دلفت حلا إلى داخل القصر الذي يعكِس ثراء أهله ، تجُر خلفها حقيبتها التي تحتوي على ملابِسها ، توقفت قليلاً تُمعَّن النظر إليه بانبهـار ، شهقـة خافتة انطلقت من بين شفتيها حين استمعت إلى صوت امرأة في الخمسينات مِن عُمرها تسألها عن ماهيتها ويبدو عليها الثراء والرُّقي .
أجابتها حلا عن سؤالها بارتبـاك : أ أنا هنا عشان مريم
عقَّـدت فـريده حاجبيها بضيق وأردفت باقتضاب : مريم مين ؟!
حلا : بنت البشمهندس سيف
نطقت فريدة بصـرامة : ما اسمهاش مريم اسمها فريدة ! مش فاهمه أنا سيف ليه م**م على مريم !
رفعت حلا رأسها من الأرض وعيناها تتسع بانبهار من ما سمعت : بـ بجد !
تجاهلت فريدة حديثها ثُم استطردت تتساءل : وأنتي جايه هنا بقى تعملي أيه بها ؟
همَّـت حلا بالرد على سؤالها ولكن كلتاهما التفتتا إلى باب الڤيلا عقب سماع خطوات سيف وهمهمات الصغـيرة الماكثة فوق ذراعيه .
أردف سيف وهو لا يكُف عن النظر إلى ابنته : حلا هنا عشان مريم يا فريدة هانم ، هتاخد بالها منها .
ظهـر الغضب جليًّـا على ملامح فـريدة التي أردفت بعدم قبول واشمئزاز : سيف أحنا قولنا اسمها مريم ده غير أنت ملقيتش غير دي وتجيبها عشان بنتك !
اغرورقت عيني حـلا بالدموع عقب استماع إهانتها الص**حة فاستدارت تجُـر حقيبتها ترحل عن الڤيلا ولكن منعها سيف الذي امتدت يده تُمسك ذراعها رافضًـا السماح لها بالرحيل .
التفت سيف بوجهه لوالدته يُردف بعناد وصرامة : فريدة هانم ! ياريت تتكلمي عن حلا بشكل أفضل من كده ، ولو أنتي متضايقه أوي عشان اسم البنت وقلبك واكلك عليها أوي كده كان مُمكن الشهور اللي فاتت دي تدوري عليها إنما سواء أنتي ولا البيه اللي اسمه نائل قاعدين حاطين رجل على رجل وكل واحد فيكم يتشرط بحاجه مختلفه .
لم تُعر فريدة لنصف كلامه اهتمامًا وأردفت بغضب : سيف ! أنت عاوز الناس تقول أيه لما يلاقوا واحده في سنها قاعده في الفيلا وأنت وأخوك موجودين
رفع سيف ذراعيه لأعلى بلا اهتمام وأطلق قنبلته الموقوته : ولا يهمِّك يا فريدة هانم ، هكتب كتابي عليها
اعتلت الدهشة وجه حـلا التي نطقت بانفعال : أنت بتقول أيه !
انحنى سيف قُرب أذنيها ليهمِس : مفيش حل غير ده لو عاوزه تنفِّذي وصية صاحبتك وبعدين أهدي كده ؛ أنا بعمل كل ده عشانك وعشان سمعتك .
أردفت فريدة بصوتٍ عالٍ : أنا لا يُمكن أسمح لك تتجوز واحده من الشارع أبدًا ، فاهم !
سيف بصوت جهوري : أنا هنا اللي أحدد هعمل أيه في حياتي مش أنتي ولا نصر بيه !
ثُم التفت إلى حلا الواقفة ليتحدث إليها بصوت هاديء : اطلعي على السلم ده يا حلا وآخر أوضه في الممر أستنيني فيها ، هي مفتوحه وخودي مريم معاكي .
أومأت حلا بموافقة وتناولت منه مريم وصعدت إلى الأعلى حيثُ أمرها ، بينما اقترب سيف مِن والدته ونظر لداخل عينيها بقوَّة وأردف بتوعُّد .
سيف : تعرفي ؛ أنا مكنتش حاطط في دماغي حوار الجواز ده بس عِند بعند هتجوزها !
رفعت فريدة أحد حاجبيها بسُخرية وأردفت بتهكُّم : ويا ترى هتتجوزها على أي أساس ؟ حُب ولا عشان جمالها ؟
أجابها سيف ببرود : أحسبيها زي ما تحسبيها .
فريدة بسُخرية : كنت متأكدة إنك طمعان في جمالها مش أكتر ، واحده زي دي في جمالها وسنها طبيعي يبقى عليها العين ، بس براڤو عليها عرفت تختار الصح وتوقعه .
ارتسمت ابتسامة ساخرة فوق شفتيه وأردف بمكر : ما بنتك اتضحك عليها ومسمعناش وقتها صوتك ده !
