امرأة غريبة جدا
بعد قليل من السير وجدا امرأة تتشح بالسواد تقا**هما فى الطريق تقود سيارة وتنظر اليهما فى تدقيق فسألتاها عن الطريق للعودة الى مدينة الفيوم
فارتابت فى أمرهما ومظهرهما الغريب والملابس الرثة التى يرتدونها وشعرهما الذى تغطر بوشاحين غريبين كانا قد عثرتا عليهما فى منزل الصياد.
قالت المرأة:
أريد أن أعرف قصتكما بصدق قبل أن أدلكما على الطريق فجلسن جميعا على نخلة ملقاة فى الصحراء وشرعتا فى الحديث
بعد أكثر من ساعة كانت تستجوبهما حتى صدقت ما قيل لها أخبرتهما أنها صحفية وجاءت لعمل تحقيق صحفى عن الفتاتين المفقودتين فى الرحلة المدرسية فحمدتا الله على بارقة الأمل التى لاحت لهما.
تصاريف القدر
أخذت الصحفية البنتين الى سيارتها وعادت بهما الى الفندق الذى نزلت فيه ليبيتان الليلة ويسافروا جميعا من غدهم عائدين الى القاهرة فى الصباح.
وفى اليوم التالى أخبرتهما أنها سوف تكتب التحقيق الصحفى المطلوب منها أولا وتسجل بصوتهما ما حدث قبل أن تأخذهما الى القاهرة فظهر عليهما علامات الضيق والتبرم ولكن لم يكن أمامهما غير الإنصياع لأمرها ولا سيما أنهما لا تملكان حل آخر.
مرت الساعات وهى تكتب حتى بدأت الشمس فى المغيب وكن قد أعددن أنفسهن للرحيل وركب الجميع فى السيارة التى كانت تسير مسرعة تقطع الأميال فى دقائق متجهة الى هدفها بالقاهرة ولكن فجأة سمعوا صوتا مدويا تحت عجلات السيارة وكأنه صوت عظام تتهشم فخافت الفتاتان وصرختا ولكن الصحفية سارت بالسيارة مبتعدة خوفا أن يراها أحد ولم تنوى العودة أو التحقق مما صدمت بالسيارة.
خافت الفتاتان منها جدا وبدأتا فى الاضطراب واعلان رغبتهما فى النزول من السيارة والبكاء وكان الطريق كان قد بدأ يتضح معالمه ويبدوا وكأنه طريق زراعى سريع.
فى النهاية وبعد إلحاح نزلت الفتاتان من السيارة وغادرت مسرعة فى طريقها وظلتا معا وحدهما فى الطريق فى انتظار أحد السيارات المارة للركوب معها.وبعد نصف ساعة فوجئت الفتاتان بسيارة أخرى مسرعة ما لبثت أن صدمت أميرة فسقطت على الأرض مضرجة فى دمائها بينما ابتعدت السشيارة تاركة الفتاتين فى وضع مخيف ومحزن لا يحسدا عليه وكانت آية تصرخ:لا لا تتركينى وحدى أميرة أميرة ماذا أفعل ياربى هنا الآن وتبكى فى جزع شديد
بعد أكثر من ساعة مرت سيارة خاصة يقودها رجل فى الستين من عمره يرتدى بدلة يبدوا عليه أنه من الطبقة الراقية فى المجتمع فتوقف لهما حين أومأت آية له للوقوف ثم استأذنته أن يقلهما الى القاهرة اذا كان متجها إليها وقتوسلت إليه أن يفعل شيئا لهذه المسكينة التى صدمتها السيارة بلا رحمة ففكر قليلا ثم قال:
لا مانع هيا هيا عاونينى لنرفعها من على الأرض ونصطحبها إلى المستشفى.
وفعلا وضعاها فى الكرسى الخلفى للسيارة وركبت آية فى الأمام معه
وفى الطريق سألته آية هل صادفت حادثا او ما شابه قبل قليل فقال أنه شاهد ذئبا ملقى على الطريق يبدو أنه لقى مصرعه تحت عجلات إحدى السيارات المسرعة فارتاح خاطرها وتأكدت أنه الحادث الذى أرعبهما وهما مع الصحفية المسرعة وحمدت الله أنه ليس انسان اذا لظلت طول العمر تذكر هذا الحادث
كان صاحب السيارة طبيبا يدعى دكتور محمد الشيخ عائد الى القاهرة بعد أن أنهى مهمته فى أحد مستشفيات الفيوم حيث قام بإجراء جراحة قلب مفتوح عاجلة لأحد ابناء المدينة وكان قد تم استدعاؤه لهذا الغرض من القاهرة بالأمس.
