((الفصــل الخامس))
-أنا بخير حبيبي صدقني!
رددت "مهيرة" تلك العبارة المُخادعة كلما يهاتفها "أسيد" ليستفهم عن صحتها، حيث اضطر للسفر لإحدى الدول الأجنبية لمتابعة أعماله هناك تاركًا إياها بمفردها، رد بمعنى:
-إذا تشعرين بالملل والتضايق في غيابي يمكنك الذهاب لوالدتك والمكوث عندها، ليس لدي مانع
ابتسمت بتعب وقد أحبت لطفه معها، ردت محاولة الثبات في نبرتها المجهدة:
-أنا أذهب لزيارتهن، وصراحةً أنا أحبذ المكوث في المكان الذي تعبأ رائحتك فيه
قالت ذلك بحب جعل بسمته تتسع، رد بتوق:
-إشتقت لكِ، بإذن الله سأحاول إنهاء عملي باكرًا لأعود لكِ حبيبتي!
ردت بتبهج:
-اتمنى ذلك "أسيد"، غيابك شهرًا كاملاً عني سبب لي فراغًا كبيرًا، اشتقت فيه إليك كثيرًا
رد الأخير بتأكيد:
-إن شاء الله لن يطول غيابي، شهرًا آخر وسأعود!
ولجت الخادمة عليها حاملة لكوبٍ من العصير فوجدتها جالسة على تختها وتتحدث مع زوجها، ابتسمت بمكر وهي تقترب منها لتعطيها الجرعة اليومية، فقد عاونها عدم وجود زوجها السيد "أسيد" على إنهاء الأمر بسهولة، أنهت "مهيرة" الحديث معه ثم انتبهت للخادمة واقفة تبتسم لها، قالت بخبثٍ مضمر:
-لقد صنعت لكِ هذا العصير سيدتي، وجدتك مرهقة فأتيت به إليكِ
ابتسمت لها "مهيرة" بامتنان مرددة:
-أشكرك "ناهد"، أنتي أكثر واحدة تهتمي بي هنا
ثم تناولت "مهيرة" العصير منها لترتشف منه تحت نظرات "ناهد" التي تشبه الحية التي تترقب وقوع فريستها، أنزلت "مهيرة" الكوب من على فمها بعدما تجرعته كاملاً، هتفت "هناء" بتمنٍ زائف:
-بالهناء والشفاء يا سيدتي!
بضعف ابتسمت "مهيرة" لها لتجد نفسها منهكة بشدة ثم ناولتها إياه، تحركت "ناهد" للخارج بعدما انهت مهمتها، وقفت عند مدخل الباب لتراها تتسطح موضعها وقد ظهر عليها مفعول ال*قار، ابتسمت بقتامة ثم دلفت للخارج لتخبر سيدتها "أروى" بآخر المستجدات......!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
انشغل فكرها الفترة الغابرة بأمر زواجها الحتمي من شخصٍ لم تعرفه لتعود لطليقها، تقضي "دانة" الآن فترة عدتها وحزنها طاغي عليها، شعرت بانحدار كرامتها حين تسمح لآخر بلمسها، لم تحبذ ذلك وفي داخلها رفضت، لكن ماذا عساها أن تفعل؟!، ابتلعت غصة في حلقها وهي تعود بفكرها للخلف فقد قدمت له أكثر مما أخذت، اعتزمت الخروج من الفيلا ثم تعمقت في المزرعة من الداخل لتتجول قليلاً للتنفيس عن نفسها الكامدة، سارت على قدميها بشرودٍ غير منتبهة لما حولها، جاء "بسام" من خلفها ممتطي جواده وذلك حين رآها من بعيد تسير بمفردها، انتبهت له "دانة" حين استمعت لصليل جواده حين جعله "بسام" يقف، التفتت له فهتف الأخير ببسمة متسعة:
-صباح الخير آنسة "دانة"!
سخرت في نفسها من كلمته الأخيرة ولم تعلق، ردت بإطراق شديد:
-صباحُ الخير
ترجل "بسام" من على جواده متسائلاً بلطافة:
-لما تسيري بمفردك، ولما لم تمتطي حصانك؟، فالأرضية ليست نظيفة لتسيري عليها!
ردت بعدم اكتراث وهي تتن*د بهدوء:
-لا أهتم، أنا فقط قررت التجول قليلاً على مهلي
ثم انتبهت لقدوم أحدهم ممطتيًا جواد ما ويركض به بسرعة كبيرة كأنه متمرسًا على ذلك، لفت انتباههما ليتطلعا عليه، وضحت صورته تدريجيًا حين بدأ في الاقتراب منهما، ردد "بسام" ممازحًا إياه:
-أحسنت "معاذ"، عندك براعة عالية في تدريب الأحصنة، ليتني مثلك!
اندهشت "دانة" من معرفته به وطريقته في الحديث معه، فهو خادم ليس إلا، بينما ابتسم "معاذ" وهو يوقف الجواد أمامهما قائلاً باحترام وهو يترجل منه:
- نتعلم منك سيدي، أنا مجرد مدرب تعلمت ذلك فقط
ثم تحاشى النظر لـ "دانة" فانزعجت من ذلك كونه لا يعيرها أدنى اهتمام، تدخلت قائلة للتقليل منه:
-ستقف هكذا مع أسيادك، تحرك لتجلب لي حصاني، سوف أركبه
هنا نظر لها "معاذ" وقد انحرج، رد بطاعة:
-تحت أمرك سيدتي!
ثم تحرك ممسكًا بالجواد ناحية الإسطبل، تعقبته بطرف عينيها محتقرة إياه، نظر لها "بسام" قائلاً بعتاب:
-لما تحدثتي معه هكذا، لقد أحرجته؟!
تأففت "دانة" لترد بتغطرس:
-هذا خادم، كيف له أن يقف معنا ويتحدث دون حدود؟!!.........
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مرت فترة لا بأس بها وقد تناست طلب الأخير الزواج منها، انهمرت عبراتها بغزارة على بشرتها الطفولية الرقيقة حين عاود طلبه من جديد وقد توغن تنفيذه هذه الأيام، حيث اختلت "سوار" في غرفتها تتحسّر على وضعها كمن تنتظر تنفيذ حكم الإعدام عليها، استشعرت دونيتها حين تجرأ هذا الوقح عليها دون وجود من يردعه، شردت في اندثار قیمتها التي ستضحى معه وقتما تتزوج به، وأيضًا مشاعرها التي ستغ*د فليس ذلك من رسمته في مخيلتها الحالمة، حركت رأسها للجانبين رافضة تلك العلاقة المستهجنة والغير لائقة، كيف هذا؟!، سألت نفسها بتعجب وهي تحدق أمامها بضياع، رددت بصوتٍ مسموع مستاء:
-من المستحيل أن اتزوج بهذا الحقير الجاهل، ليس هو من حلمت به ورسمت مواصفاته في مخيلتي
ثم تن*دت بكمد لتنتبه لدقات على باب غرفتها، هتفت والدتها من الخارج بتكهن:
- "سوار" ابنتي هل أنت متيقظة؟
لم تجب فرح عليها لبعض الوقت مترددة في ذلك، فحالتها لا تستدعي أن تتحدث مع أحد، بالأخير ردت بهدوء زائف:
-أجل أمي، انتظري قليلاً وسأفتح لكِ
ثم نهضت بتقاعس لتفتح لها، ادارت مقبض الباب لتتفاجأ بأختها تقف بجانب والدتها، رددت "مهيرة" باندهاش حين رأت احمرار عينيها:
-أنتِ تبكين يا "سوار"؟!
استدارت "سوار" عائدة لتجلس كما كانت دون التفوه بكلمة، خلّفتها "مهيرة" بنفس دهشتها التي طغت عليها وهي تتأملها، جلست بجانبها لتعيد سؤالها بقلقٍ جم:
-ما بك يا "سوار"، ما الذي تفعلينه بنفسك هذا؟
شهقت "سوار" ببكاء افزعها عليها ثم ارتمت عليها لتمتص من دفء احضانها، ضمتها "مهيرة" ثم مسدت على رأسها وظهرها متيقنة الآن سبب ما هي عليه، هتفت "سوار" بنحيبٍ موجع:
-لا أريد أن اتزوجه "مهيرة"، تصرّفي في الأمر، أنا لا أحبه، سأموت إن تزوجت به
تألمت والدتها من أجلها ولهذا استدعت أختها لتخفف عنها، هدأتها بشجن:
-حسنا إهدئي حبيبتي، لا تفعلي هذا بنفسك، لقد تحدثت مع "أسيد" ووعدني إنه سيتصرف إذا اقترب أحدهم منك، هو فقط الفترة الماضية كان مسافرًا مشغولاً، ها هو قد عاد وسيقف لهم، لا تخافي!
ابتسمت "سوار" بسخرية من كلمتها ثم ابتعدت عنها، ردت بتهكم:
-لا أخاف، إنه يريد الزواج مني رغمًا عني، يعلم أننا بمفردنا، يفرض سيطرته علينا كونه لا يجد من يقف له ويردعه
نظرت لها والدتها بجموح، أجل هي محقة!، بينما اضرم الغضب في نظرات "مهيرة"، قبل أن تفتح شفتيها لتعلق وجدت من يقرع الجرس عليهن، عقبت على ذلك والدتهن قائلة بتنهيدة:
-سأذهب لأرى من؟
هزت "مهيرة" رأسها بتفهم ثم نظرت لـ "سوار" مزيفة بسمة صغيرة، قالت للتهوين عليها:
-لا تقلقي أختي الغالية، لن يحدث شيء رغماً عنك!!
في تلك الأثناء تحركت والدتهن نحو باب المنزل، فور فتحها للباب وجدت من يطلق زغرودة رنانة جعلتها تقطب قسماتها بغرابة، هتفت المرأة بتهللٍ وهي تلج دون استئذان:
-مبارك سيدة "راجية"، ارسلني السيد "مرتضى" بشبكة العروس
ثم التفتت لها لتناولها علبة من القطيفة قد فتحتها لتظهر منها المصوغات الذهبية، وجهت السيدة "راجية" بصرها للعلبة وهي مترددة في الرفض أو حتى القبول، لم تجد ما تقوله وهي ترى تلك السيدة تمد لها يدها بها ومنتظرة بشغفٍ تناولها، أخرجتها من مأزقها هذا "سوار" التي دلفت من غرفتها متوجهة نحوهن ومن خلفها "مهيرة" مدهوشة مما يحدث، رددت باهتياج وقد شدّدت من قوة موقفها بسبب وعد أختها:
-خذي هذه القمامة وارحلي ايتها المرأة الشمطاء، وابلغي من أرسلك أنني لست موافقة ........!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقف أمامه متوترًا وبالأحرى محرجًا وهو يملي عليه بعض الأوامر بشأن زواجه ال**بر من ابنته، أطرق "معاذ" رأسه في خزي من ذلك الموضوع المخجل والذي سينتقص من كرامته الكثير حين سينفذه، لكن تحايل السيد "راضي" عليه وإغرائه بالأموال من دفعه للقبول فهو يحتاج المال بشدة، حيث اضطر "راضي" لتبديل الشاب سريعًا بعدما تم القبض على الآخر وبحوزته مواد م**رة، لم يجد أمامه غير "معاذ" ليقترح عليه ذلك، قبل أن يكمل السيد "زايد" بقية أوامره تدخل الحاج "راضي" الذي يقف بجانبه ليرد بطاعة وهو ناظرًا للسيد "زايد":
-كل ما تريد قوله سيدي لقد أبلغته به وتفهم جيدًا مهمته، "معاذ" شاب متفهم ولن تجد أفضل منه لهذه المسألة
نظر له "زايد" قائلاً بإعجاب:
-اعجبتني يا "راضي"، وعدت ونفذت، ما وعدتك أنا به ستأخذه فور انهاء ما اتفقنا عليه
ابتسم "راضي" باتساع مرددًا بامتنان:
-يحفظك لنا الله يا سيدي
مررت السيدة "حوراء" نظراتها على الشاب بتفحص، بدا عليها الإعجاب به فهو حسن الطلعة وملفتًا، ناهيك عن أدبه، هتف "زايد" بجدية:
-لحظات وسيصل المأذون، دعونا ننهى الأمر!
تلك الكلمة جعلت بدن "معاذ" يختلج من فرط توتره، تأججت أعصابه المشدودة أكثر حين تابع "زايد":
-تقدمي "دانة"، ادخلي عزيزتي
قالها لابنته التي وقفت عند مدخل الباب محرجة بشدة وهي تفرك أناملها بتوتر، تحركت "دانة" للداخل وهي تنظر بتذبذب لما حولها كأنها تبحث عن هذا الذي ستتزوج به، في حین ترقب "معاذ" ولوجها بارتباك لكنه لم يلتفت إليها، حين اقتربت من والدتها خاطبتها الأخيرة بتحنن:
-تعالي حبيبتي اجلسي بجانبي
جلست "دانة" بجانبها فربتت الأخيرة على ظهرها لتبث فيها الطمأنينة، بينما لم يتجرأ "معاذ" على رفع رأسه والنظر حتى لها فهو يعرفها جيدًا، لحظات وولج "أسيد" هو الآخر قائلاً بتعابيرٍ صلبة:
-السلام عليكم
رد الجميع عليه ثم تحرك ليجلس، صدفةً رفعت "دانة" رأسها لتنظر لأخيها ولكن بطرف عينيها لمحت هذا الشاب الذي يعمل بالإسطبل واقفًا أمامها ومن** رأسه، عقدت حاجبيها متعجبة من وجوده، جاوب على حيرتها تلك والدها الذي ردد بخشونة:
-تعالى اجلس "معاذ" بجوار "أسيد"، سيكون هو وكيل عروسك
جف حلق "دانة" حيث فغرت فاهها وقد لاحت صدمتها عليها وهي تتابع جلوسه بجانب أخيها، هنا تيقنت بأنه من ستتزوج به، حاولت في نفسها رفض كل ذلك وعدم إكمال تلك المهزلة، كانت الكلمات تقف في حلقها تأبى الخروج، فتحت شفتيها لتبدي احتجاجها جاهدة في ذلك، لكن ولوج طليقها ومعه المأذون منعها، هتف "حاتم" بتبلجٍ وقد اتسعت بسمته:
-لقد حضر المأذون!
رمقه السید "زايد" بحنق وتأفف فقد توغّر ص*ره منه، بينما اشتدت نظرات "دانة" المغتاظة عليه فهو سبب وضعها في هذا الموقف بسبب نزقه الدائم، أشار "حاتم" للمأذون على مكان ما بين "أسيد" و "معاذ" متابعًا بتهللٍ أثار حنقها:
-اتفضل يا شيخنا اجلس هنا
توجه ليجلس المأذون بينهما ثم شرع في عقد القران وسط تبرم "دانة" المضمر تريد إنهاء هذا الهراء، ربتت والدتها على فخذها لتهدئ من ثورة توترها كما تعتقد، جاء سؤال المأذون لها فرد والدها بتأفف:
-موافقة يا شيخنا أكمل إجراءاتك!!
تابعت "دانة" عقد قرانها بشرود وقد تسعّرت ارتباكًا من كل ذلك، سريعًا أنهى عقد القران أمام نظراتها المشدوهة، هتف "زايد" بتجهم:
-رافق المأذون يا "راضي"، و*دًا تكون عندي
لمح "زايد" بكلماته له بأن يأتي به في الغد سيكون لإنهاء الزيجة، بالطبع لم يكن المأذون على علمٍ بذلك فالموضوع سري بينهم، انصاع "راضي" لحديثه ثم نهض مرافقًا للمأذون ومعه شاهد آخر جاء معه، نهض بعدها "أسيد" قائلاً بتضجر:
-لقد انتهت مهمتي، عن إذنكم!
ثم تحرك غير منتظرٍ لرد أحد، تركه والده على راحته فهو على علم بعدم ارتضائه الأمر، وجه "زايد" بصره نحو "معاذ" ثم خاطبه بخشونة:
- ستمكث معنا اليوم بغرفة "دانة"، وذلك للغد فقط
نظر له "معاذ" بارتباك ولم يعلق فهو محرج للغاية، وعن "حاتم" لم يبالي وذلك ما جعل "دانة" تهتاج بسببه، لكزت والدتها في ذراعها لتعلن الأخيرة ما اتفقت عليه معها، هزت السيدة "حوراء" رأسها لتقول بتردد:
-وأرجو ألا تقترب منها!!
هتف السيد "زايد" باستنكارٍ جم معقبًا على كلماتها الطائشة:
-ما هذا الهراء يا زوجتي المصون، اتعلمي أن ذلك محرمًا!
عبست "دانة" بشدة لا تريد ذلك، تدخل "كريم" قائلاً باستفزاز أثار حنقها أكثر:
-هي تقول الصواب، الكثير يفعل ذلك دون أن يلمسها!
حدجه السید "زايد" بنظرات مستشاطة وصلت لقمتها، أمره بصرامة:
-لما أنت هنا أيها الأبله، هيا أرحل عنا فكل ذلك بسببك
اضطرب "حاتم" لينهض سريعًا، رد بطاعة:
-تحت أمرك يا عمي!
ثم تحرك نحو الخارج فتعقبته "دانة" بنظرات شرسة تريد الفتك به، انتبهت لوالدها يقول بمعنى اربكها:
-خذ زوجتك "معاذ" واصعدوا للأعلى........!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ارتاب في نحافة جسدها وغثاثة وجهها التي طرأت عليها في الفترة الدابرة، تأمل "أسيد" هيئتها التي باتت لاحبة وهي جالسة أمام المرآة وتخفي ذلك خلف مستحضرات التجميل، لكن الموضوع بات مريبًا ليشك في إصابتها بعلةٍ ما، تحركت "مهيرة" نحوه بعدما انتهت مزيفة ابتسامة لم يقتنع بها، صعدت بجواره على التخت فسألها بترقب:
-أنت بخير حبيبتي؟
نظرت له لترد مدعية اللا شيء:
- أجل بخير!
رد باستنكار وهو يتأمل ملامحها عن كثبٍ:
-لكن هيئتك الشاحبة تلك لم تعجبني، ناهيك عن نحافة جسدك المفاجئة
شردت "مهيرة" في حديثه لتعود للخلف متذكرة بعض الوعكات الصحية التي مرت به أثناء سفره، لم تبتغي أن يقلق عليها، لذا ردت مختلقة ردًا صائبًا:
-أنا بخير، فقط متضايقة بشأن موضوع زواج "سوار" من هذا الشاب الذي أخبرتك عنه
تذكر "أسيد" الأمر فرد مؤكدًا بثقةٍ جمة:
-لقد اخبرتك بأنني سأنهي الأمر، لما القلق إذًا بشأن تلك المسألة التافهة
تبهجت "مهيرة" من ذلك فردت بامتنان:
-الله لا يحرمني منك عزيزي، لقد اخبرتهن أن لا يوجد غير "أسيد" لينهي الأمر، لقد وضعن أملهن عليك
ابتسم ليضمها إليه قائلاً بألفة:
-ولا يحرمني منك حبيبتي، ما اتمناه هو رؤيتك سعيدة فقط
ثم **ت للحظات ليتابع بتردد:
- "مهيرة" أنا أشك بأن تعبك هذا خلفه سبب ما
ابتعدت عنه متلهفة في معرفة ما يساوره من ظنون ثم حدقت به منصتة باهتمام، تنحنح متابعًا باحتراز:
-أظن بأنك حامل، وهذا ما يجعلك مريضة
هنا ظهرت أمنية "أسيد" في تلك اللحظة وهي أنه يريد طفلاً، بينما طاشت "مهيرة" في حديثه ليعود شريط حياة ابنها الراحل من مرحلة انجابها له حتى مرض وتركها هكذا، لمعت عيناه ببريق متألم وقد انفطر قلبها لتتذكر تلك الومضات الموجعة لروحها التي لم تخمد من ثورة كمدها حتى تلك اللحظة وإن تعايشت مع الواقع، شهق "أسيد" بقلقٍ عليها ليندم عن ما تفوه به قائلاً:
-أنا آسف عزيزتي، اعتذر منك سامحيني، لا اتعمد أن أذكرك بـ.....
بتر بقية حديثه غير راغبٍ في فتح الموضوع وقد اغتم، رمشت "مهيرة" بعينيها لمنع نفسها من البكاء قائلة بهدوءٍ ظاهري:
-أنا مثلك "أسيد" أفكر في ذلك، هذا حقك، لكنني لو كنت حاملاً كنت عرفت على الفور!!
لعن "أسيد" نفسه على اندفاعه في قول ذلك، رد موبخًا نفسه وهو يعيد ضمها لص*ره:
-لم أقصد ابدًا أنني سأجن ليكون لدي أولاد، ولو كنت كذلك لتزوجت من سنة مضت، أنا أريد فقط من يربطنا معنا، لا تتضايقي عزيزتي، لست متعجل في تلك المسألة
ابتسمت "مهیرة" بألم وهي تردد بتمنٍ حالم:
-اتمنى أن يمنحنا الله ولدًا مثل ابننا "صهيب".....!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تعمدت السفر لإحدى المدن السياحية بغرض اقناعهم بقضاء عطلتها هناك، وذلك حتى تبعد نفسها عن الاتهامات من قريب أو من بعيد لتتخلص من الأخيرة كما فعلت مع ابنها، توجهت "أروى" لشرفة غرفتها وهي تمسك بهاتفها لترد على المكالمة الواردة لها، أجابت وهي تتطلع أمامها بنظرات خبيثة:
-هيا أسعديني بآخر الأخبار؟
ردت الأخيرة بهمسٍ وهي بداخل غرفتها بالفيلا:
-كل شيء على ما يرام سيدتي، السيدة "دانة" تزوجت منذ قليل وانتهى أمرها، بينما السيدة "مهیرة" وصلت لنهايتها، حيث اشتد عليها المرض
بضحكةٍ خفيضة ساخرة نطقت عبارتها الأخيرة، أثنت "أروى" ثغرها ببسمة انتشاء توحي بقروب مبتغاها، ردت بارتياح:
-جيد جدًا!، استمري في مهمتك حتى تأتيني بخبر وفاتها
همست الأخيرة بثقة:
-لن يمر عليها الصباح سيدتي لا تقلقي، فأنت لم تري حالتها الآن كيف وصلت
هتفت "أروى" مظلمة عينيها بمغزى:
-ألم يلاحظ أحد ما بها؟
ردت نافية بمعنى:
-لا يا سيدتي، الفترة الماضية كان السيد "أسيد" مسافرًا، وأنت تعلمين بأنها تحبذ وضع المستحضرات على وجهها لتظهر بمظهر يليق بالعائلة، وهذا سبب عدم شكهم في الأمر!!
نفخت "أروى" بقوة لتنفس عن نفسها شاهقة لبعض الهواء المنعش لرئتيها، قالت بجدية:
-حسنًا، تابعي ما يحدث عندك واخبريني بكل ما هو جديد، ولا تدعي أحد يشك في أمرك.......!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ألقت عليه وهو جالس على الأريكة في زاوية الغرفة غطاء ووسادة قد جلبتهم له، فور سقوطهما عليه حدجها "معاذ" بنظرات مزعوجة من تعمدها التقليل منه، رفعت "دانة" رأسها بتعالٍ أجج هياجه الداخلي منها، هتفت بازدراء:
-بالطبع أمثالك لا يحلمون بما أنت عليه الآن، يعني تحمد الله بأنك كنت في أحد الأيام زوجي أنا!
قالت كلمتها الأخيرة بتعظيم من شأنها، مرر هو أنظاره عليها بغموض وقتامة لم تتفهمها لتقطب بين حاجبيها مترقبة، نهض "معاذ" قائلاً بخبث:
-وبما أنكِ بهذا القدر من الجمال، لما طلقكِ زوجك وجعلكِ تحتاجي لشخص مثلي، ولابد أن يكون في مقامي، لأن لو من مكانتك لن يرتضي بك مطلقًا!
اشتعل الغضب بداخلها واشتدت نظراتها الشرسة عليه فابتسم بتشفٍ، هتفت باحتقار:
-لأن الموضوع به إهانة، وأمثالك فقط من يستحقوها
ابتلع إهانتها المباشرة له ليضمر انفعاله عليها وبدت نظراته نحوها تعلن عن ما به الآن فابتسمت هي بثقة ممتزجة بالسخرية، ابتسم هو بغضب هاتفًا باستهزاء:
-وإهانة لكِ أنتِ أيضًا، أتعلمين أن رجوعك لزوجك مقترن بلمسي لكِ!
ازدردت ريقها بتوتر لتعلن رفضها القطعي:
-لن أسمح لك بلمسي، و*دًا طلاقي منك
جلس مرة أخرى على الأريكة واضعًا ساق فوق الأخرى، رد بغطرسةٍ أضرمت شراستها نحوه:
-وأنا لن يشرفني أن أكون مع واحدة قد لمسها شخص غيري.......!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أفاق من نومه منتصف الليل على همهمات تص*ر منها، أدار "أسيد" رأسه نحوها فوجدها تتصبّب عرقًا وتخرف بعدة كلمات لم يتفهم أيًا منها، اعتدل مضطربًا وعينيه تجوب ملامح وجهها التي امتقعت فجأة، هتف بتوجس وهو يحاول إيقاظها:
-"مهيرة" حبيبتي ما خطبكِ؟!
ظلت كما هي تهذي دون وعيٍ فتسعّر خوفه وقلقه عليها واتضح ذلك في نظراته التي تهتز بهلع، حاول ثانيةً إفاقتها وهو يجعلها تجلس أمامه، كانت "مهيرة" مذعنة لما يفعله فهي بالفعل غير متيقظة، ابتلع "أسيد" ل**به باضطراب ثم تحسس جبينها ليشهق من شدة ارتفاع حرارتها، ردد بغرابة:
-حرارتك عالية جدًا، ما الذي حدث لكِ فجأة؟!
بات متعجبًا وهو يراها هكذا، لحظة!، ولما العجب؟، بالفعل كان مرتابًا في إصابتها بعلةٍ ما، ربما ازداد المرض عليها، عاد "أسيد" من أفكاره تلك ليحاول التصرف سريعًا، جعلها تتسطح مرة أخرى، خاطبها بأنفاسٍ زموعة:
-إن شاء الله خير حبيبتي، أنا بجانبك لا تقلقي!
ثم نهض سريعًا متوجهًا ناحية المرحاض ليجلب خافضًا للحرارة حتى يحين له أخذها للمشفى، جلب من الصيدلية بداخله إحدى الأدوية الخافضة للحرارة ثم ركض عائدًا إليها، دنا من التخت ليجلس على حافته، باشر بفتح علبة الدواء ليسكب في غطاءها بعض منه، وضع العلبة على الكومود ليشرع في إعطاءها إياه، نظر لها ثم حاول رفع رأسها، أسندها على ذراعه ليتسنى لها ابتلاعه، لم يلاحظ أسيد وجومها حتى انتبه لتصلب جسدها وهي على ذراعه، حملق فيها لبعض الوقت غير مستوعبٍ ما الجديد بها، ابتلع ريقه بصعوبة رافضًا تصديق ما يساوره الآن، ألقى الغطاء المليء بالدواء بإهمال ثم تحسس نبضها حين وضع يده على عنقها، شحبت قسماته حين انتبه بأنها لا تتنفس، ردد بتكهنٍ متأملاً ردها عليه:
-"مهيرة"، ما الذي كنتِ تشعرين به ليحدث ذلك لكِ!
لم تجب عليه فتيقن بأنها لم تسمعه قط، استنبط بأنها رحلت عنه، لمعت عيناه بحزنٍ عميق حتى تجمعت العبرات فيهن، ناداها بكمد:
-"مهيرة"، أفيقي عزيزتي، هل ستتركينني؟!
تساقطت بعض العبرات وهو يتأملها بشجب، اهتز بدنه برعب ليعيد نطق اسمها بصريخٍ وهو يشدد من اعتصارها في احضانه:
- "مهــــيرة"! ........................................
================================