أردفت فريدة بدفاع : تمارا وقتها كانت بتحب وليد وهو كمان كان بيحبها !
حك سيف ذقنه وأردف : والحُب العظيم ده وصل لفين ؟!
فريدة بتوتُّر : أ أنت تعرف ...
سيف بمُقاطعة : أنا معرفش حاجه عن الست هانم ، أنا قولت لها يومها إن الجوازه دي لو تمت تنسى إن ليها أخ !
فريدة بأسى وحسـرة على حال أولادها : حرام عليك يا سيف واللي بتعمله ده ميرضيش ربنا !
سيف بغضب : واللي المحروسه بنتك عملته يرضي ربنا ؟! قولت لها إن الواد ده طمعان في الفلوس مسمعتش كلامي وتنَّحت وقالت أنت بتبص على الماديات ! تكدب أخوها وتصدق عيل ابن أمبارح لسه عارفاه !
طأطأت فـريدة رأسها للأسفل بخجل وأردفت : كانت صُغيره وقتها يا سيف وحبت !
سيف : والله محدش ض*بها على أيدها ، أنا متوقع دلوقتي حالها عامل أزاي !
همَّ سيف بالصعود للأعلى ولكِن كلمات والدته الأخيرة عصفت بذهنه وطافت به الظنون حتى توقف مرة أخرى بجوار والدته وأردف بصوت من منخفض يتساءل .
سيف : هو مد أيده عليها ؟
فريدة بارتباك : مـ مين ؟
سيف وهو ينظُر لداخل عينيها : اللي اسمه وليد .
فريدة : لـ لا .
أكمل سيف صعوده لأعلى بينما نظرت فريدة إلى أثره ، تعلم مِن داخلها أنَّ باله مشغول على ش*يقته ، هي واثقة مِن أنَّه قال الصدق في عدم تتبُّعه لأخبارها وإلاَّ ما كان هادئًا هكذا أبدًا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مكان آخر وتحديدًا أحد بيوت المتوسطَة في أحد أحياء القـاهرة ، تقِف فتاة جميلة في مُنتصف ال*قد الثاني مِن عُمرها أمام مِرآة كبيرة تضع بعد المساحيق التجميلية فوق وجهها في محاولة مِنها إخفاء تلك الكدمات الزرقاء الموجوده على وجهها ، التفتت ناحية باب الغُرفة تنظُر إلى زوجها الذي ينظُر إليها بنظرات غاضبة كالعادة .
وليد : رايحه على فين كده يا مدام ؟
أجابته تمارا بضيق وهي تعاود وضع المساحيق : نازله الشُّغل يا أستاذ وليد ، عندك اعتراض ؟
وليد وهو يُشعل سيجارته : وهو اللي نازل عشان شُغل بيحُط المكياج ده كله ؟
تمارا بتنهيدة : لو أنت كُنت مكفي مصاريف البيت مكُنتش نزلت يا وليد .
احتَـدت نظرات وليـد الذي ألقى بسيجارتـه تحت حذائه ثُم أقبل على زوجته يجذبها من خصلات شعرها وهو يهتف .
وليد : أنتي عاوزه توصلي لأيه بالظبط ؟
تمارا وهي تحاول نزع شعرها : شعري يا وليد ، حرام عليك أنا مش قصدي حاجه !
وليد : لا أنتي عاوزه توصلي إني ، إني عاجز !
نفَّضت تمارا شعرها بعُنف مِن بين يديه فلقد ضاق ص*رها منه واكتفت من أحاديثه المتشابهة التي لا تنتهي وأردفت بحدة .
تمارا : مفيش حاجه تجبرني أعيش معاك فعلاً يا وليد ، أنت لما حصل لك تعبك قلت لك تشوف دكتور وأنت معبرتش كلامي في الجزمه ، ورغم ده كُله عيشت معاك وقلت عادي المهم هو جنبي ، سيبت الشغل عشان حالة الاكتئاب اللي جات لك دي وقلت ماشي هنزل أنا وأحنا الاتنين واحد ، ودلوقتي من فراغك قاعد تحقق معايا بحُط ميكب ليه ولا رايحه فين ! ، أوعى تفكر يا وليد تطلَّع عجزك على كلمه واحده في حقي ، فاهم ؟!
انقض عليها وليد بالصَّفعات واللكمات ول**نه ينطق بأشنع الكلمات ، حتى أدمى وجهها وأجزاء من جسدها ثُم ألقاها بعُنف ليسقط رأسها فوق مِسند الفراش ، ليرحل هو تاركًا إيَّاها والمنزل بأكمله .
تمارا وهي تُمسك رأسها الذي أدمى : أ أستنى ، دماغي !
ليدلُف إلى الدَّاخل طفل صغير لم يتجاوز العامين مِن عُمره ينظُر بخوف إلى والدته والدموع تتجمع في مقلتيه حينما رأى الدماء تسيل من جسد والدته ، ابتسمت تمارا بصعوبة وأردفت .
