bc

إيميلي Emily

book_age16+
13
FOLLOW
1K
READ
drama
like
intro-logo
Blurb

ملخص العمل.

تدور أحداث الرواية بشكل عام بين سوريا و مصر وكندا، تبدء بوصف معاناة السوريين أثناء هجرتهم لعدة دول ما بين الأردن والمخيمات القائمة على الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين، و بين لبنان و تركيا و السودان و مصر. وذلك اثر إندلاع الحرب في بلادهم.

الطرف الأول و بطلة تلك الرواية هي إيميلي فتاة سورية تبلغ أربعة عشر عاما تعرضت لمعاناة حقيقية أثناء هجرتها أبرزها فقدان أهلها أثناء الرحلة، وتحكي كيف إستطاعت أن تواجه الحياة حتى أصبحت طالبة بكلية الطب في كندا.

الطرف الثاني .. يدعى مالك، يعمل في النيابة العامة المصرية، يعيش في القاهرة بعد أن خطت أقدامة الأولى أراضي مدينة أسوان. جرت أقلام القدر أقدامه نحو أسوان مرة أخرى ليتزوج من إبنة جيرانه هناك.

تتعدد الشخصيات والعقبات حتى يلتقي طرفي الرواية للمرة الأولى في أسوان.. ف*نقلب أحداث الرواية لتسير في إتجاه واحد.

chap-preview
Free preview
1- الفصل الأول
إلى من ظن أنها النهاية، إن الستار لم تُرفع بعد الأربعاء ٢٤، مايو الواحده صباحاً السماء كقطيع من الثعالب الحمراء الراكضة، تترك ورائها هاله تخفي نواياها، قمرها كعين الذئب النائم بعين واحده. ألهُب الرياح ترتطم بالمنازل و تُيقظ الجميع، ينهمر البُعاق من المعصرات فتحسب أن الفرات قد تبخر بالأمس، أصبحت أراضي المدينة كالأنهار، الجميع من خلف النوافذ يلفه فرواً شتوياً مهتدياً إلى المدافئ .. وسط أعين قلقه وقلوب مرتعشه، لم تعرف المدينه يوماً كهذا من قبل، لا تقلق لم تأتِ الساعه بعد، إنها أقدامها على وشك أن تطرأ الأرض. صراخ السيدة فاطمه يشق السماء، وكأن ما في بطنها ثوراً هائجاً جنّ بإحمرار السماء. لا يكل ولا يمل قاسماً أن يخرج الآن. تأتي جارتها وصديقتها لتولدّها.. رائحة الأمطار والمعقمات الطبية ستذّكر صديقتها بأجمل الأخبار أو أسؤها.. لطالما كانت حاسة الشم تستحضر ذكراها وكأنها تحييها مرة أخرى .. إستنشاق عطر حبيب ..رائحة الصابون المفضل .. حقائب السفر القديمه.. تجعلك تعيش الذكرى بعقلٍ لاواعي .. د*كتاتوري متسيّد. يسيل العرق **باق ماراثوني من على الجبين مرورا بثنايا جسدها السمين ليلامس أطراف قدميها. مجهودات خرافيه لإخراجها.. وأخيراً تلتقطها يداها لتقر عينها وتهدء أنفاس ورجفة طلقها. إيميلي. هكذا قررت أن تكون هي أثمن شيء حصلت عليه، بعد أختها. هي من ستعوضها ترفع من شأنها. ينعصر قلبها على جسدها الهذ*ل. كقطعة لحم صغيره ب*عر الزغب الأبيض. تلامس وجنتها وجهها الصغير ..تُغمَض عيناها وتخبرها .. لا تيأسي يا صغيرتي .. الظلام بالخارج يحتاج لنورك .. أستطيع أن أثق بإستمرارك مثلما وثق يعقوب بنجاة يوسف. أخشى عليك من قلة الحكمة وإستبدال الأحوال لكني أريدك.. معي .. كانت فرحتها بها هي وزوجها السيد سمير كبيره..رغم أنها لم تكن المولودة الأولى .. وعليه تبدأ حكاية إيميلي وتبدأ الإثاره معها. .. بعد أعوام ... سوريا دقت الساعة الثالثة والنصف عصرا وبدأت نظرات القلق والتمتمات تنتشر رويدا رويدا في حارة هيلان، الخبر السيء ينتقل كالطاعون السريع من منزل للآخر حتى دق منزل السيد سمير.. كانت إيميلي كعادتها في غرفتها خرجت منها على اثر إزدياد علو الأصوات لتتلقى هي الأخرى الخبر بعد أن وجدت نظرات الضياع وعرق القلق يشوب أوجه كل الجالسين على الارائك.. كان الجميع ينتظر هذا اليوم ولكن يبدو أن معايشة الأمر الواقع يختلف كثيرا عن توقعه . قوات النظام السوري ستقصف حارتنا خلال ساعات، أتى بهذا النبأ محمد الذي جاء ركضا من الشمال ليعلم أهل حارتهم . وجود ناشطيين ضد الحكومة في المنطقة هو السبب الرئيسي للقصف إما تسليمهم أو البكاء على الأنقاض اما أن تنضم أو تموت اما أن تكون من الجنود التي تحرس ملكا يضحي بهم كلما زادت نسبة الخطر أو يصبح مصيرك الفرار. غادر محمد وترك عائلة إيميلي تنظر لبعضها وكأن جميعهم يسألون ذات السؤال منتظرين أن يبدأ أحدهم بالإجابة وأي إجابه سوى أنه قد حان وقت الوداع والهجرة . دخلت إيميلي غرفتها وأغلقت الباب وبدأت في تجهيز أغراضها وما أغراض هذه الصغيرة سوى دفتر الذكريات الذي ترك أصدقائها عليه كلماتهم وبعض الصور، هذا كل ما لإيميلي هذه ذكرياتها التي ستأخذها وتوصي بعد عمر أن تدفن معها. في الغرفة الثانية الأمر إختلف قليلا لم تكن حنين بهذا القدر من الحزن، كم تمنت أن تترك هذا البلد لأنها تعلم أن وجودها لا يعني سوى المزيد من تأجيل الأحلام والمستقبل .. لا شيء لها هنا يمكن أن تبكي عليه أكثر من حزنها على المصير. محمد فقط هو ما كان لها وهو أول من خطر في ذهنها. ذهبت لتقا**ه عند منضدة في الحديقة إعتادوا اللقاء عندها. وكالعادة أيضا كانت تأخذ إيميلي برفقتها. كان محمد موجودا يجول في نفسه أحاديث كثيرة تدور بين القلب والعقل لا تنتهي بفائز وخاسر فقط تنتهي بمزيد من الألم والإكتئاب. بداخله: هذه الأيام صعبة للغاية وكأن العالم إتفق على جعلي حزين .. كما أنني لا أجد طاقة للمضي رغم كل شيء .. ما يجعلني أتنفس الآن هو ثقتي بالله. وصلت لدرجة قريبة من الجنون لا أستطيع حتى النوم سوى في المسجد القريب من بيتي. وما إن ظهرت حنين أمامه نسى كل شيء وارتسمت البسمة على وجهه لطالما كان السند لها لم يحب أن تراه بموقف ضعف وهي لا تحتمل ما يحدث، يعلم جيدا أنها جاءت لترتمي عليه. - محمد مغازلا: لازلت جميلة حتى وأنت في أسوء حالاتك. = لا تكذب مظهري سيء جدا. *ضاحكة - هل أنت مستعدة سنذهب الفجر؟ = نعم ولكني خائفة، لا أعلم لماذا أشعر أن الموت قريب مني. - هذا الشعور لأنك متوترة والحالة النفسية لدينا ليست بأفضل حال.. سنكون بخير ألم تقولي لي دوما سنكون بخير.. يوما ما سنشتري بيت وسنزينه ونرتبه معا و.. = مقاطعة : لا تنسى الأرجوحة. - نعم ستقتليني أعرف إن لم أضع الأرجوحة. مازحاً. وأيضا سنحيا بدون ألام مجددا فقط أنا وأنت..سنجتاز هذا معا. = صحيح ما أخبرتني به؟ أننا لو متنا سيجمعنا الله في الجنة؟ - نعم.. أدعو الله دائما أن نكون معا. تقول إيميلي: ليس كثيرا أن تجد إثنين مثل محمد وحنين كانا لبعض كل شيء كانت معاني حياتهما تختصر في حبهما، لطالما إعتنا ببعضهما لطالما قدروا على الحياة وهما معا. كانت حنين كثيرا ما تشعر أن إيميلي قد أخذت جانبا كبيرا من عطف وحب أمهم ربما لأنها كنت أضعف من حنين.. الجانب الأكبر من الإهتمام قدا آل لها منذ ولادتها .. ربما لم تستطيع أن تعوض هذا النقص من الحب والإهتمام إلا مع محمد، لذلك دوما ما كانت تقول هو لي كل شيء وقد كانت تعنيها. في الغرفة الثالثة بدأ عم سمير ومدام فاطمة في تجميع كل ما يملكون بعض الذهب والأموال التي ربما هي تذكرة الخروج وبعض الأغراض خفيفة الحمل. عانا الزوجان كثيرا في حياتهما..ولكن دوما ما كانا رحيمين ببعضهما. الود بينهم لا ينتهي مهما طالت السنين. على أعتاب دخول الفجر إنتهى محمد الآخر من تجهيز أغراضه ولزوم الهجرة.. دق باب منزل سمير وأخبره سننتقل الآن، الجميع على أهبة الاستعداد خرجت حنين أولا من غرفتها وعليها ملامح الخوف من المجهول.. ولكن بمجرد رؤية محمد إطمئن قلبها هذا كل ما لديها هنا ..طالما أنك معي فأنا وان للجحيم سرت لا أبالي .. تبادلوا الابتسامات الخفيفة حتى خرجت مدام فاطمة وكذلك إيميلي وأغلق باب منزلهم دون عودة. *** منذ تسعة أشهر سمعنا نداء السماء لروح الشيخ خالد عبد الحي القاطن بالمنزل المقابل لمنزلنا القديم في أسوان. كانت تربطنا بالشيخ وأسرته علاقة جيرة قوية، كم أتذكر أيام طفولتي أنا وإخوتي طاهر وأميرة وماجدة التي عشناها مع أولاده هند وعمر وعلي في ثنايا الحارة الفاصلة بين المنزلين المتقابلين، وايضا والدي والشيخ خالد - يرحمه الله - كانا صديقان منذ الثانوية وظلا محافظين على صداقتهما لآخر العمر .. أمي وأم هند لم يألفا بعضهما في البداية ولكن الآن أصبحا أكثر ثنائي على تواصل..كنا أشبه بعائلة واحدة، كانت ولا زالت الحياة نقية وبسيطة هناك، كانت الإنسانية في أبهى صورها، لا يمكن لأم أن تقلق على صغيرها كل البيوت منفتحة على بعضها.. كل القلوب تحمل الخير لأهلها. حتى إنتقلنا للعيش في العا**ة تاركين ذكرياتنا مدفونة في قلوبنا وقلوبهم ولكن لم نقطع الود والوصال كنا نتردد بين الحين والآخر لزيارتهم.. ونعيد الأيام الخوالي على قدر الإمكان.. لا سيما أننا وابناؤه لم نعد نتواصل الا نادرا.. أما العمر لا يتوقف مات الشيخ خالد بعد صراع مع المرض. ذهبنا الى العزاء في ليلة الإثنين أنا ووالديا وإخوتي كانت الأعداد كبيرة جدا لطالما كان رجلا أحبته البلده لطيبته وخلقه، وجدنا صعوبة في الوصول لمنزلهم مرورا بالعزاء المقام من على أول الطريق حتى وجدتنا هند إبنته وأخذتنا لمنزلهم وجلسنا. الحزن يسكن كل أركان المنزل والمدينة.. أصوات النواح والبكاء في سباق مستمر .. كأنه إقتلع روحا من البلده مع روحه .. كنت أتماسك من البكاء على فقد الرجل وعلى حال أولاده من بعده، كنت أشفق كذلك على والدي الذي كان يشرد بنظراته في الأرض يواجه حقيقة أن الحياة ها هي تأكل ماتبقى له من رفقاء الدرب. حتى رأيتها.. لا تسألني من هي .. توقفت أصوات العزاء تدريجيا في أذني وتسارعت نبضات قلبي كلما تسير بخطوات أمامي لم أعد أبالي بالميت ولا بعزاؤه. جلست أمامي على بعد في مجلس النساء كأنها ملكتهن، رغم ملابسها المبعثرة. لاصقة يدا في الأخرى عيناها في الأرض من شدة الخجل .. حتى تحركت تلك اللؤلؤة السوداء ناظرة يمينا ويسارا حتى التصقت بعيني. إبتلعت ريقي توقف الزمن للحظات .. لا يمكن أن تكون بشرا أبدا.. حتى أدارت وجهها وكأنها تسأل من هذا! الى ماذا ينظر! ولم تمكث كثيرا حتى رحلت. ولولا الحرج لكنت ذهبت ورائها. فتاة العزاء هكذا أسميتها بعد شهرين. أخبرتك الا تسألني من هي.. سألت عنها كل ذي صفة وشأن ! يوما وراء يوم بدا الأمر كلغز محير، إمرأة تأتي لعزاءا لا أحد يعرفها ولا أحد تعرفه! لم ترآها سوى عيني! لم أصل بعد لسن حرجة تجعلني أتخيل ما لا يحدث. مرت أيام ولازلت أفكر فيها .. عنيدة تلك المجهولة تأبى الخروج من رأسي بعصيان إبليس.. أخبرت أهلي أنني بحاجة للبقاء فترة وحدي في أسوان بعيدا عن زحام العا**ة، أعتقد أيضا أنني في أمس الحاجة للطبيعة وعلاجها الساحر.. أخذت أغراضي وانتقلت إلى هناك، إذا أردت شيئا إقترب منه قدر المستطاع هكذا تعلمت.. وهذه الطريقة الوحيدة التي تمكني من إيجادها . لم يسبق لي في عمري أنني أغرمت بإحداهن.. ولا حتى في فترة مراهقتي .. كانت أقدام أصدقائي تذوب من السير وراء فتيات المدرسة وخاصتي كانت تذوب من الركض وراء كرة القدم.. حتى في الجامعة لم يغمرني تجاه إحداهن سوى شعور إعجاب لحظي .. لذلك عندما وجدت تلك التي تجعلني مسحورا في عمري هذا كان طبيعيا أن أبحث عنها في أزقة العالم.. لا لن أهدأ حتى أجدها. *** تجمعوا سكان الحارة تحت منازلهم أخرجوا منها بغير حق ليذهبوا الى المجهول كل عائلة تضم بعضها وهنا تظهر صلابة الشباب العربي القائد دوما في مثل هذه الظروف. تقول إيميلي: تركنا نظرات الوداع على تراب بلادنا و انطلقنا بشاحنات ثم بعد ذلك الى عربات .. ركبنا في سيارة نحن الخمسة وفي كل خطوة لازلت أستجمع حقيقة ما يجول بخاطري هل هذه مغامرة كمغامرات الكارتون وسنفوز بالنهاية بإعتبار أننا الفريق الطيب أم أن الحياة ليست بهذا الإنصاف وما نحن إلا ضحايا حروب يتذكرنا الناس أيام .. ساعات .. ثم نصبح رمادا وعبرة، لازالت تلك العبارات تاركة رنينها في أذنها حتى الآن عندما كانت تتجول بخيالها في نافذة السيارة ملفوفه بغطاء من شدة السقيع، مضمومه بداخلها تناجي الله .. خائفة من أن تنظر في أوجه عائلتها منذ البارحة لم ترى على وجوههم سوى الضياع الذي يؤكد لها شعورها بأننا تائهين لم نعد كما كنا .. إستعادت شجاعتها وبدأت تذهب بعينها الى رحلات في كل وجه من أوجه أهلها .. تقول: منذ أن ولدت كنت مدلله جدا .. حتى بعد ما كبرت كنت أذهب لأنام في أحضان أمي وأبي.. بقدر الإمكان لم يتركا في ذاتي شيئا يريد ولا يجد، ربما أكثر بكثير من حنين التي دوما ما تشعر أنني مفضلة عليها فلم تعد مؤخرا تقترب مني كثيرا وتخبرني ما يجول في خاطرها.. لكنني أصبحت أفتقد حكاياتنا في منتصف الليل كثيرا، المسائل التي تدور في بيت واحد شديدة الحساسية.. لذلك لم تكن أي منا لديها الشجاعة أن تقول ما يجول في خاطرها .. نظرت في وجه أبي النائم .. هذا الوجه الذي كلما نظرت إليه كلما شعرت بأمان لا ينتهي.. رغم غيبته كثيرا عن المنزل وقلة الكلام بيننا الا أنني لم أشعر أنه بعيد.. كان كلما أتاحت له الفرصة يحاول بشتى الطرق إسعادي وإحتضاني.. وأخيرا أمي لم أنظر الى وجهها ولكني أستطيع أن أخبركم بكل دقه ما يحدث فيه.. من نظرات شاردة علي وعلى حنين ودموع قريبة في عينها .. وابتسامة خفيفة كل خمسة دقائق عندما تتذكر شيئا عنا.. ذلك وهي تحتضني وتمسح بيدها على رأسي تارة وتارة تمسك بيدي بضغطة خفيفة.. وكأنها تتذكر بذلك أنني معها.. فتطمئن .. وتذكرني أنها لم تنم ولا زالت تسمع دقات قلبي فأهدأ. عيناها الواسعتين شاردتين الى أين نذهب ياترى؟ ولماذا يحدث كل هذا!.. تابعت إيميلي.. أتيت من وجوه أهلي الى السماء وحديثي مع الله الى لحظة فزع مرت عليا كأنها يوم.. أتيت من الهدوء الى الصخب .. من الجنة الى الجحيم .. في لحظة واحدة عند الإصطدام بدء الجميع يصرخ ويستشهد .. حركات لا إرادية من محمد وهو يسوق حتى أفلت الزمام، ضمتني أمي بشدة الى ص*رها وحاوطت يدها رأسي وأنزلتني ونامت فوقي لم تسطع أنفاسها المرتعشه ورجفة جسدها أن تطمئنني كعادتها ولكن على الأقل فعلت آخر ما تبقى لها آخر حيل الأم لتصون صغيرها ..كانت تحميني وتستقبل الموت بدلا عني .. إنقلبت السيارة أثناء صعودها على تل صخري تخبطنا رأسا على عقب .. إنتظرت أن تسكن السيارة أثناء تقلبها كالكرة.. هيا إسكني أرجوك.. ولكن كانت عنيده أبيه قاسية وكأن القدر أقسم أن يهلكنا جميعا وأخيرا فقدت الوعي. *** في العديد من المرات كانت الذاكرة تخونني، لدرجة أن بعض الأشخاص يقفون معي ويتحدثون عن ذكرياتنا معا .. وعندما يرحل أحدهم أتساءل من هذا! ذاكرة الوجوه والأرقام سيئة جدا لدي .. ولكن كانت معها حديدية.. أتذكر حتى رسمة عينها وتفاصيلها.. قمت برسمها مرتين أحدهما من الأمام والأخرى من الجانب .. وأقسم أن لو أحدا كان يجلس أمامي لما رسمته بهذا الإتقان..