والفتاة بدورها أخبرته قصتهما بعد أن اطمئنت الى أنه صادق ولن يؤذيهما وقد تذكرت عندئذ أن الله استجاب دعوتهما ونجاهما على يديه.
وفى الطريق وبعد وصولهما إلى أول مستشفى توجه الطبيب وعه الفتاتين اليها مسرعين وطلب من الطوارىء حمل الفتاة المصابة إلى الداخل وأفهم إدارة المستشفى أنه طبيب ويرافق حالة مصابة صدمتها أحد السيارات عثر عليها بالطريق أثناء عودته من الفيوم وفعلا تم إدخال البنت لحجرة العمليات على الفور ودخل أطباء النوباتجية معها لعمل اللازم كما دخل معهم دكتور محمد عارضا مساعدتهم إذا تطلب الأمر ‘ مرت عدة ساعات وتم إجراء ثلاثة عمليات جراحية لأميرة من ضمنهم عملية بتر للقدم اليسرى إنقاذا لحياتها بعد أن حدثت تهتكات ونزيف شديد من أحد شرايين الفخذ الرئيسية ومرور وقتا على الإصابة كان طويلا نسبيا وعلى مسؤلية الدكتور محمد الذى وقع على تص**ح للمستشفى لعدم وجود أحد من ذويها معها.
كانت آية أثناء ذلك تبكى وتدعو الله أن يرفق بهم وأن ينجى أميرة .
وفى اليوم التالى فاقت أميرة من أثر الم**ر وتيقظت قليلا وكانت آية بجوارها وقامت بتذكيرها بكل ما حدث ليلة أمس.
قالت أميرة وماذا حدث لى وكيف تم نقلى إلى هنا
فسردت عليها كل شىء عن دكتور محمد وكيف ساعدعا فى نقلها ولم يتركهما إلا بعد الاطمئنان على حالة غادة وهوما استغرق حتى منتصف الليل
كما أخبرتها أنه سيعود اليوم مساء لكى يطمئن عليهم ويبلغ أسرتيهما بأنه عثر عليهما.
فوجئت أميرة بما حدث لقدمها فأخذت تبكى بصوت عالى وتصرخ أريد أن أموت كيف سأعيش هكذا وفى الحال أتت الممرضات وأعطوها حقنة مهدئة منومة لكى تستريح.
قالت كبيرة الممرضات سماح لآية:
هل هى أختك؟
فردت آية لا هى أكثر من أختى.
فردت سماح : رأيتك تبكين عليها بحرقة بالأمس
فردت عليها آية: نعم
لنا حكاية طويلة سأحكيها لكِ فيما بعد عندما أطمئن على حالتها .
وفى المساء حضر دكتور محمد للإطمئنان عليهما وجلس مع أميرة وهدأ من حالتها وأخبرها أنها من الممكن أن تستعين بجاز تعويضى عبارة عن قدم صناعية تمكنها من المشى والحركة مثل الطبيعية. ثم أخذ رقم الهاتف الخاص بأسرتيهما للتواصل معهم لإسترداد الفتيات.
العودة
بعد مرور بعض الوقت قام الطبيب بالاتصال بعائلتى الفتاتين وبالفعل كانت المفاجأة عظيمة حينما علمت الأسرتين بأن الفتاتين
مازالتا على قيد الحياة
عادت آية لأسرتها أخيرا
وانف*جت أسارير غادة بعد أن كاد الحزن والشعور بالذنب يقتلها
كما شفيت الأم سميرة من صدمتها واستأنفت حياتها السابقة بكل نشاط
كذلك عاد الأب لسابق حياته ولكنه تعلم الحرص كثيرا وتعلم الحذر جدا والخوف على بناته وأصبح يتجنب خروجهن بدونه .
كما أن فريدة عادت الى سابق عهدها من المذاكرة والرسم والمرح
أما آية فكانت تبدو وكأن عمرها زاد عشرة أعوام فقد تعرضت لتجربة صعبة غيرت من نظرتها للحياة وأصبحت أكثر إيمانا بأن الله لا يترك عباده فى أصعب اللحظات وأدق المواقف.
وعادت أميرة لأسرتها وفرحت الأم بها جدا وكانت تبكى من السعادة وأخبرها والدها أنه سيركب لها جهاز تعويضى بدلا من القدم التى فقدت المهم أنها عادت إليهم ونجتها العناية الإلهية مرتين. فلابد أن تشكر الله على نعمته العظيمة.
وتم نشر القصة فى اليوم التالى فى معظم الجرائد وما لبثت أن عادت عائلة سميرة إلى التجمع فى منزلها مرة أخرى وتحتفل بعودة آية والتى كانت بمثابة عودة الروح للأسرة مرة أخرى ولكن لم تعد نفوسهم كما كانت فقد أصابهم الكثير من التغير والنضج فى فترة غير طويلة.
تمت