الفصل الخامس
بعد يومين
عاد والد ماريه من الخارج في المساء بعد عودتها من مدرستها فكانت هى و فاتن تتساعدان في تحضير كل أصناف الأطعمة التي يحبها يحيى احتفالا بعودته سمعت ماريه جرس الباب و هى تضع الأطباق على الطاولة فأسرعت لتفتح الباب للقادم و هى فرحة ” بابا حبيبي “ ألقت بنفسها بين ذراعيه تحتضنه بقوة تستشعر وجوده بجانبها تتشمم رائحته التي اشتاقت لها كثير و تشعرها بالأمان و أنها ليست وحيدة في هذا العالم بعد وقت طويل من غيابه عنها ” وحشتني اوي يا بابا “ كان يحيى قد نحف كثيرا و ظهر على وجهه الإرهاق
خرجت فاتن من المطبخ تعاتب ماريه ” مارو حبيبتي خلي بابا يستريح الأول من السفر زمانه تعبان “
نظر يحيى لفاتن و هو مازال يحتضن ابنته بحب ” أزيك يا فاتن انتوا كويسين عملتوا ايه من غيري طول الفترة إلي فاتت “
أحمر وجه فاتن و هى تقول ” الحمد لله يا أستاذ يحيى أحنا بخير و ماريه بخير و هتكون أحسن بوجود حضرتك إن شاء الله “
تقدم يحيى و هو يضع ذراعه حول كتفي ابنته من طاولة الطعام يتشمم الرائحة الطيبة ” الله ريحة الأكل تجنن وحشني أكلك يا فاتن تعبت من أكل العيانين إلي كنت بأكله في المستشفى “
قالت فاتن بخجل ..” و الله يا أستاذ يحيى دي مارو هى إلي عملت كل ده و تعبت أكتر مني و عملت كل إلي حضرتك بتحبه “
أجاب يحيى باسما ” طيب أنا هغسل أيدي و أجي على طول أنا مش هقدر أستني أكتر من كده “
ضحكت ماريه ” ماشي يا بابا بسرعة أحسن أخلص الأكل كله قبل متيجي “
نظر يحيى لجسد ابنته الضعيف بعتاب و هو يمسد شعرها بيده ” لأ م هو باين أهو أنك بتأكلي كويس يا مارو “
أخفضت ماريه عينيها بخجل و هى تقول بارتباك ” يا بابا مهو ...“ قاطعها يحيى قائلاً بهدوء ” خلاص يا حبيبتي أنا رجعت و كل حاجة هتتغير أكيد “
قبلته ماريه على وجنته و هى تدفعه للصعود للأعلى ” طيب يلا غير هدومك و تعالى بسرعة “
صعد يحيى إلى الأعلى لتبديل ملابسه فنظرت ماريه لفاتن
” شكله تعبان قوي يا فاتن شوفتي خسر من وزنه كتير إزاي “
قالت فاتن لتطمئنها ..” متقلقيش يا حبيبتي إن شاء الله هيكون كويس و أنا و إنتي هنخلي بالنا منه أتفقنا “
ماريه بابتسامه ” أتفقنا “
نزل يحيى ليجد ماريه تجلس على طاولة الطعام تنتظره فقامت من مكانها لتعدل وضع مقعد والدها جلس يحيى و هو يلتفت حوله بتساؤل ” أمال فين فاتن “
ماريه بابتسامه حالمة بتمني ” في المطبخ يا بابا “
قال يحيى بهدوء ” طيب يلا قومي نديها عشان نتعشى “
نهضت ماريه بفرح متحمسة ”'حاضر يا بابا حالا “
اتجهت للمطبخ وجدت فاتن تقوم بترتيب بعض الأغراض في أماكنها احتضنتها من الخلف و هى تقول ” بابا بيقول يلا عشان نتعشى سوا “
قالت فاتن بارتباك قائلة بخجل ” لأ يا حبيبتي مفيش داعي أكون موجوده معاكم النهاردة زمان بابا واحشك أكيد عندك كلام كتير عايزين تقولوه لبعض مفيش داعي أكون موجوده عشان تاخدوا راحتكم في الكلام “
قالت ماريه بعتاب ” برضوا كده يا تونه هو في أسرار بينا و أنا كل حاجة بقولها ليكي “
أمسكت يدها لتخرجها من المطبخ ” يلا أحسن بابا يزعل منك “ خرجت كلتاهما من المطبخ فنظر يحيى لفاتن ” ايه يا فاتن مش عايزه تتعشي معانا و لا ايه و هو إذا حضرت الشياطين “
أحمر وجه فاتن الأبيض و أتسعت عينيها الخضراء فيحيى يتعمد إحراجها فقط ليري احمرار بشرتها التي تشبه الحليب الصافي رغم تخطيها الاربعين بسنوات إلا أنها تظهر وكأنها في الثلاثين
شرد يحيى في أيام زواجه الأولى من والدة ابنته ماريه و كم كان سعيدا معها فهى كانت حب حياته منذ أيام الجامعة و ما أن أنهى جامعته حتى تزوجا سريعًا لقد ساندته كثيرا في بداية حياته و سعيه في تحقيق ذاته و حفر مكان له و ترك ب**ته في مجال الهندسة المعمارية و لكنها لم تكد تفرح معهما و أختارها القدر لتتركه و ترحل تاركة إياه و ابنته ذات السبع سنوات وحدهما يتخبطان و يعانيان من الوحدة لو لا دخول فاتن حياتهم لا يعلم كيف كان سيتعامل مع حزنه و ابنته في ذلك الوقت فهى و كأنها أرسلت نجده لهم من السماء عاد على صوت فاتن و هى تجيبه ” لا أبدا يا أستاذ يحيى أنا قلت اسيبك مع مارو لوحدكم أكيد في كلام كتير عايزين تقولوه “
يحيى بعتاب ” يا فاتن إنتي واحدة مننا أنتِ أم لماريه أنتِ إلي مربية مارو و علمتيها الصح من الغلط زي أي أم ما متربي بنتها “
جلست فاتن على المقعد بجوار ماريه و قامت بمليء طبق كبير من جميع أصناف الطعام الموجودة و وضعتها أمام يحيى ” طيب يلا اتفضل ده من أيدي يارب يعجبك ماريه هى إلي طابخه معظم الأكل النهاردة “
أنهى يحيى طعامه و هو يقول برضى ” تسلم ايدك يا مارو يا حبيبتي و الله بقيتي طباخة شاطرة “ نظر لفاتن بامتنان ” و البركة طبعا في فاتن هى إلي علمتك مش كده “
ماريه بفرح مستمتعة بجلوسها مع أحب اثنان على قلبها ” أكيد طبعاً يا بابا هو في غيرها يعلمني و يوجهني “
قال يحيى شاكرا ” شكرا يا فاتن على كل حاجة علمتيها لماريه و كل حاجة عملتيها لينا “
ردت فاتن بحرج وخجل ” يا أستاذ يحيى لسه من شويه بتقول أن ماريه بنتي في بنت بتشكر أمها على اي حاجة علمتهلها أو عملتهلها ماريه بالنسبالي العوض إلي ربنا بعت هولي عشان يصبرني على فراق ابني هشام الله يرحمه “
يحيى و هو ينهض ” الله يرحمه يا فاتن و يرحم اموتنا “
التفت لماريه ” مارو حبيبتي أنا طالع أوضتي استريح شويه من تعب السفر “
قبلته ماريه على خده ” اتفضل يا بابا ألف حمد لله على سلامتك ربنا ميحرمني منك أبدا “
ربت يحيى على خدها ” ولا منك يا حبيبتي يلا تصبحوا على خير “ ماريه و فاتن ” و أنت من أهله “
صعد يحيى تحت نظرات محبه من كلا الواقفتان و لكن لكل منهما محبه مختلفة عن الأخرى احتضنت ماريه فاتن قائلة
” الحمد لله “
★**
صعدت ماريه حافلة المدرسة في اليوم التالي تكاد تطير فرحا كانت الحافلة منتظرة و قد سبقتها شهيرة بالصعود كانت صديقتها تجلس مكانها ابتسمت في وجهها ” صباح الخير يا شوشو “
شهيرة قائلة بمرح” صباح النور يا حبيبتي خير مالك فرحانه اوي كده عند الصبح “
ماريه بابتسامه مرحه ” يويو حبيبي رجع أمبارح بالليل و هو بقى كويس أنا مش مصدقة نفسي “
ضغط وحيد زمور الحافلة قائلاً بحدة فهو سمع حديثها لا يعرف لم شعر بالحنق من الأمر هؤلاء الفتيات وقحات حقاً تتحدث هكذا عن حبيبها بدون خجل أمام الجميع ” لو سمحتي ممكن تعدي مكانك عشان نتحرك معندناش اليوم كله “
ارتبكت ماريه و هى تجلس على مقعدها بجوار النافذة كما تعودت قائلة بخجل ” أسفه “
تحرك وحيد و هو يزفر بغضب لا يعلم لما كلما راها ينقبض ص*ره و يشعر بالخوف و الترقب يخاف تعلقه بها و يترقب رؤيتها كل صباح ، هى هذه الفتاة الهادئة التي لا تنظر تجاهه أبدا كما تفعل باقي الفتيات ماريه اسم جميل يليق بها ، و من هذا يويو الذي تتحدث عنه بكل هذه اللهفة ؟ تذكر ش*يقته سمر وهى تلقبه بنفس الاسم متخيلا أنها تخاطبه هو و تصفه هو بحبيبها أغلق عينيه لحظه ثم فتحها و هو يض*ب موقد الحافلة بخفة هل جن أم ماذا أفق يا وحيد فالفتاة في عمر سمر ش*يقتك هى مازالت صغيرة و أنت تتخيلها تحبك يا أ**ق أليست الفتاة التي أراد أبيك أن تتزوجها في مثل عمرها فثارت ثائرتك على أبيك أنك لا تقبل الزواج من طفلة ما الذي حدث إذا هل تبدلت مبادئك أم تبدل قلبك ...كٌف ... كٌف الأن عن النظر إليها أنت سائق الحافلة الذي يعمل مؤقتاً مكان العم توفيق لمدة شهر أو أكثر سترحل من هنا يوماً و ستترك كل شيء خلفك نظر إليها في المرآة وجدها تنظر في الخارج و وجهها أحمر لا يعلم هل هو خجل أم أنها تبكي ...تبكي لماذا هل قولت أو فعلت شيء يغضبها ... أوقف وحيد الحافلة أمام المدرسة داعياً الفتيات للنزول ” يلا أتحركوا عشان التأخير كفاية كل يوم واحده فيكم تطلعلي بمشكلة تأخرنا “
فتح وحيد بابه لينزل منتظرا خروج الفتيات من الحافلة حتى يرحل و يأتي في موعد الخروج ... تقدمت سمر و هى تحمل حقيبتها تراه واقفا يضع يده في جيبه سرواله الجينز الضيق و قميصه الأزرق الذي يظهر عضلات جسده تن*دت بحب فش*يقها وسيم حقاً ابتسمت بخبث كان الله في عونك يا أخي ترفض واحدة فقط صغيرة لتجد حولك أكثر من واحدة تنظر إليك بافتتان غمزت له بعينيها تبتسم بمكر و هى تدخل مع الفتيات فهو قد أوفى بوعده لها و أتى بها لمدرسته عوضا عن مدرستها التي كانت تضايقها فيها الفتيات فأبتسم لها رافعا عينيه للسماء يأسا من جنونها شاهدت شهيرة ما حدث فوكزت ماريه بجانبها تشير بعينيها لوحيد الواقف منتظرا ” بوصي البنت دي الي هناك بتغمزله و هو بيضحك لها “
قالت ماريه بتساؤل و عدم فهم ” تغمز لمين “
شهيرة ” للسواق وحيد هيكون مين يعني “
فغرت ماريه فاها ” ايه “
دخلت كلتاهما المدرسة و شهيرة تمسك بيدها ” تعالي هوري هالك “
قالت ماريه بضيق و هى تخلص يدها من يد شهيرة ” مش عايزه أشوفها و أنا مالي بيها تغمزله و لا حتى تضحكله و أنا علاقتي بيه ايه أساسا وأنا يهمني ف إيه عشان أهتم بحاجة زي دي ده حتى سواق في مدرستنا مش أكتر “
تعجبت شهيرة من انفجار صديقتها الهادئة بطبعها تنفي بكل قوة عدم اهتمامها بما حدث ... شهيرة بهدوء و هى تنظر لماريه بتفحص قائلة ” طيب خلاص أنا أسفه أني أزعجتك أنا عارفه يا مارو انك مش بتهتمي بحاجات البنات التافهة دي “
لمعت عيني ماريه بالدمع لا تعرف لم تشعر بالاختناق اليوم رغم أنها كانت سعيدة عند الصباح بعودة والدها ...” خلاص يا شهيرة محصلش حاجة “
شهيرة و هى تنظر لعين ماريه اللامعة بالدمع بذهول و هى تقول ” ماريه أنتِ؟! ...“ تركت ماريه حقيبتها فجأة و هى تندفع قائلة ” دقيقة و راجعه مش هتأخر يا شهيرة “
ذهبت ماريه للمرحاض و هى تتمالك نفسها حتى لا تنفجر بالبكاء فتتورم عيناها و يحمر أنفها كما يحدث معها دوما إذا نزلت حتى دمعه واحدة .. فتتغير ملامح وجهها كليا ظلت تغسل وجهها بماء بارد لتهدأ و لا تتساقط دموعها فتعرف صديقتها و تتسأل لماذا ؟؟
عدلت حجابها و خرجت لتذهب لشهيرة المنتظرة
*************※************※******