3-'الخطايا السبع وآخر اربعة أشياء'

1461 Words
هَزّة الشيطان! يتراءى لي بعضاً مِن الإحتمالات في حديث والدتي عن إنقاذ تلك المعزوفة لي إلا أن جميعهم كانوا منصة يعتليها جنون وكل احتمال أكثر جنوناً مما سبقهُ. إذ أن الجنون الحقيقي يستقيم أمامي في شموخ، ذو أعيُن المُحيط يفرش جناحيه احدهما أبيض ناصع ونظيف والآخر أ**د داكِن ومُخيف، وياعينايّ أبصري الحقيقة فَإِنْ كان هذا هو الواقع فَـالأكثر واقعية أنّي فقدتُ صوابي! بأصابعهُ الطويلة تحسس ذقني بِرفق ثُم قال بينما حدقتيه ثابتة في عيني: "لِعيناكِ سَأُعَاني حَرباً، مَن هَزّتْ ش****ناً نِصفهُ مَلاك؛ نظيِر خَطيئة مُم**تة! " الرطوبة تغلغلت في عينايّ خوفاً وحسرةً، أنفاسي تتموج كالأمواج ترتفع بِشدة وتنخفض بِـسُرعة البرق حتّى كِدتُ أختنق. الدقائق...بل الثواني تمُر مرور الدهر ونحن نتبادل النظرات، أعرف جيداً أنهُ ينتظر مني قول شيء إلا أن أحرُفي سُلِبت وعُقِد لِساني. شعرتُ بِشيء ما ينتشلني مِن قوقعة خوفي نحو الواقع وقد كان صوت أحدهم يقول: "أنظُري لنا، شارلوت، وأخبرينا عمّا تُبصريه! " تمنيتُ بِداخلي أن يكون المشهد القادم أقل إخافة وجنوناً عمّن يتحسس ذقني فَـأستدرتُ والتمستُ لأوامِرهُم إذ بي أُقابِل ذات الأجنحة خلف كُل فردٍ مِنْهُمْ. دفعتُ نفسي للخلف بِـساقاي بعيداً عنهِم فإرتطمت بِجسد الأخير لِأتجمد وتنقطع أنفاسي لِثواني. ما خطب تِلكَ الأجنِحة؟ ولِما يتحدثون لي هَكذا؟ أيُمكِن أني سجينة لكابوس مجنون؟ شَعرتُ بِأصابع ذو أعيُن المُحِيط فوق كتفايّ بِينما أشعُر بِالثُقل الشديد خلفي بِسبب جسده الذي يكاد يعانق خاصّتي، فوضع شفتاه قُربَ أذني ولم يلبث كثيراً حتى همس: "لَن أتساهل مع خوفُكِ، أيّتُها الشابّة! فأنا مَن طُرِدَ مِن السماء وانتِ مالِكة القِلادة" لم أفهم شيئاً إلا أنَّ قلبي خضع لِخوف قاتِل وصليتُ في مكاني لأفقد وعيّ أو فلتنشق الأرض وتبتلِعُني لأنها الطريقة المُثلى ليهدأ قلبي... وقفَ الشاب الأشقر ذو النظارات الدائرة قائِلاً: "سأدُلكِ لِلحقيقة، لرُبما يقلل هذا مِن خَوفُكِ! " أية حقيقة سَتجعلني أتقبل ما أراهُ؟ "ابتعِد.."همستُ بِها في رهبّة لِمَن يُمسِك بِكتِفاي وخرجت نبرتيّ مُهتزة، لكنهُ لَم يسمع أو تظاهر بأنهُ لم يسمع رجفة صوتي وأبى الإبتعاد عنّي. "هل نُقيدها؟ "سمعتُ أحدهُم يقترح تلك الفكرة فإرتجف قلبي أكثر وارتفع مستوى الادرينالين في جسدي فَـدفعني للوقوف جاذبة إنتباههُم أكثر نحوي. إتبعني ذو الأعيُن الزرقاء بِالوقوف لِذا خطوتُ خطوتين بعيداً عن مستقرهُ وتحدثتُ بِصوت يكاد يُسمع: "أفسِحوا المجال لي لِلخروج، لم أعد أملك الرغبة في العمل هُنا.." ذو الشعر البُني الطويل ضحك قليلاً: "بِالطبّع، تفضلي بِالخروج! " بِتلك البساطة؟ لَم أنتظِر أكثر لرُبما يُغيروا رأيهُم وأخذتُ ساقاي في عجلة نحو الباب لكن قبل أن أبلغهُ تحدث ذو الأعيُن الزرقاء بِـصوتٍ عالٍ: "إن خرجتِ سَتموتِين!" تجمّد جسدي دون رغبتي، فإن رغبتُ بِشيء سَيكون الطيران مِن هُنا لأبعد مكان مُمكِن، لِذا إزدردتُ ريقي ورفعتُ يدي مُتجاهِلة حديثهُ، لعلي أدرك المقبض، إلا أنهُ لم يستسلم بل إسترسل بِما هو أكثر إخافة: "لقد واجهتِ الموت كثيراً؟ أليس كَذَلِكَ؟" أنَّى لهُ معرِفة هذا..؟ غفى خوفي لِوهلة عِندما غلبهُ فضولي، فَإستدرتُ لِمُستقره في تساؤل. اكمل حديثهُ: "إنْ خرجتِ مِنَ القصر سَتموتِين، الموت يُلاحقكِ مُنذُ سنوات ، لن ينقُذكِ أحد سوانا" مُنذُ سنوات قُتِلت والدتيّ وهربتُ مِن موطِني..مُنذُ هذا الوقت وانا اتعرض لِـمواقف تضع حياتي على المحك كـحادث القطار الاخير. رمشتُ عِدة مرات بينما أُردِد كلماتهُ في عقلي لعلي أكتشف ما يحاول قولهُ، بينما أراهُ ينخفض على درجات المسرح الثلاث بِتأنيّ هادِفاً البلوغ لي. فرقتُ شفتاي بِصعوبة: "عمّا تتحدث؟ لِما يجب أنْ أثِق بِكُم؟! "لم اسأل بِسبب خوفي تلك المرة بل لإرضاء فضولي القاتل. استمر بِالسير نحوي، و أجاب احد آخر: "لأننا نملِك أجنحة هذا لا يعني أننا لسنا مص*ر لِلثقة، إن أردنا إيذائكِ لكُنتِ ميّتة بِالفعل، شارلوت! " استقر ذو الأعيُن الزرقاء أمامي تزامُناً مع نهاية جواب الآخر، فَـقال: "ثقي بِيِ.." تلك الجُملة بِطريقةً ما هزّت قلبي، كلمتين جعلوني أغرق في ظلام محبوب، وكأني أُسلِم قلبي لِشيطان إن لم يكُن كذلك حقاً، إلا أن تأثير الكلمتين لم يكونا في تساوٍ مع تأثير نبرتِه الأكثر مِن صادقة ومُلِحة. أردتُ التحدّث لكن ل**ني لا يحمل ما يود قولهُ، فَـعوضاً عن ال**ت فكرتُ في قراري وقد كان تفكيري أكثر نقاءاً الآن بعد أن هدأ هلعي أثر كلِماتِه فتشبثتُ بِالمقبض الحديدي بِتردُد بترهُ صوتِه العميق العذب: "لا يوجد ما سيحميكِ مِن الموت سوايّ، قدركِ هو الموت! " نبرتهُ بدت صادِقة وكأنهُ يقولها بِـاقتناع تام وهذا ما جعل الفضول ينضج بِداخلي؛ اخشى أن اكتشف صحة حديثهُ لاحقاً بعد أن يفوت الآوان، لأن الموت يلاحقني دون شك وحديثهُ وكأنّه على عِلم تام بِهذا بدل خوفي بِفضول قاتِل. "إن كانت الحرب لا تشفق على يتيم فَـلن يشفق الموت علينّا!" إنزلقت يدي مِنَ المِقبض الحديدي عِندما نطق بِـجُملتي المُفضلة في كِتاب -آسيرة- وبِأعيُن تلمع في لهفة استدرتُ نحو جسدِه الضخم وأجنحتِه الثقيلة بعيناه التي تعكِس الأضواء الخافتة للشموع كـتموجات المُحيط الزرقاء. إرتسمت إبتسامة ساحرة فوق ثغره ذو لون النبيذ الأحمر: "هل إتخذتِ قراركِ؟"نبرة وديّة أرخت كياني ونشرت السلام في قلبي. رأيتُني أضحك كـالمجنونة لِكونِه أبعد مما يكون عَن مص*ر للخوف، فَـبعد أن تمكن مِن إخماد خوفي أخمد تردُدي، فَـكان إنطباعي عنهُ في محلِه كـشخص يفرض عليكَ السكينة إلا أنهُ سَيبقى الوحيد الذي سأرافِقهُ بينهُم، كونِه الوحيد الذي أثار فضولي.. نطقتُ بِقراري النهائي: "سَأسمع لكُم؛ لكِن بعدها اسمحوا لي بِالرحيل! " اومأ ذو العيون الزرقاء. تجمعنا في قاعة أخرى حول طاولة العشاء حيثُ حضرتها لنا خادمة ذات ملامح عربيّة وبشرة برونزية ساحِرة فَـقد بدت آخاذة حتّى في رِداء المطبخ إلا أن الطعام الذي أعددتهُ كان شهياً ونظيفاً يُناسِب مستوى هوفام وقد تبين لي لاحقاً أن لا مِن أحد سواي يُبصِر أجنِحتهِم فَـبِتلك الطريقة تعرفوا عليّ. إخترتُ مجلسي قُربَْ صاحِب الأعيُن الزرقاء حتّى أُرغِم نفسي على تخطي خوفي الطفيف المُتبقي إلا أن فضولي كان ذو الشأن الثاني لِبقائي هُنا. بدأ ذو اللحية الخافتة والأعيُن الرمادية المُحادثة بِمُقدِمة: "تناولي قدر ما تشائين، ستملكين غُرفة بِالطابِق العلوي حتّى نهاية عملكِ"كان يتحدث بِلكنة إنجليزية بِريطانية حيثُ بِالكاد ينطق حرف الراء ويُضخم حروفاً أخرى كـالألِف مثلاً، وقد لاحظتُ أن جميعهُم يتشاركون ذات اللكنة الثقيلة على أُذناي إلا انّي أحببتُها فقد ذُكِرت كثيراً في كُتُب «مارسيل كريستيان» تسلل ال**ت للفراغ في جلستنا وقد حدث هذا ولم أطرح أسألتي بعد فَـإمتلاكي لِلمئات مِنها جعلني أجهل بِما يجب أن أطرحهُ اولاً لِذا تركتُ الخيار لِمَن مِنهُم سَـيوضِح. رفعتُ ناظري نحوهم لأتفحصهُم في صورة أفضل تحت إضاءة المصباح الأشد مِن الشموع وكانوا جميعاً هادئين بِشكل مُريب وبِالكاد يتناولوا طعامهُم لكن لم ينطبق هذا الوصف على الشاب الأصهب الذي كان يفترس صحنهُ إفتراساً؛ يتناول الكعكات في قضمة واحِدة ويرتشِف مِن كوبِه دون أن يبتلع ما في جوفِه إنتباههُ بِالكامل تمحور حول الطعام فاقداً الشعور بِالوضع الحالي. الشاب الأ**د جذب إنتباهي نحوهُ عِندما بدأ بِالحديث عما هو أكثر أهميّة إلا وهو التعارُف فَـبدأ بِـتقديم نفسِه كـ: "اُدعىٰ هاك، في الخامسة والعشرون مِن عُمري"أشار لِلأشقر ذو الأعيُن الخضراء والنظارات الدائرة حيثُ تبلغ خصلات شعرِه عريض المنكوبين واسترسل"هذا لوثر، يصغُرني بِعام واحِد! " رمى لي لوثر إبتسامة متكلفة في **ت مُريب وعاد لِتجاهُلي ثم اكمل هاك حديثهُ مُشيراً للأصهب الشرس: "هذا أنطونيو، الاصغر عمراً بلغ العشرون مؤخراً" كان انطونيو مُمتليء إلى حدِاً ما، ليس سميناً ذو دهون إلا انهُ لم يكُن بِرشاقة الآخرين، لم يلحظ انطونيو الوضع الحالي فَـقدمني لِلتالي الذي كان ذو اللحية الخافتة والأعيُن الرمادية،كان شاباً تحيطهُ هالة داكِنة وصارِمة وبدى قوي البنية: "يُدعى جايمس في عُمرِه الـثامِن والعشرون"ثُم وقع اختياره بالتعريف على صاحِب الشعر القصير والبشرة البيضاء في بذلة رسميّة مُهذبة الذي لم تُفارِقهُ إبتسامة الفخر مُنذُ اللِقاء: "ألفونس، ست وعشرون عاماً"تلاهُ ذو البشرة الحنطية والشعر البُني ذاك الذي بلغ منتصف جذعهِ، بدى كـرِجال الكهف لَكِن أكثر نظافة وتحضُراً: "اوليفر تسع وعشرون عاماً!"اكثرهم اجابوا بإبتسامة خافتة قبل أن يعاودوا تجاهُلي والأقلية لم يكلفوا أنفسهم بِإبتسامة حتّى. وقد كان الأخير هو صاحِب الأعيُن الساحِرة حيثُ عرّف عن ذاتهِ بِنفسِه: "هادوين دافينشي هوفام! 27 عاماً؛ إن كان هذا مُهِماً"كان يحدق بِصحنِه في بعض الشرود بينما يُقدِم نفسهُ. قد بدا مُختلفاً عمّا كان عليهِ في المسرح؛ اقل اهتماماً واكثر هدوءاً إلا أنهُ كان مُهذب كِفاية لِيتفوق على أشِقائهُ وعرّف عَن نفسِه. لم يلبث هاك طويلاً فَـإستكمل اجوبتِه عَن أسألة لم أطرحها وإن وددتُ هذا: "اُنظُري لِلوحة خلفُكِ؛ أتعرفيها؟ " إنصعتُ لِأوامِرهُ بِدافع الفضول وحدقتُ لِلوحة زيتية مُعلقة بِمُنتصف الحائط ذو الدِهان الأحمر الداكِن خلفي، كانت لوحة تحوي دائرة عظيمة بِالمُنتصف وِالزواية الأربع يوجد ما يصغُرها مِن دوائر وكُل دائرة تضُم لوحة مُختلِفة، فـأعدتُ بِنظراتي نحوهُ: "لا اعرفها، سيّدي! " ابتسم بِخفة ووضح لي حقيقتها: "تُدعى الخطايا السبع المُميتة، وآخر أربعة اشياء؛ رسمها الفنان «هيرونيموس بوش» قُرب عام1500 حيثُ تُصوِر الخطايا السبع المُميتة لِلإنسان مِنَ الغضب، الحسد، الطمع، الشراهة، الفخر، ال**ل والش**ة، لكُل خطيئة نظير مِنَ الملائكة الساقطة-" اخذتُ دوري لأُعلِن عن ثقافتي فَـقُلتُ بِترتيبه الخاص للخطايا: "نظير الغضب: آمون، الحسد ليفياثان، أزارو**، بعلزبول، لوسيفر، بيلبيجور وآسموديوس! " بدى مُندهِشاً فَـما القيتُ بِهِ مِن معرفة حطم هالة الجليد حولهم جميعاً فأخدوا يحدقوا بي في فضول وتعجُب وكأني ألقيتُ بِسحر مُريب، إلا أن فضولهم كان نابعاً مِن رِضى واردف الاسود ليستكمل حديثهُ: "نحنُ هؤلاء الملائكة، انا بيلبيجور نظير ال**ل، انطونيو بعلزبول نظير الشراهة، الفونس لوسيفر نظير الفخر، جايمس آمون نظير الغضب، اوليفر الطمع أزارو**، لوثر ليفياثان وهو الحسد، هادوين هو آسموديوس نظير الش**ة!"قد كان ذو الأعيُن الزرقاء مَن سقط مِن السماء بِفعل الرغبة، إلا أن هذا بِالكامل بدى كـمُزحة سخيفة فـرُغم هدوئي المُربِك إلا أنّي لم أتقبل الفكرة تماماً ولازلتُ أراها كـمُزحة وفي انتظار إفصاحهم عن هذا. هادوين رفع عيناهُ الساحرة نحوي اخيراً واردف بِصوتِه العذب لِأذناي: "احدُنا غير مُذنِب..دوركِ هو إكتشافهُ وإعادته لِلسماء، وسأحميكِ مِنَ الموت!" ★★★
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD