تمارا تكمل بعتاب شرس:" لماذا ستتركه؟.. هو لم يفعل شيئا لتؤلمه هكذا.. كيف استطعت التفكير هكذا عمار؟.."
كانت حالتها مربية حاول عمار تهدأتها, وقال بلطف:" حبيبتي أنا لن أتركه سأعتني به.."
اندفعت بجنون تمسك بقميصه, صارخة تهزه:" لا أنت كاذب.. لماذا اﻵن؟.. لِمَ لم تنفصلا قبل وجوده؟.. لهذه الدرجة لا يساوي لد*ك شيء؟.. أي أب أنت!.."
كانت تصرخ بلا وعي, عيناها متسعتان غاضبتان تكادا تفتكان بعمار, حتى سامر كان متفاجئًا بتصرفها..
عمار المذهول من فعلتها لم يعرف ماذا يقول, لكنه حاول وضع يديه على يديها, قائلاً بدهشة:" اهدئي ليس هناك داعٍ لكل هذا الغضب.."
ولكنها دفعت يديه, وصرخت بجنون:" كلكم هكذا لا تهتموا سوى بأنفسكم.. لا تعرفوا......."
قطع صراخها صوت سهيل الهادر بعصبية:" يكفي تمارا.."
نظرت له بشراسة تلهث, هيئتها هجومية..
لكنه صرخ بصوت أعلي آمرًا:" إلى غرفتكِ الآن.."
لم تتحرك من مكانها؛ فصرخ مرة أخري بصرامة:" قلت اﻵن.. وكفي عن أعمالكِ الطفولية الخرقاء.."
زمت شفتيها تخفي ارتجافهما, واستدارت بخطوات ساخطة لغرفتها تصفع الباب خلفها بعنف.. تدور حول نفسها بجنون تتطلع للمكان بأعين متسعة بشراسة, عضلة فكها تهتز لا إراديًا..
وكعادتها أمسكت بوسادتها تخفي وجهها, وتصرخ صرخات غاضبة مكتومة..
أما بالخارج كان عمار وسامر ينظران بدهشة لسهيل الهادرة أنفاسه ت**ر **ت المكان..
لكن عاتبه عمار:" لم يكن عليك أن تفعل هذا معها سهيل.."
ركل سهيل الكرسي بعنف, وقال من بين أسنانه:" اللعنة.."
ثم التفت لعمار, وأكمل بغضب مكبوت:" لم يكن عليك الحديث عن اﻷمر هذه حياتك وأنت حر بها.. لم تأت لأخذ موافقتنا لإنفصالك الأسطوري.. ابق بعيدًا عنها اﻵن؛ لأنها لن تتقبل اﻷمر بسهولة كما تظن.."
ثم رحل من أمامه بخطوات غاضبة يحتاج لتفريغ غضبه بشيء ما, يريد ض*ب وتحطيم أي شيء ليهدأ من نفسه الثائرة..
نظر عمار في إثره بدهشة متسائلاً بداخله عما دهاهما!..
جنون تمارا, لم يكن يعلم أن الأمر سيؤثر بها بهذه الطريقة, لكن عليه أن يخبرهم بالوضع فالأمور ستتغير, وسينتقل للعيش معهم هنا كما كان سابقًا؛ ليترك المنزل لغريس والصغير..
تن*د بتثاقل هذا ما كان ينقصه غضب تمارا منه.. عليه الآن أيضًا أن يتصل بوالديه ويخبرهم بالأمر.. لِمَ لا يكون الوضع أسهل من ذلك؟.. لم تفعل غريس ما فعلته تمارا.. ربما حزنت, لكنه سيواسيها فيما بعد.. سيفهمها الوضع؛ لكن ليس الآن..
أجفل على صوت سامر المتأفف:" كان عرضًا دراميًا مزعجًا.."
نظر له عمار بعدم رضا, فلوى شفتيه للجانب ورفع حاجبيه بلامبالاه,
وتسائل فجأة بلهفة:" لحظة عمار.. لكن ماذا عن التسوية المالية؟.. بما أنكما ستنفصلان؛ ستأخذ غريس نصف ممتلكاتك.. ماذا ستفعل؟.."
جلس عمار مرة أخرى, وقال ببساطة:" ليس هناك الكثير.. فأنت تعلم أنني أدير العمل وليس هناك شيء بإسمي.."
ثم ضحك بهزء, يضيف بسخرية:" عليك أن تقلق بشأن هذا الموضوع إذا ما كان سهيل هو من تزوج وسينفصل.. فالكثير من الشركات بإسمه.."
نظر له سامر بعينين متسعتين تنضحان غضبًا, وهو يرى تهكم عمار على سهيل, وقال بشراسة متحفزًا:" ربما لأنه يستحق كل قرش من هذه الأموال عمار.. ماحدث له وذاقه؛ لن يعوضه أموال العائلة كلها.. إن أردت أن تتحدث في هذا الأمر لِمَ لا تتحدث مع سهيل!.. ربما يكون لديه جواب شافي لك.."
ضحك عمار, يرفع يديه بإستسلام, يقول بهدوء:" اهدأ سامر لم أقصد أن أسييء إليه.. فقط أوضح الأمور.."
زم سامر شفتيه جاذاَ على أسنانه بقوة كاد يحطمهم, ينظر لعمار بعينين محتقنتين مخيفتين, نظرات تكاد تفتك به من غضبها..
ثم اندفع من أمامه لغرفته وأغلق الباب يتطلع حوله بجنون, لا يستطيع سماع كلمة واحدة تسييء إلى سهيل.. بل لا يسمح لأحد بالتجرأ عليه..
عقد حاجبيه وانحنت زاويتي عينيه بحزن عميق, وطيف ذكرى مؤلمة تكاد تعصف به..
أغرورقت عيناه بالدموع يتذكر نفسه منذ سنوات متوارٍ عن الأنظار ينظر بأعين باكية بعجز لا يستطيع حتى إظهار نفسه, لأخيه الساقط أرضًا يتعرض لذل فعلة لم يرتكبها..
ابتلع غصة استحكمت بحلقه وطعم مرارة الماضي لا زال عالق كالعلقم, كان صغيرًا.. لا حيلة له..
لكن الآن هو وسهيل بيدهما القوة, سيدهسان من يقف بطريقهما, ويحاول أن يمسهما ولو بنظرة, تنفس بعنف ورفع رأسه بتحدي وت**يم, والتوت شفتيه بإبتسامة لئيمة ولمعت عيناه,
يتمتم بثقة:" أخي سيسحقهم جميعًا, لم يستحق لقب الصياد من فراغ.."
