نظرت وعد إلى مريم وهي تحمل الفستان بين يديها وهتف بتشكك:
-"أنتِ متأكدة أن الفستان دا هيبقى حلو عليه؟ حاسة لونه صعب شوية وبتهيألي أنه هيكون أوفر".
هزت مريم رأسها نافية وهي تهتف بجدية:
-"والله يا بنتي الفستان هيكون تحفة عليكِ وهتبقي أحلى واحدة في الحفلة وبعدين أنتِ يا وعد أصلا جميلة حتي لو لبستي أي حاجة عادية".
ابتسمت وعد واحتضنت مريم وقالت:
-"حبيبتي ربنا يخليكِ ليا ومتحرمش منك دايما أنتِ اللي دايما بترفعي معنوياتي".
ظهرت ابتسامة رقيقة على شفتي مريم وهي تهتف بلطف:
-"أنا مش بجاملك يا وعد على فكرة أنا بقول الحقيقة ، أنتِ جميلة في كل حالاتك ويلا البسي الفستان عشان نلحق نرتب شعرك وجهزي نفسك بقى عشان متتأخريش".
تن*دت وعد بتوتر وقامت بارتداء الفستان ثم طالعت صورتها في المرآة ونظرت إلى هيئتها بهذا الفستان الرائع الذي يتماثل مع لون عينيها التي تشبه السماء الصافية بعد يوم ممطر فكانت في أبهى صورة، قامت مريم بمساعدتها في وضع اللمسات الأخيرة لزينة وجهها وهي تردد بانبهار بعد انتهائها:
-"صدقيني يا وعد أدهم مش هيشوف أي حد غيرك في الحفلة".
احمر وجه وعد خجلا:
-"بجد يا مريم؟"
أومأت مريم مؤكدة:
-"أه والله بتكلم بجد يا وعد".
سمع الاثنتين صوت طرقات على باب الغرفة فقامت مريم بفتح لباب وفوجئت بشهاب يقف أمامها ويحدق بها.
لم تستطع زحزحة عينيها عنه بسبب وسامته الملفتة للأنظار وأناقته في البذلة الرسمية وظلت تنظر له بانبهار وكأنها أمام فارس من فرسان العصور الوسطى، أفاقت على صوته وهو يهتف بغلظة واستنكار:
-"اوعي تقولي أنك جاية معانا الحفلة؟!"
صُدمت مريم مما قاله وحدقت به ببلاهة ثم استدارت إلى وعد تناشدها العون قبل أن تركض من أمامه ذاهبة إلى بيتها وهي لا ترى أمامها بسبب الدموع التي انهمرت من مقلتيها وبللت وجهها.
زفرت وعد بغضب وهي تنظر إلى شهاب قبل أن تهتف بغيظ:
-"مش معقول أسلوبك دا يا شهاب مع مريم كل ما تشوفها دايما تحرجها وتتسبب في زعلها هي كانت قتلتلك قتيل ولا الموضوع إيه بالظبط؟"
نظر إليها شهاب بغضب من دفاعها المستميت عن مريم وهو يرد:
-"موضوع إيه؟ مفيش أي مواضيع ولا حاجة كل الحكاية أني مش عايزها تنسى نفسها هي مهما راحت أو جيت هتفضل بنت الشغالة بتاعتنا وعمرها ما هتكون واحدة مننا".
هتفت وعد بحدة تملكت منها بسبب تصرفات شهاب التي لا يوجد لها أي مبرر منطقي:
-"على كل حال في ناس شايفنها غير كدة ويتمنوا نظرة منها وميفرقش معاهم هي بنت شغالة ولا بنت سفير".
صاح شهاب بغيظ وهو يكاد أن ينفجر بعدما سمع حديث ش*يقته:
-"تقصدي إيه بالظبط؟ أنتِ أكيد طبعا قصدك على سي سيف ما هو طالع لأمه مش جايب حاجة من برة غاويين رمرمة ودايما بيبصوا تحت رجليهم ، يلا عشان منتأخرش على الحفلة اللي دبستيني فيها".
لم تتمالك وعد نفسها بعدما أهان ش*يقها سيف وصاحت بعصبية:
"وإيه اللي ضايقك وعصبك كدة من كلامي وليه جبت سيرة سيف واتكلمت عنه بالشكل ده؟"
زفر شهاب بضيق قائلا:
"بقولك إيه يا وعد اطلعي من دماغي وفوضيها سيرة، بنت فاطمة الشغالة مش فارقة معايا ولا ابن خالتك بيشغل بالي، يولعوا الاتنين مع بعض أنا مليش دعوة ب".
استدار شهاب خارجا بعد أن أنهى حديثه ففوجىء بفاطمة التي كانت تقف أمام الغرفة وتحمل العصير بيديها.
حدقت به فاطمة بعد أن سمعت كل حرف نطق به بخصوص ابنتها فشعر شهاب بالخجل من نفسه بسبب ما قاله واستأنف طريقه للخارج دون أن يلتفت إليها.
لحقته وعد لاهثة وهي تشعر بالحنق بسبب ما قاله بعدما علمت أن فاطمة قد سمعت كل شيء ولم تجد كلمات تبرر بها ما حدث فأشارت لفاطمة بصوت هامس:
-"سلام يا دادة".
نظرت فاطمة إلى الأسفل بعينين دامعتين وهي تهمس بصوت حزين:
-"سامحيني يا بنتي أنا اللي عملت فيكِ كدة وضيعت حقك".
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
دفنت مريم وجهها في وسادتها وهي تبكي بحرقة فقد جرحها شهاب مرة أخرى كعادته معها كلما التقى بها.
لقد أصبح أسلوبه يؤلمها في الفترة الأخيرة أكثر من قبل وعادت بذاكرتها ليوم الحفلة وهما في الحديقة تذكرت نظراته لها لقد شعرت أنه يريد أن يحتويها بين ذراعيه ولكنها ظنت أنها واهمة حتى يوم مرضها فقد علمت أنه حملها بين ذراعيه وهو في أشد حالات القلق عليها لقد كانت فاقدة الوعي فلم تتذكر ذلك ولكن كان يراودها ذلك الحلم دائما وهو يحملها بين ذراعيه ربما عقلها الباطن اختلق ذلك
لقد أرعبتها أفكارها والمنحنى الخطير الذي تتجه إليه فأقسمت بينها وبين نفسها أنها لن تبكي بسببه مرة أخرى بل ستعامله ببرود وستنزع خوفها منه كلما رأته وستدفن مشاعرها تجاه هذا المغرور المتفاخر بنفسه وعائلته فهو لا يستحق دمعة واحدة من دموعها.
دخلت فاطمة إلى الغرفة وذهبت إلى مريم لكي تطمئن عليها فوجدتها نائمة فقد تظاهرت مريم بالنوم حتى لاترى والدتها دموعها فتقلق عليها وتسألها عن سبب هذه الدموع.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
وصل شهاب ووعد إلى الحفلة واستقبلتهم ساندي بوجه مشرق عندما رأت شهاب أخذت تتحدث إليه وهي ترمش بعينيها تحاول أن تجذبه تجاهها وتجاهلت وعد تماما وكأنها غير موجودة
تركتهم وعد وتوغلت داخل الحفلة تبحث عن أدهم فوجئت بمن يجذبها من ذراعها استدارت بفزع لتجد أدهم أمامها يبتسم لها فلانت ملامحها وخاطبته قائلة:
-"حرام عليك يا أدهم، كده تخضني".
-"وحشتيني".
-"وبعدين معاك مش هتبطل أسلوبك دا؟"
-"أعمل إيه ما أنا مش عارف أشوفك وأنتِ مش راضية تقابليني في أي مكان".
-"قولتلك أكتر من مرة مينفعش وبعدين خلي بالك شهاب معايا".
-"ميهمنيش أي حد يا بنتي أنا بحبك ومستعد أصرخ بعلو حسي وقوليها قدام كل اللي في الحفلة".
-"بطل جنونك دا ولما تشتغل وتبطل تعتمد على فلوس أهلك ابقى تعالى واتكلم معايا إنما طول ما أنت عاطل يبقى متتقربش مني، أنا قولتلك عمري ما هفكر أرتبط بيك يا أدهم ولا هربط مصيري بمصيرك عايزاك تفهم الكلام دا كويس وعلى كل حال أنا جيت النهاردة علشان أقولك كل سنة وأنت طيب وأفكرك أنك تميت خمسة وعشرين سنة يعني معنتش صغير على الصرمحة والعيشة اللي أنت عايشها دي، سلام".
وقف أدهم مذهولا بعد أن غادرته وعد وقد شعر أنه قد أُلقي فوق رأسه دلو ماء بارد من الإنسانة التي يعشقها حتى النخاع وهو يعلم أنها تحبه هي الأخرى ولكنها تكابر حتى تجعله يتغير ويصبح إنسان أخر تريده أن يكد ويعمل وهو قد تعود على الراحة والحرية التي يحيها فهو يكره القيود فكيف سيتغير ويلتزم بعمل وخاصة أن أملاك عائلته تساعده على الحياة في رغد مادام على قيد الحياة بدون أن يعمل أو يرهق نفسه فقد وجد المال للتمتع به أما العمل للطبقات الاخرى التي خلقت لخدمتهم ولكن كيف يتصرف معها ويقنعها بمنطقه فقلبه يحترق بنار عشقها ولا يعرف كيف يرضيها فهو الابن الوحيد لمحمود عز ووريثه مع اخته ساندي وقد ربته والدته على الاستهترار وعدم تحمل المسؤلية بسبب تدليلها الزائد له فدائما تردد على مسامعه:
-"أنت مش اي حد انت حفيد الباشوات لازم تصرف على الأساس دا وتأمر والكل يطيع ومتهنش نفسك ثروتك تخليك ملك".
هكذا تربى أدهم فكيف سيتغير؟ وكيف سيرضي وعد؟ تن*د بعمق عندما شرد في كل المواقف التي جمعتهم سويا منذ صغرهم وتأنيبها الدائم له ع** كل الفتيات التي ترتمين تحت قدميه بسبب ثروته ووسامته الشديدة وأسلوبه الناعم في معاملة لج*س الأخر ولكن قلبه لم يعشق غير هذه الع**دة المختلفة بأفكارها عن أي فتاه في طبقاتهم وقد حذرته ساندي أكثر من مرة لكي يبتعد عن وعد بحجة أنها غير مناسبة له بسبب أفكارها المائلة للإشتراكية ولكن قلبه الذي يحترق بسبب عشقها لم يستمع لأي تحذير.
نادت وعد على شهاب وأعلمته أنها مستعدة لمغادرة الحفلة رفع شهاب حاجبيه وهو ينظر إليها وقد ضيق عينيه مستغربا فاحمر وحهها خجلا ترجتها ساندي أن يبقوا بعض الوقت ولكن وعد تحججت بصداع قد أصاب رأسها.
أخذها شهاب وخرح من الحفل وكل العيون مسلطة عليه قاد شهاب سيارته وبجواره وعد وكل منهم غرق في أفكاره الخاصة أخذ شهاب يقارن بين مريم وساندي ووجد الفرق شاسعا فمريم دائما راسية في أفعالها تتمتع بكرامة وعزة نفس رغم أنها ابنة خادمة وذات خجل وجمال طبيعي وبراءة بع** ساندي ابنة الطبقة المخملية حفيدة البشوات التي تتمتع بسلوك مستهتر بعيد عن أي عزة نفس فقد رمت نفسها تحت قدميه لكي ت**ب وده وتلفت انتباهه ولم تحافظ على كرامتها كأنثى او كرامة عائلتها حتى ملابسها الفاضحة التى حاولت بكل الطرق أن تكشف مفاتنها لكي تجذبه إليها ولكنها لم تحصل إلا على احتقاره واشمئزازه وقد أنقذته وعد في الوقت المناسب عندما طلبت منه الذهاب فقد عمل المستحيل حتى يتمالك نفسه لكي لا يصفعها بسبب استهتارها ويظهر لها اختقاره وتجدد داخله حنينه لمريم فكم أراد أن تكون بجانبه لكي يأخذها بين أحضانه لكي يطفيء لهيب قلبه المحترق شعر بحرارة تسري في جسده كالمحموم حاول أن ينفض عنه هذه المشاعر والأحاسيس ويركز على قيادة السيارة.
وعلى الصعيد الأخر كانت وعد منشغلة البال بسبب أدهم فهي تحبه لن تنكر ذلك ولكن كيف السبيل إلى تغيره لقد حاولت المستحيل معه تعلم أنه يعشقها ولكنها لن ترضى به أبدا حتى يتغير ويصبح رجلا يعتمد عليه فقد قارنته بشهاب أخيها فلم تجد أي سبيل للمقارنة فشهاب يعتد عليه وذات شخصية قوية يهابه الجميع وليس مستهتر أو ضعيف كأدهم رغم أنهم من نفس الطبقة ونفس الثروة ولكن تربية شهاب تختلف أشد الاختلاف عن تربية أدهم وقد قارنته أيضا بسيف المستقل عن أهلة الذي بدأ عمله وهو مازال في دراسته وتوقف تفكيرها عند سيف لقد أعجبت به في يوم من الأيام ولكنها تراجعت عندما وجدت مشاعره في اتجاه مريم وأخذت تتساءل بينها وبين نفسها عن مشاعر مريم وأين تتجه؟؟؟
هل ستتجه تجاه شهاب أم سيف؟؟؟
تعلم أن سيف يستطيع أن يستمر بدون مريم أما شهاب فهي تعرفه جيدا أنه لن يذق السعادة في حياته إذا خسر مريم فليته يعلم ذلك ولا يكابر حتى لا تضيع منه ويندم بعد فوات الأوان فساعتها لن ينفعه أي ندم فكيف تستطيع تحذيره؟
انتهت أفكارها عن هذا الحد عندما توقفت السيارة أمام القصر وطلب منها شهاب النزول وهو ساهم في أفكاره هو الأخر وقد توجهت نظراته بدون أي إراردة منه تجاه منزل مريم وأنب نفسه لأنه قد أهانها وألمها قبل أن يخرج فليته يستطيع أن يتنازل ويذهب إليها يعتذر منها على مابدر منه تجاهها ولكنه توجه إلى القصر بخطوات سريعة وكأن الشياطين تطارده.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
خرجت مريم حتى تذهب إلى الكلية وهي م**مة ألا تجعل أي شخص يضايقها أو يهينها مهما كانت مكانته فهي قد رسمت لنفسها طريق وسوف تسير عليه حتى تحقق كل أحلامها وأول هذه الأحلام مغادرة هذا القصر برفقة والدتها وقد أبلغت فاطمة بذلك في الصباح ولم تجادلها فاطمة كعادتها كلما فتحت معها هذا الموضوع بل أخذتها بين ذراعيها وهي تحتضنها والدموع تتساقط من عينيها ولم تنطق سوى بجملة واحدة:
-"سامحيني يا مريم أنا السبب في اللي أنتِ فيه".
تعجبت مريم من موقف والدتها وردت عليها:
-"متقوليش كدة يا ماما أنتٍ عملتي كل اللي تقدري عليه وملكيش ذنب في أي حاجة وأنا فخورة بيكِ".
أفاقت من شرودها على صوت توقف سيارة بجوارها ووجدت شهاب يفتح لها باب السيارة ويأمرها بالصعود ولكنها نظرت إليه بتحدي ورفضت واستمرت في سيرها وسط ذهول شهاب فقاد سيارته بسرعة جنونية وهو لا يصدق ما حدث فقد رفضت ابنة الخادمة عرضه لها بتوصيلها إلى الجامعة وقد نسى في وسط أفكاره أن ابنة الخادمه تملك إحساس كغيرها وظلت النظرة التي رمقته بها تشعل تفكيره طوال اليوم فلم يستطع التركيز في أعماله.
أما مريم فقد شعرت بالراحة بعد أن تحدته ورفضت عرض توصيله لها إلى الكلية فقد تحررت من خوفها منه أخيرا وظلت سعيدة طوال اليوم لأقصى درجة فقد شعرت أنها ردت ولو جزء صغير من كرامتها التي أهانها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ذهبت وعد إلى الكلية وتقابلت مع ساندي التي بادرتها بالقول وهي تنظر لها بخبث:
-''أنا معرفش يا وعد أنت مشيتي ليه بسرعة كدة من عندنا؟ الحفلة كانت لسة في أولها ومشوفتيش بقى اللي حصل بعد ما خرجتِ ماما عايزة أدهم يخطب ورشحتله كام واحدة من اللي كانوا موجودين بعد ما مشيتي".
كانت ساندي تقول لوعد ذلك وهي تنظر إليها لترى رد فعلها ولكنها لم تحصل من وعد عن أي رد فعل فقد تعاملت معها بمنتهى البرود رغم البركان الذي كان يغلي بداخلها ولكنها وجدت ل**نها أخيرا يردد بصوت بارد شعرت أنه ليس صوتها:
-"مب**ك وإن شاء الله ربنا يتمم بخير وهنبقى نحضر الفرح بس أنا عندي سؤال هو بعد ما أدهم يختار عروسة الجوازة هتتم قريب؟"
ردت عليها ساندي بغيظ بسبب أسلوبها البارد:
-"مفيش فرح، أصل أستاذ أدهم باشا ننوس عين مامته مش عاجبه ولا واحدة من اللي كانوا موجودين في الحفلة وخاصة أن الوحيدة اللي عجباه مشيت قبل نص الليل زي سندريلا".
لم تعلق وعد على كلام ساندي فقد فهمت ما تقصد من حديثها فهي تريد أن تضايقها وتستفزها فطلبت منها أن يتوقفا عن هذا الحديث ويذهبا لحضور المحاضرة حتى لا توبخهما المعيدة بسبب التأخير.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ذهب سيف يبحث عن مريم بعد انتهاء المحاضرات واقترب منها بعدما وجدها وبادر بالحديث قائلا:
-"خلاص يا مريوم بكرة انتخابات الكلية لازم تيجي من بدري ومش عايزك تقلقي وأنتِ معايا، كل حاجة هتمر على خير وهنكتسح إن شاء الله".
ردت عليه مريم بحماس شديد وكأنها طفلة صغيرة أحضر لها والدها الحلوى التي تحبها:
-"إن شاء الله، أنا عمري ما قلقت وأنا معاك يا سيف".