تمارا بوهن : فِراس يا حبيبي ، هات الموبايل من على الكُرسي .
ليُسرع الصَّغير نحو الهاتف جاذبًا إيَّاه مُسرعًا نحو والدته التي تحاول جاهدة اللحاق للاتصال بوالدتها قبل أن تفقد وعيها مِن غزارة ما فقدت مِن دماء !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلسَت على طرف فراش غُرفتها تُتابع عبث الصَّغيرة فوق الفراش مُسترجعة ما تفوَّه بِه أمام والدته وإلى الآن لم يُعطها إجابة ص**حة عن ما قاله ، كانت تهِم بالنُّهوض نحو المرحاض المُلحق بالغُرفة ليُضيء هاتفها برقم ذلك البغيض الذي تعمل لديه .
تأفَّـفت بضيق وهي تضع هاتفها فوق أذنها : أيوه يا أستاذ أيمن ؟
أيمن : فينك يا حلا ، أربع شهور كده كفايه أوي !
حلا : مش هي ندى بتيجي ؟
أيمن بتأفف : مش عاجبني شغلها ، لازم ترجعي الشغل يا حلا يا إما تسيبيه خالص ، وعلى فكره فيه زيادة ٢٠٠ جنيه على المرتب لو رجعتي .
حلا : تمام يا أستاذ أيمن ، يومين بس أظبط أموري وأكلم حضرتك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دلفت ندى إلى داخل المنزل وهي تُنادي باسم حلا باستمرار ولم تحصل على رد ، لتبحث عنها في جميع أرجاء المنزل وقد بدأ القلق يُصيبها فالساعة الآن الثامنة مساءً ، استمعـت إلى صوت طرقات فوق الباب لتنهض سريعًا تفتحه وهي تتحدث بتلقائية .
ندى : مش كُنتي تقولي إنك .. ، نديم ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دلَف بهدوء إلى غُرفتها بعدما أذنت له بالدخول ، لينظُر إليها بتفحُّص جعلها تشيح بنظراتها للجانب الآخر ، إلى أن قطعت ال**ت وأردفت .
حلا : ممكن تفهمني أيه الكلام اللي أنت قولته تحت ده ؟
سيف : كلام أيه ! ، آه قصدك الجواز ؟ ، أيه المشكله ما نتجوز !
نهضت حلا بغضب من فوق الفراش تهتف بانزعاج : أنت أكيد جرا ل*قلك حاجه ! أيه البرود ده يا أخي !
هتف سيف هو الآخر : لا تحترمي نفسك وأنتي بتكلميني ، أنا مستغرب من نفسي إني صبور عليك أوي كده !
حلا : أنت مسيبتلهاش احترام أصلاً ، يعني أيه نتجوز دي هي لعبه !
سيف بلا مُبالاة : أنتي اللي مُتمسكه ببنتي وبال*قل يعني أنا بجوازي منك بحمي سُمعتك وسُمعة العيله !
حلا : أنا قلت لك تسيبني مع مريم ونعيش بره الڤيلا !
نطق سيف بسُخرية : يا عيني ! ، أنتي عاوزاني أسيب بنتي معاكي بره الڤيلا ؟
حلا بقوَّة : سبق وسبتها وسبت أمها .
سيف بتنهيدة : كنت متأكد إنك هتاخدي الكلام لنفس الموضوع .
أردفت حلا بهدوء وشرح مفصل : مُمكن تفهمني أزاي هتجوزك وأنا معرفكش ولا هنلعب لعبة العريس والعروسه ؟
سيف : هنتجوز عادي يعني ، ومتقلقيش هسيبك فتره على ما تاخدي عليا ، بَس أنا مبلعبش .
حلا وهي تُعقد ذراعيها أمام ص*رها : بَس أنا مبحبكش !
سيف : ما أنتي لو فيه حد في حياتك مكُنتيش جيتي هنا .
حلا باستسلام : أنت عشان عايش في قصر ومعامل فلوس فاكر إن الجواز لعبه ، يمكِن لعبه بالنسبه لك يا سيف باشا بَس أنا بنت وفي مجتمع مش بيرحم .
سيف : أنا مش هتسبب لك في أي حاجه تأذيك ، وأنتي هتبقي على ذمتي يعني وقتها سُمعتك مِن سُمعتي .
حال ال**ت بينهما عدة لحظات قبل أن يقترب منها وهو يتطلع إلى صفحة وجهها وسألها بصوت يملؤه الشَك.
سيف : أنتي مفيش وراكي مُصيبه ، صح ؟
كـرد فعل لحركته وسؤاله ارتد جسدها للخلف وهي تُردف : مـ مُصيبة أيه !
ابتعـد عنها سيف ونظرات الشك لازالت تملأ عينيه حتى هتف بينما يخرج من الغُـرفة .
سيف : هنكتب الكتاب بكره الصبح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