الرابع
وصل شريف إلى المطار بدبى وكان فى انتظاره مندوب من الشركة التى سيعمل بها وصحبه فورا إلى مقر الشركة ليقابل كفيله وهو الشيخ ابوحمد والذى كانت مقابلته مبشرة .
ابوحمد: اهلين فيك يا وليدى
شريف: اهلا بحضرتك انا ليا الشرف اشتغل معاكم
ابوحمد: والله انت قدمت شهادات كتير مليحة وبدنا هلا نشوف شغل مليح متل شهادلتك هي
شريف: انا هبذل كل جهدى اكون عند حسن ظن حضرتك
ابوحمد: هلا بنعطيك استديو بسكن العاملين وسيارة لتتنقل فيها بس هادول مو إلك بتسلمهم عند الاجازات
شريف: اه طبعا متشكر جدا
ابوحمد: والراتب المتفق عليه بالعقد بيكون سارى بعد تلات اشهور من هلا اذا أثبتت كفاءة بتاخد راتبك بشكل راجعى يعنى بتقبض التلات شهور أما إذا ما فتت بالشغل بنحجز الك عودة لبلدك وما بتاخد الراتب
شريف: وانا إن شاء الله هأثبت كفائتى فى اقرب وقت
ابوحمد: والله بنتمنى هيك هلا بتروح مع المندوب بياخدك للاستديو بسيارة حجك لتعرف الطريج وباكر بتكون بالدوام
شريف: إن شاء الله عن اذنك
وانصرف شريف ليمضى ليلته فى ذلك الاستديو المكون من غرفة واحدة لكنه لم يتذمر فهى كافية تماما فقد جاء للعمل لا للاستجمام ويمكنه أن يتحمل اى شئ ليثبت جدارته التى سيترتب عليها سعادته مدى حياته .
بدأ شريف العمل من اليوم التالى بحماس مقترن بمهارة عالية وقد استطاع فى غضون أسابيع قليلة أن ي**ب ثقة كفيله الذى لم يبخل عليه بالمنح والحوافز التى استحقها عن جداره لعمله الجيد والذى أولاه كل طاقته وجهده وأصبح ينتظر أن تمر الثلاثة أشهر الأولى ليجمع كل ما **به ليكون شبكة حبيبته جيجي .
***** *******
فى مصر بنفس التوقيت
وصلت جيداء للفرقة الثالثة وبطبيعة الدراسة بكلية طب علاج طبيعي فالعام الثالث هو بداية الدراسة العملية وهذا يجعل الأمور أكثر صعوبة فقد بات وقتها كله مشغولا بالمشفى الذى تتدرب به .
بينما إلتحق سيف بكلية الطب البشرى كما تمنى وقد بدأ عامه الأول بحماس كبير للدراسة وبشغف اكبر للبحث
العلمى فمالبث أن بات معروفا لدى أساتذته لتفوقه وتميزه فهو ليس طالبا يذاكر ليمتحن بل هو طالب يجتهد ويبحث ليتعلم وهذا النوع من الطلاب بات نادرا وكما أولى هو طاقته للبحث وتطوير ذاته أولاه الأساتذة ثقة ورعاية يستحقها عن جدارة .
مرت الأشهر الثلاث الأولى على شريف اثبت فيها استحقاقه لراتبه كاملا وهذا ما كان فقد تسلم شيكا بكامل المبلغ .حين امسك الشيك بأناملة شعر بسعادة تغمره لم يجربها مسبقا .شعور جديد تماما زاده عزيمة للإستمرار .فحقا ما يجنيه ثمرة لجهده له مذاق مختلف.
كذلك مرت الأشهر الثلاث وقد أوشك الفصل الدراسي الاول على الانتهاء وبدأ الجميع يستعد للاختبارات
فى دبى
توجه شريف لأحد البنوك وقام بتحويل كل ما معه من مال إلى والده بالقاهرة وفى طريق العودة قام بالاتصال به يبشره بنجاحه ويسأله تحقيق حلمه .
