4-'ماريا'

1495 Words
"إن كانت الحرب لا تشفق على يتيم، فَـلن يشفق الموت علينّا! " طبعتُ الكلِمات في مُفكرتي ذات نقوش الورود الحمراء التي بِحجم كفي، فَـحفرت نقوشاً في قلبي لِتخلُد بِهِ كـصوت هادوين وهو ينطُق بِها. وقد إنتهى العشاء على حُسن خاتِمة، فَـلم تنزف دِمائي أو يُؤكل لحمي كـما خمنتُ بِـرؤية أجنِحتهِم؛ فقد إصطحبتني رئيسة الخدم ومساعدة الطباخ العربية التي عرفتُ لاحقاً أنها تُدعى -ماريا- لِغُرفة بِالطابِق الثاني والذي يكون قمة القصر بعد أن صعدنا سلالِم عظيمة، إلا أن الغُرفة كانت أعظم ولوهلة بدت وكأنها غُرفة الأميرة المقتولة -كاترينا بينجامين- او المُنتحِرة كما تتناقل الصُحف، لَكِن كياني لم يُزحزِحهُ جبلاً، رُبما لأني اعيشُ في منطق خالٍ مِنَ الأشباح ورُبما لأنّي أثِق بِوعد هادوين في إنقاذي مِنَ الموت الذي اجهل سبب إتخاذهُ لي كـفريسة. الفضول ينهش في جسدي إلا أن عقلي يتخذ القيادة، فَـلن اسأل إن لم يشاؤوا الحديث، فَـإن اخفوا شيئاً لِكونِه مُخيفاً أو خارقاً بِجنون فَـهذا يُصيب في حظي وليكُن. وضعتُ بِـمُفكِرتي تحت الوِسادة لتعانق عقلي بِكلماتِها في أحلامي، رُبما. إلا أن شيئاً بِداخلي كان يبحث عن تشابُه بينَ الجُندي العدو -مُنقذي- وهادوين نظير الش**ة، كلاهُما يملكان ذات الهالة وإن كنتُ أتذكر بِوضوح ملامِح العدو لكدت أجزم أنهُ هادوين، إلا أني لم اتذكر شيئاً اكثر مِن أن عيناه لم تحمل لون المُحيط الخاصة بِـهادوين، او رُبما عيني لم تلتقط لونها أثر الدِماء التي غطت عيني آنذاك، او بِفعل الغيوم المتراقصة التي جعلت الرؤية شِبه مُستحِيلة. خرجتُ مِن افكاري عن هادوين ومُنقِذي فَـغرقتُ في الأجنحة والملائِكة الساقِطة أثر خطاياها المُميتة، لازلتُ لم أُبدي أي رد فعل مشدوه او خائِف من تلك الحقيقة، على الأقل ليس اكثر مما ابديتُ في رؤيتي للأجنحة ولا اعلم كيف يختلف الأمر فإن اختلف فَـحقيقة كونِهم ملائكة مُذنبة اكثر رُعباً مِن اجنحة لا يراها احداً سوايّ، لكني قد حطمتُ السماء بِتوقعاتي بعد أن رأيتُ الأجنحة فَـبدت حقيقتهم السوداء حكاية طريفة قبيل النوم، إلا أني بتتُ افهم الآن..كيف لمعزوفة ورقصة أن تنقذاني مِنَ الموت. فَـالمُختارة والتي تكون انا سَـتُبصِر ما تراوى عن الآخرين حين تتم رقصة في معزوفة عزفها الشيطان في حضور الملائكة ليتمكنوا من التعرف عليها، وقررتُ البقاء لِليلة لأن الوقت تخطى منتصف الليل ولعلي اتخذ قراري صباح غد. وكما قرأتُ في أحد الكُتب، تارتيني جيوسيب استلهم تلك المعزوفة "هزّة الشيطان" مِن حُلم -ليس كابوس- لِـشيطان يعزف في كمان بِحافة سريره فَـأعطى حقوق معزوفته لشيطان حلمه؛ وقد كانت تلك أحد الحقائق التي تعرفتُ عليها في كُتب -مارسيل كريستيان- ايضاً. تدلت جفوني في نُعاس كريه لِينتشلني مِن خواطري الليلية فَـخفوت لِتلك الليلة دون رقصة ما قبل النوم. •••••• في الصباح زارتني ماريا حاملة رسالة لي. فتحتُ الرِسالة وقرأتُ محتواها الذي كُتِب بِـخط جذاب مريح لعين القارئ -هل ترضى الأميرة بِـرقصة مع أميرها اللّيلة؟