ذهبت مريم إلى الكلية وهي في كامل نشاطها بعد أن شفيت تماما من مرضها فقد كانت في أشد حالات السعادة لأنها أخيرا ستحقق حلمها.
أخرجت هاتفها واتصلت بسيف لكي يقا**ها كما اتفقا وأخذ يدور بها في أنحاء الكلية يعرفها على كل شبر بها فقد نصب نفسه حارسا أمين لها يهتم بأمورها ويقوم بحمياتها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
انتظمت الأيام في الكلية وأخذت مريم تستوعب كل شيء وبدأت المحاضرات وقد ركزت كل طاقتها لكي تحصل على أعلى تقدير وشجعها على ذلك سيف الذى كان لها مثل الراعي الأمين فلم تشعر أنها تائهة مثل باقي زميلاتها وبدأت في تكوين صداقات داخل الكلية فقد تعرفت على الكثيرين من زملائها واكتسبت صداقتهم ولم تخبر أحد أبدا أنها ابنة خادمة ولم يعرف هذه الحقيقة غير سيف الذي كان يعاملها كأميرة ولم يخبر أحد أبدا بخلفيتها الإجتماعية و شجعها على ذلك مظهرها الذي يشبه مظهر فتيات المحتمع الراقي بفضل ملابس وعد التي أهدتها لها ومرت الأيام على هذا الشكل وكانت دائما تخبر وعد بكل التفاصيل التي تصادفها في يومها أما شهاب فلم تكن تراه إلا نادرا فقد كان يتجاهلها تماما وارتاحت لذلك فكانت هي أيضا تبتعد عن طريقه.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
كانت وعد ترى موقف شهاب من مريم واستغربت موقفه وأخذت تبحث في عقلها عن طريقه ت**ر داخله هذا الغرور والعناد رددت بينها وبين نفسها:
-"ماشي يا شهاب أنا متأكدة أنك بتحب مريم بس بتعاند وانا هشوفلك طريقة أخليك تواجه نفسك بيها أنا عمري ماهنسى شكلك وأنت شايلها لما كانت تعبانة وخوفك وروعبك عليها مبقاش وعد أن مخليتك تفوق لنفسك وتواجه مشاعرك".
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
رجع سيف من الكلية وهو يشعر بسعادة غامرة فقد أصبح بالقرب من حبيبته التي تغلغلت في كل كيانه منذ كانت طفلة صغيرة فقد عشقها وأصبح يحلم باليوم الذي يصارحها فيه بحبه وشعر أن هذا اليوم اصبح قريب ويكفيه أنها أمام عينيه يراقبها كالصقر حتى لايقترب منها أحد زيادة عن الحد ذهب إلى مكتبه وجلس وأخذ يستدير يسارا ويمينا غوق كرسيه الهزاز وهو يفكر في برنامجه الانتخابي الخاص بانتخاب مجلس اتحاد الكليه فأخذ ينظم اوراق الدعاية الانتخابية الخاصة به وفكر في طريقة يقترب بها من مريم أكثر واهتدى تفكيره بإشراكها معه في مجلس اتحاد الكلية ودعمها وعمل الدعاية المطلوبة لها وقرر أن يفاتحها في هذا الموضوع عندما يقا**ها في الكلية في أقرب فرصة.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
رجع شهاب من الشركة في وقت متأخر عن المعتاد وعندما وصل إلى القصر وصعد أول درجات السلم الخارجي وجد مريم أمامه خارجة من القصر كادت أن تصتدم به ولكنه تفاداها ورأى نظرات الفزع في عينيها كان يريد أن يتجاهلها كما يفعل في الأونة الأخيرة لولا رؤيته هذه النظرات فخاطبها بهمس:
-"ازيك يا مريم عامله إيه في الكلية؟"
-"الحمد لله كويسه وكل حاجة تمام".
لم تعرف مريم كيف وجدت صوتها فقد ردت عليه بصعوبة وهي تريد أن تختفي من أمامه بسبب التوتر الذي ينتابها عندما تلتقي به فقد شعرت بزيادة سرعة ض*بات قلبها الذي أخذ يدق كالمطرقة وكان شهاب ينظر إليها متفرسا وكأنه يريد أن يخزن صورتها داخله فقد كان في اشتياق إليها لم يشعر بهذا الاشتياق إلا عندما وجدها أمامه فأخذ يتنفس عبيرها كالمدمن الذي امتنع عن سبب إدمانه وفجأه وجده أمامه مرة أخرى كان يرى امتقاع وجهها منذ وقعت عينيها عليه وألمه ذلك فحاول أن يتحدث معها حتى يخفف من حدة اللقاء ويخرجها من هذه الحالة فسألها:
-"أنتِ مش محتاجة أي حاجة في الكلية؟أو لو في أي مشاكل واجهتك عرفيني".
