نظر ياغيز إلى كرم نظرات متفحصة كلها شك و ريبة و سأل مباشرة" أين هزان؟ هل هي هنا؟ هل انتما معا؟" ابتعد كرم عن الباب بعد أن دفعه ياغيز بعنف و دخل..نظر هنا و هناك..ثم فتح باب الحمام حيث كانت هزان تقف شبه عارية..تلوث سروالها فنزعته و بقيت تحاول تنظيفه من بقع الدم..جمد ياغيز في مكانه ينظر إليها..إلى ص*ر كرم العاري..إلى القميص الملطخ بالدماء..توقف عقله عن التفكير و أخذ يرتعد غضبا..هزان التي لطالما رفضت أن تقيم معه علاقة جسدية قبل أن يتزوجا..سلمت نفسها لذلك الشاب الذي يغار منه عليها و الدليل تلك الدماء التي لوثت القميص..غيرته اعمت عيونه و أخذ يلعن بصوت عالي..ارتدى كرم قميصه..تقدم منه و قال"سيد ياغيز ..لا تفهم ما تراه بصورة خاطئة..انا.." و قبل أن ينهي كلامه كانت لكمة قوية من ياغيز قد نزلت على وجهه و طرحته ارضا..كانت تلك المرة الأولى التي ترى فيها هزان ياغيز على تلك الحالة من الغضب و الهيجان..قالت" ياغيز..حبيبي..لا.." قاطعها صارخا" ..اخرسي..لا تقولي حبيبي..أنت خائنة..و عاهرة..أنت أكبر كذبة عشتها..لا تتحدثي..اذا سمعت كلمة أخرى منك..أقسم انني سأقتلك و أقتله هنا دون أن يرف لي جفن" حملقت فيه هزان غير مصدقة ما تسمعه منه..مرر أصابعه بعصبية على خصلات شعره و قال" لا داعي للكلام..لا فائدة له..لقد رأيت ما رأيته..و هذا يكفيني..اذهبي من حياتي إلى الأبد..لا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى..خائنة..كاذبة..كنت دائما تتحدثين عن الشرف في حين أنك خائنة و بلا شرف أو أخلاق..أنا الغبي..أنا الأحمق..مالذي كنت انتظره منك..من واحدة قتلت أخاها الصغير لكي لا يشاركها في الميراث..أنت ميتة منذ اليوم بالنسبة إلي..لقد انتهى كل شيء..انتهى" و خرج صافقا الباب وراءه..فتحت هزان عينيها على صوت طرقات على الباب انتشلتها من شريط الذكريات..نهضت هزان من سريرها و فتحت الباب لتجد الخادمة أمامها تخبرها بأن العائلة و المحامي في انتظارها في الصالون..غيرت هزان ملابسها ..ارتدت سروالا أ**دا ممزقا من الركبة و قميصا بذات اللون و احتذت حذاء رياضيا ثم حاولت تعديل هيأتها قليلا و اخفاء الهالات السوداء من تحت عينيها..نظرت إلى خصلات شعرها القصير..بدت في عيونها نظرة حزن و أسى..تذكرت عندما كان والدها يناديها بصاحبة الشعر الطويل..و كان يداعب خصلاتها الليلكية السوداء و التي كانت تلامس خصرها..تن*دت و تلألأت دمعة حارة في مآقيها..قالت تحدث نفسها" آه بابا..لو تعلم ماذا حدث لخصلات الشعر الطويل و لصاحبتها..لو تعلم كم ظلمتها و قسوت عليها..لو تعلم كم عانت و تخبطت لوحدها..لو تعلم كم صفعتها الحياة و آذتها..آه بابا..لقد أجبرتني على قول كلمة ليت..لم تسمح لي بقول كلمة غيرها..ذهبت و تركتني دون أن تستمع إلي أو تعانقني للمرة الأخيرة..آه بابا" ..وضعت هزان هاتفها في جيبها و نزلت إلى الأسفل..نظر إليها المحامي إيلكار و قال" مرحبا هزان هانم..و الآن أستطيع أن أفتح الوصية بما أن الجميع موجودون" كان ياغيز جالسا بجانب نازان ..أما سيفنش فكانت جالسة بجوار ابنتها جيداء..جلست هزان فأخذ المحامي ظرفا مغلقا من حقيبته ..فتحه ..نظر إلى الجميع ثم انطلق في القراءة.." أنا الممضي أسفله أمين نجدت شامكران..أقر و أنا بكامل قوايا العقلية بأنني كلفت محاميّ السيد إيلكار جانان بكتابة وصيتي هذه..و بموجبها..أمنح ملكية القصر لابنتاي هزان و نازان و لهما الحق في السماح لأي كان بالسكنى معهما فيه..هذا إضافة إلى ملكية الكروم ..أما الشركات فستكون أسهمها موزعة كالآتي..عشرون بالمئة لزوجتي سيفنش..أربعون بالمئة لنازان و أربعون بالمئة لهزان..هناك مبلغ مالي في حسابي الخاص..ذلك من حق زوجتي سيفنش إضافة إلى بعض المجوهرات ..مع الوصية..ستكون هناك رسالة لابنتي هزان سيتولى إيلكار تسليمها لها..أتمنى أن تدعوا لي بالرحمة..دمتم سالمين"..تغيرت ملامح وجه سيفنش بعد سماع الوصية..كانت متأكدة أن أمين لن يعطي شيئا لهزان..كانت تظن أن كل شيء سيبقى لنازان و لابنها ياغيز..كانت تظن أن نفيها لمدة خمس سنوات و ما حدث قبل ذلك سيكون كفيلا بحرمانها من الميراث..لكنها اكتشفت أن ظنها كان خاطئا..انتفضت هزان واقفة و قالت بعصبية" لا..لا أريد..لا أريد شيئا من ذلك..سأعتبر أنني لم أسمع شيئا..و سأعود من حيث أتيت" همت بالخروج لكن إيلكار أمسكها من يدها و هو يقول" هزان هانم..لو سمحت..هل نتكلم على انفراد؟" قالت تعترض" لا أريد..لو سمحت" قال بإصرار" أرجوك لا ترفضي..لنتحدث أولا ثم افعلي ما تريدين" صمتت قليلا ثم هزت رأسها و تبعته إلى غرفة المكتب..جلس إيلكار فيما بقيت هزان واقفة..قال" هزان هانم..هذه الرسالة التي تركها لك السيد أمين..لقد أوصاني بإعطاءها لك باليد..اقرإيها ثم قرري ماذا ستفعلين" أخذت هزان المغلف من يده و بقيت جامدة في مكانها..وقف إيلكار و هو يقول" هزان هانم..أعلم أن لد*ك الكثير من الأسئلة التي تجول في عقلك..و أعتقد أن هذه الرسالة ستجيب عليها..لذلك لا أريدك أن تتسرعي أو تتخذي قرارا غير محسوب ..تفضلي بقراءة الرسالة ثم اتخذي القرار الذي ترينه مناسبا..سأتركك لوحدك الآن..ثم سنجلس معا بعد ذلك..و عندها ستخبرينني بقرارك..عن إذنك" فتح إيلكار الباب و خرج..جلست هزان على الكرسي..ارتعشت يدها التي تحمل الرسالة..ترددت للحظات في فتحها..ثم استجمعت شجاعتها و فتحتها..تعلقت عيونها بخط والدها الذي تعشق وضوحه و حروفه الجميلة..قرأت بعيون دامعة" هزان..ابنتي..عندما تتسلمين هذه الرسالة..قد لا أكون موجودا معك..تمنيت أن أقول لك هذا الكلام مباشرة..لكنني كنت رجلا جبانا..أخشى مواجهتك..و أخشى أن أرى في عيونك نظرة عتاب..أو غضب..أو كره..و معك حق ..كل يوم كان يمر من دون وجودك معي..كان يثبت لي أنك كنت و مازلت المفضلة لدي..قد أكون ظلمتك..و أجحفت في حقك..لكنني و دون أي دليل أو إثبات..أقول لك أنني سامحتك..نعم..لقد سامحتك..أحبك يا ابنتي..لا أعلم كيف قضيت كل تلك السنوات..لكنني أعدك أنني سأعوضك عن كل ذلك..أرجوك اقبلي بما تركته لك..لأنه من حقك..اعتبري هذا آخر ما أطلبه منك..كيرما بيني..لا ترفضي..خذي حقك..و اعتني جيدا بالعائلة و الممتلكات..انت الوحيدة القادرة على ذلك..أنا أثق بك و أسامحك..و أتمنى أن تكوني انت قادرة على مسامحتي..كوني بخير يا عزيزتي..دمت سالمة" ..ضغطت هزان على الورقة بين أصابعها حتى كادت تمزقها ..صارت الرؤية منعدمة أمامها من كمية الدموع التي تجمعت في عيونها..مررت هزان يدها على رقبتها..كانت تشعر أنها تختنق..قلبها يخفق بشدة و أنفاسها مكتومة..وقفت..ثم عادت للجلوس مرة أخرى..ثم وقفت من جديد..كل ما حدث و يحدث يعيد لها حالة من الضعف و الإضطراب مرت بها في السابق..و لا تريد لتلك الحالة أن تعود..نظرت ثانية إلى الرسالة..قالت بصوت مسموع" لقد ظلمتني يا أبي..في حياتك و في موتك..هل تعتقد أن هذه الأموال و الممتلكات التي تركتها لي ستعوضني عما مضى..عما عانيته و عن كل الظروف القاسية التي عشتها..لا تطلب مني أن أقبل..لو كنت واجهتني و أخبرتني انك سامحتني لكان تغير كل شيء..لكنت عدت إلى هنا مرفوعة الرأس..لكنت نسيت كل الظلم الذي تعرضت له و الذي أورثتني إياه..لكنت شعرت أنني فعلا بين أهلي و في منزلي..لكن..أتعلم ..أنا لا أنتمي إلى هنا..أنا غريبة هنا..في منزل والدي..أنا وحيدة..و منفية..و منبوذة..نعم..أنا المنبوذة التي لم تبقى مصيبة لم تقع على رأسها..لن أقبل..أنا آسفة..لا تطلب مني ما أنا عاجزة عن فعله..هذا كثير..حقا..هذا كثير" وضعت يدها على مقبض الباب و همت بالخروج..لكن رنين هاتفها منعها..و كالعادة لم تتمكن من رؤية اسم المتصل..أجابت" الو" قال شخص على الطرف المقابل" مرحبا هزان..أنا أوموت..كيف حالك؟" ردت" مرحبا دكتور..أنا بخير" سأل" لقد اتصلت لكي أسألك عن التحليل الدوري..هل قمت به؟" وضعت هزان يدها على جبينها و قالت" اووف..لقد نسيت" قال بنبرة قلقة" هزان..ليس من الجيد أن تنسي موعد التحليل..انت تعلمين أن.." قاطعته" اجل..أعلم ذلك..سأجد الوقت المناسب و أجريه..لا تقلق" قال" هل هذا وعد؟" أجابت" وعد" ..