كتفها و قالت" لا تحزني أختي..لا أعلم ما قاسيته فيما مضى..لكنني أتمنى أن تتمكني من تجاوزه و عيش الحياة التي تليق بكي" عانقت هزان أختها بقوة و هي تقول" شكرا أختي" ربتت أختها على ظهرها و قالت" سأدعك تتجهزين ..لكن لا تتأخري..المحامي بانتظارك" قالت" تمام ..قادمة" ..ارتدت هزان فستانا أ**دا بياقة مفتوحة و يتوسطه حزام ذهبي و احتذت حذاء ذهبيا عالي الكعب..وضعت بعض المساحيق و لبست ساعة جميلة تناسب أقراطها و عقدها..رشت من عطرها ثم فتحت الباب و خرجت..كانت العائلة مجتمعة حول طاولة فطور الصباح..وقفت بجانبهم و قالت بنبرة واثقة"صباح الخير جميعا" أجابها الموجودون..إلا ياغيز الذي رفع نظره إليها..تأملها مليا..من أعلى رأس إلى أخمص قدميها..سحب نفسا عميقا فداعبت رائحة عطرها أنفه و لامست أعماقه..تن*د و لم يقل شيئا..سحبت هزان كرسيا و جلست..سكبت لنفسها فنجانا من القهوة بالحليب وضعت فيه قطعة سكر واحدة..حركت الملعقة في فنجانها تحت أنظار ياغيز الذي لم يستطع اخفاء ابتسامته..فهاهي لم تغير عادتها..تجاهلته هزان و حملت فنجانها و وقفت بسرعة و هي تقول" صحة و عافية..عن اذنكم..سأكون في المكتب مع ايلكار باي" تابعها ياغيز بعيونه و واصل تناول فطوره..فتحت هزان باب المكتب فوجدت ايلكار ينتظرها هناك..وقف حال دخولها و قال" أهلا هزان هانم" ابتسمت و أجابت" مرحبا..تفضل" جلست أمامه و جلس قبالتها..قالت" دون مقدمات..يسرني أن أخبرك أنني غيرت قراري..و قررت أن أقبل الميراث الذي تركه لي والدي" ابتسم المحامي ابتسامة عريضة و قال" اوووخ..الحمد لله..لقد سرني أنك غيرتي رأيك..هذا قرار صائب جدا" قالت" و أنا أيضا أعتقد هذا..و الآن..أرجو منك أن تخبرني عن حالة المصنع و الماركة..هل كل الأمور على ما يرام" تغيرت ملامح ايلكار و قال" كنت أتمنى أن يكون الوضع جيدا..لكن..يؤسفني أن أخبرك أن الوضع ليس على ما يرام في الأشهر الأخيرة..كانت صحة أبيك متدهورة ..و لم يكن يراقب العمل..تولت أختك نازان تسيير المصانع لكن..سأكتفي بقول أنها لم تفلح في ذلك"
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD