الفصل الرابع :
دخلت لغرفتها تجر قدم وراء الأخرى تشعر بأن روحها سلبت منها أو بالأصح لقد كانت روحها مسلوبة وهي الآن تعيش تبعات هذا السلب والألم .
لم تكن تعتقد طوال حياتها أن وجع الروح يسبب كل هذا الألم .. ألم لا يمكن لأي نوع من الأدوية إخماده .
وكأنه نيران أضرمت في حقل واسع من القش وفشلت السيطرة عليها .
وهي كانت هكذا لا يمكنها السيطرة على نيران قلبها . لم تستطيع بأي شكل من الأشكال أن تنسى وكيف لها أن تنسى .
وفي كل لحظة ترى ما حدث وكأنه شريط فيلم تم تشغيله أمامها .
حاولت كثيرا أن تتجنب الجلوس لوحدها رغم أن التواجد مع حشد كبير يؤلمها ولكنه يبقى ألمه أخف من ألم البقاء وحدها .
اقتربت من المرآة الكبيرة التي غطت باب الخزانة بشكل كامل تتأمل شكلها . علامات البؤس محفورة بنظراتها .
شفتاها ترتجفان دون إدراك منها . الابتسامة نسيت الطريق إلى قلبها . ذلك اللون الأخضر في حدقتيها تحول لون باهت وكأن حدقتها جفت منذ أمد لتختفي اللمعة منه .
تمتمت بوجع ويدها مكان قلبها (| أرجوك توقف عن النبض وأرحني
لتسير مبتعدة عن مرآتها تتخذ سريرها محطة نهائية ليومها تتمدد ببطء لتأخذ وسادة تحتضنها وتريح رأسها على الوسادة الأخرى وذكرى ما حدث اليوم تعود لها عندما دخل أركان وهو يصرخ باسمها .
لقد شعرت بأن الأرض تدور حولها وكأن نهايتها أوشكت .. دبّ الرعب في أواصلها بسبب صراخه العالي وسكنتها الرجفة وهو يقترب من الغرفة يصرخ ( رفيف .. رفيف
ابتعدت تلقائيا للخلف وكأنها تحمي نفسها من اللاشيء رغم معرفتها بأن أركان لم ولن يكن ليؤذيها ولكنها لم تتحكم بردات فعلها بسبب صراخه العالي .
انكمشت على نفسها وأركان غافلا تماما عن ردة فعلها ليتمتم بأشياء لم تفهمها ولم تستمع لنصفها .
كانت بحاجة لمنقذها الآن . نظرت باتجاه الباب وعيونها تتساءل عن مكانه ليظهر وهو يتبع ابن عمها ليرتاح قلبها وتهدأ مخاوفها.
تستقبل أحضانه برحابة ص*ر وهو يلمس شعرها بحنان أبوي خالص ويهمس باذنها ( لا تخافي حبيبتي أنا هنا
أومأت ب**ت لتعود للواقع على ضحكات أركان وهو يخبرها أن عمها سمح لبنات عمها بقول كلمة عمي له .
ابتسمت ابتسامة مهزوزة لتدرك الوضع وسبب صراخ أركان وتتعلق بزياد أكثر وأكثر وهي تقول بنبرة شبه باكية ( حقا زياد !
ليقبلها بقمة رأسها قائلا ( لا تغضبي مني يا محبوبتي .
ابتسمت من بين دموعها وهي تمتمت بالشكر على نعمة وجود زياد في حياتها .
لتضم الوسادة بقوة لص*رها وتبدأ بالبكاء ال**ت كما اعتادت تاركا ضوء غرفتها مضاء كما اعتادت ان تفعل منذ أن حدث ما حدث .
............
هل يكون سعيد أم خائف ... هل ما يحدث في قلبه الآن تعبيرا عن الفرح أم التوتر .
لماذا يشعر بأن شيء سيئا سيحدث .. رغم أن ما كان يتمناه قد حصل . تلك اللئيمة أصبحت في بيت واحد معها .
هو وهي تحت سقف واحد . يتنفسان ذات الهواء .. يأكلان نفس الطعام .. وربما يشرب من نفس الفنجان الذي شربت منه اليوم .
يضع يده مكان موضع يدها . شفاهه تلامس حافة الفنجان مثلما لامست شفاها منذ قليل .
نهر بنفسه بعنف وهو يضع قميصه على الكرسي بعد أن خلعه ويجلس على حافة سريره ليقول ( ما بك أركان هل وصل بك الحال أن تحسد الكؤوس والأواني
رمى نفسه بتعب للخلف نصف جسده يستلقي على السرير وقدماها ما زالت على الأرض واضعا ساعده على جبينه ( اعترف أنك اشتقت لوصالها حتى لو كان عن طريق تقبيل حافة الفناجين التي تستخدمها
ضحك بخفة ليرفع جسده للأعلى قليلا والسرير يستقبل جسده كاملا وهو ينقلب على جانبه الأيمن مطلقا تنهيدة طويلة وعلامات لتفكير بادية عليها وتلك المشاعر تعود لتهاجمه .
عندما دخلت لتجمعهم أعادت الروح إليه وقلبه يرفرف بسعادة . انقلب لجانبه الأيسر متمتا ( كانت مثل الحورية التي تتكون من خيالك في لحظات لتظهر بأبهى حلة
ابتسم مرة أخرى لتنطلق ضحكته باستهزاء ( لقد أصبحت مجنونا رسميا كما قال عمي منذ قليل
اعتدل في جلسته وهو يضع الوسادة بين قدميه ويتكأ عليها والحقد ارتسم في ملامحه وكلمات زياد تعود لذاكرته ( هل جننت يا ابن أخي
ابتسم زياد بمكر وهو يراقب ابن اخيه بفضول كبير ليعيد كلامه: لا تهتم كنت أقول أن الطقس جميل اليوم
ليتن*د أركام بنفاذ صبر لثوان ثم عاد فيسأل عمه
وهو يسأله لماذا لينطق زياد بمكر مستأصل في جوارحه ( كنت تبتسم وعيناك مغمضة . وكأنك التقيت زائر أطال غيابه عنك
كح بتوتر وهو يعدل من جلسته ونظرات ريحان تخترقه وعلامات الاستفزاز تزحف لها .
كم تمنى أن يخنقها ويخنق عمه معها . عد للعشرة قبل أن يتن*د قائلا ( لا شيء عماه لكن مذاق القهوة داعب خلايا رأسي
ارتبكت لقد اصطادها وهي متوترة ليضحك بخفوت معلنا انتصاره وأنه فاز بإصابة محققة ف*نتقل ابتسامته تلقائيا من ذاكرته لوجهه فيحتضن وساده بحب وهو يعود للاستلقاء من جديد ( حسنا ريحانتي . لدينا معارك كثيرة .. لكنني سأنتصر في النهاية
................
وقفت تتأمل النجوم في كبد السماء .. رغم قلة عددها لكنها واضحة لها . حتى القمر اختفى فكرت بتأمل . من اين هذا الضوء إذا القمر متواري عن الأنظار .
ابتسمت بهدوء وهي تراقب الحديقة من الشرفة الداخلية لغرفتها لقد كانت متناثرة الورود .
شكرت الحاجة أم أحمد بسبب اختيار هذه الغرفة لها . فكل ما كنت تحتاجه شرفة تداعبها نسمات الهواء .
ويداعب جسدها الغض لتشعر بالنشوى تتملكها وهي تبتسم بانتصار .
جلست على حافة الشرفة تسند رأسها على الجدار لتخرج سيجارة من علبة السجائر التي تمسكها بيدها وتشعلها في تلذذ و**ت وأذنها تطرب بأصوات الليل والهدوء .
أسندت رأسها للجدار مغمضة عينيها والسيجارة الرفيعة تتدلل بين أناملها . وتفكيرها يعود لما حدث اليوم . لقد كان يوما ملحميا بامتياز .
والدها ثم عائلتها .. كل شيء كان جديد عليها .. لقد أصبحت تمتلك عائلة . ابتسمت بسعادة لم تستطيع أن تسيطر عليها وهي تتذكر حضن عمتها . وكلماتها الحانية وهي تودعها للنوم لقد ذكرتها بوالدتها .