- -قبلات هادوين. زفرت ضحكة خافِتة أثر رسالته الصباحية الجميلة فـنظرتُ لِـماريا من بادلتني البسمة: "أيوجد حفل الليلة؟ " رمشت بِإيماءة: "السيد اوليفر والفونس سَيقوما بِحفل لكِ، سيأتي اكبر الشخصيات في بريطانيا! " لم اتوقع أن تصلني رِسالتي الأولى مِن هادوين، عندما اكون قربهُ يكون شارِد لكن عندما نبتعد يتودد لي بِحُرية اكبر. إلا انهُ يملك سحراً يُنسِيني خوفي. كنتُ لم أتخذ قراري بعد، لكن بعد قراءة كلماته الصباحية اشرق قلبي وحسمت امري. اصطحبتني ماريا لطاولة الفطور وقد كانت الغرفة اكثر اشراقاً وجمالاً عن مساء أمس، الشمس رمت بخيوطها في الارجاء واضاءت وجوه سبعتهم الملائكية تحت ضوءها المُشِع، اجنحتهِم كانت شبه شفافة وعرفتُ لاحقاً اني سأراها لأربع وعشرين ساعة فقط لأنه وهم من فعل لوسيفر -الفونس- لِيتعرفوا عليّٰ فحسب. الكرسي الوحيد الفارغ كان بِالقُرب مِن ذو الأعيُن الرمادية واللحية الخافتة مَن اتذكر اسمه كـ "جايمس"نظير الغضب لِذا اصطحبني التردد قبل أن اُسلِم امري واجلِس، لكن بِالنظر للجانب الجيد فـكان هادوين يجلس مُقابلي. رأيتهُ يتجنب النظر لي وبدا كـأنهُ لم يُرسل لي كلمات مبهجة لهذا الصباح، فـلوهلة اعتقدتُ أن سوء فِهم قد حدث؛ لكني لم اغرق عميقاً في محيط افكاري فـصوت جايمس جذبني للواقع: "الشمس اشرقت تواً"ارسل لي غمزة في حديثهُ،ولم افهم مبتغاها كما لم افهم معنى حديثهُ فـإتخذتُ مِن ابتسامة خافتة رداً لي. انطونيو المُحِب لِلأكل تلاهُ في التحية: "الطعام اكثر لذّة"كان يتحدث بينما يحمل اطنان الطعام في جوفه، وهذا لم يشعرني بِالراحة فَـكِدتُ افقِد شهيتي. صوت اكثر عُمقاً وخشونة بادر لأذني: "دعوها تتناول فطورها، أساليبكُم لن تنجح إن فقدت شهيتها"نقلتُ عينايّ لِلمُتحدِث ذو الشعر الطويل الأشقر والنظارات الدائرية؛ كان يحدق بِطعامه بينما يُلقي بِكلماتِه التي بدت مبهمة بالنسبةِ لي، فـما من طريقاً مفهوم لـحديثه عن -الأساليب-. عم ال**ت المطبق لثوانٍ فقدتُ بِها أمل الحديث مع هادوين وكبريائي لم يأذن لي بِأخذ الخطوة الاولى في الحديث لِذا استكشفتُ الفطور بِـشهية شبه فارغة؛ مُدرِكة أن خوفي تبخر تماماً عِندما طرق هادوين عقلي بِكلماتِه؛ فُمنذُ آنذاك عقلي يتمحور حولهُ. كان طعاماً مالحاً وبالرغم من هذا قدموا لي التفاح معهُ،تفاحة حمراء وهذا لم يفتح شهيتي.. "سَنُقيم حفلاً اللّيلة، لقد اشترينا فُستاناً لكِ؛ادعو أن ينال اعجبُكِ"رفعتُ عينايّ لِـلمُتحدِث وقد كان الشاب الأشقر لكن تلك المرة وجه نظراتِه نحويّ فَـشعرتُ بِبعض الإرتياب أثر ابتسامته الصفراء؛ فقد كان يبتسم بشفتاه فقط وعيناه جامِدة. تذكرتُ ماريا فَـنظرتُ لها لأُريح قلبي فَـرأت الحُزن في عينايّ وإبتسمت بِصدق ابتسامة خافتة ساحِرة ارغمتني على الهدوء والاسترخاء. اعدتُ نظريّ لهادوين لأراهُ يُحدِق في ماريا بِشرود إلا انها وقفت بِشموخ وهدوء وكأنها لا تأبه لنظراته. مرت لحظة الفطور الغريبة على حُسن خاتِمة، واطفقت افكر عَن إختلافهم المُبالغ بِهِ عن ليلة البارحة؛ لم يكونوا هادئين او يصطنعوا ابتسامة او حتّى تجاهلوني، لقد القوا بِكلمات معسولة وكانت اكثرهم حلاوة رِسالة هادوين الصباحية. سجنتُ نفسي في غُرفتي فترة الأصيل الغائمة ومرت بضع طرقات على بابي فَـلم أُجِب اردت تجنب الانفراد بأحد الملائكة المذنبين فَـالتوتر يحيطني في وجودهم، إلا تلك المرة التي نادت بِها ماريا عليّ كانت الاولى لِجوابي ودلفت لِلغُرفة بِإبتسامة حماس عريضة: "لقد حان موعد الدرس الاول! " لـم افهم لثوانٍ ما بشرتني بهِ لكن بعد دقيقة تذكرتُ وظيفتي كـمُعلِمة لرقص الباليه لذا اجبتُها بِسؤال: "مَن الطالِب؟ " اخترقت الخطوتين الفاصلتين بيننا وامسكت بِيداي في يداها الناعمة: "انها انا، يا شارلوت"قالتها بإبتسامة خجولة بعض الشّيء بينما سحبتني بِيدها اليُمنى لِلخارج نحو السُلم وسارت واثبة في حماس لأتحمس معها تلقائياً. وزعتُ انظاري بالارجاء بحثاً عن هادوين إلا أن آثارهُ تبخرت تماماً والستة الآخرين ايضاً اختفوا ولوهلة شعرتُ أن القصر خلى بي انا وماريا فقط. دلفتُ خلف الطفلة المُتحمِسة لِقاعة مقابلة العمل حيثُ أبصرت اجنحتهم للمرة الاولى وكانت القاعة أقل كآبة بِدون نظراتِهم وبرودة نبرتهم، وضوء شمس الأصيل انتشر بالقاعة من نوافذ تحت السقف ببضع سنتيمترات فَـأشرق وجه ماريا اكثر. اصطحبتني لِغُرفة خلف المسرح وقدمت لي ملابس الرقص السوداء خاصّتي ثم اختفت لتغيير ملابسها ايضاً قبل أن نعود فوق خشبة المسرح الواسعة. وددتُ التحدُث معها قليلاً لتبديد فضولي قبل الرقصة لكني لم أرغب تحطيم حماسُها لِذا بدأتُ مُباشرةً: "مِنَ الصعب إتقان تلك الحركات دون مرونة الجسد؛ لذا سنبدأ بِـتمارين المرونة" اتجهتُ لِلعامود الحديدي بِالقرب من الستائر الحمراء واستندتُ عليه بِـكفاي في إنتظارِها لِتلحق بي إلا أنها اقتربت مِنه بِخطوات اقل حماساً وابتسامة مُتعجبة. "ماذا؟ "سألتُها لتهُز رأسها سلباً مُجيبة: "لم اتوقع أن تأخذي الأمر بِتلك الجديّة؛ لرُبما تعرفتِ أكثر عنّي أو عن الملائكة، هذا ما توقعتهُ" قطبتُ حاجباي واطلقت سراح العامود: "تعرفين أنهُم ملائكة؟ " زفرت ضحكة ظريفة: "هل ترددتِ لهذا السبب؟ أظننتِ أني لا اعرف حقيقة من اعمل لهم؟ ألم تُلاحظي وجودي في غُرفة الطعام بينما يحادثوكِ عن حقيقتهم ليلة أمس؟" زفرتُ ضحكة يائسة لأني لم اتوقع هذا البتّة، بل لم اتذكر مشاركتها لنا البارحة، لقد اعتقدتُ أن هوفام اكثر غموضاً. استرسلتْ بِنبرة اكثر مرحاً: "ماذا ستفعلين هنا؟ لما توددوا لكِ اليوم تحديداً كما لم يفعلوا امس؟ كيف يعلمون بِـاقترابكِ للموت ولِما هذا الأخير يلاحقكِ؟ تلك اسألة تطرق عقلكِ طوال اليوم، يا آنسة! " لم تخسر حماسها في الحديث عن هذا كما ظننت، وايضاً كُنتُ مذهولة مِن بلوغها اعماق عقلي بِمهارة. وجهتُ عينايّ لخاصتها اللامعة: "وهل يُسمح لكِ بِإخباري؟ " "لِما لا؟ لكن بِالبداية يجب أن اعرِف الاجابة ايضاً!" "إذاً اخبريني بِكُل ما تعرفيه، ماريا! " قهقهت مُصحِحة: "انها ماريّا" سارت خطوة مُبتعدة بينما تحسست العامود بِأصابعها النحيفة: "مُنذُ شهر تضاعف راتبي، في هذا الوقت كُنتُ قد انهيتُ قراءة كتاب عن راقصة باليه لذا اسرعتُ لِلسيد هادوين وطلبتُ مِنه استاذة لتعليمي تلك الرقصات الفاتنة، وافق ببساطة لأنه يملك قلباً عطوفاً، او لأنهُ أضطر لهذا لأجل مهمتكِ، لا اعلم. تجاهلوكِ ليلة أمس حتى يتأكدوا مِن كونكِ المُختارة، وعندما تأكّدوا...تصارعوا للفوز بِقلبكِ!" اتضحت الصورة اكثر الآن إلا أن الجزء الأكبر مِنها ظل مُبهماً. استطردت حديثها: "جميعهم يتصارعوا للفوز بقلبكِ لعلكِ تختاري مَن أحببتيه كـالملاك الغير مُذنِب؛ لا تُسييء الفِهم، السيد هادوين ليسَ مِثلهم، يملك اسباباً اكثر اهمية لإرساله تلك الرسالة كما قال؛ لا تسأليني عنها، اجهل مثلكِ!" زممت شفتاي في فهم ولم اود سماع المزيد، رغبت بِبعض الغموض حتّى املك سبباً للتحدث مع هادوين عنهُ وبدا وكأن ماريا قرأت افكاري كـالمُعتاد فلم توضح المزيد عنهم بدلاً من هذا قدمت نفسها: "بِالمُناسبة..انا مصرية الأصول إلا اني ولِدتُ بِبريطانيا واتحدث الإنجليزية فقط، والدتي عملت في هذا المنزل عشرون عاماً واجدادي المصريون عملوا قبلها لهذا السبب نعرف حقيقة هوفام، فَـعِندما بلغتُ السن القانوني مؤخراً اضحيتُ اليد اليُمنى لهم؛ تحديداً السيد هادوين وجايمس ولوثر" رأيتها تبتسم في بعض المكر: "يُمكنني إخباركِ بما ترغ*ين معرفته عن السيد هادوين! " بادلتها ابتسامة خافتة وحاولت إخفاء اهتمامي بِقولي: "فلننهي الدرس قبل الحفل، لا نملك وقتاً" لستُ جيدة بِالحديث عن الآخرين او إظهار اعماق مشـاعري، واظُن أن هادوين يقبع عميقاً. لم تصر كثيراً فـبدأنا بِالتمارين وكانت أمهر مما توقعتُها، لم تبدأ بِمستوى شخص مُبتدئ. واخذنا نتبادل اطراف الحديث عن مختلف الأمور لتُمسي دروسنا مُقابلة ظريفة لتصنع أيامي في هذا القصر المُخيف. ★★★★★★★★★
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD