الفصل الخامس :

2030 Words
" وهل ستكونين هنا آني ؟ " افاقت اني من شرودها ونظرت نحو الطفل المريض الذي كان يترقب جوابها بشوق ثم اومات براسها تبتسم له : " نعم بالطبع .. سوف انتظرك في الخارج " " جيد " ضحك وملامحه الشاحبة المحببة الى قلبها تزداد جمالاً فلاطفت خصل شعره.. حين دخل اخيراً دكتور سام وقفت معه بعيداً وسالته : " متى موعد عمليته دكتور سام ؟ " " في العاشرة مساء .. ليس عليك ان تكوني هنا فانت بحاجة للراحة " " لا .. لاباس .. اريد ان اظل برفقته " " حسناً .. ولكن لا تتاملي كثيراً .. الوضع ليس جيد " عضت على شفتها تهز راسها متفهمة وعينيها تعودان رغماً عنها نحو الصغير المرتاح في سريره تشعر بالشفقة لاجله .. " حسنا .. أ .. أنا ساقصد مقصف المشفى لاتناول الغداء ..اراك لاحقاً " " مؤكد " جلست آني على طاولة فارغة تنوي ان تخفف من الم راسها قليلاً وترتاح .. ذلك الالم الذي لاحقها طوال الليل وحتى الان .. ونظرت نحو الطعام بدون اي شعور بالجوع ثم فركت جبينها وصدغيها .. من يظن نفسه ليهددها ؟. ان كان يعتقد بانه سوف يخيفها ويجبرها على الاستسلام والتوسل طلباً للرحمة فهو مخطئ .. وسوف يرى .. جذبت مسامعها صوت ضحكة فرفعت عينيها تنظر باتجاه الصوت مما جعل نظراتها تقع عليه .. يجلس مع الدكتور رولاند والدكتورة ماغن يتحدثون .. اشتعلت نيران الكره في عينيها مما جعله يلاحظ ذلك.. ربما لسعته تلك النار في ظهره فادار راسه نحوها ... تقابلت نظراتهما وسط الجموع فضغطت فكها ونحت راسها عنه باتجاه الصحن تتابع اكلها وض*بات قلبها تتسارع حقداً عليه ... قصدت المنزل عند الثامنة مساء وارتاحت قليلاً ثم عادت الى المشفى لحضور عملية تشاد كما وعدته .. لما نظرت الى الساعة في ردهة الاستقبال كانت تشير الى الحاية عشر ليلاً .. فاخذت نفس عميق تريح ظهرها للخلف وعادت بعينيها نحو والدي الصغير الجال**ن على احدى الآرائك .. صامتان خائفان .. ترى ماذا حدث ؟. لما لم يخرج احد ليطمئنهم ؟. وتصاعد الخوف داخلها ثم عبثت بخصل شعرها وراقبت المارة في الرواق وليتها لم تفعل فقد لمحت ديف يدخل من الباب الزجاجي العريض ويتقدم داخل الردهة ... نحت وجهها فوراً تشعر بالنفور يحتل جسدها وسمرت عينيها على الطاولة الخشبية امامها فيما ذراعيها معقودتان عند ص*رها .. نصف ساعه اخرى مرت والتوتر يتصاعد حتى وصل الدكتور سام اخيراً .. ووقف والدي تشاد باستعداد ففعلت المثل تقترب منهم .. سام ظل صامت وملامحه مكفهرة فعرفت اني فوراً بان كل شيء انتهى .. انفاسها توقفت وشعرت بروحها تتفت .. " ماذا حدث ؟ " " انا اسف .. اسف جداً .. لكن " وهز راسه باسى " جسده كان ضعيف " انهارت الام باكية والاب يحتضنها فيما القى سام نظرة متعاطفة عليهما .. شعرت اني بغصة تخنق حنجرتها وتمنع تنفسها.. الدموع تملا مقلتيها وجسدها مرتجف متاثر.. فتململت سريعاً وابتعدت تود الخروج.. من الباب الخلفي الخاص بالحديقة خرجت ونزلت على السلالم نحو الاسفل ثم توقفت هناك وساقيها ترتعشان ..دمعاتها انسابت فمسحتها سريعاً برؤوس اصابعها .. تاخذ انفاس متكررة وصورة وجهه لا تفارقها .. وضغطت شفتيها معاً كي لا تبكي فهذا يحصل كثيراً .. هذا واقع عملها .. باصابع مرتعشة عادي لتمسح دموع جديدة فارقت مقلتيها تنظر حولها في المكان الساكن وتنتظر ان تصبح افضل.. مرت دقائق قليلة ثم قررت الدخول فاستدارت في مكانها لكن خطواتها توقفت فجاة ووقعت نظراتها على الطابق الثاني حيث وقف ديف عند الواجهة الزجاجية يراقبها بعيون ضيقة متسائلة .. " آني " اضطرت للعودة نحو الامام بنظراتها وانتظرت نزول سام باتجاهها " هل انت بخير ؟ " " لا ادري " وعضت على شفتها تكتم انة باكية فتابع سام بتاثر : " قلت لك بان الامر " " اعلم .. اعلم .. لكن انا .. " دمعة جديدة انسابت على وجنتها فتاوه بحزن ومد يده يمسحها : " اني .. لا تبكي " يده انتقلت الى خصل شعرها القصيرة المحيطة بوجهها فشعرت بنار نظرات ديف من الاعلى تحرق جسدها : " انا بخير .. لا تقلق " " جيد .. اريدك قوية اني .. هذا هو عملنا وواقعنا " وابتسم لعينيها ثم اقترب يضمها اليه لثوان وبعدها حررها وتراجع " عودي للمنزل الان وارتاحي .. وجهك شاحب " " لا لا .. اظنني سابقى هنا " " متاكدة ؟. لكن.. مناوبتك بعد خمس ساعات " " اعرف لكنني لا اريد العودة .. افضل البقاء هنا " " حسناً .. كما تريدين .. هيا لندخل " " اريد البقاء قليلاً بعد .. سالحق بك " اوما براسه موافقاً ثم تركها ودخل فاقتربت تجلس على حافة السلالم الحجرية .. وشردت تتذكر ما حصل .. ذلك الملاك الصغير .. كيف سيستطيع والديه العيش بدونه الان ؟. كيف سي**دان ؟ واخفت وجهها في راحتيها تاخذ نفس عميق صعدت بعد وقت قصير في المصعد تتجه الى الطابق الاخير كي ترى سالي ولسوء الحظ لحقت بها هيلي ثم ديف فصعد الثلاثة معا.. وقفت اني بقرب المفاتيح وضغطت زر الطابق ثم انتظرت .. ال**ت ملا المكان الضيق حتى جاءها سؤال هيلي من خلفها : " هل انهى دكتور سام عمليته ؟ " " نعم .. منذ نصف ساعه " " ممتاز .. في اي غرفة وضعتم الطفل ؟ " اعتصر الالم قلب اني من جديد و**تت لا تجيب .. الدموع الحارقة وجدت طريقها الى مقلتيها.. تفتح فمها لتهمس بمرارة فيما نظراتها مسمرة على الباب الحديدي : " لم نضعه في اي غرفة " وانسابت دمعتها " لقد توفي " " اه .." وتن*دت هيلي بعمق " هذا هو قدره ماذا سنفعل ؟ الكل سيموتون " برودة كلماتها احرقت قلب اني فادرات وجهها تجحدها بنظرة قاتله ساخطة .. مما جعل هيلي ترفع حاجبيها متسائلة : " ماذا ؟!. قلت لك مئة مرة لا تتعلقي بالمرضى.. لكنك لا تنصتين " قضمت شفتها كي لا تصرخ بها بان المرء لا يحتاج للتعلق باحد رغماً عنه .. انها مجرد مشاعر فطرية تاتي مع الانسان .. لكن ربما هي لا تملكها اصلاً .. وحولت نظراتها لا تحتمل التحديق بها فوقعت عينيها على ديف الصامت .. كان يتاملها فقط بدون اي رد فعل .. ومن جديد نحت راسها نحو الامام ورفعت يدها تمسح دموعها " القسم الرابع يحتاج لعدة اصلاحات من الجهة الغربية " " سوف نرى " صوته اجش بعيد وعلمت بانه لايزال ينظر اليها لكنها لم تهتم وما ان توقف المصعد حتى خرجت " انتظري داريل " عادت للخلف نحو هيلي التي استوقفتها : " انت لست في المناوبة الليلة .. ماذا تفعلين هنا ؟ " " لا شيء .. كنت " وبللت شفتيها " لم ارد العودة الى الشقة ففضلت البقاء هنا.. هذا كل مافي الامر " " اها .. حسنا اذهبي " سارت اني مجدداً نحو قسم القلب حيث سالي وهي تزفر بخلاص .. حين وقفت تراقب بزوغ الشمس من نافذة غرفة الممرضات صباح اليوم نفسه شعرت بجسدها ضعيف مرهق .. الم قوي يض*ب باستمرار قلبها وروحها وكانها لن ولم تشعر يوماً بالسلام والامان.. رفت بجفنيها لمرات تطرد تلك الذكريات التي راودتها وعلقت في مخيلتها وتلك الاصوات التي ملات مسامعها (( " لا تبكي .. انا هنا ولن اتركك ابداً " " قل لها ان تعود بابا .. ارجوك .. اريدها ان تعود " " ملاكي .. ماما مريضة وقد باتت افضل الان.. انها في السماء تراقبنا.. ستظل معنا..وداخلنا دائماً " " لا .. لا " " تعالي الي .. تعالي .. انا وانت سنظل معاً للابد .. لن اتركك يوماً صغيرتي. " " لم كان عليها ان ترحل ؟.. قل لها ان تعود ارجوك .. ارجوك بابا " )) " انا راحلة " صوت سالي ايقظها من جراح الماضي فتململت في وقفتها تفرك جفنيها وتهمس : " حسناً " " انت لم تنامي بعد .. اليس كذلك ؟ " " لا اشعر بالنعاس " " اني انظري الي " ادرات وجهها الشاحب الضعيف نحو صديقتها تطبق شفتيها المرتعشتين وتزفر بثقل : " آه ..اني " " انا بخير .. لا تقلقي .. انا بخير " " لا اظن " واقتربت سريعاً تضمها وتربت على راسها فاغلقت اني جفنيها تستشعر الارتياح والدفء الذي غمرتها به " لا تستسلمي اني .. ارجوك .. لا تفعلي " همست ذلك في اذنها ثم بلا اي كلمة او نظرة اخرى ارتدت مبتعده عنها وكانها كانت ستبكي وخرجت راحلة.. عند الثامنة بدات الحركة تدب في المشفى والنشاط يعم وسرعان ما حضر اغلب الموظفين و الاطباء .. " حاضر .. حسناً .. ساخبرها .. نعم الملف جاهز .. اها " ووضعت السماعه مكانها ثم جلست وراء مكتب الاستقبال مجدداً واستندت راسها الى يدها.. الم قوي يجتاحها .. فلا تدري كيف لاتزال صامدة لغاية الان .. ثوان من الهدوء والراحة مرت حتى قاطعها صوت وقع خطوات ثم طرق قوي على الطاولة امامها فنظرت الى الطالب لتجده ديف كليتون " المشفى للعمل .. لا للنوم " ردت بصوت جاف بارد : " لست نائمة .. بماذا اساعدك ؟ " " هل وصل ما**ل ؟ " " نعم .. منذ نصف ساعه " " جيد .. ابقي متيقظة ها ؟ " ورمقها بنظرة حادة ثم ارتد على عقبيه مبتعدا فلاحقته عينيها.. تتامل ملابسه الرسمية ومؤخرة عنقه.. ذلك المزعج المتعجرف .. واطلقت زفرة عميقة .. بمرورها قريباً من غرفة السيدة مادلين في قسم القلبية بعد عدة ساعات.. جذب نظرها مشهد غريب فتوقفت بقرب الزجاج تراقب ما يجري .. من هذه ؟ وقطبت مستغربة ثم فغرت فاهها .. لا بد انها ابنة مادلين .. لقد جاءت اذاً .. ولمحتهما تبكيان وتحتضنان بعضهما فداهمها شعور بالضياع تتذكر كلمات مادلين لها (( لما كل الاولاد هكذا ؟. بعد كل عناءنا معهم يكبرون ويتركونا )) صورة والدها عادت لتتراءى لها ويد قوية اعتصرت قلبها .. ترى بما يشعر الان ؟. ماذا يفعل؟. وبدون اي تفكير اخرجت هاتفها من جيب بنطالها القماشي تفتحه وتطلب رقم منزلها السابق في بريطانية تنتظر بهلع وتوتر سماع صوته.. احدهم اجاب اخيراً ..صوت امراة يقول : " الو .. منزل ديف كليتون .. من معي ؟ " جمدت يدها على الهاتف وشخصت نظراتها .. ديف اخذ منزل والدها .. لقد طرده خارج منزله ومؤكد من الشركة بعد ان رفض دفع ديونه.. يا الهي!! واسدلت يدها ببطء وهي شارده متسائلة.. ترى اين هو الان اذاً ؟. ماذا يفعل ؟. ذلك السافل فعل هذا بوالدها بعد كل ماحصل!. وهي التي ظنت بانه رغم كل سيئاته يستحيل ان يفعل ذلك به.. وفركت جبينها تشعر بالوهن والبرد.. الافكار السوداء تتزاحم داخل راسها ولا ترحمها.. " هي انت .. هناك .. الم تسمعي ؟ " عادت لارض الواقع ونظرت باتجاه المتكلم لتجد الدكتورة ماغن " عفواً!! " " اه واخيراً .. ظننتك اصحبت **اء .. تعالي اريدك هنا " حدقت بالدكتورة ماغن ذات الشعر الاحمر المجعد والعيون البنية الواسعه تقف بعيداً بغرور معتاد وملامح نافرة : " لقد انتهت فترة مناوبتي .. اعتذر " " لا يهمني .. انت تعملين هنا لتخدمي الاطباء فتعالي بسرعة " تقدمت منها بحذر وهي تضغط اسنانها كي لا تفقد صوابها وتنفجر بها وهمهمت " نعم ؟ " " خذي المريول الطبي هذا وضعيه في خزانتي ثم اجلبي لي حقيبتي وهاتفي .. هيا " " عفواً .. ؟." ورفعت اني حاجبيها مصدومة " انا ممرضة ولست مستخدمة لد*ك " واستدارت مبتعدة عنها " اياك ان تديري ظهرك لي .. هل سمعت والا .. " اخذت اني نفس طويل وقد بلغ احتمالها الحد الاخير.. ترتد اليها لتقاطعها والجمر يلتمع في عمق عينيها الخضراوتين " والا ماذا .. ها ؟. اسمعيني جيداً .. اياك والتطاول علي فقد احتملت حماقاتك كثيرا.. ولست قادرة على احتمال المزيد " " ماذا قلت ؟ " " كما سمعت " ورمتها بنظرة حاقدة " اخدمي نفسك بنفسك .. وكوني مهذبة وكفي عن استخدام هذه العبارات المتكبرة المتعالية مع الجميع .. والا ان**ر انفك الطويل هذا " فغرت ماغن فمها مصدومة ثم هزت براسها... عدد من المتواجدين والممرضين تجمع في الممر ينصت لما يحدث .. بعضهم متفاجئ وبعضهم مسرور .. فيما هي تثرثر بحنق " ستندمين .. ساريكِ .. ستحلمين بالعمل هنا بعد اليوم " " اريني ما يمكنك فعله .. سانتظر .. لانني لا اهتم لتفاهاتك " والقت نظرة اخيرة كارهة عليها ثم استدرات وابتعدت تشعر بقليل من الارتياح لانها اخيراً قالت ماكانت تود قوله لها .. وابتسمت رغماً عنها تعرف بان صبر واحتمال ماغن قد بلغ الذروة .. واكثر ما يمكنها فعله هو التوجه الى ديف كليتون .. زوجها .. لتوجيه شكوى .. طرقت على باب المكتب في اليوم التالي وهي تستعد لرد اي اهانة .. ففيها من الغضب ماقد يقتلها .. ووقفت ب**ت تراقب وجهه الغارق في الملفات امامه تنتظر لثوان حتى نطق اخيراً بصوت بارد جاف : " اجلسي " اقتربت متمهلة تتخذ الكرسي المقابل له تضع يديها في حضنها وتعبث باصابعها .. خصل شعرها مجموعة للخلف الا بضع منه قد تحرر ليلامس جبينها وصدغيها ليزيدها رقة ونعومة .. فيما عينيها الخضراوتين غامقتين بسبب الغضب وفمها مضموم " تعلمين لما انت هنا ؟ صحيح ؟ "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD