الفصل الثالث :
صدفة واحدة لم تكن نخطط لها أو تتوقع حدوثها قد تأخذك لواقع لم تكن تحلم به بأشد أحلامك الوردية حتى .
من كان يتوقع أن يحدث ما يحدث الآن خلال كم ساعة فقط أصبح لها عائلة .. أعمام .. عمات .. وجد وجدة .
كان هذا أكبر من تحتمله وتستوعبه .. كيف ستتقبل كل ذلك .. اين كانوا كل هذا الوقت . لماذا كل هذا الحقد على أمها .. أمها الطيبة التي كانت مثال متجسد للحب والعطاء .. ماذا حدث في الماضي ليكون والدها من الملعونين . وماذا سيحدث الآن ؟
هل تمت مسامحة والدها بحق . هل تم الاعتراف عليهن كبنات لهذه العائلة .. أم هذا كله ردة فعل طبيعية لوجود ولدهم في المستشفى .
ماذا سيحدث ؟ كيف ستجابه كل هذا ؟ هل ستسامح وتنسى ؟
هذا ولم تفكر بعد بقاتل فؤادها ؟ كيف ظهر من العدم وهي التي اتخذت ذكراه منطقة سوداء في بالها واقسمت ألف يمين وحلفان أنها لن تعود لتلك الذكريات .. سوف تقفل عليها بمفتاح وترميه في المحيط . ولكن بمجرد رؤية عينيه نسيت يمينها .. وعادت الذكريات وكأنها لم تحلف على نسيانها .. وكأنها حلفت أنها لن تنسى كل حرف وكل همسة .. كل نظرة . وكأنها أقسمت بأنها لن تنسى كل شعرة شقراء زرعت في لحيته لتكون لعنة لها طول حياتها . وكأن كل ملائكة السماء قالت أمين .
لم تنسى بل ستكون مجنونة أن نسيت .. كيف تنسى الفرح والحب .. البسمة والغمزة .. بالمقابل لن تنسى الحزن والدموع .. كيف لها أن تنسى الصدمة . والشعور بالخيانة .. لا يمكن أن تنسى
عند هذا استعادت قوتها وجبروتها .. لا يمكنها النسيان ولا الغفران .. وإن كان ابن عمها فليحتمل وليكن الله في عونه وعونها على استعادة أنوثتها التي نزفت على يديه .
نظرت للمقعد بجانبها وكان هو قاتلها ومعذبها يقود السيارة ضحكت بتهكم لهذا الوضع الغريب فانتبه على ضحكتها الصفراء فيسألها ( لماذا تضحكين ؟
نظرت له من بين عتمة الليل التي انع**ت على السيارة فلا يمكنها أن ترى ملامحه ولكنها شعرت أنه ممتعض بسبب أسلوبها معه لتقول ( القدر يلعب لعبته بشكل مثير للإعجاب
سمعت تنهيدة منه وهو ينظر لها يحاول أن ينطق بشيء لكنه تراجع بأخر ثانية وهو ينظر لأختيها الصامتتان وعلامات الكآبة بادية عليهم فأثر الكلام مع ريحان ليوجه كلامه لهمها ( هل أنتما متوترتان ؟
أجابته جودي بهدوء مميت ( ليس توتر بقدر ماهو عدم تعود .. لقد عشنا طوال حياتنا لا نعرف أحد سوى العم يحيى وعائلته .. وفجأة تظهر لنا عائلة كبيرة
هز رأسه بتفهم قائلا بصوت أجش يتملكه تعاطف كبير ( معك حق يا .
لتصحح له ( جودي
تنحنح بخفوت ( أسف .. لم أعتد على التفريق بينكما . أحيانا يضطر الإنسان على القيام بأشياء لا يحبها ولكنه مجبور عليها ويجبر نفسه لتكييف معها حتى لو كانت مؤلمة أو أسبابها مبهمة ولكنه لا يملك حل سوى القيام بها .. وأظن عمي كان له أسبابه للمغادرة وجدي يملك تفسير لقيامه بما قام به مع عمي
قاطعته جوري قائلا ( لا يوجد مبرر في الحياة يعطي الحق لأب أن ينفي ولده قرابة الثلاثين عام حتى لو كان ولده قتل أحدهم
ابتسم بألم مجيب ( بل يوجد .. صدقيني ياجوري .. أحيانا كبرياء الرجل يودي به إلى الهاوية .. وتحطيم كل من حوله
سمع ضحكة استهزاء خرجت من شفتي ريحان الجالسة ب**ت تراقب حديثه مع شقيقتيها ف*نهد ب**ت وأصابعه تضغط بقوة على مقود السيارة حتى غادرت الدماء يديه وهو يخاطب نفسه (الصبر يا لله
............................
استندت في الخلف وكلمات ابن عمها تردد في داخلها ( كبرياء الرجل يودي به إلى الهاوية ..
ترى ماذا حدث لابيها .. كيف تخلى عن عائلته ببساطة .. أو ربما لم يكن ببساطة كما تعتقد . لقد كان حزين طوال عمره وحزنه تضاعف عندما ماتت أمها .. لكنها اليوم رأته يضحك . عيناه تضحك وقلبه يرفرف .. لقد شعرت بسعادته .. شعرت بأمها سعيدة لأنه سعيد . تكاد تقسم أنها رأت أمها معهم في الغرفة تبتسم وهي تمسح دموعها فحبيب قلبها عاد لعائلته . مسحت دمعة فرت منها لتنهر نفسها بشدة ( كفى جودي كفى
تن*دت بيأس قائلة ( لماذا أخذت مني أمي يا الله
أفاقت على يد شقيقتها التوأم وهي تبتسم لها بحب فبادلتها الابتسامة واستمرت بال**ت تراقب الطريق من حولها وتتحضر لمقابلة العائلة التي لا تعرف عنها شيء .
اقتربت منها جوري تهمس في أذنها ( هل انت خائفة
ابتسمت لها بتوتر ( أبدا .. لكنني أتوقع أنك الخائفة يا نصي الحلو
ضحكت جوري بخفوت وهي تهمس مرة أخرى ( هل ما زلت تتذكرين هذا اللقب
عبثت جودي ب*عر أختها مجيبة ( ولن أنساه أبدا
تن*دت ب**ت وهي تضم توأمها لص*رها قائلة ( لا تخاف جوري . أصبحنا نملك عائلة وهذا شيء مفرح ..يكفي أن نفرح لفرح والدنا وسعادته
ابتسمت بسعادة خالصة ( لقد كان قلبه يضحك بجدي وجدتي
ضمتها جودي أكثر ( معك حق .... اتمنى أن تبقى تلك الضحكة رفيقة روحه
.....................
كانوا بالسيارة الأخرى يعم ال**ت حولهم ربما كان احتراما للموقف .. أو كان محاولة لاستيعاب ما يحدث وهذا الكم الهائل من المفاجآت التي حدث من ساعات قليلة .
كلٌ منهم غارق بأفكاره وهو يضع احتمالات لما حدث وماذا قد يحدث حتى نطق عامر وهو يتن*د بتعاسة ( كم هو مسكين أدهم
لم يجبه أحد ماعدا حسام الذي نطق بتن*د والغصة تحرق قلبه ( من كان يعتقد أن أدهم سيواجه كل هذا
ابتسم أيهم بحزن وهو يسند رأسه على زجاج النافذة غير عابئ بالمطبات التي تتعرض لها السيارة بكل ثانية ( أخي الصغير .. لطالما كان حالم .. يحب الضحك والمزاح
نظر لزياد الجالس بقربه في الخلف وربت على قدمه بحنان ( أنت نسخة منه زياد . بمرحك .. بجدك .. بتفهمك .. بغضبك .. بكل شيء .. كنت تحمل روحه بجسدك هذا سبب دلال أمي الزائد لك . لقد كانت ترى أدهم فيك . تظن أنها تعوض حرمانها له بدلالك
مسح دمعة هربت من عينيه وهو يستمع لكلام شقيقه البكر وهو يقول ( كنت أراها دائما تبكيه تقلب بين صورة وعندما تلمحني تحتضني وتبكي فقط .. كنت أسمعها تقول يا من جمع أدهم بزياد أعد أدهم لي
لم أفهم كلامها بكثير من المرات .. كنت صغيرا عندما غادر أدهم البيت وكنت حزين لأجلها هي فقط . بسبب دموعها التي لم تجف يوما
هز أيهم رأسه بحزن وهو يخبرهم ( كان مدللها وعندما غادر غادرتها السعادة . حتى أبي عندما ذهب أدهم أصبح أكثر حزنا وقسوة . لقد كان غياب أدهم الض*بة القاسمة له
عاد ال**ت للجميع مرة أخرى ليقول حسام ( ما صدمني أكثر أن فرح ماتت دون ان نعلم ومنذ 14 عام
أجابه عامر ( لقد كان يعشقها بشكل كبير
ضحك بحزن وهو يتابع ( هل لاحظتم التوأم وكأنهم فرح بحسنها وجمالها
ليضحك أيهم بخفة ( حتى ريحان تحمل جيناتها حركاتها وردود أفعالها مثل فرح بالضبط
نقر حسام بأصابعه على مقود السيارة وهو يقول (لهذه الدرجة وصل بك العشق يا أخي
ابتسم زياد وهو يسأل ( هل كان حبا كبير ؟
أجابه عامر ( بل قل كان هيام كبير . لقد هزت كيانه بشكل رهيب .. أتعلم يا زياد ماذا كان يقول لنا ؟
**ت زياد ليسمع وأيهم أكمل الجملة مع عامر بصوت واحد ( أنا منغمس تماما بفرح
اسند زياد رأسه للخلف وهو يقول ( ليرحمها الله ويصبر قلب أدهم وقلب بناته
هز الجميع رؤوسهم وهم يدعون بالرحمة لها حتى قال حسام( لقد كانت فكرة إرسال أركان معهم فكرة جيدة . هكذا سيشعرون أنهم بين عائلة
ابتسم زياد بمكر وهو يجيب وضحكة خفية ترتسم على محياه ( أركان من أيامه وهو صاحب واجب
.........................
لقد مرت منذ قليل على هذا البيت ولكنها كانت غريبة أما الآن فهي من أصاحبه باعتراف أصحابه .. كانت تسير ببطء وبجانبها أختيها . لم يكونا خائفتان بل مترقبتان . ابتسمت بتوتر وهي ترى أعمامها عند باب البيت ليدخلوا جميعا . مشيا بنفس الطريق الذي مشت به منذ 3 ساعات ولكن هذه المرة مع عائلتها . شقيقاتها انتشلتها جوري من أفكارها ( هذه هي شجرة الليمون
أجابها عمها أيهم ( هل تعرفين قصة هذه الشجرة يا صغيرة
أومأت بخجل دون أن تجيب ليقترب منها أيهم وهو يقبل قمة رأسها ( هيا صغيرتي لا تخجلي .. نحن مثل والدك بالضبط عليك أن تتعاملي معنا مثلما تتعاملي مع والدك ولا تخجلي أو تتردي بأي شيء
لتظهر اعتراضات زياد بشدة وهو ياخذها من أحضان أيهم ليقبل وجنتيها ( قال والدها قال . انظري صغيرتي اعتبري هؤلاء العجائز مثل والدك .. لكن أنا مثل صديقك .. أو أخيك لا بأس
لتعلو ضحكات الجميع وحسام يقترب منها ( لا تستمعي له عمك هذا مخبول وفي كثير من الأحيان يتصرف كالأطفال الصغار
انتهى