شريف: الو أيوة يا بابا ازيك عامل ايه وماما اخبارها ايه؟
أجابه حسن بلهفة: شريف !!شريف يا حبيبي ازيك يا بنى كدة بردوا نهون عليك ؟؟ انا قلت شهر وهترجع لحضن اهلك
رغم شعوره بالألم لفراقهم إلا أنه قال بتفاؤل: مسيرى ارجع يا بابا ماتخافش عليا انا نجحت وشغال مرتاح اوى
استسلم حسن لنبرته السعيدة : طيب يا ابنى ربنا يوفقك
شريف: بابا انا حولت لك مبلغ اسحبه وخد ماما اخطبوا جيجي وهاتو لها الشبكة وعرف عمى احمد إن الشبكة من اول فلوس اقبصها من شغلى وحياتك يا بابا اوعى تنسى
تجهم حسن متسائلا: انت بردوا مصمم يا شريف ؟؟
لي**وا الرجاء صوت شريف: علشان خاطري يا بابا لو بتحبنى اخطبها لى ؟
حسن بإستسلام : حاضر يا حبيبي
شريف: سلم لى على ماما وانا هأكلمها بالليل فى معادى
حسن: الله يسلمك يا حبيبي
اغلق شريف الخط وقلبه يتراقص فرحا وسعادة بدأ يدندن ويدق بيده على المقود زادت سرعة السيارة دون أن ينتبه لذلك .بدأ ينشغل عن الطريق قليلا بذكرياته القليلة معها حتى وصل لليوم الذى ودعها فيه وفقد تركيزه للحظات كانت كافية ليجد نفسه فاقد السيطرة على سيارته حاول إعادة التحكم بفزع لكنه فشل وسقطت السيارة من فوق جرف صخري ارتطمت عدة مرات على كل جانب حتى استقرت على احد جوانبها وشريف داخلها ينزف من معظم أنحاء جسده .
وصل حسن إلى المنزل ليخبر سوسن عن محادثته مع شريف وقد سعدت كثيرا لذلك الخبر فهى تعلم مدى حب شريف ل جيداء لذا فقد انتظرت اتصال شريف كما اخبرها حسن لكن طال الانتظار وقد بدأ الخوف يدب اوتاده بقلبها ف شريف لا يتخلف ابدا عن الاتصال بها منذ سفره لذا فقد سألت حسن عدة مرات إن كان واثقا أن شريف قال الليلة وليس غدا !!! وكلما اخبرها حسن بالحقيقة كلما دق الخوف وتدا جديدا بقلبها .
نقل شريف إلى المشفى فى غيبوبة كاملة لم يتمكن الأطباء من إفاقته لذا تم التعرف على شخصيته من خلال جواز سفره وتم الاتصال بكفيله الذى اسرع إليه بلا تردد .
تحدث الشيخ ابو حمد مع الأطباء الذين اعلموه بخطورة حالة شريف وان هذة الغيبوبة قد تطول لذا نصحوه بإخبار أهله فقد يكون وداعاً اخيرا .
كانت سوسن لا تزال جالسة وبيدها هاتفها تنتظر اتصال شريف حين دق هاتف حسن برقم دولى فأسرع يجيب ليأتيه صوت أبو حمد: السلام عليكم خيي
انقبض قلب حسن: عليكم السلام مين حضرتك ؟
ابو حمد: انا الشيخ ابوحمد الكفيل لابنكم شريف
زاد انقباض قلبه لدرجة الألم: اهلا يا شيخ تشرفنا خير فى حاجة ؟
أبو حمد: والله ماهو خير
فقد حسن كامل سيطرته وهو يحثه: اتكلم يا شيخ فى إيه؟
ابو حمد: والله ولدكم صار معه حادث وهو هلا بالمشفى
انتفض حسن بفزع: انت بتقول إيه؟؟ انت اكيد غلطان شريف مكلمنى النهاردة
أبو حمد: والله هاد يلى صار وانا ببلغكم هلا فينى احجز الكم لتشوفوه اذا بدكم
حسن وهو يتنفس بصعوبة: لا كتر خيرك يا شيخ انا هاجى على أول طيارة
واغلق حسن الهاتف لتقول سوسن بفزع: ابنى ماله يا حسن جرى له ايه ؟؟؟
حسن وهو يرتمى على المقعد: شريف عمل حادثة وفى المستشفى
ضربت على ص*رها بجزع ولوعة : ابنى ودينى لابنى يا حسن انا عاوزة ابنى
هب حسن واقفا وهو يسرع لارتداء ملابسه ويقول : انا هشوف اول حجز
تمكن حسن فى خلال ايام من نقل شريف إلى القاهرة ليستكمل علاجه بالقرب منهم لكن غيبوبته طالت وعلمت سماح من سوسن عبر اتصال هاتفي أدمى قلبيهما بكاءا فكلتاهما ام وألم الابن هو أشد ما يؤلم امه اكثر من ألمها هى .
