الفصل الخامس

4456 Words
نفذت تمارا مايقوله تراقبه بدهشة حين وجدته ينحني ينزع حذاءه وسامر مسترسل بحديثه متسائلاً:" ماذا هناك أيتها المثيرة لِمَ لم تردي عليَّ؟.. هل تستمعين إلى شكوى مريضكِ لتعالجيه؟.." التفت نصف التفاتة مبتسمًا بتسلية مكملاً:" أم....." بلحظة قطع حديثه؛ وهو يتلقى مدفع طائر ارتطم بجانب وجهه ورأسه, وصوت سهيل يصدح بجنون:" بل أنا من سيداوي علتك ياوسيمي.." ترنح جسد سامر ومال عنقه للجانب من قوة الض*بة, يرتطم وجهه بالزجاج بجواره, يشعر بتشوش الرؤية أمامه يرى بعض النجوم تدور حوله, وصفير حاد بأذنه.. أغمض عينيه بقوة ثم فتحهما ينظر؛ ليجد سهيل يتجه إليه بوجه غاضب, ونظرات شرسة.. تراجع للخلف تلقائيًا, متسائلاً بإرتياع متشوش:" ماذا هناك!.. لِمَ ض*بتني هكذا؟.." وصل إليه سهيل ينقض عليه, يضع رأسه أسفل ذراعه, يقول بنبرة مخيفة متهكمة:" ألست مريض!.. سألعب أنا دور الطبيب.." لم يمهله الوقت لينهال عليه ض*بًا بغيظ وغل شديدين, يهتف بحدة:" ألم أحذرك؟.. لا تستمع إليَّ.. بل تواعد مديرة مكتبي.. وتأتي اﻵن تتفاخر بفسوقك لتستمع تمارا إليه.." حاول سامر التحرر من قبضة سهيل, لكنه لم يستطيع, فهتف بتألم:" دعني أخي.. يكفي.. كل ذلك الغضب من مجرد كلمات.. أنا....." قاطعه سهيل يض*به بقسوة, يقول من بين أسنانه مشددًا:" مجرد كلمات.. أنا سوف......." هذه المرة قطع حديثه ضحكات جعلت قلبه يتراقص على أنغامها, جسده يتوقف عن الحركة, عيناه تنظران تلقائيًا تلتهمان بعشق؛ تلك الواقفة هناك تنحني قليلاً من كثرة الضحك لم يرها تضحك هكذا منذ فترة, بل منذ سنوات؛ هل عليه أن يظل يض*ب سامر لتظل تضحك؟!.. انفجرت تمارا في الضحك على منظر سامر بين يديَّ سهيل؛ بشماتة ومرح.. وجهه الذي أصيب بالحذاء؛ ليترك أثرًا باللون الأحمر.. لكن صوت سامر هدر بحنق معنفًا:" على ماذا تضحكين يا**قاء؟.." خفت ضحكاتها تدريجيًا, ترفع يدها تمسح الدموع المترقرقة بعينيها من كثرة الضحك, تقول بتسلية:" وهل هناك غيرك أضحك عليه؟.. انظر إلى نفسك.." زم سامر شفتيه بحنق, وصاح بغضب:" اخرسي ولا تتدخلي.. ثم ماذا تفعلين هنا؟.. اخرجي.. أنا وأخي ماشأنكِ أنتِ؟.. متطفلة دومًا.. لا مكان لكِ بيننا.." اعتدلت بوقفتها واحتقن وجهها, تزم شفتيها تنظر إليه بعينين غاضبتين, هاتفة بحدة:" لست كذلك أيها الأجرب.. تستحق كل ض*بة تأخذها.. وقح متباهٍ بما تفعله دون حياء.. أتمنى أن يترك حذاء سهيل علامة دائمة على وجهك العفن؛ ليعلم من يراك أنك ضُربت بالحذاء.." ثم تحركت بخطوات ساخطة تفتح الباب, تخرج صافعة الباب خلفها بعنف.. لوى سامر شفتيه, يهز رأسه مغمغمًا بحنق بكلمات غير مفهومة.. في حين التفت إليه سهيل معنفا بحدة:" كم مرة أخبرتك ألا تقول لها متطفلة؟.." امتقع وجه سامر, وهتف بتذمر:" هي من بدأت, وضحكت عليَّ.." زم سهيل شفتيه بضيق, وقال بسخط:" لا تقل لها هذا مجددًا سامر.. ثم إنك تستحق ياعديم الحياء الضرب.. هل جننت لتقول ذلك؟.." عقد سامر حاجبيه, وقال بتبرم:" كنت أظنكم تانيا.. طلبت حضورها.." ثم نظر إليه بعتاب يمسد جانب وجهه:" لقد آلمتني يا أخي.." رفع سهيل حاجبه بإستهجان, مرددًا بتهكم ساخر:" آلمتك أيها الفاسق!.." ثم زم شفتيه وقال بحقد:" أنا ساخط عليك.." عقد سامر حاجبيه ونظر إليه متسائلاً:" لماذا؟.." زفر سهيل بحنق والقى بجسده جالسًا على الكرسي, يقول بإمتعاض جلي:" كيف لك أن تفكر بهذه الطريقة!.. ليلة مع فتاة بملابس ممرضة.. من المؤكد أنها ستكون ليلة رائعة.. لم يصل خيالي لهذه الدرجة.. من أين لك بهذه الأفكار؟.." ضحك سامر بتسلية, وقال غامزًا بعبث:" لقد تعلمت كل شيء منك.. فأنت مدرستي الأولى.." لوى سهيل شفتيه للجانب, ينظر إليه بطرف عينيه بسخط, وقال بحنق:" التلميذ تفوق على معلمه.. وأصبح يقضي وقتًا ممتعًا.." اتسعت إبتسامة سامر, لكن سهيل أكمل محذرًا مشيرًا بسبابته:" لا تتمادى أخي, ودع مديرة مكتبي؛ لا أريد مشاكل تطال العمل وإلا **رت عظامك.. وانتبه حين تتحدث مرة أخرى.." *************** في الخارج اتجهت تمارا بخطوات ساخطة, ووجه متجهم غاضب لمكتب جيك.. تكره أن يدعوها أحدهم بمتطفلة, تشعر بالألم الشديد من الكلمة؛ هي كذلك دومًا؛ متطفلة منذ صغرها على منازل عميها, لكن ماذنبها هي؟!.. أب تركها ولم يعتني بها, زواج كارثي بجميع المقاييس دام عشر سنوات بدون أطفال, وحين ولدت انفصل والداها, مخلفًا طفلة بائسة, أم تزوجت كي لا تفني باقي عمرها بلا مقابل, ولا تستطيع أخذ طفلتها معها؛ فكيف لرجل من خارج العائلة أن يربي طفلة من عائلة رشدان؟.. حتى وإن كانت منبوذة من والدها.. زفرت بقهر تبتلع غصة استحكمت بحلقها تكاد تخنقها, دلفت لمكتب جيك ووجدت فيبي عادت اتجهت إلى الكرسي, تجلس عليه بغضب.. نظرت إليها فيبي بتعجب من حالتها, وتسائلت:" ماذا بكِ عزيزتي؟.. تبدين مستاءة.." نظرت إليها بعبوس, قائلة بإختصار:" سامر.." مطت فيبي شفتيها بحنق تعلم أفعال سامر, وإزعاجه لتمارا دومًا, وتمارا دوما تشتكي منه.. رغم أفعالها المشا**ة معه, لكنه يزعجها ويؤلمها بشده.. ابتسمت برقة ونهضت من كرسيها تلتفت, تقف أمامها, قائلة بشقاوة:" حسنًا عزيزتي يبدو أن هناك الكثير من الحديث لد*كِ.. والسيد مستفز اتصل وأخبرني أنه سيتأخر قليلاً.. مارأيكِ أن ندلف إلى مكتبه ونجلس على أريكته المفضلة المريحة ونتحدث؟.." ابتسمت تمارا بشقاوة مماثلة تطالع وجه فيبي الماكر؛ فجيك يحب أريكته ويعتني بها جيدًا, ولا يسمح لأحد أن يجلس عليها, حتى أنه حين يزوره أحد؛ يسرع بوضع متعلقاته الشخصية من حاسوب وأوراق ينثرها عليها؛ حتى يمنع الزائر من الجلوس.. أومأت برأسها موافقة ونهضت, لتدلفا معًا للمكتب, اتجها للأريكة وجلسا بأريحية.. نظرت فيبي لتمارا بأعين مترقبة حاثة إياها على الحديث:" هيا تمارا.. هاتِ مالد*كِ.." تن*دت تمارا وبدأت بسرد ماقاله سامر وأزعجها بشدة.. دومًا هكذا هي وفيبي يقصا ما بداخلهما دون تدلل أو إلحاح؛ فبين الأصدقاء لا يوجد تكلف أو تظاهر.. ضحكت فيبي, وقالت مسترضية:" لا عليكِ تمارا.. تعلمين حماقات سامر.. يتحدث دون تفكير.. وأنتما تتشاجران دومًا.." ثم رمقتها بنظرة إتهام:" وأنتِ أيضًا تزعجيه.." حادت بنظرها عنها تلوي شفتيها للجانب بإمتعاض, قائلة بنزق:" حسنا أيتها المتحاذقة.." زمت فيبي شفتيها ورفعت حاجبها, قائلة بترقب:" هيا.. هيا.. افرغي ما بجعبتكِ.. ليس سامر مايزعجكِ لهذه الدرجة.. ماذا هناك؟.." زفرت تمارا وتجهم وجهها ببؤس, قائلة بأسى:" لقد انفصل عمار عن غريس.." ارتفع حاجبي فيبي, تفغر شفتيها بعدم تصديق, هاتفة:" يا إلهي.. لماذا؟.. ماذا حدث لينفصلا؟.. لقد كانا رائعين معًا.. قصة حب جميلة.." انحنت زاويتي عينا تمارا بحزن, ولم تعلق, ليست قصة حبهم ما تشغلها وتحزنها؛ مايحزنها حقا موقف يوسف الصغير وماسيعانيه.. هزت فيبي رأسها تمط شفتاها للجانب بأسى, تتساءل وهي ترى حالة تمارا:" حسنًا عزيزتي ربما يمران بفترة عصيبة, وقد يعودا لبعضهما.." ضحكت بهزء, مرددة بصوت باهت:" يعودا!.. لقد انفصلا لأنهما لم يعد بينهما أي تفاهم.. أنا مشفقة على جو الصغير.. هو من سيتعذب.." نظرت لها فيبي بإشفاق من طريقة حديثها تعلم تأثر تمارا بتلك الأمور.. ربتت على يدها برفق, تقول مواسية:" لا بأس عزيزتي.. لا تحزني هكذا.. سيكون بخير.." أغمضت عينيها بعذاب ولم تعلق, فأكملت فيبي بنبرة مشجعة لتخرجها من حزنها:" حسنًا.. أنا أعلم أنكِ حزينة وخائفة على الصغير أن يصبح وحيدًا...." أكملت تمارا ببؤس:" وحيدا مثلي فيبي.." رمقتها فيبي بنظرة معاتبة, وقالت:" لستِ وحيدة تمارا.. أنا صديقتكِ ومعك دومًا.. ثم إن عمار جيد أيضًا.. ربما لم يكن أحدًا بجانبكِ لمساعدتكِ بصِغركِ.. رغم أنني أشك بذلك.. لكن جو الصغير أنتِ بجواره.. وأعتقد أنكِ لن تتركيه وحيدًا.." أطرقت تمارا برأسها للأسفل, تحرك ساقها دون حديث, إبتسمت فيبي, قائلة بنبرة ممتعضة مصطنعة:" كفي عن بؤسكِ أيتها الكئيبة.. أتعلمين في بعض الأحيان أشعر أنكِ ناكرة جميل؟.. حين تمر بكِ لحظة حزن؛ تنسين كل الأوقات السعيدة التي مرت عليكِ.." رفعت تمارا رأسها ترمقها بنظرة ممتعضة, قائلة بحنق:" لا أدري ما الذي يجعلني أتحدث معكِ؟, وأنت مستفزة هكذا.. هل أنا هنا لتسانديني؟.. أم لتثيري حنقي!.. أنتِ صديقة مزعجة.." ضحكت فيبي بمرح, وقالت بلا مبالاة:" أجل أجل.. أعانكِ الله عليَّ.. هيا يابائسة ابتسمي سيكون كل شيء على مايرام.." هزت تمارا جسدها بضيق مصطنع تحارب إبتسامتها؛ فهتفت فيبي بشقاوة:" هيا.. هيا.. لا تحاربي إبتسامتكِ.. أنا أراها هاهي قادمة.." ضحكت من طريقة حديثها, تقول هازة رأسها بيأس:" دومًا أنتِ هكذا؛ لا تتركيني أكون بائسة ولو قليلاً.. دومًا تفسدين مزاج حزني الرزين خاصتي.." ضحكت فيبي أكثر, وقالت متهكمة:" مزاج حزنكِ الرزين.. دوما أستمع أن هناك مزاج جيد.. مزاج مرح.. وليس حزين برزانة.. يكفي تمارا.. كوني مرحة حبيبتي ستصابين بالتجاعيد المبكرة.." ابتسمت تمارا بإمتنان, وقالت برقة:" لا أدري ماذا كنت سأفعل بدونكِ فيبي.. أنا محظوظة بكِ.." ابتسمت فيبي, وأضافت بترفع:" عليكِ شكر ربكِ أنه لد*كِ صديقة مثلي.." ثم أردفت:" ربما يمكنكِ شكري بأن تتحدثي مع جيك, وتخبريه بمشاعري إتجاهه.." نظرت إليها بغيظ, وضيقت عيناها بتوعد قائلة:" سوف أجعله يركلكِ خارج الشركة.. أنا أشكو إليكِ مايحدث معي.. وأنت تتحدثين عن حياتكِ العاطفية الفاشلة التي لا أمل لها مطلقًا.. أتعلمين!.. سأض*بكِ.." ضحكت رافعة يديها بإستسلام مهدئة, وهي ترى جسد تمارا المتحفز وقالت:" حسنًا.. أنا أمزح.. أمزح.. لا تغضبي.." زفرت بغضب تزم شفتيها, قائلة بسخط:" حمقاء.." اقتربت منها فيبي مسترضية, ودفعتها بكتفها برفق, قائلة بمرح:" حمقاء كصديقتي الكئيبة.." زمت تمارا شفتيها تمنع إبتسامتها تحاول رسم التجهم, لكن فيبي دفعتها مجددًا واحتضنتها؛ لتبتسم تمارا وتتربت على ذراعيها بحب.. ****************** بعد أن خرج جيك من منزل شقيقته توجه إلى الشركة يشعر بالضيق الشديد واﻷسى، دلف إلى المكتب شارد الذهن متجهم الوجه.. رأته فيبي فنهضت وأسرعت تقف أمامه, هاتفة:" سيد جيك.. لقد طلبك السيد سهيل بمكتبه وأمرني أن أخبرك.. وأيضًا تلك الأوراق التي طلبتها قمت بتجهيزها.." تن*د جيك بتثاقل, وأشار لها بيده بلا مبالاة ودلف لمكتبه.. عقدت فيبي حاجبيها بتعجب من حالته الغريبة, ووجهه الكئيب.. يبدو مختلفًا حتى أنه لم يشا**ها أو يأمرها بأي شيء كعادته.. هزت كتفها بعدم اهتمام فتصرفات جيك دومًا غريبة متغيرة.. تصيبها بالحيرة.. أسرعت كعادتها وحضرت كوب القهوة, وطرقت باب مكتبه ودلفت بهدوء، نظرت إلى المكتب فلم تجده فجالت بنظرها؛ لتجده جالس على أريكته بعد أن نزع سترته وألقاها بإهمال بجواره, مرجع رأسه للخلف مسندها على ظهر اﻷريكة مغمض العينين.. وضعت القهوة على الطاولة أمامه, وأخذت السترة ووضعتها على المشذب المخصص لها.. ووضعت بعض اﻷوراق على مكتبه.. كانت تعمل بهدوء و**ت, ترمق جيك بطرف عينها بنظرات مختلسة؛ حين انتهت همت بالخروج, قالت بخفوت:" سيد جيك لقد انتهيت والقهوة..." لم يبدي أي حركة أو يقول كلمة.. فشعرت بالقلق؛ وإتجهت إليه تقف بجانب الأريكة متسائلة بتوتر:" سيد جيك هل تسمعني.. هل أنت بخير؟.." _لا أشعر أنني بخير.. همسته الشاردة كأنه يتحدث من بعيد.. أشعرتها بالهلع.. هتفت متسائلة بإرتياع:" بماذا تشعر هل أطلب لك طبيبًا؟.. هل هناك شيئًا يؤلمك؟.." تن*د بتثاقل يفتح عينيه محدقًا بالسقف, متمتمًا:" لست مريضًا فيبي.. عودي إلى عملكِ.. مجرد مشكلة عائلية.. لا أريد اتصالات من فضلكِ.." مشكلة عائلية إذًا هذا مايزعجه.. انفصال شقيقته عن عمار فكرت فيبي فقد أخبرتها تمارا منذ قليل.. لم تدري كيف تحدثت, قالت برقة:" لا بأس سيد جيك ستمر اﻷزمة.." نظر لها جيك عاقدًا حاجبيه بإهتمام.. فأكملت موضحة بإرتباك تحيد بعينيها عنه:" أعني لقد أخبرتني تمارا منذ قليل عن إنفصال شقيقتك عن السيد عمار.. كانت مستاءة مثلك.. لكن ليس عليكم أن تنزعجوا هكذا.. هي حياتهما وهما أعلم بها.." كان ينظر إليها بأعين متفحصة ب**ت مريب.. ابتلعت ريقها بصعوبة؛ ترى نظراته، لعنت غباؤها ول**نها المتسرع حتمًا سيوبخها اﻵن ويسمعها مايليق لتدخلها فيما لا يعنيها.. تحركت حدقتاها بتوتر تعض على شفتها السفلى.. ماذا تظن نفسها؟.. هل اليوم يوم المواساة العالمي لها!.. لكنها أجفلت تنظر إليه بذهول؛ حين سمعته يقول:" أنا لست مستاءً من اﻹنفصال.. لكني منزعج فقط لأن عمار وغريس يحبان بعضهما حقا.. اﻹنفصال أتى بشكل مفاجئ.. وغريس لم تخبرني.. لقد علمت بأمر طلاقهما من المحامي.. أشعر أن شقيقتي همشتني وصديقي أيضًا.." كانت تستمع إليه فاغرة فاها؛ لم تصدق أن جيك يمكن أن يتحدث معها بأريحية عما يزعجه.. تداركت ذهولها, وقالت بإبتسامة رقيقة:" لم يفعلا ذلك قصدًا أؤكد لك.. ربما لديهما بعض اﻷسباب الخاصة وسيخبراك فيما بعد.. هما شخصان ناضجان لا يحق لأحد أن يتدخل في أمورهما.." زفر بضيق, وأضاف بإستياء:" اﻷمر ليس كذلك.. أشعر بالذنب.." رمشت بعينيها تنظر إليه ببلاهة, مرددة:" تشعر بالذنب.. لماذا؟.." تجهم وجه جيك, وقال بأسى:" لقد كنت شاهدًا على حبهما.. وأنا من شجعت غريس على اﻹرتباط به.. كانت تشتكي ببعض اﻷوقات من اختلاف طريقة التفكير, وكنت أوبخها وألقي عليها اللوم.. أنا أعلم أن شقيقتي مدللة, لكن لم يكن عليَّ تجاهل مشاكلها.. ربما لم تخبرني بإنفصالها لأنها ظنت أنني لن أهتم.." أسرعت فيبي وجلست بجواره على اﻷريكة, تمسك بيده بلا وعي تضغط عليها برفق مؤازرة، هاتفة بقوة:" ليس عليك الشعور بالذنب جيك.. شقيقتك تعلم أنك تحبها وتهتم لأجلها.. في بعض اﻷوقات يحتاج الشخص لإتخاذ قرار مصيري بمفرده دون أي مؤثر خارجي.. لا تحمل نفسك الذنب.. كنت تتجاهل بعض المشكلات حتى تجعل حياتها تستقر.." ابتسم جيك بحزن وأومئ موافقًا, قائلاً بخفوت:" أجل هذا ما حاولت فعله.. وأنا أعلم طبيعة شقيقتي.." ابتسمت فيبي وقالت:" أجل أنت شقيق رائع.. وغريس محظوظة بك.. فلا يحظى الجميع بشقيق يهتم لأمره دومًا.. أنا واثقة أنها تشعر باﻹمتنان اتجاهك.." تن*د جيك وقال:" أنا أهتم حقا لأمرها وأحبها فهي شقيقتي الصغيرة.." ضحك برقة وأضاف:" دومًا أهتم بها بطريقة مبالغ فيها كان بعض رفاقي يشكون بطبيعة علاقتي بغريس, فقد كنت أنتقي لها أصدقائها وأبعد عنها من يشعرني بعد الإرتياح.. كنت أقرب لحبيب متملك يشعر بالغيرة أكثر من أخِ عادي.." كانت تنظر إليه بإنبهار تلك الضحكة الرقيقة العفوية, ملامحه الجميلة هو يتحدث عن علاقته بشقيقته سرقت نبضة من قلبها.. كم هو رائع أن تحظي بشقيق مثله.. بل بحبيب عاشق كجيك.. أكمل جيك بإبتسامة, يهز رأسه بيأس متعجبًا:" كنت أنا نفسي أتعجب من موقفي فأنا أرى أصدقائي لا يهتمون بشقيقاتهم ومن يواعدن.. لكن غريس شقيقتي وأشعر بأنه عليَّ حمايتها دومًا.. لكن مع عمار شعرت أنه سيحميها, هو من يستحقها.. كنت أكون بصفه لأنني أعلم صفاته" أومأت فيبي برأسها موافقة, وقالت:" السيد عمار شخص رائع حقًا.. وأنت محق في كلامك.. فتمارا تتحدث عنه بحب وامتنان.. أظنه يشبهك في كثير من اﻷشياء.." عقد حاجبيه, وتسائل بدهشة:" عمار يشبهني.. كيف؟.." أطرقت فيبي رأسها وإبتسمت, قائلة برقة: أنتما متواضعان، رقيقان في التعامل، لا تتعاملان بتعالي مع أحد مهما كانت هيئته أو طبيعة عمله، تهتمان بمن حولكما.." التوت زاويتي جيك بإبتسامة ناعمة؛ يراقب تورد وجنتاها وطريقة حديثها الناعمة، تعجب من أمره كيف تحدث معها بتلك اﻷريحيةً!.. بل يشعر باﻹرتياح والسكينة، ويتحدث دون قيود وهي تبادله الحديث وكأنهما صديقين وليس رب عمل ومديرة مكتبه، رغم طريقته المتعجرفة في تصرفاته معها وحبه لإستفزازها دون سبب وإستمتاعه بمشا**تها؛ لكنها اﻵن تحاول التخفيف عنه؛ بل استطاعت فعل ذلك.. نظر إلى معالم وجهها الرقيقة عيناها الزرقاوين, شعرها الذهبي متوسط الطول دوما تربطه على هيئة ذ*ل حصان مرتفع مع بعض الخصلات الثائرة حول وجهها.. جسدها المتناسق متوسط الطول؛ حين يقف بجوارها ينحني إليها ليكون قريبًا منها بقدر ما يستطيع, رائحتها المنعشة الناعمة التي تثيره برقتها ليستفزها لرؤية تجهمها وحنقها.. هتف دون وعي متسائلا:" ماذا عليًّ أن أفعل فيبي؟.. أشعر بالحيرة.." رفعت عينيها ونظرت إليه, قائلة ببساطة:" كل ماعليك فعله هو أن تكون شقيق تساند شقيقتك.. استمع إلى شكواها كما تفعل.. هي ستحتاجك هذه الفترة أكثر من ذي قبل.. وأنت ستؤازرها كما تفعل دومًا.. بكل بساطة كن أنت.." أومئ برأسه بإبتسامة متفهمًا.. وفغر فاهه ليشكرها على حديثها؛ لكن لا يدري ماتلبسه, جعله يرد ببرود وكأنه يريد رؤية غضبها؛ فعبس بوجهه, وقال بفظاظة:" حسنًا آنسه فيبي هاقد إنتهينا من الثرثرة.. لِمَ لا تعودي لعملكِ وتتركيني.. يالكِ من ثرثارة.." اتسعت عيناها بذهول من طريقته المتعجرفة في الحديث بعد حديثهما الودي هاهو يعود لطريقته العنجهية.. جذت على أسنانها بغيظ شديد, ونظرت له بسخط, ثم ابتسمت إبتسامتها الصفراء, وقالت من بين أسنانها:" حسنا سأعود سيد جيك.. آسفة على إزعاجك.." نهضت بغضب واتجهت للباب لتخرج بخطوات ساخطة.. اتسعت إبتسامته أكثر, وهتف بنبرة مستفزة:" لقد بردت قهوتي أعدي لي غيرها.." أغمضت عينيها تعد للعشرة, محاولة كبح رغبتها في سكب تلك القهوة الباردة التي توازي بروده على رأسه؛ كان عليها تركه بائسًا كئيبًا.. ربما كان سيظل صامتًا ولا يثير غيظها هكذا.. لكنها قالت بنبرة جامدة:" حسنًا سيد جيك.." التفتت تتجه مرة أخرى ناحيته, تميل بجسدها لتأخذ كوب القهوة الموضوع على الطاولة واعتدلت وهمت بالخروج؛ لكن جيك وقف بجوارها ومال بجسده قليلا، هامسًا برقة بجوار أذنها:" شكرًا لكِ فيبي.." وتركها واتجه لمكتبه يجلس على كرسيه يضحك بخفوت.. تسمرت تفغر فاها بعدم تصديق.. هل شكرها اﻵن؟.. ألم يكن يتحدث معها بصلفه المعتاد؟.. أجفلت ترمش بعينيها وهي تستمع إلى صوته ينبهها:" لا تقفي كثيرًا فيبي, اعدي قهوتي أشعر بالصداع.." هزت رأسها بيأس وخرجت من مكتبه تقسم أنه مصاب بإنفصام بالشخصية حتمًا.. ************* لم تحدث عمار منذ ماحدث تشعر بالغضب الشديد منه, ولم تدع له فرصة للشرح.. أو تبرير موقفه.. كان كلما حاول الحديث معها تصده وتتركه وترحل.. وانشغلت كثيرًا بسبب موعد إختباراتها, في حين سمح جيك لفيبي بأخذ إجازة لتتابع دروسها.. بعد أن أنهت الإختبارات حان موعد عودتها لزيارة عائلتها قبل بدأ العام الدراسي الجديد.. ذهبت لزيارة يوسف وتوديعه, رحبت بها غريس بحفاوة واستقبلتها, كانت تشعر بالتوتر والحرج من موقفها فمهما كانت فهي ابنه عم عمار وهو انفصل عنها, في وضع غريس ربما لا تشعر بالرغبة في استقبالها, لكنها تفاجئت بموقف الأخيرة.. ابتسمت تمارا بتوتر, وقالت بخفوت:" مرحبًا غريس لقد أتيت لرؤية الصغير.. أرجو ألا تمانعي.." نظرت إليها غريس بدهشة, وقالت:" لِمَ سأمانع تاما؟.." أطرقت برأسها, وقالت بحرج:" أعني أنكِ وعمار قد انفصلتما وقد تكوني ساخطة عليه, وعلينا لأننا لم نقف معكِ.." ضحكت غريس بذهول, وقالت بإنشداه:" لم تقفوا معي.. عزيزتي نحن ناضجان.. وانفصلنا فقط, العلاقة بيننا جيدة لاتقلقي.." نظرت إليها تمارا بإبتسامة حزينة مهتزة؛ فإبتسمت غريس مشجعة وأردفت ممازحة:" لا تقلقي لست غاضبة من عمار ولا أود ركله أو قتله.. نحن جيدان.." نظرت إليها بإمتنان, وقالت برجاء:" هل يمكنني زيارة جو من وقت لآخر.. سأسافر بعد يومين لزيارة عائلتي وأردت رؤيته.." قالت غريس ببساطة:" بالطبع عزيزتي, أنتِ مرحب بكِ في أي وقت.." _شكرا لكِ.. اصطحبتها غريس لغرفة الصغير, وتركتها قليلاً بمفردها معه.. اتجهت لفراش يوسف ونظرت إليه بإبتسامة حانية وانحنت قليلاَ تحمله تضمه إلى ص*رها.. اتجهت إلى كرسي بالغرفة تجلس عليه ثم أبعدت يوسف عن أحضانها قليلاً, تتطلع إلى وجهه الجميل, وهمست برقة:"مرحبًا صغيري.. لقد اشتقت إليك كثيرًا.." ثم أضافت بنبرة قوية بأعين لامعة بإصرار ووعد:" لا تقلق سأعتني بك.. أعدك لن يصيبك أذى أو ألم وأنا معك.. سأهتم بك وأرعاك, سأحرص على جعلك سعيدًا بين أبويك وألا ينساك أحدهما.." ضحك الصغير فإتسعت عيناها بإنبهار من جمال ضحكته وعذوبتها وضحكت تلقائيًا, هاتفة بذهول:" أنت تضحك.. هل تفهم حديثي؟.." كان الصغير يتطلع إليها بعينين خضراوين وساعتين, وجهه الوردي الباعث للراحة, تن*دت وإبتسامة سعيدة, ظلت تنظر إليه لا تستطيع أن تحيد بعينيها عنه.. كان عمار قد وصل للمنزل لرؤية الصغير, أخبرته غريس أن تمارا هنا فزفر بضيق من موقفها إتجاهه وأخبر غريس أن تمارا لم تتحدث معه منذ أن إنفصلا.. تعجبت غريس وتسائلت:" ألم تخبرها عمار؟.." هز رأسه نفيًا, وقال بتثاقل:" لن أخبر أحدًا من العائلة غريس.. لا أريد أن يتعذب أحد لأجلي.." نظرت إليه بإمتعاض, وهتفت معنفة:" لا تكن يائسًا عمار.. ستشفى قريبًا وتعود بخير.." ابتسم لها وقال بدفء:" يبدو أنكِ بدأتِ تتصرفين كأم غريس.." تصنعت الجدية, وهتفت بصرامة:" أجل.. وعليك أن تستمع إليَّ, وتكن مطيعًا.." وأكملت برقة:" لا تقلق ستسامحك تمارا وتعودا كما كنتما سابقًا.." نظر لها بحب وأمسك بيدها يقبلها برقة, وقال بإمتنان:" شكراً لكِ حبيبتي.." _هيا اذهب إليها وحاول الحديث.. حركت رأسها تحثه على الذهاب للغرفة والحديث مع تمارا.. تركها وذهب للغرفة, ووقف عند الباب يراقبهما بإبتسامة دافئة.. من يراهما من بعيد يظنهما لوحة جميلة ضاحكة تبعث السرور.. تن*د بخفوت وتحرك لداخل الغرفة, يقول بنبرة عذبة:" مرحبًا تمارا.." أجفلت على صوته ترفع رأسها تنظر إليه, وقد تجهم وجهها ثم أشاحت بوجهها ولم تعلق.. فأكمل مسترضيًا:" هل ستظلين غاضبة مني هكذا؟.. أعلم أنكِ مستاءة ولكن أنا.." قاطعته تقف وتتحرك إتجاه الفراش, تنحني لتضع يوسف عليه برفق, طبعت قبلة على وجنته واعتدلت تهم بالخروج.. لكن عمار وقف أمامها, وقال بجدية:" تمارا أعلم أنكِ غاضبة مني.. لكن اعلمي أنني لن أدع جو وسأهتم به.. كما أهتم بكِ أنتِ.." نظرت إليه بغضب, وهتفت بحنق:" إن كنت تحبه كما تقول لِمَ تركته وانفصلت عن غريس؟.." حاد بعينيه عنها, وقال بخفوت:" هناك أمور تجهليها تمارا.. عليكِ ان تحترمي قراري.." زمت شفتيها بغضب تقبض على يدها بقوة, و**تت قليلاً ثم رفعت إحدى يديها وأشارت بسبابتها, قائلة بقوة وصرامة:" حسنا استمع إليَّ.. ربما عليَّ مكرهة أن أحترم قرارك الأ**ق في الإنفصال.. لكن اعلم ذلك سأراقبك جيدًا وسأحرص على أن تكون أبًا جيدًا لجو.. لن أتوانى عن طرق رأسك بقوة إن حاولت إهماله أفهمت؟.." ارتفع حاجباه ينظر إليها بذهول من وقاحتها في الحديث, وهتف بإنشداه:" يا إلهي أنتِ وقحة.. ألا ترين فارق السن.. احترميني على الأقل.." هتفت بجدية وأعين غاضبة:" لست أمزح عمار.. أنا جادة بكل كلمة قلتها.. سأقتلك بيديَّ إن آلمته.. اعتبره تهديد صريح.." رفع يديه بإستسلام, وقال بخوف مصطنع:" حسنًا سيدتي.. أعدكِ أن أفعل ما تريدنه.. " ثم أضاف بإستعطاف:" لكن هل سترضين عني وتسامحيني.." لوت شفتيها للجانب تنظر إليه بطرف عينها, قائلة بترفع:" لازلت غاضبة منك.. لكن سأحاول أن اتقبلك.." هز رأسه وقال متهكمًا بسخرية:" يال حسن وتواضع أخلاقكِ.. هيا آنستي لأوصلكِ للمنزل.. سمعت أنكِ ستسافرين بعد يومين.." أومأت برأسها وقالت بلامبالاة:" أجل.. سأسافر لزيارة أمي.." _ هل تعلمين أن سهيل سيسافر معكِ؟.. نظرت إليه بعينين مشدوهتين.. لِمَ سيسافر سهيل معها؟.. فهو يمقت العودة لهناك.. بل يكاد لا يزورها إلا للعمل.. لا يبقى بل يعود سريعًا ويوكل الأعمال هناك لعمار أو سامر.. لم تعلق يدور برأسها الكثير من الأسئلة, راقبت عمار يقبل يوسف ويمسد شعره الخفيف الأشقر بحنان, ثم خرج معها يوصلها للمنزل.. *************** بعد يومين سافر كل من سهيل وتمارا.. سافر سهيل على مضض؛ لكنه كان بحاجة للسفر, رغبة ملحة بداخله بدفعه لذلك.. في منزل العائلة رحب الجميع بهم.. ورحبت عاليا بتمارا بحبور وسعادة جلية.. فحضور تمارا يعني تسوق وحديث.. في نظر عاليا تمارا تشبهها.. فهي تحب التسوق والأناقة تبدو **يدة مجتمع صغيرة راقية طريقتها في الحديث بدبلوماسية ملفتة للأنظار.. ربما لديها بعض الترفع والعجرفة أيضًا.. على ع** ميرا العفوية الرقيقة التي لاتهتم سوى برقص الباليه.. دومًا تعنفها والدتها وتحثها على الإنغماس في الوسط الراقي, تحاول جاهدة أن تجعلها تقابل الكثير من رفيقاتها.. لكن ميرا تتهرب من تلك الإجتماعات الثقيلة على قلبها فهي تشعرها بالتقيد.. ميرا كفراشة جميلة منطلقة تتراقص دومًا لا تريد أن تتقيد بمظاهر ووسط متكلف.. في رقصها للباليه تشعر بأن لها عالم منفصل يجعلها تحلق بالفضاء.. بساطتها في الحديث, والملابس تجعلها أقرب للجميع.. حين رأها مروان أول مرة لفتت إنتباهه بالشركة لم يظنها أبدًا ابنة السيد غسان, بل لم يظنها من تلك العائلة الغنية ربما فتاة بسيطة رقيقة.. رقتها كالنسمة تجذب الأنظار أينما حلت.. في المنزل حين رأت ميرا سهيل نظرت إليه بإنبهار يصاحبها كلما رأته أو وجدت صورته بمجلة ما.. على طاولة الطعام كان الجميع يتناول الغداء, وسهيل يتجاذب أطراف الحديث مع عمه ببكلمات مختصرة مقتضبة, على ثغره إبتسامته المغوية رغم ملامح وجهه المتشددة.. جلست ميرا بجوار تمارا تختلس النظر لسهيل, وهمست بإنبهار:" تمارا.. هل سهيل هكذا دومًا رائع؟.." نظرت إليها بطرف عينها تلوي شفتيها للجانب بحنق ولم تعلق.. حتى ميرا.. ألا يكفيها تلك الحمقاوات هناك اللاتي يتطلعن إليه ويسعين إلى مواعدته.. هتفت ميرا بإعجاب شديد:" تمارا أقسم أنه لو تحدث معي قليلاً سأنهار.. ربما سأفقد الوعي.. أتعلمين أن سهيل كنجم متلئلئ في عالمنا؟.. جميع الفتيات حتى في معهد الباليه يجمعون صوره, ويحسدونني لأنني ابنة عمه.. يا إلهي كم أود الحديث معه والتعرف عليه.." همهمت بكلمات ساخطة تلعن ميرا, وجميع الفتيات اللاتي تتحدث عنهن.. ثم التفت إليها, وهمست بإبتسامة صفراء:" ولِمَ لا تذهبين وتتحدثين معه؟.. وتكفي عن إزعاجي.." عقدت ميرا حاجبيها وابتلعت ريقها بصعوبة, ترمق سهيل بطرف عينها, هامسة بخوف:" في الواقع أنا أخاف منه.. يبدو مخيفًا في كثير من الأحيان, نظراته ترعبني.." نظرت إليها تمارا بحاجبين مرفوعين بذهول, ثم ابتسمت بخبث وهمست:" أجل هو مخيف حقًا.. وعندما لا يعجبه أحد أو يزعجه يتحول لوحش مرعب يمكنه أن يقتلكِ.." عقدت ميرا حاجبيها أكثر وهتفت بهلع:" يا إلهي.. لهذه الدرجة.." منعت تمارا إبتسامتها المنتصرة, وهمست بخوف مصطنع:" أجل وأكثر ميرا.. أنتِ لا تعرفينه أنا هناك معه.. أهرب خوفًا منه وابقى بالسكن الجامعي.. حتى لا أحتك به وأغضبه.." انكمش وجه ميرا تكاد تبكي خوفًا من الرعب, خاصة حين رمقها سهيل بنظرة خاطفة؛ فإنكمشت على نفسها أكثر.. وتمارا تنظر إليها بطرف عينها تحارب ضحكاتها هاقد جعلت ميرا تبتعد عن سهيل.. لكنها لم تكتفي بذلك, فمالت عليها وهمست محذرة بنبرة جعلتها تكاد تركض من أمامهم:" ميرا عزيزتي لا تنسي أن تخبري صديقاتكِ ألا يتحدثن مع سهيل إن شاهدنه بمكان, فهو سيعاقبكِ أنتِ إن علم أنهن صديقاتكِ.. لا أريد أن أراكِ تتعذبين على يديه.." ثم اعتدلت ترتشف من كأس العصير أمامها ثم تضعه, ترفع رأسها بشموخ تبتسم بمكر.. ****************** وقف ينظر أمام بوابة حديدية صدأة متهالكة, لكنها متماسكة بإيباء كأنها تستفزه بعدم إنهيارها وثباتها.. ثم تطلع إلى ذلك المنزل المحترق لا يوجد به إنش سليم يدل على أن أحد قد وطأه منذ سنوات.. بل لا يجرؤ أحد على المرور بجواره.. أو التفكير في ترميمه.. غامت عيناه بذكريات كثيرة منها الجيد, وأكثرها مؤلم يجعله يود لو يحطم ذلك المنزل ويحرقه ألاف المرات.. دلف إلى المنزل المظلم البارد, اشتعلت عيناه يقول بشراسة مرعبة من بين أسنانه, كأن المنزل شخص بغيض يحدثه, يتحرك بعصبية وبيده عبوة بنزين يسكبه بأرجاء المنزل.. _ ستبقي هكذا ركام منزل لتكون عبرة لمن يتجرأ على أن يقترب مني.. سأظل أنا المتحكم للنهاية.. ولى زمان الذل والمهانة.. أقسم أنني سأسحق من يفكر أن يحاول إصلاحك.. سأحرقه حيًا بداخلك كما الآن.. وقف عند مدخل الباب يلهث بعنف, يشعل قداحته يلقيها ليشتعل المنزل تدريجيًا, يرحل لا يلتفت إليه.. شاعرًا بحرارة النيران تلفح ظهره, تلهبه كروحه المشتعلة تأبى أن تتحول لرماد.. ************ ذهبت تمارا لزيارة والدتها وكعادتها لم تمكث كثيرًا.. فوالدتها حين تراها وبعد الترحيب تبدأ في حديثها المزعج عن والدها وبغضه لهما.. وكيف