بعد انتهاء درس الباليه عُدتُ لِغُرفتي وتجهزت مع ماريا للحفل، فقدمت لي الفُستان الذي حادثني لوثر عنهُ.
كان فُستاناً احمر داكن اللون مع اكتاف ع***ة وضيق من الخصر وضخم من الأسفل بِشكل مُبالغ بِهِ فَكان يُعيق حركتي ولاحظت ماريا هذا فَـرمت بِالحذاء ذو الكعب واستلت آخر مُسطح موضِحة:
"سَتتعثرين في حين اخذتِ الكعب لقاعة الرقص الزلِقة! "
انصعتُ لإقتراحها ومِن ثُم حدقتُ بِوجهي للمرة الأخيرة في المرآة، ارى خُصلات سوداء مُتفرِقة نائمة على كتفاي بينما خصلات تتجمع لتُغطي ظهري حتى خصري، بينما النمش الخفيف يُلون وجنتاي ناصعة البياض مع اعيُن عسلية كاحلة مع احمر شِفاه بِلون الفُستان.
لم اُحب مظهري المُبالغ بِهِ لكني لم املك فُستاناً بديلاً عما قدمهُ الفونس لي..واستسلمتُ لِرغبتِه.
نظرتُ لِماريا ذات رداء الخدم الأ**د وقد بدت اجمل مني في تلك الملابس لأجل بساطتها، لأكره مُبالغة مظهري مُجدداً ومجدداً.
رافقتُها نحو الخارِج حيث امتليء القصر بِأنواع مختلفة مِن رجال الأعمال والنساء البريطانيات، لا أثر لِإيرلندي سوايّ فَـشعرتُ بِـغُربة قاسية خاصةً بعد رحيل ماريا عني لِـتُقم بِعملها.
تقدم ذو الشعر البُني الطويل والجسد الضخم مَن يُدعى -اوليفر- نظير الطمع نحوي حاملاً إبتسامة جانبية فوق ثغرِه ليستقر امامي ويرفع يدهُ طالباً الإمساك بِخاصّتي:
"الفستان يُناسبكِ، لقد علمتُ هذا؛ انتِ اقرب لِلبريطانين عن الايرلنديين"نبرتهُ كان ساخرة بعض الشيء وهذا كان سبباً ثانياً لتجاهُل يدهُ بعد سبب خوفي الطفيف مِنه.
أجنحته كما الآخرين لم تعد مرئية لي.
أشحتُ بِنظري عنهُ وإستعرتُ نبرة صارمة:
"لم اُحب الفستان، ذوقك سيء،سيدي!"
سمعتهُ يضحك بِصوتٍ عالٍ:
"انتِ مرحة، شارلوت! لهذا السبب سأُحب مرافقتكِ لِرقصة"دفع بيده نحوي اكثر فـإرتسمت ابتسامة خافتة فوق محيايّ:
"املك موعداً بِالفعل، فلترقُص مع شابة بريطانية، سيّدي! "لم اترك مجالاً لهُ لِلمُعارضة وسِرتُ بعيداً هادفة الطاولة التي جلس بِها لوثر وحيداً.
حوّل عيناهُ نحوي في تساؤل، إرتبك قليلاً وبدأ ينقل بصره بيني وبين ساحة الرقص بِـإرتياب بينما تلعثم قائلاً:
"جميلة! "
قطبتُ جبيني طالبة مِنهُ التوضيح فـابتسم بِـاسترخاء:
"تبدين جميلة، شارلوت! "
كانت نبرته نبرة إطراء لا غزل وهذا ما جعلني ابتسم لهُ بِـخفة فَـقد كان الوحيد ايضاً الذي طلب هذا الصباح منهم تركي وشأني؛ احترمهُ.
وبِالنظر لِـخطيئته التي كانت الحسد فـهذا لا يتطلب مني الخوف، لن يُؤذيني فقط لأنه حسود او شيء كـهذا.