************
في منزل كبير تدل معالمه علي العراقة, أشبه بقصور العصور الوسطى, بدأءً من البوابة الضخمة التي يقف عليها حارسين ضخما الجثة بملابس كلاسيكية, الحديقة الواسعة المنظمة بشكل جمالي يمتد طريق مرصوف للسيارات, وعلى جانبيه مساحات خضراء, نافورة مائية دائرية عليها بعض تماثيل لأطفال صغيرة بأجنحة, واجهة المنزل الضخمة المستندة لعمودين كبيرين..
بالداخل حين تسير بالبهو تجد الجدران المعلقة عليها لوحات باهظة الثمن رسمها أشهر الرسامين.. ربما تكون نادرة.. بعض التماثيل المرصوصة بطريقة هندسية, حتى المفروشات كلاسيكية..
حين دلفت روز إلى منزل عائلتها كانت تشعر بالضيق الشديد حد الإختناق, لا تحب التواجد بهذا المكان, لكن اتصل بها مدير مكتب والدها يخبرها برغبة والدها برؤيتها فذهبت مرغمة.. اصطحبتها مدبرة المنزل للداخل حين وجدت..
والدتها التي رحبت بها بهدوء, وابتسمت قائلة:" مرحبًا عزيزتي.. كيف حالكِ؟.."
رمقتها روز بطرف عينيها, قائلة بإختصار:" بخير.. ماذا يريد أبي؟.."
عقدت والدتها حاجبيها, وقالت بدهشة:" هل دعاكِ والدكِ لم أكن أعلم.. كنت أظن أنكِ أتيت لزيارتنا.. وللصلاه.."
اص*رت روز صوتًا ساخرًا, وقالت بسخرية:" للصلاه!.. منذ متى أصلي معكم!.. ثم إن اليوم ليس الأحد.."
_ عزيزتي ليس بالضرورة أن نصلي الأحد فقط.. الصلاة متاحة بجميع الأوقات..
زفرت روز بملل, تشيح بوجهها, قائلة بنفاذ صبر:" أمي.. دعينا من هذا الحديث.. تعلمين أنني لست مثلكم.."
هتفت والدتها بصرامة غاضبة محذرة:" تأدبي روز عند الحديث ولا تنسي أنني والدتكِ.. ليس معنى أننا نترككِ هكذا أن تسيئي الأدب.. وإلا..."
ابتسمت روز ابتسامة باهتة, وقالت بخفوت:" أعمل أمي ماذا سيحدث.."
زفرت بحنق وقالت بملل:" متى يمكنني مقابلة أبي؟.."
رمقتها والدتها بنظرات حانقة, ثم قالت بجفاء:" عندما ينتهي من عمله سيقابلكِ.."
ثم نظرت ليديها وتسائلت:" ما الذي أصاب يداكِ؟.."
أطرقت روز برأسها, تنظر لأصابعها, إرتجفت يداها من الذكرى, وقالت بإرتعاش:" لا شيء.. مجرد حادث.."
ثم ابتلعت ريقها وتن*دت بتثاقل وجلست في انتظار الإذن بالدخول.. جلست والدتها بالكرسي المقابل لها ب**ت تحدجها بعدم رضا..
بعد عدة دقائق خرج من أخيها من مكتب والدها, ونظر لها بإزدراء, وقال بترفع:" أنتِ هناك, والدي ينتظرك بالمكتب.."
نظرت له روز بإمتعاض, تلوي شفتيها للجانب, نهضت وتحركت لتقف بجواره, وقالت متهكمة بفحيح كالأفعى:" ماذا هناك أخي؟.. هل لازلت تعيش دور القديس؟.. لازلت راهبًا.."
اشتدت شفتاه حتى أصبحتا كخط حاد, مال برأسه هامسًا بتحذير مخيف:" احذري أيتها الأثمة.. احذري وأنتِ تتحدثين معي, فمذنبة مثلكِ لا ترتقي للحديث معي, مكانكِ في الجحيم لتتطهري من آثامكِ.."
ثم رمقها بنظرة مشمئزة وتحرك ناحية والدته التي نهضت, وقال بإبتسامة عذبة:" هيا بنا أمي لنذهب للصلاه.."
ابتسمت والدته برقة وقالت:" هيا بني.." رمقت روز بحنق وتحركا بعيدًا..
وراقبتهما روز بإبتسامة ساخرة مريرة.. منزلهم وحياتهم الصارمة أوامر وتعليمات عليها أن تنفذ وإلا سيكون العقاب وخيمًا.. تلك العائلة إيطالية الأصل ذات التاريخ العريق انتقلت منذ عقدين إلى أمريكا وكونت لنفسها اسمًا معروفًا.. لم يكن هروبها من تلك الحياة سوى للتنفس والعيش حياة طبيعية بعيدًا عن القسوة والصورة الرائعة المرسومة بدقة أمام الجميع..
أخذت نفسًا عميقًا وزفرته بروية تحاول الإتزان والهدوء.. مواجهة والدها حتى ولو في مقابلة عادية تثير بها الرهبة.. تشعر بالخوف كلما وقفت أمامه وتلك النظرة الصارمة تشعر بأنها تخترقها وتكشف مابداخلها..
تحركت بخطوات حذرة ودلفت وأغلقت الباب خلفها والتفتت لتجده جالسًا على كرسيه خلف المكتب, تلك الرعشة التي سرت بجسدها حين نظرت إليه مخيف.. حتى وإن لم ينظر لها..
تأملته بتحفز جسد ضحم متناسق يحتل الكرسي بهيبة, شعر رمادي يوحي ببلوغه الستين من عمره.. حين رفع وجهه ينظر لها بتلك العينين الرمادية اللتين تشعراها بالرهبة والبشرة السمراء بلونها المميز..
نظر لها نظرة تقييمية من أعلى رأسها لأخمص قدميها ولم تبد على وجهه أي تعبير, نهض من كرسيه برزانة وتحرك ليقف أمامها,
وقال بنبرة جليدية متسلطة:" جيد أنكِ أتيت سريعًا عند طلبكِ.. سيقام حفلاً بعد أسبوع وعليكِ الحضور.."
ابتلعت ريقها وقالت بخفوت مرتبك:" كان يمكنكم إخباري بالهاتف.. لم يكن هناك داعٍ لأحضر.."