ردت عليه مريم باندفاع بدون تفكير:
-"كل حاجة تمام بصرحة سيف بيساعدني ومش مخليني أحس بأي مشكلة دايما واقف جانبي ولما أحتاجه في شيء بلاقيه قدامي".
-"تمام".
هكذا رد عليها شهاب بهذه الكلمة المقتضبة وتركها وذهب وسط ذهولها فاستأنفت طريقها لمنزلها وهي تتساءل عن السبب الذي جعل وعد تلح عليها لكي تذهب إليها في هذا الوقت فلم يكن هناك ضرورة لذهابها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ضحكت وعد بمكر عندما دخل شهاب فقد كانت تراقب ما يحدث خارجا ونظرت في وحهه فوجدته ساخطا وغاضبا وهذا حاله كلما تقابل مع مريم فهكذا تتجدد الحرب داخله فشعرت بنجاح مخططها عندما استدعت مريم وظلت محتجزة إياها حتى سمعت صوت سيارة شهاب فسمحت لها بالانصراف حتى يلتقوا معا رأت وعد شهاب يصعد مباشرة إلى غرفته بدون أن يخاطبها وكأنه لا يراها فقد كان شاردا فأشفقت على حالته ولكنها خاطبت نفسها قائلة:
-"هو يستاهل غروره هو اللي بيعمل فيه كدة لازم يواجه نفسه ويكون صادق معاها وينسى إن فيه أسياد وعبيد ويخرج من برجه العالي ويواجه الحقيقة قبل ما مريم تضيع منه".
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
استلقى شهاب على سريره وهو يشعر بالاختناق ثم فك رباط عنقه وقذفه بغضب لقد نفذ ما أقسم عليه فلماذا يشعر بالغيرة بعد أن أخبرته مريم عن سيف ورعايته لها لقد نسى تماما أن سيف معها في نغس الكلية كيف تاه عن باله ذلك شعر بكيانه كله يتمزق أنه يحبها لايستطيع أن ي**ع نفسه أخذ يتساءل كيف تسللت إلى قلبه؟ومتى؟رغم كل حصونه التي أخذها لحمايته أنه يشعر بها تجري في عروقه فكيف الخلاص من هذا الجحيم الذي يعيش فيه بسببها يريد أن يخنقها بيديه حتى يتخلص من جحيم عشقها او يحتضنها حتى يمل منها فلا يعاود التفكير فيها.
نهض من مكانه واستبدل ملابسه وخرح من غرفته وذهب خارج القصر لا يولي على شيء فكل ما يريده أن يبتعد عن كل ما يحرك مشاعره تجاه مريم لقد أراد ان يترك القصر ويسكن في شقة مستقلة به ولكن والدته رفضت وأصرت على الرفض فماذا يفعل لكي يبتعد عنها قبل أن تخونه مشاعره فيصبح لعبة بين يديها كما كان عمه ألعوبة في يد فاطمة.
أخذ يسترجع الذكريات وهو هائما على وجهه يتذكر يوم كان ينادي على فاطمة عندما وجدها واقفة ومصطفى يجثوا على قدميه أمامها يترجاها أن توافقه على شيء وهي ترفض لم يعرف أبدا ماذا كان يريد عمه منها لأنهما قطعا حديثهما عندما دخل شهاب عليهما.
لم يفهم شهاب ما يحدث بسبب صغر سنه ولكن الآن بعدما كبر علم أن عمه كان عاشقا لفاطمة هذا العشق الذي أحرق قلبه فجعله يخرج غاصبا ويترك عائلته ويتعرض للحادث الذي أودى بحياته.
أخذ يردد بصوت عالي تاه في الفضاء الواسع من حوله:
-"مش هتعرض ابدا لمصيرك يا عمي وعمري ما هسمح لمريم أنها تسيطر عليه زي ما فاطمة مسيطرت عليك هدفن حبها ولازم أفكر في الارتباط بنادين زي ما ماما قالت".
رجع شهاب إلى القصر ودخل غرفته وحاول النوم دون أن يفكر في مريم وحاول ان يسترجع صورة نادين الفتاه التي تقنعه نور بالارتباط بها ولكن هيهات فقد ظلت صورتها باهتة أمامه لتختفي تماما وتحل محلها صورة مريم بعيونها الجميلة تتطلع إليه وكأنها تنظر إليه بسخرية وظل في هذا الصراع حتي سقط في نوم عميق تتخلله أحلام تجمعه بمريم.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
استيقظ شهاب متأخرا على غير عادته بسبب قلقه طوال الليل وبسبب الصراع الذي يعاني منه انه يكره هذا الصراع وقد جاهد كثيرا لكي يحافظ على سيطرته على نفسه وكان قادرا حتى ذلك الحين منذ عودته من أمريكا فقد فقد هذه السيطرة حيث ضغطت مريم على كل الأزرار التي تؤثر عليه فجعلته يشعر باللهيب والبرودة والإثارة والغضب كل هذه الأحاسيس في نفس الوقت لقد قلبت حياته رأسا على عقب وكلما حاول إخراجها تغلغلت أكثر في كيانه كالوقوع داخل شبكة عنكبوتية كلما حاول الفكاك انغرس اكثر في شباكها والدليل على ذلك أحلامه بها طوال الليل وهو لا يحب ذلك مطلقا فكلما تذكر تلك الأحلام شعر بالتوتر في معدته وبلهيب يشمل كل جسده يجعله كالمحوم وكره نفسه بسبب هذا الإحساس فتوجه إلى الحمام وفتح صنبور المياه ووقف تحت المياه الشديد البروده أملا أن تهدأ هذه المياه اضطرابه. ثم بعد أن انتهى خرج من الحمام وهو يرتدى رداء الاستحمام وأخذ ينظر لنفسه في المرأة ثم قام بتمشيط شعره ووضع عطره المفضل ثم قام بارتداء كامل ملابسه واهتم بأناقته حتى يخفي اضطرابه الذي يشعر به وأثناء خروجه تقابل مع نور التي بادرته بالقول:
-"في إيه يا شهاب؟ حالك مش عاجبني اليومين دول!"
رد عليها شهاب وهو يزفر بضيق:
-"مفيش حاجة بس فيه كام مشروع بندرسهم واخدين كل وقتي".
نظرت له نور بتمعن وهي تضيق عينيها:
-"تمام بس ياريت تفكر في الموضوع اللي كلمتك فيه قبل كدة نادين مش هتستنى كتير وعايزين نلحقها قبل ما تطير من إيدك".
أومأ شهاب برأسه موافقا وهو يقول:
-"تمام أوعدك أني هفكر في الموضوع وهرد عليكي في أقرب فرصة سلام دلوقتي علشان متأخر".
تركها شهاب وهي واقفة تفكر في أحواله فهي تعلم أن به شيء فد غيره ولكنها لا تستطيع أن تهتدي لهذا الشيء.
قاد شهاب سيارته وخرح من القصر ولم يكد يتحرك حتى وجد مريم تمشي أمامه زفر بضيق بسبب هذه الصدفة وأراد أن تجاهلها ولكن قوة أكبر منه جعلته بقف بجوارها.
سمعت مريم صوت سيارة تقف بجوارها فالتفتت لتجد شهاب يفتح باب السيارة ويأمرها أن تصعد بجواره لم تستطع مخالفته بل نفذت ما أمرها به وكأنها مسلوبة الإرادة شعرت بنبضات قلبها تتسارع سمعته يسألها:
-"أنتِ رايحة فين؟"
أخفضت رأسها وهي تهمس بارتباك:
-"رايحة الكلية".
قاد شهاب السيارة بها بعد أن عرف وحهتها دون أن يتحدث معها فقد تجاهلها تماما وكأنها غير موجودة وهي أيضا لم تنطق بأي كلمة وكأن ل**نها قد خدر وظلوا على هذا الحال حتى وصلوا إلى بوابة الكلية فأوقف شهاب السيارة ثم مال باتجاهها فشعر بارتعاشها فنظر إليها مطولا دون أن ينطق بأي حرف وفتح لها باب السيارة لكي تخرج فخرجت مسرعة وقد تنفست الصعداء واستدارت لكي تشكره ولكنها وجدته قد قاد سيارته وذهب بسرعة جنونية وكأن الشياطين تطارده ظل شاردا طوال الطريق في مريم وعبيرها الذي تركته وراءها في السيارة حيث ملأت رائحة عطرها خياشيمه فأخذ يتنشقها كالمدمن.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
أخذ سيف يبحث عن مريم في أنحاء الكلية وفي الأماكن التي تتردد عليها ولكنه لم يجدها شعر بالاحباط أخرج هاتفه وأوشك على الاتصال بها ولكنه وجدها أمامه فبادرها قائلا:
-"ازيك يا مريم عاملة ايه؟"
-"تمام، بخير الحمد لله".
"فيه موضوع مهم عايز أكلمك فيه".
-"خير؟"
-"إيه رأيك ترشحي نفسك في مجلس اتحاد الكلية معايا؟"
ضحكت مريم بصوت عالي وهي تقول:
-"أنت بتتكلم جد ولا بتهزر؟ ولو بتتكلم جد طب ازاي أنا محدش يعرفني ومليش خبرة في المواضيع دي".
رد عليها سيف شارحا لها وجهة نظره:
-"ملكيش أنتِ دعوة بأي حاجة انا هعمل كل الدعاية الازمة وهحط إسمك مرتبط مع إسمي يعني يا ننجح سوى يا نسقط سوى وبعد كده كل شيء بأونه هتتعلمي كل حاجة ومتنسيش أنك لسة في سنة أولى لما تنعرفي من دلوقتي بعد كدة كل الأمور هتبقى سهلة بالنسبة لك في السنين اللي جاية".
حاول سيف أن يقنع مريم حتى اقتنعت في النهاية وأخذت تستفسر منه عن طرق الدعاية فوضح لها كل شيء فابتسمت له وسحبته من ذراعيه وذهبت إلى زملائها في الفرقة الأولى وأخذت تعرفهم على نفسها وعلى سيف وأخبرتهم أنها ستشترك في انتخابات الكلية وترجتهم أن يساندوها ويدلوا بأصواتهم لصالحها هي وسيف.
نظر لها سيف بإعجاب من طريقتها التلقائية المباشرة ولحماسها للأمر وعرف أنها ستكون عضو فعال في اتحاد الطلبة وأن اختياره كان في محله.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ودعت وعد صديقتها ساندي بعد انتهاء المحاضرات ولكن الأخرى نادت عليها بصوت مرتفع:
-"استني يا وعد نسيت أقولك اعملي حسابك تيجي حفلة عيد ميلاد أدهم هو مأكد عليه أعزمك".
احمر وجه وعد وهي تسأل ساندي بصوت هامس:
-"إمتى الحفلة؟"
-"يوم الخميس واوعي تجيبي معاكي بنت الشغالة اللي جراها معاكي في كل حتة وأن كان ولابد ياريت تجيبي شهاب".
علقت وعد قائلة:
-"اخصي عليكي يا ساندي أنا معرفش ليه بتكرهي مريم كدة؟ مع أنها في منتهى الذوق والاخلاص أنتِ لو عرفتيها هتحبيها".
-"مش عايزة اعرفها كفاية أنتِ تحبيها أنا أصلا مبتصورهاش ومش عارفة أنتٍ إزاي بتنسي الفرق اللي بينك وبينها؟"
أنهت وعد الحديث مع ساندي وهي غاضبة منها ووعدتها بالحضور للحفل وأخذت تفكر أن ساندي تفكيرها يشبه تفكير شهاب هذا التفكير الطبقي الذي عفا عليه الزمن.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
عادت مريم من الكلية وأخذت تسترجع الأحداث التي مرت بها طوال اليوم تذكرت موقف شهاب منها وهي معه في السيارة فهو دائما يربكها بأفعاله فلم يوجه لها كلمة واحدة وكأنها حمل ثقيل على أكتافه أخذت تتسائل لماذا عرض عليها توصيلها طالما لايطيق مجرد النظر إليها؟؟؟؟ وحتى لم يعطيها فرصة لكي تشكره تذكر إحساسها وهي معه في السيارة لقد تمنت أن تكون ند له فلا ترتبك في حضوره كما يحدث لها دائما عندما تلتقي به وأخذت تتساءل هل كان سيختلف الأمر بينهما لو كانت من أسرة راقية وليست ابنة فاطمة الخادمة؟
أخذت تقارن بينه وبين سيف وبين علاقتها بكل منهما فهي ترتاح في وجود سيف وتشعر أنها على طبيعتها ولا ينتابها الخوف والذعر كما يحدث لها عندما تلتقي بشهاب ولكن هناك أيضا مشاعر أخرى تشعر بها فقد تفتحت داخلها مشاعر أنثوية لم تعهدها إلا بعد ظهور شهاب في حياتها وتمنت لو يحسن أسلوبه معها فهو دائما غاضب وبارد في علاقته بها وتستغرب ما قالته لها وعد عن حمله لها وخوفه عليها وهي مريضة وغضبه واستيائه لأنها لم تذهب للمستشفى مما أدى إلى سوء حالتها ولولا تدخله في الوقت المناسب لساءت حالتها أكثر لكنها لم تستطع تصديق ذلك فعندما أفاقت من الحمى وأخذت تستوعب ما حولها لم تشاهده ولا مرة واحدة بل لم تجد بجانبها غير سيف ووعد ووالدتها.