اعاد نظرهُ بعيداً لأفعل المثل وسقطت عينايّ حينها عَلى هادوين بِبذلة رسمية سوداء يحمل معطف بذلته فوق ذراعه بينما تجسد قميصه الاسود على جسده ليزداد جمالاً، كان يقف بين مجموعة من رجال الاعمال الكبار في السن ويتبادل الاحادث بِابتسامة احترام وثقة طاغية على هالته وتلقائياً إرتسمت ابتسامتي واظن أن لوثر قد لاحظ فـقال:
"يبدو انكِ تعرفينه! "
إزدردت ريقي وتمسكتُ بِهدوئي مُجيبة:
"لستُ كذلك، نملك شيء مشترك فحسب"حاولت إيقاف سبيل اسألته قبل أن تتزايد وتُمسي الجلسة مُزعجة غير انهُ لم يأبه وإن لاحظ. واسترسل:
"لقد اعتقدتُ هذا دوماً،الفتيات يقعن بِحب اكثر الرجال جنوناً، هادوين؟ يالهُ مِن رجل! ومع خطيئتي الحسد لن احسد يوماً شخصاً يملك عقلاً مجنوناً كـخاصته، تلك اول صفة يجب أن تعرفيها عنهُ،شارلوت"
لم يعجبني قولهُ او لم اصدقه لسبب ما، فلن يقُل حاسداً انهُ يحسد. ابتسامتي اعتزلت محيايّ فـقابلني لوثر بوجهه يحاول قراءة ردي في تعابيري فإختصرتُ عليه:
"سيّدي، أي شخص يمكنهُ أن يكون مجنوناً"
تعمدتُ عدم الانغماس في هادوين اكثر لأن شعور غريب اجتاحني منذُ حديث لوثر عنهُ إلا انهُ لم يتراجع:
"تلك الجملة التي نطق بها، قال شيئاً عن شفقة الحرب وهراء كهذا، كيف لها أن تجعلكِ تُغيري رأيكِ؟ كأنكُما تغازلتما دون تعارف وهذا ليس بالأمر الجيد فـهادوين لم يكن هكذا سابقاً"
ادركتُ فوراً انه يقصد الاقتباس من كتاب مارسيل كريستيان الذي قالهُ هادوين ليلة امس فـتوقعت من احدهم أن يسأل عنهُ لكني لم اخطط لجواب لذا اخبرته بالحقيقة فـقهقه قليلاً قهقهة سخرية كئيبة واستطرد:
"برؤية كيف انسجمتِ معهُ كان يجب أن ادرك انكِ فأرة كُتب مِثلهُ تماماً، الكتب جعلتهُ يؤمن بِـحقيقة الملك آرثر وارض التفاح؛ غير مذنب؟ هو يظن هذا ايضاً بينما جميعُنا نتقبل حقيقتنا إلا القليل منا! "
كنتُ انزعج اكثر فأكثر بِكلماته التي لا تختلف عن الآخرين، مُناداة مُحِب القراءة بِالفأر او المجنون بِسببب معتقداته الخاصة وقد اعتدت على هذا لكني لم اقبل الإهانة لمن يشبهني.
نقلتُ عينايّ نحو شعرهُ الاشقر الذي يحجب عيناه الذابلة الحمراء، اعين تستغيث بحثاً عن النوم، عيناه التي نقلت لجسدي قشعريرة قاسية اهتز بدني لها لذا اسرعت بإبعاد عيني:
"اسمعني سيّدي، انا لا اعرف هادوين جيداً؛لكني لا احب حديثك عن الكتب بتلك الطريقة"
ادار عيناه:
"رائع إذاً، انا ايضاً اكره بِشدة النساء القارئات! اعرِف شعور آدم بعد سقوطه من السماء، لم افهمهُ عِندما سقطتُ بل فهمتهُ عندما قابلتُ النساء؛ الابيض والاسود لا يمكنهما أن يكونا واحداً لكن القارئات يثرثرن عن المساواة؟وكيف نتساوى إن ولِدنا متناقضين؟ شارلوت"
لقد كان يتحدث بأريحية شديدة، شخص يتحدث اكثر مما يستمع، بدا وكأن توقعي عنهُ لم يصب جيداً وتمنيتُ إن أصاب فكلماته استمرت بِـإزعاجي فَقد كان محقاً انا من تبحث عن استقلال ترفض مبادئ رجال الكنيسة واقدس لوح دافنشي ونجمة فينوس الخماسية.