رمقها بطرف عينه وتحرك ليقف أمام النافذة بغرفته يتطلع للحديقة, ثم قال بسطوة:" أنا من يقرر إن كان هناك داعٍ أم لا.."
**ت قليلاً ثم أردف بنبرة جامدة:" بعد إختباراتكِ ستسافرين إلى إيطاليا.."
نظرت إليه بأعين متسعة صدمة, وفغرت فاها بذهول, مرددة:" إيطاليا!.. لماذا؟.."
_ أنا قلت ذلك.. ستنتهي دراستكِ هذا العام ولا أريدكِ هنا..
_ أنا لا أرى......
نظرته الصارمة لها جعلتها تبتلع باقي حروفها, وتطرق برأسها لأسفل عاقدة حاجبيها بوجه شبه باكٍ..
انتصب ورفع رأسه بشموخ, وقال بتقرير:" أنتِ تنفذين ما أقوله روز.. وإلا ستعاقبين.."
وأكمل بإزدراء:" أفعالكِ القذرة تصلني.. لا تظني أنني غافل عنكِ.. وستعاقبين في الوقت المناسب أنتِ وتلك الحقيرة صديقتكِ.."
شبكت يديها ببعضهما, لاتزال مطرقة برأسها, وقالت بخنوع:" حسنًا سأفعل ماتريد.. ولكن...."
قاطعها وهو يرفع يده بوجهها, يقول بجفاء:" لا أريد مزيدًا من الحديث.. نفذي فقط.."
نقل بصره لأصابعها المضمدة وقال بجمود:" واحترسي في المرة القادمة حين تلعبين.. أريد لأصابعكِ أن تبقى في موضعها يكفي أنكِ آثمة.. لا أريدكِ مش*هة وغير مكتملة.. اذهبي الآن وحضري نفسكِ.. واصرفي عاهرتكِ من الآن.."
وتحرك مرة أخرى ليجلس على كرسيه يتابع أوراقه..
نظرت له روز بقهر ثم تحركت تفتح الباب تخرج, تقاوم رغبتها في البكاء.. أسرعت بخطواتها تريد الخروج من ذلك المكان الشاهد على عذابها ومعاناتها..
****************
أسرعت تمارا إلى منزل غريس وعمار, حيث لم تترك غريس المنزل بناءَ علي رغبة عمار أن تبقى والصغير بمنزلهم ولا تتركه..
قرعت الجرس تحرك ساقها بعصبية, تأكل باطن شفتها السفلى.. عليها أن تمنع مايحدث.. عليها أن توقف ذلك الإنفصال مهما كان الثمن..
لن تقف تشاهد مأساة أخرى يكون بطلها طفل صغير كل ذنبه أن والديه يفكران بنفسهما.. عليها أن توضح الأمور.. ربما ما يدفع غريس للإنفصال عن عمار هي وعلاقتها به, تغار منها.. ستُفهم غريس الأمر ولو اضطرت للإبتعاد..
فتحت السيدة ديانا الباب, وتفاجأت بتمارا, لكنها رحبت بحبور:" مرحبًا تمارا.. كيف حالكِ؟.. هل أتيتِ لرؤية الصغير؟.."
نظرت لها تمارا بوجه متجهم, وردت بإبتسامة مقتضبة:" مرحبًا, هل غريس هنا؟.."
ابتسمت ديانا وأومأت برأسها, أشارت بيدها لتدخل تمارا, قائلة بهدوء:" أجل.. هنا.. تفضلي عزيزتي وسأخبرها بقدومك.."
دلفت تمارا واتجهت إلى غرفة الإستقبال تتطلع للحائط المعلق عليه صور عائلية تضم عمار وغريس, كانا ينظران لبعض بحب وشغف, إبتسامتهما كانت تشع من فرط السعادة..
أين ذهب ذلك الحب؟.. أين ذهبت سعادتهما؟.. كان يجب أن تزداد مع قدوم الصغير ويصيروا عائلة جميلة كما كانت تراهم دومًا..
_ مرحبًا تاما..
صوت غريس الهادئ خلفها جعلها تلتفت, تنظر إليها متفحصة ملامحها.. كانت هادئة, لكن عيناها حزينتان.. رغم إبتسامتها الرقيقة, لكن لمحة الحزن لم تكن تخفى عليها..
أخذت تمارا نفسًا عميقًا ثم زفرت, قائلة:" غريس.. هل يمكنني التحدث معكِ؟.."
ارتفع حاجبي غريس بتعجب, وقالت بحيرة:" تتحدثين معي!.. ظننتكِ أتيتِ لرؤية جوزيف.."
هتفت تمارا دون مقدمات:" هل ستنفصلان من أجلي؟.. هل أنا سبب خلافاتكما.."
اتسعت عينا غريس بذهول, وقالت نافية:" تاما لا.. نحن...."
اقتربت منها, تهتف متوسلة بأعين راجية:" إن كنت أنا سبب الخلاف أعتذر, لكن أرجوكِ لا تنفصلي عن عمار.. لأجل الصغير.. فهو بحاجة إليكما.."
تن*دت غريس بتثاقل, وأردفت بخفوت:" تاما نحن لن ننفصل بسببكِ؛ لدينا أسباب أخرى.. لن تنجح علاقتنا.."
أمسكت تمارا بيديها, وقالت تعقد حاجبيها بألم:" غريس أتوسل إليكِ لا تتركي عمار.. أنا أعرف أنك تغضبين من علاقتي معه.. لكن أقسم لكِ أنه كأخي, لكن لأجلكما سابتعد عنه.. لن أتحدث معه إن أردتِ.."
ابتسمت غريس وقالت برقة, تضغط على كفيّ تمارا برفق:" تاما اهدئي حبيبتي.. أنا أعلم علاقتكما جيدًا, وهي ليست السبب مطلقًا..
أنا وعمار متفهمان, لكننا من بيئتين مختلفتين تمامًا.. حين تزوجته ظننت أنني سأتقبل طبيعته, أو هو سيتأقلم معي وإقامته هنا ستسهل حياتنا؛ لكني كنت مخطئة..
للحق عمار رائع لكن نحن لا ننتمي لنفس العالم.."
_ ولكن.. أنتما نجحتما لمدة ثلاثة سنوات.. ما الذي تغير غريس؟..
شردت عينا غريس بحزن, وقالت بإبتسامة باهتة:" لقد كان بيننا خلافات عديدة تاما.. تغاضينا عنها وحاولنا إخفاؤها.."
هزت تمارا رأسها, وقالت بلهفة وإبتسامة مهتزة:" أجل وذلك جيد, كنتما تتعاملان معها.. واﻵن عليكما أن تحاولا أكثر من أجل جو.."
_سننفصل من أجله..
هتفت تمارا بقوة رافضة:" لا هذا غير صحيح, كيف لمصلحته أن تنفصلوا؟.. كيف لمصلحته أن يعيش مشتت بلا أم وأب بمنزل واحد؟.."
أومأت غريس برأسها وقالت:" بلى لمصلحته, إن بقينا أنا وعمار معًا ستتفاقم مشاكلنا, وتؤثر سلبًا على الصغير.."
_ هراء.. لا تعلمان مصلحته.. سيتأثر أكثر عند فراقكما..
ابتسمت غريس وقالت مؤكدة:" بل سيكون بخير, أنا وعمار متفهمان اﻵن وسننفصل بطريقة حضارية, وسنكون لجو والدين جيدين نهتم به.. خير من أن نبقى معًا وتتفاقم مشاكلنا ولا نهتم بالصغير.."
ابتعدت تمارا عنها وهتفت بإنفعال, تتحرك بعصبية:" أتظنين أن هذا أفضل حل!..
أب يترك صغيره ويرحل, ومجرد مكالمات هاتفية جافة.. وأنتِ تعيشين حياتك, ثم تشعرين بالسخط تجاهه وتحملين الصغير خطأ وجوده.. وهو ينشأ منبوذ من الجميع.."
عقدت غريس حاجبيها ونظرت لها بتعجب, وتسائلت بعدم فهم:" تاما عمَ تتحدثين؟.. بالطبع لن نفعل سنهتم بالصغير.. لا أدري لِمَ كل هذا الغضب واﻹنفعال؟.. حبيبتي نحن نحب جو وسنراعاه.. لا داعي لقلقكِ هذا.."
ضحكت بهزء وقالت بسخرية مريرة:" تظنون.."
حركت غريس رأسها قليلاً, وتسائلت بحيرة:" تاما هل تتحدثين عن جوزيف؟.. أم عن أحد آخر؟.."
هزت تمارا رأسها بأسى تتحرك سريعًا, متمتمة بخفوت:" عليَّ الرحيل.. وداعًا.."
نادت عليها غريس لكنها لم تلتفت إليها, وأكملت طريقها للخارج.. وراقبتها بدهشة حتى اختفت عن ناظريها ورحلت..
ثم تن*دت بحزن يبدو أن تمارا متأثرة بإنفصالهما.. للحق ظنتها ستفرح لتركها عمار,
لكن تفاجئت بردة فعلها إتجاه الأمر.. هي نفسها لا تزال مصدومة.. لعنت نفسها مرارًا بعد تلك الليلة لم يكن عليها طلب الإنفصال ربما كان عليها أن تصبر قليلاَ, لكن عمار وقبوله الأمر جعلها تشعر أنها عبئ عليه..
لامت نفسها أنها هي من أوصلتهما لنهاية الطريق، ظنت أنها إن هددته بالإنفصال ربما سيعود إليها ويحاول إصلاح العلاقة؛ لكن قبوله كان كالصفعة التي لطمت قلبها,
فكرت ربما يكون على علاقة بإحداهن ويريد التخلص منها, لكنها عادت ونفت الفكرة؛ عمار ليس بتلك الدناءة؛ عمار دائما مخلص لها, بل هو أروع شخص قابلته,
تطلعت للجدار ونظرت لصورهما المعلقة بإبتسامة حزينة, عمار أحبته بصدق رغم إختلافهم الثقافي والديني, كيف لها ألا تحبه, منذ أن رأته مع جيك أول مرة لم تظنه عربيًا, كانت لديها فكرة راسخة عن العرب
( متشددين, مخيفين, فكرة رسخها إعلامهم عنهم نظرة واحدة شملت الجميع غير متحضرين, عنيفين.. إرهابيين)..
لكن عمار غير معتقداتها؛ كان ودودًا رقيقًا, متفهمًا.. حين تعرفا على بعضهما وتواعدا لم يقترب منها كان له حدود, واحترمتها هي، فلديهم بعقيدتهم المسيحية أيضًا بعض الأفكار المشتركة,
أليست العفة والطهارة سمة بجميع الأديان!.. عندما طلب منها الزواج قبلت به؛ رغم إعتراض والدتها على الأمر؛ لكن "جيك" وقف بجانبها لمعرفته عمار وصفاته بل رحب بالأمر, ما كان يضايقها إختلاف عادات عائلته وسفرهما الدائم لبلاده؛
لكنه كان حازمًا ولا يقبل الجدال بشأن عائلته, رغم تذمرها لكنها احترمت رغبته,
عاشت معه ثلاث سنوات رائعة؛ لكن منذ فترة وقد تغير قليلاَ؛ أصبح صامت على غير العادة شارد الذهن, علاقته مع تمارا كانت تصيبها ببعض الغيرة,
دوًما يوضح لها أنها كأخته الصغيرة هنا بمفردها وعليه الإعتناء بها, تعلم أنها السبب في تغيره كثرة تذمره,ا وغضبها المتزايد أثار حنقه وفضل الإبتعاد,
تود لو تعتذر له وتخبره أن يحاولا مجددًا وستكون أكثر تفهمًا وهدوءً, لكن عمار قد إتخذ قراره ولن يتراجع عنه..
سمعت صوت والدتها تناديها وتخبرها أن جوزيف يبكي فابتسمت بحزن تفكر أن عليها أن تصب إهتمامها على الصغير, وألا تدع مشكلاتهم تمسه كما أخبرت تمارا منذ قليل..
**************
في الهاتف أخبر عمار عائلته عن إنفصاله عن غريس امتعض والده بشده للخبر وحثه على التريث؛ خاصة بوجود يوسف الآن فعليه أن يضع مصلحته قبل مصلحتهما.. لكن اختطفت والدته الهاتف ولم تخفى عليه نبرة الإرتياح في صوتها؛ فهي لم تكن تقبل غريس أبدًا؛ لكنها كانت مرغمة بسبب تمسك عمار بها, وبعد ذلك وجود يوسف الصغير.. لكن بعد قرار الإنفصال سعادتها لا توصف حتى أنها بدأت بإلقاء اللوم على غريس وتحضير لائحة طويلة من بنات صديقاتها والعائلة لتخطبهن لعمار..
زفر عمار بضيق يشعر بالصداع يزحف إلى رأسه وفرك جبهته قليلاً, وقال بروية:" أمي أنا أخبركِ أنني سأنفصل؛ لا لتعدي تلك القائمة في دقيقتين.. من أخبركِ أنني أريد الإرتباط مجددًا؟.."
هتفت والدته مستنكرة:" وماذا يعيبك بني؟.. العيب منها هي من جعلتك تكره النساء.. لكن لا تقلق سنجد لك فتاة مناسبة أفضل من تلك الأجنبية.."
ضحك عمار يهز رأسه يأسًا.. والدته رغم رقيها الإجتماعي, لكنها لا تزال لديها تلك النزعة أن عليه أن يتزوج من بلاده.. رغم ملامحها الأوربية والتي ورثها هو وميرا عنها؛ ولكنها أم عربية أصيلة لا تفضل إلا فتيات بلدها..
هتفت والدته فجأة بلهفة:" عمار ماذا عن يوسف؟.. هل ستحضره إلى هنا؟.."
عقد عمار حاجبيه, وردد مستفهمًا:" احضره إلى هنا!.. لماذا؟.."
وصله صوت والدته المتعجب:" بني.. من سيربيه إذاَ!.. ارسله ونحن سنهتم به.."
_ أمي.. يوسف سيظل مع غريس.. وأنا أيضا سأبقى هنا..
صراخ والدته المستنكر جعله يبعد الهاتف عن أذنه بإنزعاج, يستمع إلى غضبها:" كيف ستتركه معها؟.. هل جننت!.. ستربيه تربية غير سليمة.. ستجعله يمقتنا كما تفعل هي.."
حاول عمار الحديث بتأفف:" أمي.. أمي.. يكفي أرجوكِ.. ماكل ذلك العداء مع غريس.. أنا سأربيه معها ليس معنى إنفصالنا أنني سأتركه.. حضانته ستكون مشتركة.."
هتفت والدته معترضة بغضب:" لا.. لن أقبل بهذا.. هو حفيدي وأنا سأربيه لن ينشأ أجنبي.."
رفع عمار رأسه وهزها يأسًا يحاول البقاء هادئًا, لكنه قال بنبرة هادئة حازمة:" أمي.. يوسف سيظل مع والدته لن أحرمه منها, وسأكون معه دومًا.. اغلقي الموضوع أرجوكِ.. أنا مرهق.."
غمغمت والدته بإعتراض, وتسائلت فجأة بتحفز:" عمار.. ماسبب إنفصالك عن غريس؟.. لم تخبرني.."
لكنه قال منهياً الحديث:" عليّ الذهاب سأحادثكِ فيما بعد.. وداعاً.."
أغلق الخط سريعا يزفر بتثاقل هو يشعر بالتعب ووالدته إن فتحت ذلك التحقيق لن تتوقف.. ليس لديه طاقة لذلك.. عليه أن يبدأ بإجراءات الطلاق..
على الجانب الآخر كانت عاليا غاضبة بشدة من موقف عمار وتركه للصغير مع والدته,
حاول غسان تهدأتها:" عزيزتي.. عمار محق لا يمكن أن نحرم الصغير من أمه.. هذا لا يصح.."
نظرت له بدهشة, وقالت مستنكرة:" الأصح نتركه معها لتربيه ويكرهنا.."
نظر لها غسان بعتاب, وقال:" يكرهنا!.. عاليا الفتاة لم تظهر لكِ أي سوء.. كانت تحاول التأقلم وأنتِ من تحاولين تشويه صورتها.."
هتفت عاليا غاضبة:" حقاً.. إذا أنا الشريرة هنا.. وهي الملاك..شكرًا لك عزيزي.."
وغمغمت بغيظ:" أنا الحماه القاسية التي تعامل زوجة ابنها سيئًا.. ألا يكفي أنها أخذته مني وسافر.. ولم يعد يأتي إلا في العطلات.."
هز غسان رأسه يأسًا, وقال مسترضيًا:" لستِ شريرة حبيبتي.. أنتِ رقيقة طيبة.. ولكن فكري بالصغير كيف ستكون نظرته لنا إن حرمناه من أمه.. بالتأكيد سيعاتبنا وربما يكرهنا حقًا.."
زمت عاليا شفتيها تنظر إليه بإقتضاب كطفلة صغيرة حانقة, عقدت ذراعيها أمام ص*رها, فجلس بجوارها واحتضنها مكملاً..
_دعي عمار يتصرف بحياته إنه ناضج الآن.. ألست محقًا؟..
مطت شفتيها بضيق ولم ترد, فضحك يعلم أنها تفكر بأنه على حق.. يعلم زوجته تثور سريعًا, لكنها ما تلبث تقتنع..
هتفت عاليا بتأفف:" توقف عن معاملتي كالأطفال.. أنا والدة وجدة.."
ثم هزت رأسها قليلاً, وقالت بخفوت:" لا تقل لأحد أنني جدة فأنا لا أريدهم أن يظنوني كبرت.."
علت ضحكات غسان على حديثها فتململت محاولةً الإبتعاد, لكنه شدد من قبضته عليها, وهمهم برقة:" مهما بلغتِ من العمر ستظلين فتاتي حبيبتي وطفلتي الأولى.."
******************
حين خرجت من منزل عمار لم تدري إلى أين تذهب سارت وسارت بلا هوادة, خطواتها المن**رة, كأنها تجر همومًا قيدت جسدها تمشي بتثاقل, عيناها لا تبصران شيئًا, دموعها متحجرة تأبى أن تسقط وتريحها قليلاَ,
لِمَ دومًا يدفع الأبناء غلطات آبائهم؟.. لِمَ لايفكر الآباء بأولادهم؟, يتزوجا وينفصلا ببساطة غير عابئين بصغارهما.. لِمَ أنجبوهما من الأساس إن كانوا لن يستمرا!.. هل هم لعبة لا تساوي شيئًا بالنسبة إليهما؟.. أليس لهم قلوب صغيرة ستتحطم في خضم الأمر؟..
لم تدري كم من الوقت مر عليها تسير, لكنها حين تطلعت حولها
وجدت الظلام قد حل, ظلام يضاهي عتمة روحها المعذبة, ربما الظلام حولها ي**ر حدته بعض الأضواء حولها وصوت المارة والسيارات,
لكن ظلامها دامس لا يضيئه شيء, وسيلحق بها جو الصغير ويصبح مثلها..
لقد تعبت من كل ما حولها, تريد الراحة إن كانت قد واجهت كل تلك المصاعب والأحداث ومازالت بالثامنة عشر من عمرها.. فماذا ستلاقي مستقبلاَ؟..
ضحكت بسخرية, وقالت متهكمة:" يبدو مستقبلاً باهرًا تمارا.."
وفقت حتي وجدت سيارة أجرة وأوقفتها لتعود إلى المنزل..
في المنزل كان سهيل يستعد للخروج حين فتح باب المنزل, وفوجيء بتمارا أمامه اتسعت عيناه بذهول, ماذا تفعل هنا في ذلك الوقت المتأخر؟.. فقد ظنها عادت إلى السكن الجامعي, وربما نائمة..
اشتعلت عيناه بجنون, يهتف بغضب:" أين كنتِ تمارا؟.."
لم تنظر له كانت عيناها شاردتان حزينتان, تحركت بخطوات واهية اتجاه غرفتها تشعر باﻷسى تجاه جوزيف.. مأساة أخرى ستتكرر..
هدر من خلفها بغضب:" اجيبيني أين كنتِ لذلك الوقت؟.."
دلفت لغرفتها بكتفين متهدلين تتن*د بتثاقل شريط يمر أمام عيناها وقلب ينبض بألم يهدد بنوبة قلبية تكاد تصاب بها.. تريد الصراخ واﻹنفجار باكية..
ألقت حقيبتها بإهمال, وارتمت على الأرض تستند بظهرها إلى الفراش تطرق برأسها لأسفل..
جذ على أسنانه بقوة كاد يحطمهم من **تها ولا مبالاتها؛ فدلف خلفها ينحني نحوها يجذب ذراعها يهزها بعنف, صادحًا بجنون:" ألم تسمعيني.. أين كنتِ؟.."
رفعت عيياها إليه؛ فاتسعت عيناه, يفغر فاهه وتوقفت أنفاسه جاثيًا على ركبتيه بجوارها بلا وعي؛
هاله منظر عينيها الحمراوين المحتقنتين, تلك الهالات الزرقاء حولهما, نظرة اﻹن**ار, والحزن ض*بت قلبه بقوة تسمر بمكانه حين انفجرت باكية, واندفعت ترتمي بأحضانه تتشبث به بقوة.. فارتجفت شفتيه, وانحنت زاويتي عيناه بألم أكبر..
_لا أريدهما أن ينفصلا أرجوك..
صوتها المختنق المتقطع..
جعله يغمض عيناه متن*دًا, ينسى كل غضبه منها, يرفع ذراعيه يحيطها بهما يقربها إليه..
لتكمل:" سيتدمر الصغير.."
أسند ذقنه إلى رأسها, متمتمًا بخفوت:" لا.. لن يحدث له شيء.."
هزت رأسها نفيًا, قائلة بألم:" بلى سيحدث.. سيفقد...."
قاطعها يهدهدها, وصوته الدافئ:" لا حبيبتي لن يكون كما تظنين.. عمار مختلف سيعتني به.."
_تظن ذلك..
_بل أؤكد لكِ..
يعترف بداخله عمار مختلف؛ بل عائلة عمه غسان مختلفة تمامًا عن باقي عائلة رشدان؛ فهم يجيدون اﻹعتناء بأبنائهم يعطوهم القدر الكافي من الحب والرعاية..
عمار كذلك سيعطي أفضل مالديه لصغيره؛ حتى لو انفصل عن والدته..
ليسوا مثلهم فربما عائلة رشدان تتصف بالقسوة؛ لكن عمه غسان وعائلته لم يرثوا تلك الصفة, يبدو أنهم قد ورثوا كل الحب, وتركوا الحقد والقسوة لباقي العائلة..
_أنا خائفة.. لا أريد أن يتكرر ذلك..
ض*بته كلماتها بمقتل صوبت لقلبه فأدمته.. لا.. لا يريدها هكذا.. خائفة أين محاربته الصغيرة؟.. لن يسمح لها بأن تضعف أو تلين..
زفر بغضب وشدد من قبضته عليها ولم يتحدث, جلس أرضًا يسند ظهره للفراش؛ فوضعت رأسها على ص*ره تستمع إلى خفقاته القوية كأنها أوصلت رسالته لها..
تن*دت تغمض عيناها تبكي بنعومة, حتى غفت متشبثة به..
لم يتحرك من مكانه مال برأسه, يسند وجنته إلى رأسها يتن*د بأسى يستنشق رائحتها, رغم ألمه لما تشعر به؛
راحته وهي بين يديه تبثه خوفها وهو بجوارها..
ربما سيندم لإظهاره لينه, وشخصية قديمة كان قد ألقاها بعيدًا..
لكن ليندم لاحقًا, أما اﻵن وفي هذه اللحظة سينزع قناعه ليكون لها ماتريده..
*****************
بعد عدة أيام تمت إجراءات الطلاق بين عمار وغريس والإتفاق على الحضانة المشتركة وتقسيم الممتلكات.. حين علم جيك بلأمر غضب بشدة لعدم إخبار غريس له.. ذهب إلى منزلها وعنفها.. كان عليها الرجوع إليه وإستشارته أليس أخيها ويحق له المعرفة!.. بل يقف لجانبها..
لكنه تعجب من الأمر برمته لم يذكر عمار أبدًا الإنفصال أو يلمح له.. عمار صديقه ويعرف خصاله جيدًا ويعلم غريس أيضًا وتسرعها.. كانت غريس تطرق برأسها تستمع لتوبيخ جيك وإلقاؤه اللوم عليها أنها من دفعت عمار لذلك..
هتف جيك حانقًا:" أنتِ دومًا هكذا غريس.. تجعلين المرء يجن ويفقد صبره.. لا تفكرين أبدًا سوى بنفسكِ.. ماذا فعل لكِ عمار لتطلبي الإنفصال؟.."
كانت غريس مطرقة برأسها للأسفل لا ترد ولا تعرف كيف تواجهه.. هي أخبرته أنها من طلبت الإنفصال لانها لم تعد تحتمل الأمر.. لكنها تتألم بشدة حين وقعت على وثيقة الطلاق شعرت بنصل إخترق قلبها.. لكن عليها ألا تكون عبئًا على أحد.. أغمضت عينيها بقوة تحاول كبح دموعها.. لكنها رفعت رأسها حين سمعت صوت..
عمار هاتفًا بقوة مدافعًا:" يكفي جيك.. ليس خطئها.. الذنب ذنبي.."
هتف جيك معترضًا بضيق:" عمار أنا أعرف أختي.. هي...."
قاطعه عمار بجدية:" قلت لا تحملها الذنب.. من فضلك.. أريد الحديث مع غريس بمفردنا.. وسنتحدث فيما بعد بالشركة.."
نظر لهم جيك بعدم رضا, لكنه ترك المكان واندفع خارجًا ليترك لهما المجال للحديث..
أطرقت غريس برأسها مرة أخرى, لم تستطع مواجهته, لكنه اتجه إليها يرفع رأسها, قائلاً:" لا تن**ي رأسكِ حبيبتي.. هذا خطئي.. كان علينا الإنفصال.. سأخبركِ الآن لماذا.."
نظرت إليه بترقب.. فأخذ نفسًا عميقًا وزفره, قائلاً بخفوت:" غريس أنا مريض بسرطان الكبد.."
اتسعت عينا غريس بصدمة, تفغر فاها غير مصدقة تهز رأسها بلا وعي متمتمة:" لا.. لا يمكن.."
ابتسم عمار بحزن يومئ برأسه مؤكداً, وقال:" بلى.. لم أريدكِ أن تتعذبي معي.. أردت سلامتكِ وسلامة طفلي.."
_أوه عمار لِمَ فعلت ذلك؟.. لِمَ لم تخبرني من قبل؟..
تن*د عمار وابتسم بحزن’ يقول بخفوت:" لم أشأ أن أربطكِ بي غريس.. أريدكِ أن تكملي حياتكِ بشكل طبيعي.."
أغرورقت عيناها بالدموع تنظر إليه بألم, تقول بنبرة متحشرجة:" كان عليك أن تخبرني وتدعني أختار.. لا أن تقرر أنت بدون أن تراعي مشاعري.."
أطرق عمار برأسه, وقال بتثاقل:" غريس.. لن أستطيع أن أكون الزوج المناسب لكِ.. أنا لم أعد كالسابق.. أريدكِ أن تستمتعي بحياتكِ.. لا أن تقضي السنوات القادمة تتعذبين معي.. لا تستحقين ذلك.."
انتحبت وبكت بصوت عالٍ, وقالت بنبرة مختنقة منفعلة:" لا.. ليس عدلاَ.. ليس من حقك أن تثنيني عنك بهذه الطريقة.. أنا زوجتك ومن حقي أن أكون معك وأقف بجانبك.."
ابتسم ورفع رأسه ينظر إليها بأعين حانية دافئة, ثم اقترب منها, يمسك بيدها يضغط عليها برفق, وقال برقة:" عزيزتي أعلم أنكِ حانقة لأنني لم أخبركِ.. لكن علينا أن نضع مصلحة جو قبل مصلحتنا.."
نظرت إليه من بين دموعها مستفهمة فأكمل:" إن بقيت معكِ ووقفت معي ستهملين الصغير.. لن تستطيعي التوفيق بيننا.. ستجورين على حقه.. ستذبلين غريس, وتفقدين نفسكِ في محاربتك معي.. طاقتكِ ستهدر ولن يبقي شيء لصغيرنا.. أريدكِ قوية مزهرة لتعتني بجو.."
كانت تبكي بشدة وجهها الأحمر المتألم بمرارة, وعيناها تنظران إليه بعتاب, تحبه حقًا.. كانت ستحارب معه إن أخبرها من ذي قبل.. ستبقى معه تشد من أزره.. هذا ما كان يخفيه عنها.. يتعذب ب**ت..
هتفت بنبرة مختنقة غاضبة تواجهه بعصبية:" كيف لك أن تكون بهذه الأنانية عمار؟.. جعلتني أظن أنك تتغير بسبب كرهكِ لي.. أن حياتنا أصبحت لا شيء بالنسبة لك.. جعلتني أشعر أنني فاشلة, العيب عيبي أنني أفتعل المشكلات, لماذا عمار؟.. لماذا؟.."
اكتست ملامح وجهه المعذبة ألمًا أكثر مما يشعر.. لا يريدها أن تكون هكذا, عليها أن تكون قوية.. لم يبتعد عنها ويخبرها الآن ليفهمها أن الخطأ ليس خطؤها.. بل لتعلم أنه يحميها مما هو قادم..
اقترب منها يحتضنها بقوة يحتوي جسدها المرتعش, وهي تقاومه تحاول التحرر من بين ذراعيه, لكنه لم يتركها لتستسلم باكية بحرقة تتشبث بقميصه شهقاتها تمزق نياط قلبه تشعره بالحقارة.. لم يكن عليه أن يخبرها بالأمر.. ربما لم تكن لتنهار هكذا..
أخذ نفسًا عميقًا ثم زفره, وقال بنبرة مازحة مصطنعة:" غريس إن دلفت والدتك ورأتنا بهذا الوضع ستصبح كارثة.."
ثم أكمل برقة:" حبيبتي أنت تحتلين مكانًا غاليًا بقلبي.. أنتِ زوجتي ووالدة طفلي.. من شاركتني أجمل أيام حياتي.. أريدكِ أن تتذكري أيامنا السعيدة الجميلة وتقصيها علي جو.. لا أريدكِ أن تتذكريني بما قد يش*ه ذاكرتكِ ويحزن قلبكِ.."
_أحبك عمار.. أنا لا أريدك أن تبتعد عني.. أرجوك.. عد إليّ.. موافقة على خوض هذه التجربة مهما وصلت درجة ألمها.. أريد مشاركتك مرضك كما شاركتك صحتك..
ضمها إليه أكثر, يقبل أعلى رأسها, قائلاً بخفوت:" لن أبتعد أبدًا عنكما غريس.. مهما حدث أنتما حياتي.. لكن تجربتي لن تستطيعي تحملها.. أنتِ رقيقة غريس.. لستِ بتلك القوة التي تظنين أنك تملكيها.. أعرفكِ جيدًا حبيبتي.. ليس عيبًا بكِ.. هذا ما يجعلكِ جميلة أخاف عليكِ من الألم.."
هزت رأسها نفيًا, ترفض مايقوله, وهتفت بقوة:" سأكون قوية لأجلك.. سأتغير.."
قاطعها يبعدها عن أحضانه يمسك وجهها بين كفيه يرفعه ينظر لعينيها بإبتسامة دافئة إعتادتها منه, يقول بصوت عذب:" لا أريدكِ أن تتغيري.. لكن أريدكِ قوية.. لأجل صغيرنا.. قوتكِ واعتناؤكِ به سيجعلني أشعر بالفخر والإطمئنان.. هل تعديني أن تهتمي به وتكوني قوية, وتجعليه رائعا مثلكِ!.."
أغمضت عينيها بقوة تبكي بعذاب, لكنه أسند جبهته إلى جبهتها وأغمض عينيه هامسًا برجاء:" عديني غريس.. عديني أرجوكِ.. أحتاج إلى ذلك لأستطيع المقاومة.."
ابتلعت غصة استحكمت بحلقها, وفتحت عينيها تنظرإلى وجهه القريب منها, أنفاسه التي إشتاقتها بشدة وجهه الجميل الدافئ, ترى به معاناة يحمل همومًا تثقله .. كيف لم تلاحظ عذابه, ومايعانيه من قبل؟.. كيف كانت عمياء ولم ترى؟.. لم تشعر به.. عليها أن تخفف من معاناته.. ستفعل عمار يستحق منها ذلك..
ارتجفت شفتاها لكنها ابتسمت بحب, وقالت برقة:" أعدك عمار.. سأفعل ما تريده لكني لن أبتعد.. سأكون بجانبك حتى وإن ركلتني كلما رأيتني.. سأكون كالعلقة لن تتخلص مني بسهولة.. أتفهم؟.."
ضحك بخفوت مازال مغمض عينيه, وقال موافقاَ:" حسنًا.. أرحب بذلك.."
ثم فتح عينيه ينظر إليها بإمتنان, لكنه قال بإصرار:" لكن عديني أن تعيشي حياتكِ وألا توقفي قلبكِ على حبي فقط.. احبي مرة أخرى.."
نظرت إليه بإستنكار مما يقوله, لكنه شدد على كلماته بجدية:" بلى غريس.. احبي مرة أخرى, علمي صغيرنا الحب والحياة.. اجعليه رائع.."
ابتسمت ورفعت يدها تتلمس وجنته برقة, تتطلع لعينيه الربيعيتين الجميلتين, قائلة بنبرة واثقة:" سيكون رائع لأن له أب مثلك.. سيكون نسخة منك عمار.. وستعيش أطول فترة ممكنة لتعلمه بنفسك كيف يكون رائع مثلك.. ستترك لي نسخة صغيرة تشبهك بطباعك كما تشبهك شكلاَ حبيبي.."
أومأ برأسه موافقًا, وابتسم متن*دًا بإرتياح وكأن جبلاَ أزيل عن عاتقه..
***********
أرادت تمارا أن تقابل فيبي فهي صديقتها المقربة وتفضي لها بما تشعر فيبي صديقة رائعة رغم إختلاف الثقافات؛ لكنها تشد من أزر تمارا, وتقف بجانبها دومًا.. تشاركها أحزانها..
حين ذهبت تمارا للشركة ودلفت لمكتب فيبي لم تجدها كانت تقوم ببعض الأعمال, انتظرتها قليلاً, لكنها شعرت بالملل, كانت لا تزال غاضبة من عمار ولا تتحدث معه, لذلك كادت أن ترحل وتعود لفيبي مرة أخرى فيما بعد,
لكن لمحها سهيل وتعجب من تواجدها فأخبرته أنها هنا لملاقاة فيبي فاصطحبها إلى مكتبه, كانت حزينة هذه الفترة, يشعر بالقلق رغم عدم إبداءه أي تعبير منذ تلك الليلة التي غفت باكية فيها بأحضانه..
دلف كل من سهيل وتمارا إلى غرفة المكتب وصوت كعب حذائها يسبقها..
ليجدا سامر يقف يواليهما ظهره يضع يديه في جيب بنطاله ينظر للنافذة الزجاجية, ووصلهما صوته الناعم يحمل نبرة مثيرة: "مرحبًا أيتها الجميلة.."
عقدت تمارا حاجبيها بتعجب تنظر لظهر سامر تارة, ثم التفتت تنظر لسهيل خلفها بأعين مستفهمة, لكنها وجدته صامت..
أكمل سامر بنفس النبرة ال**بثة:" اااه لقد كنت رائعة الليلة الماضية وأنتِ....."
لم تستمع تمارا لباقي كلمات سامر حيث شهقت ب**ت منتفضة, وهي تشعر بيدي سهيل تسد أذنيها تمنع وصول أي حديث لها لتنظر له مرة أخرى فتجد عينيه عاصفتين بغضب جعلها ت**ت..
سهيل الذي اشتعل غضبًا من حديث سامر الفاضح عن ليلته السابقة مع مديرة مكتبه وسماع تمارا له, جعل غضبه يتصاعد يجذ على أسنانه بقوة ينظر إليه بقتامة..
فغر فاه ليصرخ معنفًا, لكن الكلمات تجمدت على شفتيه واتسعت عيناه بذهول وهو يسمع..
سامر يكمل بنبرة حالمة بمجون يعض شفته السفلي ويبتسم بعبث:" اااه كم اتشوق الليلة لأراكِ بملابس الممرضة المثيرة وأنا مريض لتداويني.. طوال الليل أحتاج إليكِ وللمساتكِ الخبيرة تشفي علتي.."
عند هذا الحد اقترب سهيل, يرفع يده بحذر هامسًا لتمارا:" ضعي يداكِ على أذنيك.. فأنا أحتاج إلى يديّ حاليًا.."
عقدت تمارا حاجبيها بعدم فهم تزفر بحنق, تهم لتتحدث.. لكن همس سهيل من بين أسنانه آمرًا بصرامة:" نفذي ولا تتفوهي بكلمة واحدة.."
بنفاذ صبر نفذت تمارا مايقوله تراقبه بدهشة حين وجدته ينحني ينزع حذاءه وسامر مسترسل بحديثه متسائلاً:" ماذا هناك أيتها المثيرة لِمَ لم تردي عليَّ؟.. هل تستمعين إلى شكوى مريضكِ لتعالجيه؟.."
التفت نصف التفاتة مبتسمًا بتسلية مكملاً:" أم....."
**************
انتهى الفصل الرابع
قراءة ممتعة