وزوجة عمها الحنون وهي تخبرهم أنها أشرفت بنفسها على ترتيب الغرف لهن .
لقد كانت شاكرة وممتنة . لأول مرة منذ وفاة والدها تشعر بالحب ينتشر بالأجواء .
ليس حبا أبويا كما اعتادت هي وأخوتها أن تتلقاه .. بل هو حبا أموميا لطالما تمنته . لقد رأت حنان وعطف لم تلمسه بوالدها من قبل .
ربما هي جينات الأنثى التي تختلف عن الرجل فتمنح حنانها نكهة خاصة .. أو ربما هو شعورها بالنقص .
كل ما تعرف أنها شعرت بالراحة معهم . حتى أعمامها كانوا طيبين . يشبهون والدها بشكل أو أخر .. تمتلك أولاد عم وابن عمة ايضا .
ابتسمت بسعادة وملامح الألم تخالط سعادتها وهي تحادث نفسها ( أليس هذا ما تمنيته طوال عمرك . لماذا قلبك يؤلمك إذن
أخذت نفسا أخر من السيجارة التي لم تنطفئ بعد حتى سمعت صوت طرقات الباب وشخص ما يدلف للغرفة .. ابتسمت بخبث وهي تعلم هوية المختلس لتقول بصوت مرتفع قليلا ( أنا هنا . تعالي
وبالفعل تقدمت المختلسة لتقترب منها وهي تراقب الحديقة من الشرفة لتقول بسعادة ( غرفتك جميلة والشرفة أجمل
استقامت واقفة لتقترب من أختها وتستند على سور الشرفة قائلة ( لقد أحببتها جدا ... كيف هي غرفتك
**تت الأخرى وهي تداعب أوراق الزهرة التي استقرت قرب السور لتجيبها ( جميلة وقريبة منك
لم تجبها حتى أكملت ( ألن تنامي
استقام ظهرها وهي تطفئ السيجارة بطرف السور ( في الحال . لكنني كنت بحاجة للتدخين
لتمتعض شقيقتها قائلا بتبرم ( متى ستقلعين عنه
ضحكت أختها وهي تدفعها لخارج الغرفة ( في يوما ما ... اذهب لغرفتك بسرعة
فتغلق الباب متوجهة للسرير تغط في نوم سريع من فرط التعب وكل ما حدث اليوم .
...........
أغلق حاسوبه بعد عدة أبحاث مطولة وزيارة لكثير من الصفحات التي تتحدث عن الهلع والخوف ..
لقد جلس منذ أكثر من ساعة أمام هذا الشاشة الصغيرة يحاول معرفة ما يحدث . بالأصح لماذا يحدث .
بعد ساعة كاملة من البحث بين صفحات بلغات مختلفة التي استطاع أن يصل إليها .
لم يصل لنتيجة ترضي فضوله وتهدأ قلبه .
أغلق شاشة الحاسوب دون أن يكلف نفسه عناء إغلاقه ليتن*د بتعب وملل ( ما كل هذا .. هناك ألف سبب للهلع والخوف . كيف سأعرف أسبابها هي
فرك ما بين عينه بطرف أصبعيه بتعب ليستقيم مبتعدا عن الطاولة يجوب الغرفة بتوتر يسند يديه على خصره ( ماذا سأفعل . ما هي الطريقة
بقي على حاله عشر دقائق دون نتيجة تذكر ليرمي نفسه على السرير وهو ينفث بغضب ( كم أتمنى أن أغور في أعماقك لأعرف سبب خوفك الكبير . فأقتلعه من جذوره لتعود الابتسامة لشفتيك و أرى النعناع بعينيك من جديد فيهدأ قلبي وترتاح روحي
ابتلع طعم المرارة بحلقه وهو يسند رأسه بين يديه وما حدث اليوم يعود لباله من جديد خوفه ا يحطمه . ارتجافها يكاد يفتك به .
كان يراقبها من بعيد وهي خائفة لم ينتبه أحد منهم إليها كما هي العادة إلا هو كان يراقب ب**ت .
لا يمكنه التقدم ولا التراجع وكأنه بين نارين ..
.