استعرت نبرة الهدوء والقليل من الحدة الجادة:
"اتعلم سيّدي؟ انت هو النوع الذي اكرههُ"
قهقه تلك المرة وقد كان صوته اعلى مما سبق دفع بخصلات شعره عن وجهه وبينما يقهقه اجابني:
"لن اطلب الكثير، سأحب صديقة قارئة احياناً، كما سيحب هادوين. يبدو اني حطمتُ سقف توقعاتكِ ياصغيرة"
لم تغير كلماته الاخيرة شيئاً من مشاعري لذا لم اجيب لكن شخصاً مثله لن يسمح لدقيقة بالمرور دون أن يسمع صوته فبدأ يتحدث عن مختلف الأمور التي لم انصت لها، فـصوت عقلي الذي يحادثني عن هادوين كان اعلى من صوته إلا ان لوهلة افقتُ من هذا الصوت على ذكرى ما، فسألتهُ عن ما قاله المذيع في القطار:
"لما اشتريت لوحة اسراء المباركين؟ سيّدي "
ارتخت تعابيره وطبق ل**نه لمدة دقيقة حدق في وجهي كـالصنم وكأنه ينتظر مني تغيير سؤالي لكني أصريت على سماع الاجابة التي كانت:
"انا رسام! "
لم اتفاجئ كثيراً فَـهو بالفعل يملك هالة الرسامين بِملابسه الفضفاضة الضخمة وجسده الهزيل مع عيناه الذابلة بدا كـفان جوخ. استرسل:
"اسراء المباركين، رسمها هيرونيموس بوش لِـمن واجه الموت عدة مرات، هي تشبه الملائكة الساقِطة، احب شراء تلك اللوح وإعادة رسمها"
إن كان يوجد من هو اكثر جنوناً مِن القارئ سَيكون الرسام فـأعين الرسامين ترى عالماً لا يراه الشخص الطبيعي.
"ماذا اشتريت ايضاً و أعدت رسمهُ؟ سيّدي"
لوهلة فقد حماسه للحديث وتجنب مباشرتي بِنظراتِه فـأدركت أنهُ لا يقول الحقيقة كاملة واجاب:
"جميع لوح دافنشي وفان جوخ و فرانشيسكو غويا والبعض من مايكل أنجلو وهيرونيموس ربّما "
لاحظت من اختياراته الرابط بين لوحاته وهو الكآبة الجميلة كـفان جوخ وغويا واللوح السماوية المثيرة للجدل كـلويناردو ومايكل انجلو وبوش، فإرتسمت بسمة ساخرة في محياي وانقلبت الادوار وقُلت:
"شخص يكره النساء معجب بِـالموناليزا؟ "
ازداد انزعاجاً ففهمتُ سبب تردده لِيجيبُني.
"احب النساء التي يقُمن بِعملهم والركض خلف عواطفهم وتربية الاطفال والاعتناء بِالمنزل، اكره هذا النوع الذي يريد التمرد على الطريقة التي ولد بها ليتساوى مع الرجل"
"هذا لا يختلف سيّدي، فـدافنشي قدس المرأة وإن كان شاذاً ج*سياً"
**ت لدقائق لم انتظر بها جوابه فـلا املك رغبة ايضاً لإستكمال تلك المحادثة لأنه كما يبدو كـلانا متناقضين تماماً.
"لا تنتظريه"
التففتُ برأسي نحوهُ في تساؤل فـوضح بينما لم ينظر لي:
"هادوين خجول قليلاً، لم يرسل لكِ تلك الرسالة لِيأتي مجدداً الآن طالباً رقصةً معكِ، ارسلها لتذهبِ لهُ بِنفسكِ؛ لذا اذهبِ ولا تنتظريه"
نبرته كانت جافة اكثر الآن، بدا محبطاً لعدم تمكنهُ مِن إثبات وجهة نظرهُ لكني لم اهتم فـكل ما فكرتُ بهِ حينها كان هادوين وانهُ أخيراً آن أوان رقصتنا وحديثنا الأول.
اطلقتُ تنهيدة دفعت بها توتري فـغادرتُ الطاولة عِندما وقف هادوين وحيداً يحدق عبر الحائط الزجاجي الضخم على الظلام الخارجي المحيط بِـالقصر.
مع كل خطوة اخطوها كان قلبي يصرخ أعلى فـأعلى وساقاي تطلب بِالرحيل لكنّي ارغمتُ نفسي على البلوغ لهُ عندما سِرتُ بِخطى أسرع.
"تأخرتِ"نطق بها عندما اصبحت خطواتي مسموعة لهُ فـإرتسمت ابتسامة توتر فوق ثغري واسرعت قربهُ فـإلتفت نحوي بِجسده.
كان يبتسم بِخفة وبعض الخجل كـما قال لوثر فـقل توتري عندما ادركت توتره عندها قال:
"يالجمالكِ،اميرتي! هل حان وقتنا؟ "رفع يدهُ طالباً السماح بِالرقصة فـإزدردتُ ريقي قبل أن اضع اصابعي فوق خاصته وتندفع الدماء لوجنتاي.
قهقه لسبب ما واصطحبني لِـلساحة تحت الاضواء الخافتة ومعزوفة بيتهوفن für Elise.
رفع يدهُ نحو خصري لكنهُ لم يلمسه بل طلب مني السماح عبر عيناه فـأومأتُ لهُ ليضعها وأضع بِيدي فوق كتفه ثم بدأنا نتمايل على الألحان معاً.
لم تمر ثوانٍ وقد كان بدأ المحادثة بِالفعل:
"يبدو أني أنقذتُكِ مِن لوثر! "
قهقهتُ، فـيبدو انهُ لاحظ الفارق بين وجهي معهُ ومع لوثر وبادلني الضحكة:
"اجل سيدي، انا ممتنة لكَ"
رفع حاجبيه عالياً:
"شارلوت هل أناد*كِ آنستي؟ إن كُنتُ سأناد*كِ بِـشارلوت ناديني بِـهادوين"
"لكني احب سيدي، في الحقيقة انت الوحيد الذي اريد مناداته بِسيدي"
"إذاً فليكُن، افعلي ما ترغ*ين بهِ شارلوت"
اومأتُ بِالموافقة بينما البسمة لم تغادرني وحدقتُ في انعكاس الاضواء في محيط عيناه عندما عم ال**ت بيننا لدقيقة؛ كانت عيناه تبعث الراحة والأمان ابتسامته ودودة وليست مصطنعة كـخاصة اوليفر.
كدتُ اتحدث حينها لكنهُ سبقني:
"اخبريني شارلوت، كيف تعرفين بِـأمر مارسيل كريستيان؟ "
كنتُ سعيدة لأننا لم نماطل اكثر قبل الحديث عنهُ واجبت:
"والدتيّ كانت قارئة وهي من علمتني القراءة في هذا الوقت اخبرتني عن كاتبها المفضل الذي يكون السيد كريستيان، لقد احبتهُ منذ أن كانت طفلة لذا انا واثقة انهُ قد مات الآن"
بدا متعجباً وصحح لي:
"هو لم يمُت، شارلوت...هو امامكِ الآن"
قطبتُ جبيني ونظرتُ حولي بِعيناي بحثاً عَـمَن يقصدهُ لكنهُ امسكَ بِـذقني ووضع بِـوجهي نحوهُ موضحاً:
"هذا الكاتب هو انا"
"ماذا؟ "خرجت مني تلقائياً وبدأتُ اتفحصهُ فلم يبدو عجوزاً بل كان شاباً وشعرتُ بِالحماقة لتصديق مزحته تلك لكنهُ أصر قائلاً:
"الملائكة الساقطة لا تشيخ، شارلوت"
لوهلة كنتُ قد نسيتُ حقيقتهُ الملائكية فـبدا لي كل شيء واضحاً حينها لكنهُ لازال غريباً بِشدّة:
"انا احترمك، سيدي! "كانت نبرتي حماسية بِشكل مبالغ به ليبتسم مجدداً:
"هذا غير صحيح، فـأنا قاتلتُ بِالجيش منذُ خمس سنوات"نظر ارضاً وبدا نادماً لِلإفصاح عن هذا لكني حطمتُ هذا الندم فوراً بِنبرة اكثر حماساً:
"هذا خاطئ، لقد انقذتني مِن الموت هذا اليوم! لو لم تكُن هُناك يومها، لما كُنتُ لأقف امامك الآن"
شعرت بِعاطفتي تتزايد بِجنون فـالثلاث اشخاص الذين بحثتُ عنهم دوماً وحازوا على اعجابي كانوا شخصاً واحداً أقف بين يداه الآن!
اعاد نظرهُ نحو عينايّ وكأنهُ يتأكد مما سمعهُ مِني، ثم سأل:
"هل تذكرتِ؟"
فهمتُ ما حدث فـوضحتُ له:
"لم اتذكر، لقد اعتقدتُ انكَ قصدت القول انكَ من انقذني هذا اليوم، لكن يبدو انك قصدت فقط انضمامك للجيش؛ لكنّك مَن أنقذني أليس كذلك؟ "
اومأ بِخفة وقهقه عندما اطلقتُ سؤالي بِنبرة يأس فـسألتهُ:
"لكن كيف اكتشفت اني معجبة بِكتبك؟ "
"-الحرب لا تشفق على يتيم- قُلتيها عندما افصحتي عن مقتل والدتكِ وهذا كان اقتباساً آخر من كتاب شفقة الحرب ليّ"إبتسمتُ بِإعجاب كبير وكدت اصفق لهُ إن لم نكُن نرقُص.
نظر حوله بوجهه قبل أن يسألني:
"أترغ*ين بِزيارة مكتبتي؟ سأُريكِ عملي الحالي! "
كان حماسي وسعادتي من سلبوا كلماتي لكن تعابيري المذهولة أجابته، فـسحبني مِن يدي خلفهُ نحو المكتبة بين الحشد المتراقص والضحكات المتفرقة.
★★★★★★★