خرجت سماح بتأثر شديد إلى احمد بعد أن هدأت نوبة البكاء التى اجتاحتها أثناء تلك المكالمة
جلست لتقول بحزن : شوفت اللى حصل يا احمد ؟
رفع عينيه عن الجريدة ونظر لها : ايه حصل ايه؟؟؟
لتتابع بنفس الحزن: شريف عمل حادثة وفى غيبوبة نقلوه مصر امبارح
اغلق جريدته ووضعها جانبا: لا حول ولاقوة إلا بالله ربنا يشفيه
كانت جيداء تستمع لحديث امها مع سوسن واستمعت لبكاءها أيضا لكن هى لم تبكى بل جلست بصمت تفكر فيما حدث وتلقى باللوم على عاتق ابيها بكل ما حدث سابقا وتحمله مسئولية ما سيحدث أيضا .
جيداء لنفسها : بابا هو السبب فى كل اللى حصل لو ماكنش رفض شريف وقاله اللى قاله ماكنش شريف سافر ولو ماكنش سافر ماكنش عمل الحادثة و دلوقتى شريف بيموت وبابا هو السبب ..شريف بيتألم ويتعذب وبابا هو السبب ...انا ممكن مااشوفش شريف تانى وبابا هو السبب .
حين وصلت لهذة النقطة هبت واقفة هى لم تعترض على قرار إبيها ولم تحاول أن تثنيه عن رأيه فهى اذا مذنبة بقدره لطالما كان شريف يحبها لقد ترك كل شيء لأجلها وهى لم تفعل اى شئ لأجله .
خرجت جيداء من غرفتها لتقف أمام ابيها للمرة الأولى والغضب يصرخ بعينيها وهى تقول: حضرتك مرتاح دلوقتى علشان شريف بيموت
نظر أحمد لها بصدمة مستنكرا: انت بتقولى ايه يا بنت؟
لتتحدث بإنهيار: بقول براڤو على حضرتك يا بابا كنت عاوزه يشتغل ويبقى له فلوس غير فلوس أبوه وهو راح عمل اللى حضرتك عاوزه واهو بيموت ليه يا بابا حرام عليك ليه عملت فينا كدة
نهض احمد ليقترب منها ويقول: علشان كنت عاوز أحافظ عليكى كنت خايف عليكى من استهتاره ياخدك بالساهل ويرميكى بالساهل
عادت للخلف رافضة قرب ابيها ومنطقه أيضا : لا يا بابا انت كنت عاوز تبعده عنى واهو بعد اهو بيموت ارتاح يا بابا دلوقتى.. تقدر ترتاح بس اعرف ان ذمب شريف فى رقبتك انت ...انت اللى بعدته عنى وعن أهله واهو رجع لنا بيموت حرام عليك يا بابا حرام عليك
وإنصرفت بسرعة من امامه بعد أن خانتها دموعها لتعبر عن مدى الالم الذي يعتصر قلبها .
هزت سماح رأسها فى اسى وإنصرفت وجلس احمد بمفرده لكنه مقتنع تماما أنه على صواب فهو يريد الأفضل لإبنته
دخلت جيداء إلى غرفتها دموعها تتسابق فوجدت نفسها تمسك بهاتفها وتتصل ب سيف .
كان سيف منهمك فى مذاكرته فهو اعتاد أن يفرغ كل طاقته الداخلية فى المذاكرة هى الشئ الوحيد الذى يسكن ألم قلبه فهو يحب فتاة لاتشعر بوجوده حتى لذا فقد اتخذ حبه لها دافعا للتقدم فهو يتقدم لأجل حبيبته ليكون فخورا بحبها الذى يدفعه للأمام وان كانت لا تعلم عن هذا الحب شيئاً
دق هاتف سيف ليقطب حاجبيه متعجبا من قد يطلبه فى هذا التوقيت قرب الهاتف وهو يرفع منظاره الطبى ونظر به ليدق قلبه خوفا جيداء لما قد تتصل به احدث مكروه لعمته؟؟ اتعانى هى من خطب ما ؟؟ نفض أفكاره السوداء جانبا واسرع يجيب بفزع: جيداء فى ايه عندك ؟؟ حصل ايه ؟؟
لم تجب جيداء لكنه استمع لصوت بكاءها فزاده هلعا: جيداء ردى عليا ارجوكى عمتى فيها حاجة ؟؟ جرى ايه عندك وقعتى قلبى ؟؟
تمكنت جيداء من إخراج صوتها المتقطع بفعل البكاء : سيف انا محتاجة اتكلم معاك
تنفس الصعداء وقال: يعنى انتو كويسين!! طب بتعيطى ليه !!!
لتجيب بلا تفكير : شريف بيموت
وانهارت بالبكاء
اعتصر الألم قلبه بلا رحمة وسقطت دمعة من عينه اسرع يكففها ويقول محاولا تصنع الهدوء: طب أهدى علشان افهم ،مين شريف وحصله ايه؟؟؟
بدأت جيداء تتحدث وسيف يحسن الإستماع مضت ساعات وهى تحدثه عن شريف قصت عليه كل شيء لم تخفى عنه اية تفاصيل .تحدثت كأنها تتحدث إلى نفسها .تحدثت كأنها ترى ذكرياته تمر أمام عينيها .
كانت هى تتحدث وهو يستمع إليها ويحمد الله انها تحدثه عبر الهاتف فلو كانت أمامه لفصح أمره وظهر شوقه وصرخ عشقه لها طالبا منها الرحمة ...فهى تشكو له حب رجل آخر ولا تعلم انها مركز حياته لا تعلم انها الطاقة التى يعيش عليها لا تعلم انها الهواء الذى يتنفسه .
تشكو له حب رجل آخر ولا تعلم انها تقتله بكل كلمة.. ورغم كل الألم الذى يمزق قلبه إلا أنه تحامل عليه فهى حبيبته وتحب اخر لا ذنب لها فى ذلك فالحب ليس بأيدينا إنها بحاجة له ليس مستمعا فقط بل داعما لها إنها بحاجة مساعدته وهو لن يتوانى عن ذلك وإن كان الثمن قلبه فسوف يضحى به لأجل سعادتها .
سيف وقد ابتلع غصة مؤلمة تخنقه : طيب ممكن تهدى دلوقتى !
ليأتيه صوتها الذى تحشرج من كثرة البكاء: مش قادرة يا سيف شريف بيموت بسببى
تن*د بحزن: بلاش تفكرى بالشكل ده هو نصيبه كدة وعموما انا هعدى عليكى بكرة ونروح له المستشفى
اخيرا شعرت بوجود كائن ما يدق بين أضلعها ..اخيرا شعرت بالهواء يعود لص*رها: بجد يا سيف هنروح نشوفه؟
ليأتيها صوته الواثق: أيوه عندى محاضرة مهمة الصبح تخلص على الساعة عشرة وهعدى عليكى فى الكلية ونروح له
تمتمت بإمتنان: انا مش عارفه اشكرك ازاي يا سيف ؟
سيف: لو عاوزة تشكرينى امسحى دموعك واغسلى وشك ونامى كويس
هزت رأسها بتلقائية كأنه يراها وهي تقول: حاضر
سيف بألم لم تشعر به جيداء: تصبحى على خير يا جيداء
جيداء: وانت بخير يا سيف
واغلق الهاتف ووضعه جانبا وبجواره منظاره الطبى وهو يردد اخر ما نطقته شفتيها..وانت بخير !!!كيف له أن يصبح بخير وقد خبرته للتو انها تحب رجل غيره ارتمى على فراشه يتنفس بصعوبة بالغة ثم اغمض عينيه تاركا لدموعه العنان لتتحرر من أسر مقلتيه وتعبر عن النار المستعرة بقلبه