أريد حتى أن آراها لكي أثبت أن الذاكرة لم تتلاعب بي كما تفعل كل مرة. الشيخ سعيد .. الرجل الذي لن أبالغ إن قلت أنه يعلم الكثير من أهل أسوان، كان يتولى أمور التحكيم في النزاعات التي تدور بين الأهالي لعدة سنوات.. لم يعتادوا أهالي أسوان على المحاكم .. بل يلجأون للتحكيم.. ولعل أسوان وغيرها سبب رئيسي لعدم إستبعاد المشرع المصري نصوص التحكيم من قانون الدولة، وعليه كان هو أملي ومفتاحي للعثور عليها، وبالفعل كان وجهتي الأولى منذ وصولي أسوان، إلتقيت الشيخ في منزله رحب بي ترحيبا شديدا ولكني لازلت عاجزا عن بدء الكلام! ماذا أقول هل تعلم تلك المرأة التي رأيتها أنا؟! وانا لا أعرف حتى اسمها! يجب أن أجد مسلك آخر! ودعت الشيخ سعيد وأنا على أعتاب باب منزله قال لي إنتظر! - لم أصدق أنك أتيت الى هنا لمجرد الترحيب بي لم تفعلها يا ولدي وأنت بيننا! = نعم ياعم سعيد لن أكذب هناك شيئا إعتقدت ان بإمكانك أن تساعدني فيه ولكن بعد ذلك..بدا لي الأمر مستحيلا. -الشيخ: حسنا، أخبرني لتخبر نفسك بعد وداعك أنك فعلت كل ما بوسعك. = ربما تستصغر حديثي ولكن في الواقع أن لا أنام بسببه وأتيت الى هنا لأجدها .. رأيتها في عزاء الشيخ خالد كأنها من الجنة لم تراها عين بمثل مارأته عيني.. إعتقدت لفترة قريبة أنني لست من الناس التي تهوى وتعشق ولكن يحدث هذا لأول مرة في حياتي وفقط من مرة واحدة.. الغريب أنني سألت عنها الكثير وقالوا أنهم لم يروها ولم ينتبهوا! ولم أراها مرة أخرى.. تأتي لي في أحلامي في مناطق مختلفة من المدينة وكأنها تخبرني أنا هنا لماذا رحلت! هيا إنني أنتظرك. - لم أستصغر حديثك يا مالك ! كنت شابا مثلك وأقدر كيف يهوى الشاب لأول مرة في حياته ولكن سامحني، نعم لدي ذاكرة قوية ولكن بالمواصفات تلك لا أعلم! آملا أن تلقاها. ودعته كما أتيت خاويا من الحيل ومرت الأيام بين الشوارع والحدائق وكثيرا بين منزلنا ومنزل الشيخ خالد .. أيام تشبه بعضها لا يتغير فيها سوى ألوان قميصي.. في هذا المساء .. ظلام حالك.. ليس من حولي فقط بل بداخلي أيضا .. تكات عقارب ساعتي تتسابق لتشد جفوني لأعلى .. وحيداً كأنني فقدت كتيبتي في حرباّ مفزعه .. خُلقت لأنعزل .. عدواً للضوضاء .. تثير جنوني قفزات القرده .. في طريقي للعقد الثلاثين .. وكأني رضيعاً باليوم الأول .. الفرق في أنه لا يوجد من يمسك يدك .. يشد أزرك يداعبك .. يعلمك كيف تنجز الأمور .. تتسع الأرض وتصغر حِيلي، تحولت الحياه من لعبه صغيره في يدي وكأني سأغزوها أشهراً وأستعصر عسيلتها من كل مخرجٍ، إلى مرتفعٕ يملؤه الزهول.. البعض يتسلق .. والبعض ينزلق .. وانا أقف بمنتصفه لا أعلم لوغريتمات التسلق.. ولم أفهم فلسفة السقوط. صوت بداخي يصرخ مكتوماً : إبدء .. تحرك .. إستفيق. ثم أجدني أمام طاقه مُفرَغه و متاهات عظيمه .. فأحبط واتجاهل هذا الصوت بل واستحقره ..حتى أهنأ في جزيرة الأمل والأحلام الزائفه. لم يكن هناك شيء في حياتي جميل سوى تلك الفاتنه وبعد حين قررت أن أضع حدا لهذه المهزلة الفكرية. في فجر الجمعة جمعت أغراضي بغضب شديد وعدت للعا**ة. قررت أن أغلق الموضوع وأعود للواقع، وبالفعل واصلت عملي وصوبت كل طاقتي وجهدي فيه حتى أنني نسيت الأمر برمته وتجاهلته، عادة ما تحدث للإنسان أمورا مبهمة في حياته .. حسنا ليست المرة الأولى. بمرور الوقت تأقلم منزل الشيخ خالد على فقدانه، حتى وإن كان أهدء بكثير وفارغا ويبدو كأن الذي عائلة هجرته وليس شخصا بدأت أشعة الشمس تنور أركانه وتعود به صغيرا ومملوئا بأهله رغم إتساعه ..هكذا كانت الحياة، لم ولن تقف على أحد.. دائما ما كان التجاوز حتميا بطبيعتها. كانت هند أكثرهم حزنا على أبيها ولكنها أيضا كانت أكثرهم إحتضانا وتشجيعا على تجاوز الحزن ومواصلة الحياة.. طالما تخبرهم الى متى سنظل بدون بسمه أو فرحه لن يرضى عن هذا أبيكم، بادرت أيضا بشراء طلاء بألوان زاهية ووردية ود*كورات جديدة ولا مانع من بعض الزهور والأنوار وأيضا أرسلت عمر ليتابع شحنة الأثاث الجديد بعد الإتفاق عليه ..كانت ترى أن بعض التغير سيحدث الفارق خاصة بعد أن أصبح المنزل قديما نوعا ما، اما زينب لم يعجبها الأمر ابتداءا بسبب حبها للمناظر العتيقة إلا أنها لم ترد تضييق الخناق على هند وإعطائها مساحة للتصرف، ولكن يظل الإنسان أكثر الخلق تشبثا بما حوله رغم يقينه بالفناء. مرض علي حزنا على وفاة أبيه لم يستطيع أن يتجاوز كما فعل البقية، لم يتجاوز فكرة أنه أقل إخوته عاش مع أبيهم بإعتباره الأصغر سنا وهذا ما يجعل وضعه أسوء منهم. تقول هند يكون كل شيء على ما يرام في نهاية اليوم بعد الف*جة على مسرحية جيدة وتبادل الحكايات .. ولكن ما إن نذهب الى النوم يبدأ علي في البكاء الهيستيري الذي لا يتوقف .. كان يعض الأرض من شد تألمه. وعليه أصبح ما على عاتق هند أثقل الآن بإعتبارها الكبرى.. عليها أن تتدارك وفاة أبيها وأن ترعى صغيرهم المريض وتعتني بأوسطهم عمر وتساعد أمهم، فضلا عن ذلك عليها أن تلحق بقطر الزواج. الضغط سيء جدا.. الضغط يجعلك عجوزا .. كانت تسأل نفسها خلوة في الليل ألم يشفق علينا والدينا من تلك المعركة قبل أن يأتوا بنا؟ . أم لم يكن الأمر إختيارا رغم ظاهره؟ ..حينا بعد حين تدرك أكثر، وهذا أصعب ما في الأمر. كانت تحلم بذاك الفتى الطيب الشهم الذي يأخذ بيدها، يحمل جزءا من حملها، يقبض على يدها عندما ترتعش.. يهمس في أذنها حينما يغلبها الأمر .. أنا جانبك. على الجانب الآخر لم تكن الحاجة زينب بهذا القدر من التشتت لطالما كانت تمقت زوجها وتعارضه صغيرة وكبيرة.. بالطبع تأثرت بوفاته ولكن تجاوزت بسرعة تبدو غريبة بعض الشيء.. في البيوت أسرار يا عزيزي لا تدري رغم ظاهر الموقف من كان الضحية بعينها. الراقص الجيد لا يتخيل سقوطه، كانت هذه قاعدة زينب الأولى. دخلت غرفة هند وأخبرتها بشيء كان في نظرها سريعا جدا أن تطرح موضوع كهذا الآن.. حتى وإن كنا نبدو تجاوزنا لكن على الأقل تنتظر حتى تمر فترة كبيرة على موت أبي..وكالعادة تجيب بعبارتها التي لا أحبها أبدا الحي أبقى من الميت، بألاعيبها بدأت زينب تطرح الموضوع رويدا رويدا. العريس التي أتت بنبأه كانت هند على علم به بالطبع وعائلته ولكن لم تعد تشعر بألفه نحوهم كالسابق هذا أسوء مما كانت تعتقد.. بدا الأمر من زينب بود ابتداءا ولكن بعد ربع ساعة إنقلب الى مشاجرة، كيف لأمر زينب أن يعارضه إبنتها ولم تستطع نساء البلدة. خرجت زينب من غرفتها بعبارتها الأخرى.. فرض رأي لا إقتراح.

editor-pick
Dreame-Editor's pick

bc

خيوط الغرام

read
2.2K
bc

روح الزين الجزء الثاني بقلم منارجمال"شجن"

read
1K
bc

ظُلَأّمً أّلَأّسِـدٍ

read
2.9K
bc

"السكة شمال" بقلم /لولو_محمد

read
1.0K
bc

احببتها فى قضيتى ❤️ بقلم لوكى مصطفى

read
2.3K
bc

قيود العشق - للكاتبة سارة محمد

read
7.9K
bc

شهد والعشق الأخر

read
1K

Scan code to download app

download_iosApp Store
google icon
Google Play
Facebook