لم يتحمل مسئولية أسرته وهرب سريعا بعيدًا عنهما.. تركهما ولم يلتفت إليهما.. حديث حفظته عن ظهر قلب.. بل تردده بملل بداخلها.. كم شعرت بالإختناق, ودت الهروب.. لذلك أنهت الزيارة بإيجاز, ورحلت لمنزل العائلة.. هناك أرادت أن تستنشق بعض الهواء.. فجلست على العشب بالحديقة غير مهتمة بمظهرها أو ملابسها.. أستندت بكفيها على الأرض, مغمضة العينين ترفع رأسها للأعلى تستقبل أشعة الشمس.. كم شعرت بالإرتياح.. جال بخيالها رقصات ميرا الناعمة فإبتسمت برقة تفكر كيف يكون شعور المرء وهو يرقص.. ضحكت على تفكيرها, لكن لمعت تلك الفكرة برأسها ستجرب ذلك الشعور.. غافلة عن ذلك الشخص الذي يراقبها من نافذة غرفته, يبتسم بعذوبة على منظرها, يتذكر موقف مشابه منذ سنوات بعيدة.. مستلقي على العشب يراقبها بإستمتاع دون ملل.. تدور حوله يتراقص فستانها الجميل حول ساقيها تدور فاردة ذراعيها تهتف بنبرة طفولية محببة.. حتى يأتي سامر ويشا**ها لتنشئ مشاجرة كعادتهما.. تن*د وعلى ثغره إبتسامة ساخرة, كلما حاول النسيان داهمته الذكريات كالسيل.. رغم جمال بعضها, لكن كانت مغلفة بقسوة ومهانة مجحفة.. أغمض عينيه يهز رأسه يطرد ذكرياته ومعاناته, ابتسم بإغوائه المعتاد وفتحهما يراقب حوريته المتلئلئة تحت أشعة الشمس.. *********** عاد كل من سهيل وتمارا من سفرتهما.. فقد قطعت تمارا إجازتها حين شعرت بالضجر ومقابلات والدتها الخانقة ففضلت أن تعود لحياتها المعتادة.. ومع بداية العام الدراسي الجديد.. في الجامعة كانت تتحدث مع بعض رفاقها, يتناقشون في تفاصيل محاضرتهم السابقة.. كانت تضحك على بعض الكلمات والألقاب التي يطلقونها على المحاضر المسئول عنهم وتشاركهم الحديث بشقاوة.. راقبتها من بعيد بأعين لامعة بإبتسامة، لم تدري كم وقفت تتطلع إليها وإلى وجهها المشرق, عيناها البنيتين اللامعتين.. فستانها الصيفي الأصفر الملتف حول قدها برشاقة, تحمل كتابًا بيدها.. أجفلت من شرودها؛ على كف ميلينا الذي وضعته على كتفها, وصوتها المتسائل بتعجب:" روز.. هل أنتِ بخير فيما أنتِ شاردة؟.." رمشت بعينيها وتن*دت قائلة:" لا شيء.. هل أنهيتِ اﻷوراق ميلينا؟.." أومأت برأسها إيجابًا, وقالت بهدوء:" أجل.. لكن عليكِ أن توقعي بعض اﻷوراق هيا بنا.." هزت رأسها بخفة وتحركت معها, دلفت لإنهاء باقي أوراقها، حين إنتهت خرجت تقف بالردهة قليلاً تتأمل المكان حولها بأعين حزينة كأنها تودعه.. لمحت تمارا تدلف إلى الحمام فتابعتها في حين تسائلت ميلينا:" ماذا هناك روز؟.. تبدين غريبة اليوم.." زمت روز شفتيها بضيق, ثم هتفت بجفاء:" يكفي أسئلة ميلينا لقد أزعجتني.. هيا اذهبي اﻵن واتركيني.." _لكن ماذا ستفعلين, وأين ستذهبين؟.. أشاحت روز بيدها بحركة متعجرفة, وقالت بنبرة مريبة:" عليَّ فعل أمر ما قبل رحيلي.." تحركت إتجاه الحمام في حين تابعتها ميلينا بدهشة حتى اختفت خلف الباب.. في الداخل كانت تمارا تمسد عنقها, تحركه يمينًاً ويسارًا, بعد أن بللته ببعض قطرات الماء؛ حيث شعرت بالحر في ذلك الجو الصيفي.. نظرت في المرآه فاتسعت عيناها حين رأت روز خلفها تصرف الفتيات من الحمام, تتطلع لها بأعين وإبتسامة مريبة.. حين أصبح الحمام فارغ إلا من كلاهما؛ اقتربت روز منها.. تهمس بصوت أجش:" تمارا.. كم اشتقت لكِ.." أغمضت عينيها, تجذ على أسنانها, واشتدت شفتاها حتى أصبحا كخط حاد ؛ تشعر بالغضب واﻹشمئزاز يتصاعد بداخلها.. تجرأت يد روز وامتدت تلامس ذراع تمارا بحميمية.. ففتحت عينيها, والتفتت تحدجها بنظرات شرسة قاتمة, ترفع يدها تزيح يد روز بعنف, تهدر بنبرة مخيفة:" يبدو أن حديثي لم يصلكِ وتحتاجين إلى سماعه مني بطريقة أخرى.." اندفعت بحركة مباغتة تقبض على عنق روز بقسوة, تدفعها للحائط خلفها بعنف؛ جعل روز تنظر إليها بهلع, وهي ترى نظرتها تشبه سهيل بجنونه في شقتها.. وتمارا تكمل من بين أسنانها بتشديد مرعب:" سأحرص على إفهامكِ الدرس بطريقتي الخاصة.." ************ انتهى الفصل الخامس قراءة ممتعة
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD